( 1 )
بمجرّد أن يُذكـر اسم " المغول " أو " التتار " ، تقتحم الأذهان صورٌ تترى من الهمجية و الوحشيّـة و تدمير أشكال الحضارة و المـدنـيّة . و تستدعي الذاكرة مخزونها التاريخي الزاخر حول ما فعله " هولاكو " ببغداد ، و " تيمور لنك " بالشام ، الخ .
بيـْد أن هذا الخاطر و إن كان صحيحاً لأوّل وهلة ، إلا إنه لا يمثّل إلا جزءاً من الحقيقة التاريخية ، بل لا نعجب - أخي الكريم - إذا قلنا بأنه .. الجزء الأصغر منها .. !
إذ بعد هزيمة المغول في معركة " عين جالوت " على أيدي أبطال " المماليك " في مصر عام 658 من الهجرة ، تغيّر الخطّ التاريخي لهذه الأمة الوحشية الهمجية ، فـانقلبت بقدرة قادر من معولِ هدمٍ للإسلام ، إلى رأس حربة لهذا الدين .. في أعماق " آسيا الوسطى " و " الهند " و " الصين " و ما يُـعـرف الآن بـ " روسيا " و " سيبيريا " و أطراف " أوروبا " الشرقية .
فقد انداحت هذه القبائل في مناكب الأرض تحمل راية الإسلام .. و تدعو إليه .. و تجاهد في سبيله ، حتى أدخلت الكثير من الشعوب التي توقّـف دونها مـدّ الفتوحات الإسلامية ، في دين الله تعالى أفواجاً . و من ثـمّ اقـتـرن إسم التتار و المغول في تلك الدول - و ما يزال - بالإسلام و المسلمين ... !
( 2 )
و قد كانت هذه القضية مثار ذهول و دهشة الكثير من المؤرخين و المستشرقين الغربيين و غيرهم ، فعلى سبيل المثال يقول المستشرق السير " توماس أرنولد " في كتابه : " الدعوة إلى الإسلام " ، تعليقاً على نصّ رسالة " أحمد تكودار " أحد ملوك المغول الذين أسلموا ، بعثها إلى أحد سلاطين مصر ، فعـقّـب توماس أرنولد بعد إيراد نـصّها قائلاً :
" إنّ من يدرس تاريخ المغول ليرتاح عندما يتحوّل فجأة من قراءة ما اقترفوه من الفظائع ، و ما سفكوه من الدماء ، إلى أسمى العواطف الإنسانية ، و حبّ الخير التي أعلنت عن نفسها في تلك الوثيقة التاريخية التي كتبها " تكودار أحمد " إلى سلطان المماليك في مصر ، و التي يدهش الإنسان لصدورها من ذلك المغولي " .. !
يحقّ لتوماس أرنولد و أضرابه من المستشرقين أن تتملّكهم الدهشة و الذهول ، فقد طُمس على قلوبهم و بصائرهم ذلك بأنهم يقرأون القرآن و السنة و السيرة النبوية و تاريخ الإسلام آناء الليل و أطراف النهار ، و لا يـنـتـفعون بما بين أيديهم من البراهـين و الحـقائق القـاطعـة ، فهم - و حالتهم هذه - كالحمير تحمل على ظهورها .. أسفاراً .. !
أمّا من خالطت حلاوة الإيمان بشاشة قلبه .. و استـيـقـن عظمة هذا الدين .. و قـدرته عـلى قـلب موازين و نواميس الكون ، فلن يجد أدنى استغراب في ترويض و إصلاح أشرس الخلق ، فـقـد حوّل العـرب الجاهـلـيـّيـن إلى نماذج إنسانية خالدة .. ملأ أريـجُ ذِكرها العاطر صفحات التاريخ ، أمثال : أبي بكر الصديق و عمر و عثمان و علي و بقية الصحابة الكرام ، رضي الله تعالى عنهم و أرضاهم .
إنها - يا كرام - معجزة من معجزات هذا الدين العظيم التي لا تنقضي ما تعاقب الليل و النهار .. دين الله تعالى .. دين الفطرة الإنسانية :
" فطرة الله التي فطر الناس عليها ، لا تبديل لخلق الله ، ذلك الدين القيّم و لكن أكثر الناس لا يعلمون " .
( 3 )
نعـود إلى موضوعنا الأصل ، و اسمحوا لي هنا أن نُـلقي بعصـا التـرحال عـنـد ما يُعـرف الـيـوم بـ " تتارستان " ، و عاصمتها التي تُدعى " قازان " ، و هي جمهورية إسلامية أغلبية سكانها من التتار المسلمين ، و تقع في العمق الروسي إلى الشرق من مدينة " موسكو " عاصمة روسيا في حوض نهر " الفولغا " الخصب . و تبلغ مساحتها 68 ألف كم مربع ، و ينيف سكانها على الأربعة ملايين نسمة .
و قد عصفت بهذه الجمهورية أنواء الزمن ، و طوّحت بها أعاصير تدمير الهوية ، من إبادة وحشية و تهجير و تشريد ، لا لجريرة اقترفوها .. غير هويّتهم الإسلامية المميّزة :
" و ما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد " .
و قد تعرّضوا إلى هذا الإبتلاء العظيم في عهد القياصرة الروس ، و مع هذا فقد أبلوا بلاءً حسناً في الذب عن دينهم ، و المحافظة على هويتهم الإسلامية ما أمكنهم ذلك . و بعد اضطهاد دام قرنين من الزمان ظهر جلياً للروس صعوبة تذويب هويتهم أو القضاء عليها ، فـتـبـِع ذلك فترة انفراج للمسلميـن في عـهـد الإمبراطورة " كاترين الثانية " ، فـرضـتـها ظروف معـيّنة كانت تـمـرّ بهـا روسـيا آنـذاك .
فاهتبل المسلمون هذه الفرصة لبناء المساجد و المدارس الشرعية ، و عُـيّن في عام 1782 مفتي مسلمي روسيا ، و أُسّست الجمعية الروحية للمسلمين في عام 1788 . و قامت نهضة ثقافية طيبة للمسلمين ، استمرّت قرابة القرن ، فطُبعت كميات هائلة من الكتب الإسلامية بلغات المسلمين المحلّيين و باللغة العربية . و قد بلغ عدد الكتب التي طُبِعت في تلك الفترة الممتدة ما بين ( 1853 - 1859 ) ، أكثر من ( 326 ، 700 ) نسخة من القرآن الكريم ، كما أنها أصدرت في فترة ما بين ( 1854 - 1864 ) أكثر من مليون كتاب .. !
( 4 )
هذه النهضة الثقافية الطيبة للمسلمين أثارت حفيظة المنصّرين ، فضغطوا بدورهم على السلطات الروسية للعودة إلى الأساليب القديمة من قمع و تنصير ، فقام أحد المستشرقين و يُدعى " إيلمينسكي " الذي كان يردّد مقولته السائرة :
" لا يوجد خطر بالنسبة لروسيا أكبر من خطر المسلم المثقف " .. !
فتولّى كِـبْـر رئاسة " المدرسة المركزيّة للمعلّمين التتار المنصّرين " ، و التي كانت ترمي إلى تكوين فئة من المنصّرين التتار لنشر النصرانية بين بني جلدتهم . و ترمي كذلك إلى إحياء اللغات الأدبية لشعوب المنطقة ، و استبدال الحروف العربية لكتابتها بالحروف السلافية ، و ذلك في محاولة منهم لمسخ الهوية الإسلامية لهذا الشعب ، و عزله عن كل ما يربطه بالقرآن الكريم الذي هو الركن الركين لهذه الهوية ، و لكن جهودهم أضحت هشيماً تذروه الرياح ، بفضل تكاتف الجهود ، و التخطيط المحكم للتصدي لهذا الغزو الداهم ، إذ يقول الدكتور " عبدالرحيم العطاوي " :
" لكن الأمور سرعان ما تغيّرت مرة أخرى لصالح المسلمين بفضل تصدّيهم المنظّم و المحكم لهذه السياسة في جميع ربوع الإمبراطورية . و لقد كان لهذه الحملات المعادية للإسلام أثر عميق في نفوس المسلمين و وقفت النخبة المثقفة المسلمة في كثير من الأحيان وقفة رجل واحد لتدافع عن حقوقها القومية و لتتصدّى للخطر الذي كان يتربّص بالشعب التتاري و يهدف إلى " ترويسه " و تنصيره و القضاء على هويّته بصفة نهائية " .
و من آليّات التصدي لهذا الغزو الفكري ، أصدر التتار المسلمون صُـحـُـفاً باللغة العربية ، و أخرى باللغة التتارية و لكنها مكتوبة بالحروف العربية ( انظر الصورتين في الرد رقم 1 ) ، تأكيداً للهوية الإسلامية لهذا الشعب المسلم الذي أضعناه .. و لم يكن الأوّل أو الأخير .. من شعوبٍ مسلمةٍ .. أضعناها في مشارق الأرض و مغاربها .. !
( 6 )
أخي الكريم .. أختي الكريمة ..
ما أجدرنا في ظلّ هذه الظروف العصيبة التي تعصف بالأمة الإسلامية ، أن نستلهم الدروس و العـِبر من تجربة الشعب التتاري المسلم ، الذي ضرب مثالاً رائعاً في الصمود و الثبات على هويّته الإسلامية رغم ما تعرّض إليه من محن و أرزاء ، ما زادته إلا ثباتاً و اعتزازاً بتلك الهوية . و قبل أن أنهي هذا المقال التواضع ، أطرح على نفسي و عليكم هذين التساؤلين الـذَيـْن جاشا في صدري و أنا أتأمّل هذه التجربة الحضارية العظيمة :
أوَ لـسـنــا - يا سادة - أولى منهم بالإعتزاز بهذه الهوية و نحن العرب أحفاد الصحابة .. و في معقل الإسلام .. و حصنه الأول و الأخير .. ؟
و ما هو دور المثقفين عندنا في وجه المحاولات القادمة مسخ هويّـتـنا الحضارية ، هل سيقفون كما وقفت النخبة المثقفة في تتارستان وقوفاً مشرفاً أمام هذه المحاولات .. ؟
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين ، و أن يبصّرهم طريق الرشد .
أرجو المعذرة على الإطالة .. و دمتم سالمين .
--------------------------------------------------------------------------------
المراجع :
1 - " العالم الإسلامي و الغزو المغولي " ، إسماعيل الخالدي .
2 - الدعوة إلى الإسلام " ، توماس أرنولد .
3 - " حاضر العالم الإسلامي " ، د . جميل المصري .
4 - " المسلمون في الإمبراطورية الشيوعية " ، محمود شاكر .
5 - " نفض غبار النسيان عن بعض أمجاد شعب تتارستان " ، د . عبدالكريم عطاوي ، بحث منشور في مجلة " التاريخ العربي " ، فبراير 1997 ، المغرب .
[/TABLE]
بمجرّد أن يُذكـر اسم " المغول " أو " التتار " ، تقتحم الأذهان صورٌ تترى من الهمجية و الوحشيّـة و تدمير أشكال الحضارة و المـدنـيّة . و تستدعي الذاكرة مخزونها التاريخي الزاخر حول ما فعله " هولاكو " ببغداد ، و " تيمور لنك " بالشام ، الخ .
بيـْد أن هذا الخاطر و إن كان صحيحاً لأوّل وهلة ، إلا إنه لا يمثّل إلا جزءاً من الحقيقة التاريخية ، بل لا نعجب - أخي الكريم - إذا قلنا بأنه .. الجزء الأصغر منها .. !
إذ بعد هزيمة المغول في معركة " عين جالوت " على أيدي أبطال " المماليك " في مصر عام 658 من الهجرة ، تغيّر الخطّ التاريخي لهذه الأمة الوحشية الهمجية ، فـانقلبت بقدرة قادر من معولِ هدمٍ للإسلام ، إلى رأس حربة لهذا الدين .. في أعماق " آسيا الوسطى " و " الهند " و " الصين " و ما يُـعـرف الآن بـ " روسيا " و " سيبيريا " و أطراف " أوروبا " الشرقية .
فقد انداحت هذه القبائل في مناكب الأرض تحمل راية الإسلام .. و تدعو إليه .. و تجاهد في سبيله ، حتى أدخلت الكثير من الشعوب التي توقّـف دونها مـدّ الفتوحات الإسلامية ، في دين الله تعالى أفواجاً . و من ثـمّ اقـتـرن إسم التتار و المغول في تلك الدول - و ما يزال - بالإسلام و المسلمين ... !
( 2 )
و قد كانت هذه القضية مثار ذهول و دهشة الكثير من المؤرخين و المستشرقين الغربيين و غيرهم ، فعلى سبيل المثال يقول المستشرق السير " توماس أرنولد " في كتابه : " الدعوة إلى الإسلام " ، تعليقاً على نصّ رسالة " أحمد تكودار " أحد ملوك المغول الذين أسلموا ، بعثها إلى أحد سلاطين مصر ، فعـقّـب توماس أرنولد بعد إيراد نـصّها قائلاً :
" إنّ من يدرس تاريخ المغول ليرتاح عندما يتحوّل فجأة من قراءة ما اقترفوه من الفظائع ، و ما سفكوه من الدماء ، إلى أسمى العواطف الإنسانية ، و حبّ الخير التي أعلنت عن نفسها في تلك الوثيقة التاريخية التي كتبها " تكودار أحمد " إلى سلطان المماليك في مصر ، و التي يدهش الإنسان لصدورها من ذلك المغولي " .. !
يحقّ لتوماس أرنولد و أضرابه من المستشرقين أن تتملّكهم الدهشة و الذهول ، فقد طُمس على قلوبهم و بصائرهم ذلك بأنهم يقرأون القرآن و السنة و السيرة النبوية و تاريخ الإسلام آناء الليل و أطراف النهار ، و لا يـنـتـفعون بما بين أيديهم من البراهـين و الحـقائق القـاطعـة ، فهم - و حالتهم هذه - كالحمير تحمل على ظهورها .. أسفاراً .. !
أمّا من خالطت حلاوة الإيمان بشاشة قلبه .. و استـيـقـن عظمة هذا الدين .. و قـدرته عـلى قـلب موازين و نواميس الكون ، فلن يجد أدنى استغراب في ترويض و إصلاح أشرس الخلق ، فـقـد حوّل العـرب الجاهـلـيـّيـن إلى نماذج إنسانية خالدة .. ملأ أريـجُ ذِكرها العاطر صفحات التاريخ ، أمثال : أبي بكر الصديق و عمر و عثمان و علي و بقية الصحابة الكرام ، رضي الله تعالى عنهم و أرضاهم .
إنها - يا كرام - معجزة من معجزات هذا الدين العظيم التي لا تنقضي ما تعاقب الليل و النهار .. دين الله تعالى .. دين الفطرة الإنسانية :
" فطرة الله التي فطر الناس عليها ، لا تبديل لخلق الله ، ذلك الدين القيّم و لكن أكثر الناس لا يعلمون " .
( 3 )
نعـود إلى موضوعنا الأصل ، و اسمحوا لي هنا أن نُـلقي بعصـا التـرحال عـنـد ما يُعـرف الـيـوم بـ " تتارستان " ، و عاصمتها التي تُدعى " قازان " ، و هي جمهورية إسلامية أغلبية سكانها من التتار المسلمين ، و تقع في العمق الروسي إلى الشرق من مدينة " موسكو " عاصمة روسيا في حوض نهر " الفولغا " الخصب . و تبلغ مساحتها 68 ألف كم مربع ، و ينيف سكانها على الأربعة ملايين نسمة .
و قد عصفت بهذه الجمهورية أنواء الزمن ، و طوّحت بها أعاصير تدمير الهوية ، من إبادة وحشية و تهجير و تشريد ، لا لجريرة اقترفوها .. غير هويّتهم الإسلامية المميّزة :
" و ما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد " .
و قد تعرّضوا إلى هذا الإبتلاء العظيم في عهد القياصرة الروس ، و مع هذا فقد أبلوا بلاءً حسناً في الذب عن دينهم ، و المحافظة على هويتهم الإسلامية ما أمكنهم ذلك . و بعد اضطهاد دام قرنين من الزمان ظهر جلياً للروس صعوبة تذويب هويتهم أو القضاء عليها ، فـتـبـِع ذلك فترة انفراج للمسلميـن في عـهـد الإمبراطورة " كاترين الثانية " ، فـرضـتـها ظروف معـيّنة كانت تـمـرّ بهـا روسـيا آنـذاك .
فاهتبل المسلمون هذه الفرصة لبناء المساجد و المدارس الشرعية ، و عُـيّن في عام 1782 مفتي مسلمي روسيا ، و أُسّست الجمعية الروحية للمسلمين في عام 1788 . و قامت نهضة ثقافية طيبة للمسلمين ، استمرّت قرابة القرن ، فطُبعت كميات هائلة من الكتب الإسلامية بلغات المسلمين المحلّيين و باللغة العربية . و قد بلغ عدد الكتب التي طُبِعت في تلك الفترة الممتدة ما بين ( 1853 - 1859 ) ، أكثر من ( 326 ، 700 ) نسخة من القرآن الكريم ، كما أنها أصدرت في فترة ما بين ( 1854 - 1864 ) أكثر من مليون كتاب .. !
( 4 )
هذه النهضة الثقافية الطيبة للمسلمين أثارت حفيظة المنصّرين ، فضغطوا بدورهم على السلطات الروسية للعودة إلى الأساليب القديمة من قمع و تنصير ، فقام أحد المستشرقين و يُدعى " إيلمينسكي " الذي كان يردّد مقولته السائرة :
" لا يوجد خطر بالنسبة لروسيا أكبر من خطر المسلم المثقف " .. !
فتولّى كِـبْـر رئاسة " المدرسة المركزيّة للمعلّمين التتار المنصّرين " ، و التي كانت ترمي إلى تكوين فئة من المنصّرين التتار لنشر النصرانية بين بني جلدتهم . و ترمي كذلك إلى إحياء اللغات الأدبية لشعوب المنطقة ، و استبدال الحروف العربية لكتابتها بالحروف السلافية ، و ذلك في محاولة منهم لمسخ الهوية الإسلامية لهذا الشعب ، و عزله عن كل ما يربطه بالقرآن الكريم الذي هو الركن الركين لهذه الهوية ، و لكن جهودهم أضحت هشيماً تذروه الرياح ، بفضل تكاتف الجهود ، و التخطيط المحكم للتصدي لهذا الغزو الداهم ، إذ يقول الدكتور " عبدالرحيم العطاوي " :
" لكن الأمور سرعان ما تغيّرت مرة أخرى لصالح المسلمين بفضل تصدّيهم المنظّم و المحكم لهذه السياسة في جميع ربوع الإمبراطورية . و لقد كان لهذه الحملات المعادية للإسلام أثر عميق في نفوس المسلمين و وقفت النخبة المثقفة المسلمة في كثير من الأحيان وقفة رجل واحد لتدافع عن حقوقها القومية و لتتصدّى للخطر الذي كان يتربّص بالشعب التتاري و يهدف إلى " ترويسه " و تنصيره و القضاء على هويّته بصفة نهائية " .
و من آليّات التصدي لهذا الغزو الفكري ، أصدر التتار المسلمون صُـحـُـفاً باللغة العربية ، و أخرى باللغة التتارية و لكنها مكتوبة بالحروف العربية ( انظر الصورتين في الرد رقم 1 ) ، تأكيداً للهوية الإسلامية لهذا الشعب المسلم الذي أضعناه .. و لم يكن الأوّل أو الأخير .. من شعوبٍ مسلمةٍ .. أضعناها في مشارق الأرض و مغاربها .. !
( 6 )
أخي الكريم .. أختي الكريمة ..
ما أجدرنا في ظلّ هذه الظروف العصيبة التي تعصف بالأمة الإسلامية ، أن نستلهم الدروس و العـِبر من تجربة الشعب التتاري المسلم ، الذي ضرب مثالاً رائعاً في الصمود و الثبات على هويّته الإسلامية رغم ما تعرّض إليه من محن و أرزاء ، ما زادته إلا ثباتاً و اعتزازاً بتلك الهوية . و قبل أن أنهي هذا المقال التواضع ، أطرح على نفسي و عليكم هذين التساؤلين الـذَيـْن جاشا في صدري و أنا أتأمّل هذه التجربة الحضارية العظيمة :
أوَ لـسـنــا - يا سادة - أولى منهم بالإعتزاز بهذه الهوية و نحن العرب أحفاد الصحابة .. و في معقل الإسلام .. و حصنه الأول و الأخير .. ؟
و ما هو دور المثقفين عندنا في وجه المحاولات القادمة مسخ هويّـتـنا الحضارية ، هل سيقفون كما وقفت النخبة المثقفة في تتارستان وقوفاً مشرفاً أمام هذه المحاولات .. ؟
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين ، و أن يبصّرهم طريق الرشد .
أرجو المعذرة على الإطالة .. و دمتم سالمين .
--------------------------------------------------------------------------------
المراجع :
1 - " العالم الإسلامي و الغزو المغولي " ، إسماعيل الخالدي .
2 - الدعوة إلى الإسلام " ، توماس أرنولد .
3 - " حاضر العالم الإسلامي " ، د . جميل المصري .
4 - " المسلمون في الإمبراطورية الشيوعية " ، محمود شاكر .
5 - " نفض غبار النسيان عن بعض أمجاد شعب تتارستان " ، د . عبدالكريم عطاوي ، بحث منشور في مجلة " التاريخ العربي " ، فبراير 1997 ، المغرب .
[/TABLE]
تعليق