Unconfigured Ad Widget

Collapse

رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم ..

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • حديث الزمان
    عضوة مميزة
    • Jan 2002
    • 2927

    #91

    الأستاذ الفاضل بن مرضي


    بداية مرحبا بعودة قلمك لصفحات المنتدى ...


    أملي لا يزال كبير في مشاركة الأعضاء بإضافة ما يمكن إضافته عن أصحاب الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام ، فتاريخهم زاخر بالأحداث الهامة والمواقف البطولية التي لا يستطيع حصرها جهد أو قلم ... هم خير القرون كما أخبر بذلك الرسول عليه السلام .

    هناك أسماء كثيرة سوف تمر بنا هنا إن شاء الله يصعب الحصول على معلومة عنها إلا بتعاون الأعضاء الكرام .



    أشكرك لك حضورك

    لكل بداية .. نهاية

    تعليق

    • حديث الزمان
      عضوة مميزة
      • Jan 2002
      • 2927

      #92
      معركة اليرموك


      في أثناء قيادة خالد -رضي الله عنه- معركة اليرموك التي هزمت فيها الامبراطورية الرومانية توفي أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- ، وتولى الخلافة بعده عمر -رضي الله عنه- ، وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وعزل خالد وصل الخطاب الى أبىعبيدة فأخفاه حتى انتهت المعركة ، ثم أخبر خالدا بالأمر ، فسأله خالد : ( يرحمك الله أباعبيدة ، ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب ؟) فأجاب أبوعبيدة : ( اني كرهت أن أكسر عليك حربك ، وما سلطان الدنيا نريد ، ولا للدنيا نعمل ، كلنا في الله أخوة ) ، وأصبح أبوعبيدة أمير الأمراء بالشام .


      تواضعه


      ترامى الى سمعه أحاديث الناس في الشام عنه ، وانبهارهم بأمير الأمراء ، فجمعهم وخطب فيهم قائلا : ( يا أيها الناس ، اني مسلم من قريش ، وما منكم من أحد أحمر ولا أسود ، يفضلني بتقوى الا وددت أني في اهابه !!) .

      وعندما زار أمير المؤمنين عمر الشام سأل عن أخيه ، فقالوا له : ( من ؟) قال : ( أبوعبيدة بن الجراح ) ، وأتى أبوعبيدة وعانقه أمير المؤمنين ثم صحبه الى داره ، فلم يجد فيها من الأثاث شيئا ، الا سيفه وترسه ورحله ، فسأله عمر وهو يبتسم : ( ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس ؟) ، فأجاب أبوعبيدة : ( يا أمير المؤمنين ، هذا يبلغني المقيل ) .


      طاعون عمواس


      حل الطاعون بعمواس وسمي فيما بعد "طاعون عمواس" وكان أبوعبيدة أمير الجند هناك ، فخشي عليه عمر من الطاعون ، فكتب اليه يريد أن يخلصه منه قائلا : (اذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح الامتوجها الي واذا وصلك في الصباح ألا تمسي الا متوجها الي فان لي حاجة اليك) وفهم أبوعبيدة المؤمن الذكي قصد عمر وانه يريد أن ينقذه من الطاعون ، فكتب الى عمر متأدبا معتذرا عن عدم الحضور اليه وقال : ( لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك وانما أنا في جند من المسلمين يصيبني ما أصابهم فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين) ولما وصل الخطاب الى عمر بكى فسأله من حوله : (هل مات أبوعبيدة ؟) ، فقال : (كأن قد) والمعنى أنه اذا لم يكن قد مات بعد والا فهو صائر الى الموت لا محالة اذ لا خلاص منه مع الطاعون .

      كان أبو عبيـدة -رضي الله عنه- في ستة وثلاثيـن ألفاً من الجُند ، فلم يبق إلاّ ستـة آلاف رجـل والآخرون ماتوا .

      مات أبوعبيـدة -رضي الله عنه- سنة (18) ثماني عشرة للهجرة في طاعون عمواس وقبره في غور الأردن رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى .




      -------------------------


      كان أبو عبيدة رضي الله عنه آخر من تحدثنا عنه من العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم أجمعين ...


      سوف نبدأ الآن مرحلة جديدة من السيرة المباركة للقرن الأول المبارك ، سوف أعتمد التسلسل الأبجدي للأسماء.. كما سوف أضيف أسماء الصحابيات رضي الله عنهن ضمن هذا التسلسل للفائدة.



      لكل بداية .. نهاية

      تعليق

      • حديث الزمان
        عضوة مميزة
        • Jan 2002
        • 2927

        #93
        ( أ )



        الأرقم بن أبي الأرقم


        لماذا الأرقم أولاً ؟


        إن الدور الذي قام به الأرقم رضي الله عنه كان من أهم الأدوار التي خدمت الإسلام على الإطلاق.

        فقد كان الوضع في مكة جد خطير ، فالدعوة الوليدة تنساب إلى كل بيت ، تهز كيان مكة الديني ، وتزعزع أركان قريش في أرض العرب ، وأعين قريش وأذاهم تعد على المسلمين أنفاسهم ، وتحصي خطواتهم ، وتتسمع أخبارهم لتجهز عليهم ، لذا كان من الواجب على المسلمين أن يستتروا وأن يتخفوا عند اللقاء .............. أين ؟


        في دار الأرقم .......... !


        لماذا ؟


        إن وراء اختيار هذه الدار أسباب وجيهة منها :

        * جهل قريش بإسلام الأرقم

        * أن الأرقم من بني مخزوم حاملي لواء الحرب والتنافس مع بني هاشم، فلا يسبق إلى الذهن أن محمداً يلقى أصحابه في بيت عدوه بمقاييسهم الجاهلية.

        * أن الأرقم كان فتى في السادسة عشرة من عمره عند إسلامه فلا يعقل أن يجتمع المسلمون في بيته دون بيوت الكبار منهم ، لذا كان اختيار الدار صائباً أدى إلى عدم انكشاف حركتهم يومئذ ..





        أما ما كان يحدث داخل الدار فقد كان حدث تاريخي فريد ..

        نفر قليل من الرجال هم أول من آمن وصدق ودافع عن دين الله يجلسون إلى رسول رب العالمين يتلقون منه ما ينزل به جبريل الأمين عليه السلام من ربه ليطهر قلوبهم ونفوسهم وليمحوا ما امتلأت به عقولهم من جهل وضلال لتحل مكانه تعاليم الإسلام ورسالته الخالدة .



        يتبع

        لكل بداية .. نهاية

        تعليق

        • حديث الزمان
          عضوة مميزة
          • Jan 2002
          • 2927

          #94
          الأرقم بن أبي الأرقم القرشي صحابي جليل من السابقين الى الإسلام أسلم بمكة ، وكان سابع سبعة في الإسلام ، وهو الذي استخفى رسول اللـه -صلى الله عليه وسلم- في داره والمسلمون معه ، فكانت داره أول دار للدعوة الى الإسلام .



          دار الأرقم


          كانت داره على الصفا ، وهي الدار التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجلس فيها في الإسلام ، وبقي الرسول -صلى الله عليه وسلم- يدعو الى الإسلام في دار الأرقم حتى تكاملوا أربعين رجلاً ، خرجوا يجهرون بالدعوة الى الله ، ولهذه الدار قصة طويلة ، وأن الأرقم أوقفها ،ثم باعها أحفاده بعد ذلك لأبي جعفر المنصور .



          جهاده


          شهد الأرقم بن أبي الأرقم بدراً وأحُداً والمشاهد كلها ، واقطعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- داراً بالمدينة ، في بني زريق .



          الصلاة في مسجد الرسول


          تجهّز الأرقم -رضي الله عنه- يريد البيت المقدس ، فلمّا فرغ من جهازه جاء الى النبي -صلى الله عليه وسلم- يودّعه ، فقال : ( ما يُخرجك ؟ أحاجة أم تجارة ؟) ، قال : ( لا يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، ولكنّي أريد الصلاة في بيت المقدس ) ، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( صلاة في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ) ، فجلس الأرقم .



          وفاته رضي الله عنه


          توفي الأرقم بالمدينة وصلى عليه سعد بن أبي وقاص ، وكان عمر الأرقم بضعاً وثمانين سنة ، رضي الله تعالى عنه .






          التالي إن شاء الله ( أبو هريرة رضي الله عنه )


          لكل بداية .. نهاية

          تعليق

          • حديث الزمان
            عضوة مميزة
            • Jan 2002
            • 2927

            #95


            أبو هريرة

            " اللهم حبب عبيدك هذا وأمه الى كل مؤمن ومؤمنة "



            هو أبو هريرة بن عامر بن عبد ذى الشرى بن طريف بن عتاب بن أبي صعب بن منبه بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان بن عبدالله ابن زهران بن كعب الدوسى .

            أختلف كثيراً في نسبة، كني بأبي هريرة ، قال ابن إسحاق: قال لي بعض أصحابنا عن أبي هريرة: كان اسمى في الجاهلية عبد شمس بن صخر، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن .


            نشأته و اسلامه

            يتحدث عن نفسه -رضي الله عنه- فيقول : ( نشأت يتيما ، وهاجرت مسكينا ، وكنت أجيرا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني ، كنت أخدمهم اذا نزلوا ، وأحدو لهم اذا ركبوا ، وهأنذا وقد زوجنيها الله ، فالحمد لله الذي جعل الدين قواما ، وجعل أبا هريرة أماما ) ، قدم الى النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة سبع للهجرة وهو بخيبر وأسلم ، ومنذ رأى الرسول الكريم لم يفارقه لحظة ، وأصبح من العابدين الأوابين ، يتناوب مع زوجته وابنته قيام الليل كله ، فيقوم هو ثلثه ، وتقوم زوجته ثلثه ، وتقوم ابنته ثلثه ، وهكذا لا تمر من الليل ساعة الا وفي بيت أبي هريرة عبادة وذكر وصلاة .


            اسلام أم أبي هريرة

            لم يكن لأبي هريرة بعد اسلامه الا مشكلة واحدة وهي أمه التي لم تسلم ، وكانت دوما تؤذيه بذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالسوء ، فذهب يوما الى الرسول باكيا : ( يا رسول الله ، كنت أدعو أم أبي هريرة الى الاسلام فتأبى علي ، واني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره ، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة الى الاسلام ) ، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( اللهم اهد أم أبي هريرة ) .

            فخرج يعدو يبشرها بدعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلما أتاها سمع من وراء الباب خصخصة الماء ، ونادته : ( يا أبا هريرة مكانك ) ، ثم لبست درعها، وعجلت من خمارها وخرجت تقول: ( أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ) ، فجاء أبوهريرة الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- باكيا من الفرح وقال : ( أبشر يا رسول الله ، فقد أجاب الله دعوتك ، قد هدى الله أم أبي هريرة الى الاسلام) ، ثم قال : ( يا رسول الله ، ادع الله أن يحببني وأمي الى المؤمنين والمؤمنات ) فقال : ( اللهم حبب عبيدك هذا وأمه الى كل مؤمن ومؤمنة ) .




            التالي إن شاء الله ( امارته للبحرين - سرعة الحفظ و قوة الذاكرة - مقدرته على الحفظ - وفاته )


            لكل بداية .. نهاية

            تعليق

            • حديث الزمان
              عضوة مميزة
              • Jan 2002
              • 2927

              #96
              سرعة الحفظ و قوة الذاكرة


              ان أبطال الحروب من الصحابة كثيرون ، والفقهاء والدعاة والمعلمون كثيرون ، ولكن كان هناك قلة من الكتاب ، ولم يكونوا متفرغين لتدوين كل ما يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وعندما أسلم أبو هريرة لم يملك أرض يزرعها أو تجارة يتبعها ، وانما يملك موهبة تكمن في ذاكرته ، فهو سريع الحفظ قوي الذاكرة ، فعزم على تعويض مافاته بان يأخذ على عاتقه حفظ هذا التراث وينقله الى الأجيال القادمة ، فهو يقول : ( انكم لتقولون أكثر أبو هريرة في حديثه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وتقولون ان المهاجرين الذين سبقوه الى الاسلام لا يحدثون هذه الأحاديث ، ألا ان أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم صفقاتهم بالسوق ، وان أصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضهم ، واني كنت امرءا مسكينا ، أكثر مجالسة رسول الله ، فأحضر اذا غابوا ، وأحفظ اذا نسوا ، وان الرسول -صلى الله عليه وسلم- حدثنا يوما فقال : ( من يبسط رداءه حتى يفرغ من حديثي ثم يقبضه اليه فلا ينسى شيئا كان قد سمعه مني ) فبسطت ثوبي فحدثني ثم ضممته الي فوالله ما كنت نسيت شيئا سمعته منه ، وأيم الله لولا أية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبدا ، هي :

              (( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ))


              مقدرته على الحفظ


              أراد مروان بن الحكم يوما أن يختبر مقدرة أبي هريرة على الحفظ ، فدعاه اليه ليحدثه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأجلس كاتبا له وراء حجاب ليكتب كل ما يسمع من أبي هريرة ، وبعد مرور عام ، دعاه ثانية ، وأخذ يستقرئه نفس الأحاديث التي كتبت ، فما نسي أبو هريرة منها شيئا وكان -رضي الله عنه- يقول : ( ما من أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثا عنه مني الا ما كان من عبدالله بن عمرو بن العاص ، فانه كان يكتب ولا أكتب ) وقال عنه الامام الشافعي : ( أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره ) وقال البخاري : ( روى عن أبي هريرة نحو ثمانمائة أو أكثر من الصحابة والتابعين وأهل العلم )



              وفاته رضي الله عنه


              وعندما كان يعوده المسلمين داعيين له بالشفاء ، كان أبو هريرة شديد الشوق الى لقاء الله ويقول : ( اللهم اني أحب لقاءك ، فأحب لقائي ) وعن ثماني وسبعين سنة مات في العام التاسع والخمسين للهجرة ، وتبوأ جثمانه الكريم مكانا مباركا بين ساكني البقيع الأبرار ، وعاد مشيعوه من جنازته وألسنتهم ترتل الكثير من الأحاديث التي حفظها لهم عن رسولهم الكريم




              التالي إن شاء الله ( الحب بن الحب .... أسامة بن زيد رضي الله عنه )


              لكل بداية .. نهاية

              تعليق

              • حديث الزمان
                عضوة مميزة
                • Jan 2002
                • 2927

                #97


                أسامة بن زيد

                الحب بن الحب

                قال صلى الله عليه وسلم : " ان أسامة بن زيد لمن أحب الناس الي ، واني لأرجو أن يكون من صالحيكم ، فاستوصوا به خيرا "




                أسامـة بن زيـد بن حارثة بن شراحيـل الكَلْبي ، أبو محمد ، من أبناء الإسلام الذين لم يعرفوا الجاهلية أبدا ،ابن زيد خادم الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- الذي آثـر الرسـول الكريم على أبيه وأمه وأهله والذي وقف به النبـي على جموع من أصحابه يقول : ( أشهدكم أن زيدا هذا ابني يرثني وأرثه ) ، وأمه هي أم أيمن مولاة رسـول الله وحاضنته ، ولقد كان له وجه أسود وأنف أفطس ولكن مالكا لصفات عظيمة قريبا
                من قلب رسول الله .



                حب الرسول له


                عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- قالت : عثَرَ أسامة على عتبة الباب فشَجَّ جبهتَهُ ، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمصُّ شجّته ويمجُّه ويقول : ( لو كان أسامة جارية لكسوتُهُ وحلّيتُهُ حتى أنفِقَهُ ) .

                كما قالت السيدة عائشة -رضي الله عنها- : ( ما ينبغي لأحد أن يُبغِضَ أسامة بن زيد بعدما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : ( من كان يُحِبُّ الله ورسوله ، فليحبَّ أسامة ) .

                وقد اشترى الرسول -صلى الله عليه وسلم- حَلّةً كانت لذي يَزَن ، اشتراها بخمسين ديناراً ، ثم لبسها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجلس على المنبر للجمعة ، ثم نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكسا الحُلّة أسامة بن زيد .

                بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعثاً فأمر عليهم أسامة بن زيد ، فطعن بعض الناس في إمارته فقال -صلى الله عليه وسلم-: ( إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل ، وأيمُ الله إن كان لخليقاً للإمارة ، وإن كان لمن أحب الناس إليّ ، وإن هذا لمن أحب الناس إليّ بعده ) .



                نشأته وايمانه


                على الرغم من حداثة سن أسامة -رضي الله عنه- الا أنه كان مؤمنا صلبا ، قويا ، يحمل كل تبعات دينه في ولاء كبير ، لقد كان مفرطا في ذكائه ، مفرطا في تواضعه ، وحقق هذا الأسود الأفطس ميزان الدين الجديد ( ان أكرمكم عند الله أتقاكم ) ، فها هو في عام الفتح يدخل مكة مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أكثر ساعات الاسلام روعة .



                الدروس النبوية


                قبل وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعامين خرج أسامة أميرا على سرية للقاء بعض المشركين ، وهذه أول امارة يتولاها ، وقد أخذ فيها درسه الأكبر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهاهو يقول : ( فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أتاه البشير بالفتح ، فاذا هو متهلل وجه ، فأدناي منه ثم قال : ( حدثني ) ، فجعلت أحدثه ، وذكرت له أنه لما انهزم القوم أدركت رجلا وأهويت اليه بالرمح ، فقال : ( لا اله الا الله ) فطعنته فقتلته ، فتغير وجه رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- وقال : ( ويحك يا أسامة ! ، فكيف لك بلا اله الا اللـه ؟ ويحك يا أسامة !، فكيف لك بلا اله الا الله ؟) ، فلم يزل يرددها علي حتى لوددت أني انسلخت من كل عمل عملته ، واستقبلت الاسلام يومئذ من جديد ، فلا والله لا أقاتل أحدا قال لا اله الا الله بعد ماسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) .

                أهمَّ قريش شأن المرأة التي سرقت ، فقالوا : ( من يكلّم فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟) ، فقالوا : ( ومن يجترىء عليه إلا أسامة بن زيد حبّ رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- ؟) ، فكلّمه أسامة فقال رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- : ( لم تشفعْ في حدّ من حدود الله ؟) ، ثم قام النبـي -صلى الله عليه وسلم- فاختطب فقال : ( إنّما أهلك الله الذين من قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيْمُ الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يَدَها ) .



                جيش أسامة

                وبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد بن حارثة الى الشام ، وهو لم يتجاوز العشرين من عمره ، وأمره أن يوطىء الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين ، فتجهز الناس وخرج مع أسامة المهاجرون الأولون ، وكان ذلك في مرض الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأخير ، فاستبطأ الرسول الكريم الناس في بعث أسامة وقد سمع ما قال الناس في امرة غلام حدث على جلة من المهاجرين والأنصار ! ، فحمدالله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم- : ( أيها الناس ، أنفذوا بعث أسامة ، فلعمري لئن قلتم في امارته لقد قلتم في امارة أبيه من قبله ، وانه لخليق بالامارة ، وان كان أبوه لخليقا لها ) .

                فأسرع الناس في جهازهم ، وخرج أسامة والجيش ، وانتقل الرسول الى الرفيق الأعلى ، وتولى أبو بكر الخلافة وأمر بانفاذ جيش أسامة وقال : ( ما كان لي أن أحل لواء عقده رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) ، وخرج ماشيا ليودع الجيش بينما أسامة راكبا فقال له : ( يا خليفة رسول الله لتركبن أو لأنزلن ) ، فرد أبوبكر : ( والله لا تنزل ووالله لا أركب ، وما علي أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة ) ، ثم استأذنه في أن يبقى الى جانبه عمر بن الخطاب قائلا له : ( ان رأيت أن تعينني بعمر فافعل ) ، ففعل وسار الجيش وحارب الروم وقضى على خطرهم ،وعاد الجيش بلا ضحايا ، وقال المسلمون عنه : ( ما رأينا جيشا أسلم من جيش أسامة ) .



                أسامة والفتنة

                وعندما نشبت الفتنة بين علي ومعاوية التزم أسامة حيادا مطلقا ، كان يحب عليا كثيرا ويبصر الحق بجانبه ، ولكن كيف يقتل من قال لا اله الا الله وقد لامه الرسول في ذلك سابقا ! فبعث الى علي يقول له : ( انك لو كنت في شدق الأسد ، لأحببت أن أدخل معك فيه ، ولكن هذا أمر لم أره ) ولزم داره طوال هذا النزاع ، وحين جاءه البعض يناقشونه في موقفه قال لهم : ( لا أقاتل أحدا يقول لا اله الا الله أبدا ) فقال أحدهم له : ( ألم يقل الله : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ؟) فأجاب أسامة : ( أولئك هم المشركون ، ولقد قاتلناهم حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله )



                وفاته رضي الله عنه

                وفي العام الرابع والخمسين من الهجرة ، وفي أواخر خلافة معاوية ، أسلم -رضي الله عنه- روحه الطاهرة للقاء ربه ، فقد كان من الأبرار المتقين فمات بالمدينة وهو ابن ( 75 )




                التالي إن شاء الله ( أبو الدرداء - الحكيم )
                آخر تعديل تم من قبل حديث الزمان; 07-03-2005, 07:05 PM.

                لكل بداية .. نهاية

                تعليق

                • بن حجر
                  عضو مشارك
                  • Aug 2003
                  • 325

                  #98
                  الشكر لك بعد شكر الله
                  على هذا المجهود الرائع وحفظك الله

                  تعليق

                  • حديث الزمان
                    عضوة مميزة
                    • Jan 2002
                    • 2927

                    #99

                    الأخ الكريم بن حجر


                    شكراً لك .


                    -------------


                    قريباً إن شاء الله سوف أكمل الموضوع مع ( أبو الدرداء - الحكيم )



                    لكل بداية .. نهاية

                    تعليق

                    • الخيااال
                      عضو
                      • Mar 2005
                      • 21

                      أشكر الأخت : حديث زمان . على ما قامت به من فتح موضوع فيه معلومات تنقصني كثيراً وسوف أشارك فيه بأذن الله . وهذه شهادة شكر وتقدير خاصة بالأخت حديث زمان . وعام لجميع المشاركين .

                      ودمتم
                      [align=center]تعيش في ذكراي ولآني بناسيك *** ولآني بناسي حبك اللي سطابي[/align]

                      تعليق

                      • حديث الزمان
                        عضوة مميزة
                        • Jan 2002
                        • 2927


                        الأخ الكريم الخيااال ، أشكر لك حضورك وأتمنى مشاركتك في الموضوع



                        ---------------------------


                        دعني أبوح لك بما في نفسي ربما يطلع الأعضاء على ما سوف أكتب ومن ثم يعذرون تقصيري وتوقفي عن تقديم المزيد في هذا الموضوع ..



                        هناك مواقع كثيرة على الشبكة فيها جميع ما ورد في هذا الموضوع ، وهناك كتب أيضاً



                        جمعت منهما ما استطعت ( نسخ وطباعة ) ولكنني أصبت بالإحباط ، فكأنما أحدث نفسي أو أكتب لنفسي


                        لا أنكر استفادتي مما كتبت ولكن ليس هذا هدفي الوحيد


                        فأنا أتمنى مشاركة الأعضاء ليس بالشكر والثناء بل بتقديم ما لديهم ليكتمل المشروع ..





                        كتبت عن الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله ، ومما كتبته اختلاف المراجع في نسبه بين ( اليماني والزهراني )


                        الحق ، لا أعلم أيها أصح فجميع المصادر موثوقة



                        تمنيت حضور أحد الأعضاء أو أكثر لوضع النقاط على الحروف وتثبيت المعلومة الصحيحة ولكن الحال كما ترى ...




                        لذلك توقفت عن إكمال الموضوع ....



                        -----------------------------


                        شكرا لك أخي الكريم وشكراً لكل من شارك معي في هذه السلسلة التي تمنيت اكتمالها ولكن .. !!

                        لكل بداية .. نهاية

                        تعليق

                        • ابوزهير
                          عضو مميز
                          • Jan 2003
                          • 2254

                          بسم الله الرحمن الرحيم

                          الاخت حديث الزمان:لاأرى سببا لتوقفك إن كنت تستطيعي المواصلة ,أعملي فما يضيع عند الناس ,لن يضيع عند الله.
                          اما نسب ابي هريرة فهو صحيح في الحالتين, فهو زهراني النسب ,اما اليماني فهي كلمة نسبة الى موقع قريته وقبيلته,بالنسبة الى الكعبة فما كان يماني الكعبة سمي يمني وذلك الى عهد قريب. ومن ذلك سمي الركن اليماني نسبة الى الاتجاه.

                          وانا اعتذر عن التأخر لانشغالي بمواضيع أخرى.والوقت لايسعفني.
                          يارفيقي مد شوفك مدى البصر
                          لايغرك في الشتاء لمعة القمر
                          الذي في غير مكة نوى يحتجه
                          لاتغدي تنصب له الخيمة في منى

                          تعليق

                          • حديث الزمان
                            عضوة مميزة
                            • Jan 2002
                            • 2927


                            الأستاذ الفاضل أبو زهير


                            أشكرك لك توضيح ما خفي عني حول هذا الصحابي الجليل ..



                            إن كان هناك من توقف فإن سببه ( العجز ) عن تقديم المزيد بمفردي ، فأنا أتطلع إلى إضافات تعينني على إكمال المشوار .




                            دمت بخير وأشكر لك حرصك وتفهمك ،،،

                            لكل بداية .. نهاية

                            تعليق

                            • مجرد احساس
                              عضو نشيط
                              • Dec 2004
                              • 688

                              أبوالدرداء - أيّ حكيم كان

                              بينما كانت جيوش الاسلام تضرب في مناكب الأرض.. هادر ظافرة.. كان يقيم بالمدينة فيلسوف عجيب.. وحكيم تتفجر الحكمة من جوانبه في كلمات تناهت نضرة وبهاء...وكان لا يفتأ يقول لمن حوله:

                              " ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند باريكم، وأنماها في درجاتكم، وخير من أن تغزو عدوّكم، فترضبوا رقابهم ويضربوا رقابكم، وخير من الدراهم والدنانير".؟؟
                              وتشرئب أعناق الذين ينصتون له.. ويسارعون بسؤاله:

                              " أي شيء هو.. يا أبا الدرداء"..؟؟

                              ويستأنف أبو الدرداء حديثه فيقول ووجهه يتألق تحت أضوء الايمان والحكمة:

                              " ذكر الله...

                              ولذكر الله أكبر"..




                              **




                              لم يكن هذا الحكيم العجيب يبشر بفلسفة انعزالية ولم يكن بكلماته هذه يبشر بالسلبية، ولا بالانسحاب من تبعات الدين الجديد.. تلك التبعات التي يأخذ الجهاد مكان الصدارة منها...

                              أجل.. ما كان أبو الدرداء ذلك الرجل، وهو الذي حمل سيفه مجاهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم، حتى جاء نصر الله والفتح..

                              بيد أنه كان من ذلك الطراز الذي يجد نفسه في وجودها الممتلئ الحيّ، كلما خلا الى التأمل، وأوى الى محراب الحكمة، ونذر حياته لنشدان الحقيقة واليقين..؟؟

                              ولقد كان حكيم تلك الأيام العظيمة أبو الدرداء رضي الله عنه انسانا يتملكه شوق عارم الى رؤية الحقيقة واللقاء بها..



                              واذ قد آمن بالله وبرسوله ايمانا وثيقا، فقد آمن كذلك بأن هذا الايمان بما يمليه من واجبات وفهم، هو طريقه الأمثل والأوحد الى الحقيقة..

                              وهكذا عكف على ايمانه مسلما الى نفسه، وعلى حياته يصوغها وفق هذا الايمان في عزم، ورشد، وعظمة..

                              ومضى على الدرب حتى وصل.. وعلى الطريق حتى بلغ مستوى الصدق الوثيق.. وحتى كان يأخذ مكانه العالي مع الصادقين تماما حين يناجي ربه مرتلا آته..

                              ( ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العلمين).

                              أجل.. لقد انتهى جهاد أبي الدرداء ضدّ نفسه، ومع نفسه الى تلك الذروة العالية.. الى ذلك التفوق البعيد.. الى ذلك التفاني الرهباني، الذي جعل حياته، كل حياته لله رب العالمين..!!




                              **




                              والآن تعالوا نقترب من الحكيم والقدّيس.. ألا تبصرون الضياء الذي يتلألأ حول جبينه..؟

                              ألا تشمّون العبير الفوّاح القادم من ناحيته..؟؟

                              انه ضياء الحكمة، وعبير الايمان..

                              ولقد التقى الايمان والحكمة في هذا الرجل الأوّاب لقاء سعيدا، أيّ سعيد..!!

                              سئلت أمه عن أفضل ما كان يحب من عمل.. فأجابت:

                              " التفكر والاعتبار".

                              أجل لقد وعى قول الله في أكثر من آية:

                              (فاعتبروا يا أولي الأبصار)...

                              وكان هو يحضّ اخوانه على التأمل والتفكّر يقول لهم:

                              " تفكّر ساعة خير من عبادة ليلة"..

                              لقد استولت العبادة والتأمل ونشدان الحقيقة على كل نفسه.. وكل حياته..



                              ويوم اقتنع بالاسلام دينا، وبايع الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الدين الكريم، كان تاجرا ناجحا من تجار المدينة النابهين، وكان قد قضى شطر حياته في التجارة قبل أن يسلم، بل وقبل أن يأتي الرسول والمسلمون المدينة مهاجرين..

                              بيد أنه لم يمض على اسلامه غير وقت وجيز حتى..

                              ولكن لندعه هو يكمل لنا الحديث:

                              " أسلمت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنا تاجر..

                              وأردت أن تجتمع لي العبادة والتجارة فلم يجتمعا..

                              فرفضت التجارة وأقبلت على العبادة.

                              وما يسرّني اليوم أن أبيع وأشتري فأربح كل يوم ثلاثمائة دينار، حتى لو يكون حانوتي على باب المسجد..

                              ألا اني لا أقول لكم: ان الله حرّم البيع..

                              ولكني أحبّ أن أكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله"..!!



                              أرأيتم كيف يتكلّم فيوفي القضيّة حقها، وتشرق الحكمة والصدق من خلال كلماته..؟؟

                              انه يسارع قبل أن نسأله: وهل حرّم الله التجارة يا أبا الدرداء...؟؟

                              يسارع فينفض عن خواطرنا هذا التساؤول، ويشير الى الهدف الأسمى الذي كان ينشده، ومن أجله ترك التجارة برغم نجاحه فيها..

                              لقد كان رجلا ينشد تخصصا روحيا وتفوقا يرنو الى أقصى درجات الكمال الميسور لبني الانسان..



                              لقد أراد العبادة كمعراج يرفعه الى عالم الخير الأسمى، ويشارف به الحق في جلاله، والحقيقة في مشرقها، ولو أرادها مجرّد تكاليف تؤدّى، ومحظورات تترك، لاستطاع أن يجمع بينها وبين تجارته وأعماله...

                              فكم من تجار صالحين.. وكم من صالحين تجار...



                              ولقد كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم تلههم تجارتهم ولا بيعهم عن ذكر الله.. بل اجتهدوا في انماء تجارتهم وأموالهم ليخدموا بها قضية الاسلام، ويكفوا بها حاجات المسلمين..

                              ولكن منهج هؤلاء الأصحاب، لا يغمز منهج أبو الدرداء، كما أن منهجه لا يغمز منهجهم، فكل ميسّر لما خلق له..



                              وأبو الدرداء يحسّ احساسا صادقا أنه خلق لما نذر له حياته..

                              التخصص في نشدان الحقيقة بممارسة أقصى حالات التبتل وفق الايمان الذي هداه اليه ربه، ورسوله والاسلام..

                              سمّوه ان شئتم تصوّفا..

                              ولكنه تصوّف رجل توفّر له فطنة المؤمن، وقدرة الفيلسوف، وتجربة المحارب، وفقه الصحابي، ما جعل تصوّفه حركة حيّة في ل\بناء الروح، لا مجرّد ظلال صالحة لهذا البناء..!!



                              أجل..

                              ذلك هو أبو الدرداء، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلميذه..

                              وذلكم هو أبو الدرداء، الحكيم، القدّيس..

                              ورجل دفع الدنيا بكلتا راحتيه، وزادها بصدره..

                              رجل عكف على نفسه وصقلها وزكّاها، وحتى صارت مرآة صافية انعكس عليها من الحكمة، والصواب، والخير، ما جعل من أبي الدرداء معلما عظيما وحكيما قويما..

                              سعداء، أولئك الذين يقبلون عليه، ويصغون اليه..

                              ألا تعالوا نف\قترب من حكمته يا أولي الألباب..

                              ولنبدأ بفلسفته تجاه الدنيا وتجاه مباهجها وزخارفها..

                              انه متأثر حتى أعماق روحه بآيات القرآن الرادعة عن:

                              ( الذي جمع مالا وعدّده.. يحسب أن ماله اخلده)...

                              ومتأثر حتى أعماق روحه بقول الرسول:

                              " ما قلّ وكفى، خير مما كثر وألهى"..

                              ويقول عليه السلام:

                              " تفرّغوا من هموم الدنيا ما استطعتم، فانه من كانت الدنيا أكبر همّه، فرّق الله شمله، وجعل فقره بين عينيه.. ومن كانت الآخرة أكبر همّه جمع شمله، وجعل غناه في قلبه، وكان الله اليه بكل خير أسرع".

                              من أجل ذلك، كان يرثي لأولئك الذين وقعوا أسرى طموح الثروة ويقول:

                              " اللهم اني أعوذ بك من شتات القلب"..

                              سئل:

                              وما شتات القلب يا أبا الدرداء..؟؟

                              فأجاب:

                              أن يكون لي في كل واد مال"..!!

                              وهو يدعو الناس الى امتلاك الدنيا والاستغناء عنها.. فذلك هو الامتلاك الحقيقي لها.. أما الجري وراء أطماعها التي لا تؤذن بالانتهاء، فذلك شر ألوان العبودية والرّق.

                              هنالك يقول:

                              " من لم يكن غنيا عن الدنيا، فلا دنيا له"..

                              والمال عنده وسيلة للعيش القنوع تامعتدل ليس غير.

                              ومن ثم فان على الناس أن يأخذوه من حلال، وأن يكسبوه في رفق واعتدال، لا في جشع وتهالك.

                              فهو يقول:

                              " لا تأكل الا طيّبا..

                              ولا تكسب الا طيّبا..

                              ولا تدخل بيتك الا طيّبا".

                              ويكتب لصاحب له فيقول:

                              ".. أما بعد، فلست في شيء من عرض الدنيا، والا وقد كان لغيرك قبلك.. وهو صائر لغيرك بعدك.. وليس لك منه الا ما قدّمت لنفسك... فآثرها على من تجمع المال له من ولدك ليكون له ارثا، فأنت انما تجمع لواحد من اثنين:

                              اما ولد صالح يعمل فيه بطاعة الله، فيسعد بما شقيت به..

                              واما ولد عاص، يعمل فيه بمعصية الله، فتشقى بما جمعت له،

                              فثق لهم بما عند الله من رزق، وانج بنفسك"..!



                              كانت الدنيا كلها في عين أبي الدرداء مجرّد عارية..

                              عندما فتحت قبرص وحملت غنائم الحرب الى المدينة رأى الناس أبا الدرداء يبكي... واقتربوا دهشين يسألونه، وتولى توجيه السؤال اليه:" جبير بن نفير":

                              قال له:

                              " يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الاسلام وأهله"..؟؟

                              فأجاب أبو الدرداء في حكمة بالغة وفهم عميق:

                              ويحك يا جبير..

                              ما أهون الخلق على الله اذا هم تركوا أمره..

                              بينما هي أمة، ظاهرة، قاهرة، لها الملك، تركت أمر الله، فصارت الى ما ترى"..!

                              أجل..



                              وبهذا كان يعلل الانهيار السريع الذي تلحقه جيوش الاسلام بالبلاد المفتوحة، افلاس تلك البلاد من روحانية صادقة تعصمها، ودين صحيح يصلها بالله..

                              ومن هنا أيضا، كان يخشى على المسلمين أياما تنحلّ فيها عرى الايمان، وتضعف روابطهم بالله، وبالحق، وبالصلاح، فتنتقل العارية من أيديهم، بنفس السهولة التي انتقلت بها من قبل اليهم..!!




                              **




                              وكما كانت الدنيا بأسرها مجرّد عارية في يقينه، كذلك كانت جسرا الى حياة أبقى وأروع..

                              دخل عليه أصحابه يعودونه وهو مريض، فوجدوه نائما على فراش من جلد..

                              فقالوا له:" لو شئت كان لك فراش أطيب وأنعم.."

                              فأجابهم وهو يشير بسبّابته، وبريق عينيه صوب الأمام البعيد:

                              " ان دارنا هناك..

                              لها نجمع.. واليها نرجع..

                              نظعن اليها. ونعمل لها"..!!

                              وهذه النظرة الى الدنيا ليست عند أبي الدرداء وجهة نظر فحسب بل ومنهج حياة كذلك..

                              خطب يزيد بن معاوية ابنته الدرداء فردّه، ولم يقبل خطبته، ثم خطبها واحد من فقراء المسلمين وصالحيهم، فزوّجها أبو الدرداء منه.

                              وعجب الناس لهذا التصرّف، فعلّمهم أبو الدرداء قائلا:

                              " ما ظنّكم بالدرداء، اذا قام على رأسها الخدم والخصيا وبهرها زخرف القصور..

                              أين دينها منها يومئذ"..؟!

                              هذا حكيم قويم النفس، ذكي الفؤاد..

                              وهو يرفض من الدنيا ومن متاعها كل ما يشدّ النفس اليها، ويولّه القلب بها..

                              وهو بهذا لا يهرب من السعادة بل اليها..

                              فالسعادة الحقة عتده هي أن تمتلك الدنيا، لا أن تمتلكك أنت الدنيا..

                              وكلما وقفت مطالب الناس في الحياة عند حدود القناعة والاعتدال وكلما أدركوا حقيقة الدنيا كجسر يعبرون عليه الى دار القرار والمآل والخلود، كلما صنعوا هذا، كان نصيبهم من السعادة الحقة أوفى وأعظم..

                              وانه ليقول:

                              " ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يعظم حلمك، ويكثر علمك، وأن تباري الناس في عبادة الله تعالى"..

                              وفي خلافة عثمان رضي الله عنه، وكان معاوية أميرا على الشام نزل أبو الدرداء على رغبة الخليفة في أن يلي القضاء..

                              وهناك في الشام وقف بالمرصاد لجميع الذين أغرّتهم مباهج الدنيا، وراح يذكّر بمنهج الرسول في حياته، وزهده، وبمنهج الرعيل الأول من الشهداء والصدّيقين..

                              وكانت الشام يومئذ حاضرة تموج بالمباهج والنعيم..

                              وكأن أهلها ضاقوا ذرعا بهذا الذي ينغصّ عليهم بمواعظه متاعهم ودنياهم..

                              فجمعهم أبو الدرداء، وقام فيهم خطيبا:

                              " يا أهل الشام..

                              أنتم الاخوان في الدين، والجيران في الدار، والأنصار على الأعداء..

                              ولكن مالي أراكم لا تستحيون..؟؟

                              تجمعون ما لا تأكلون..

                              وتبنون ما لا تسكنون..

                              وترجون ما لا تبلّغون..

                              وقد كانت القرون من قبلكم يجمعون، فيوعون..

                              ويؤمّلون، فيطيلون..

                              ويبنون، فيوثقون..

                              فأصبح جمعهم بورا..

                              وأماهم غرورا..

                              وبيوتهم قبورا..

                              أولئك قوم عاد، ملؤا ما بين عدن الى عمان أموالا وأولادا..".

                              ثم ارتسمت على شفتيه بسمة عريضة ساخرة، ولوّح بذراعه في الجمع الذاهل، وصاح في سخرية لا فحة:

                              " من يشتري مني تركة آل عاد بدرهمين"..؟!



                              رجل باهر، رائع، مضيء، حكمته مؤمنة، ومشاعره ورعة، ومنطقه سديد ورشيد..!!

                              العبادة عند أبي الدرداء ليست غرورا ولا تأليا. انما هي التماس للخير، وتعرّض لرحمة الله، وضراعة دائمة تذكّر الانسان بضعفه. وبفضل ربه عليه:

                              انه يقول:

                              التمسوا الخير دهركم كله..

                              وتعرّضوا لنفجات رحمة الله، فان للله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده..

                              " وسلوا الله أن يستر عوراتكم، ويؤمّن روعاتكم"...

                              كان ذلك الحكيم مفتوح العينين دائما على غرور العبادة، يحذّر منه الناس.

                              هذا الغرور الذي يصيب بعض الضعاف في ايمانهم حين يأخذهم الزهو بعبادتهم، فيتألّون بها على الآخرين ويدلّون..

                              فلنستمع له ما يقول:

                              " مثقال ذرّة من برّ صاحب تقوى ويقين، أرجح وأفضل من أمثال الجبال من عبادة النغترّين"..

                              ويقول أيضا:

                              "لا تكلفوا الناس ما لم يكلفوا..

                              ولا تحاسبوهم دون ربهم

                              عليكم أنفسكم، فان من تتبع ما يرى في الانس يطل حزنه"..!

                              انه لا يريد للعابد مهما يعل في العبادة شأوه أن يجرّد من نفسه ديّانا تجاه العبد.

                              عليه أن يحمد الله على توفيقه، وأن يعاون بدعائه وبنبل مشاعره ونواياه أولئك الذين لم يدركوا مثل هذا التوفيق.

                              هل تعرفون حكمة أنضر وأبهى من حكمة هذا الحكيم..؟؟

                              يحدثنا صاحبه أبو قلابة فيقول:

                              " مرّ أبو الدرداء يوما على رجل قد أصاب ذنبا، والناس يسبّونه، فنهاهم وقال: أرأيتم لو وجدتموه في حفرة.. ألم تكونوا مخرجيه منها..؟

                              قالوا بلى..

                              قال: فلا تسبّوه اذن، وحمدوا الله الذي عافاكم.

                              قالوا: أنبغضه..؟

                              قال: انما أبغضوا عمله، فاذا تركه فهو أخي"..!!




                              **




                              واذاكان هذا أحد وجهي العبادة عند أبي الدرداء، فان وجهها الآخر هو العلم والمعرفة..

                              ان أبا الدرداء يقدّس العلم تقديسا بعيدا.. يقدّسه كحكيم، ويقدّسه كعابد فيقول:

                              " لا يكون أحدكم تقيا جتى يكون عالما..

                              ولن يكون بالعلم جميلا، حتى يكون به عاملا".

                              أجل..

                              فالعلم عنده فهم، وسلوك.. معرفة، ومنهج.. فكرة حياة..

                              ولأن تقديسه هذا تقديس رجل حكيم، نراه ينادي بأن العلم كالمتعلم كلاهما سواء في الفضل، والمكانة، والمثوبة..

                              ويرى أن عظمة الحياة منوطة بالعلم الخيّر قبل أي شيء سواه..

                              ها هو ذا يقول:

                              " مالي أرى العلماء كم يذهبون، وجهّالكم لا يتعلمون؟؟ ألا ان معلّم الخير والمتعلّم في الأجر سواء.. ولا خير في سائر الناس بعدهما"..

                              ويقول أيضا:

                              " الناس ثلاثة..

                              عالم..

                              ومتعلم..

                              والثالث همج لا خير فيه".



                              وكما رأينا من قبل، لا ينفصل العلم في حكمة أبي الدرداء رضي الله عنه عن العمل.

                              يقول:

                              " ان أخشى ما أخشاه على نفسي أن يقال لي يوم القيامة على رؤوس الخلائق: يا عويمر، هل علمت؟؟

                              فأقول نعم..

                              فيقال لي: فماذا عملت فيما علمت"..؟

                              وكان يجلّ العلماء العاملين ويوقرهم توقيرا كبيرا، بل كان يدعو ربّه ويقول:

                              " اللهم اني أعوذ بك أن تلعنني قلوب العلماء.."

                              قيل له:

                              وكيف تلعنك قلوبهم؟

                              قال رضي الله عنه:

                              " تكرهني"..!

                              أرأيتم؟؟

                              انه يرى في كراهيّة العالم لعنة لا يطيقها.. ومن ثمّ فهو يضرع الى ربه أن يعيذه منها..



                              وتستوصي حكمة أبي الدرداء بالاخاء خيرا، وتبنى علاقة الانسان بالانسان على أساس من واقع الطبيعة الانسانية ذاتها فيقول:

                              " معاتبة الأخ خير لك من فقده، ومن لك بأخيك كله..؟

                              أعط أخاك ولن له..

                              ولا تطع فيه حاسدا، فتكون مثله.

                              غدا يأتيك الموت، فيكفيك فقده..

                              وكيف تبكيه بعد الموت، وفي الحياة ما كنت أديت حقه"..؟؟

                              ومراقبة الله في عباده قاعدة صلبة يبني عليها أبو الدرداء حقوق الاخاء..

                              يقول رضي الله عنه وأرضاه:

                              " اني أبغض أن أظلم أحدا.. ولكني أبغض أكثر وأكثر، أن أظلم من لا يستعين عليّ الا بالله العليّ الكبير"..!!

                              يل لعظمة نفسك، واشراق روحك يا أبا الدرداء..!!

                              انه يحذّر الناس من خداع الوهك، حين يظنون أن المستضعفين العزّل أقرب منالا من أيديهم، ومن بأسهم..!

                              ويذكّرهم أن هؤلاء في ضعفهم يملكون قوّة ماحقة حين يتوسلون الى الله عز وجل بعجزهم، ويطرحون بين يديه قضيتهم، وهو أنهم على الناس..!!

                              هذا هو أبو الدرداء الحكيم..!

                              هذا هو أبو الدرداء الزاهد، العابد، الأوّاب..

                              هذا هو أبو الدرداء الذي كان اذا أطرى الناس تقاه، وسألوه الدعاء، أجابهم في تواضع وثيق قائلا:

                              " لا أحسن السباحة.. وأخاف الغرق"..!!




                              **




                              كل هذا، ولا تحسن السباحة يا أبا الدرداء..؟؟

                              ولكن أي عجب، وأنت تربية الرسول عليه الصلاة والسلام... وتلميذ القرآن.. وابن الاسلام الأوّل وصاحب أبي بكر وعمر، وبقيّة الرجال..!؟
                              لأننا نتقن الصمت ..
                              ...
                              حمّلونا وزر النوايا!!

                              تعليق

                              • حديث الزمان
                                عضوة مميزة
                                • Jan 2002
                                • 2927


                                الأخ الكريم فهد



                                أشكرك إذ أعدت الأمل لهذا الموضوع الذي خيم عليه الصمت ........... والإحباط .



                                أسأل الله أن يجعل ما قدمت في ميزان عملك ..


                                دمت بخير



                                لكل بداية .. نهاية

                                تعليق

                                Working...