السؤال
في كل يوم يشتد الظلم في العالم العربي من قبل الحكومات، فهل يجوز للمسلم أن يهاجر إلى بلد آخر يتوفر فيه العدل بين الناس؟ مع العلم بأن غالبية سكان هذا البلد من غير المسلمين.
الجواب
الأصل ألا يترك الإنسان بلداً إسلامياً، من أجل ظلم لا يتعلق بالدين، أو من أجل ظلم غير كبير جداً، لكن إذا كان الإنسان يخاف على نفسه أو دينه أو ماله؛ فلينتقل إلى بلد، ولو كان هذا البلد غير إسلامي، بشرط أن يكون قادراً على إقامة شعائر دينه، وبذلك ينطبق عليه الحديث الذي ذكره ابن حبان في صحيحه (4861) وهو حديث فديك – رضي الله عنه – وكان قد أسلم، وأراد أن يهاجر فطلب منه قومه وهم كفار أن يبقى معهم، واشترطوا له أنهم لن يتعرضوا لدينه، ففر فديك بعد ذلك إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله إنهم يزعمون أنه من لم يهاجر، هلَكَ فقال النبي – عليه الصلاة والسلام – حسب الحديث الذي يرويه ابن حبان: "يا فديك أقم الصلاة، واهجر السوء، واسكن من أرض قومك حيث شئت"، وظن الراوي أنه قال: "يكن مهاجراً".
إذاً يجب أن نعي هذه الألفاظ كاملة: (أقم الصلاة)، فمن يريد أن يقيم في دار الكفر فعليه أن يجعل من هذا الحديث دستوراً لحياته.
"أقم الصلاة واهجر السوء"، اترك الأعمال السيئة، لا ترتكب الفواحش، ولا تشرب خمراً، وأقم من دار قومك حيث شئت، وحديث ابن حبان رجاله ثقات، والحديث الذي يرويه الإمام أحمد في مسنده (1420) وفيه: "البلاد بلاد الله، والعباد عباد الله، وحيثما أصبت خيراً فأقم"، فهذا الحديث أصل في الإقامة في بلاد الكفر لمن يستطيع أن يظهر شعائره، وبصفة عامة فإن ثلاثة من المذاهب تميل إلى جواز هذه الإقامة، وهي: الشافعية، والحنابلة والأحناف، مع خلاف داخل هذه المذاهب، أما مالك – رحمه الله تعالى – والظاهرية فهؤلاء لا يجيزون الإقامة في دار الكفر، ويعملون بأحاديث أخرى منها: "لا تراءى ناراهما"، رواه أبو داود (2645)، والترمذي (1604)، والنسائي (4780) من حديث جرير بن عبد الله مع اختلاف صحة هذه الأحاديث، وفي تأويلها أيضاً.
فحاصل الجواب: أنه إذا كان في بلاد العرب أو بلاد الإسلام يلقى عنتاً وظلماً فإنه يجوز له أن يقيم في ديار غير المسلمين، بشرط أن يكون قادراً على إقامة شعائره، ولعلنا أن نضيف شرطاً آخر، هو: أن يستطيع أن يربي أولاده تربية إسلامية.
السؤال
أود أن أعرف رأيكم في موضوع جد مهم، ألا وهو ما اصطلح على تسميته "مسابقة التنمية الرياضية" أو "اليانصيب الرياضي، أو ما عرف في الغرب بـ"lotto" هل هو قمار؟ وهل هو حلال أم حرام؟
علماً أن فيه فائدة خاصة، هي أنه مرخص له من قبل الدولة (وهي إسلامية)، وله قانون ينظمه ويحمي المشاركين، وزيادة على أن جزءاً منه يساهم في رفع مستوى عيش الفقراء، وجزءاً آخر يذهب إلى التنمية، هذا كما هو معلن، والله أعلم.
هذا إضافة إلى أننا في حاجة شديدة إلى المال، خاصة لسداد ديون علينا، فنحن عائلة من أربعة أبناء يتامى ، في مراحل التعليم المختلفة، وأغلب أرضنا مرهونة، والمعاش لا يكفي؛ لهذا أتصل بكم أرجو إجابة شافية.
الجواب
مسابقة التنمية الرياضية أو "اليانصيب الرياضي" من العقود القائمة على الحظ المجرد، فهي تحتمل الغرم أو الغنم، وإذا كان العقد دائراً بينهما فإنه من القمار، والذي هو راجع إلى الميسر المحرم، قال –تعالى-: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [المائدة:90] .
أما ما ذكرته من أن فيه منفعة للفقراء، وأنكم محتاجون إليه، وأن هناك قوانين تنظمه؛ فإن هذا لا يعتبر مبيحاً لما حرم الله، والله -سبحانه وتعالى- قد بين أن الميسر قد يتضمن فوائد، ولكن إثمه أكبر من نفعه، قال تعالى: "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما" [البقرة: 219]، فبين -جل وعلا- بأن الميسر له منافع، ووصف الإثم بأنه كبير، وأنه لا مقارنة بين منافعه وإثمه، ثم أكد ذلك بقوله "وإثمهما أكبر من نفعهما".
وشبيهاً بما ذكرت أن السائد ما كان عليه العمل في الجاهلية، حيث كان بعض الميسر يعتبر من الأعمال الخيرية التي ينتفع منها الفقراء، فقد ذكر المفسرون للآيات السابقة أن المشركين كانوا يتفقون على شراء جمل ديناً، ثم يذبحونه ويقسمونه بواسطة جزار مختص، ثم يقسمون اللحم إلى عشرة أقسام متساوية وبعد ذلك يعقدون مجلساً للقمار فيما بين المتبرعين لدفع قيمته، ويحضر هذا المجلس سائر الفقراء في القرية، وبعد اللعب المعتمد على الحظ المحض تثبت قيمة الجمل على بعضهم ويربحه الباقون، فيقومون بتوزيعه بين الحاضرين من الفقراء.
فالله -سبحانه وتعالى- حرم الميسر؛ لأن ضرره أكثر من نفعه، بل لا يقارن به، ولذا ننصحك باجتناب هذه الألعاب المعتمدة على الحظ الصرف، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، والله أعلم.
السؤال
في بعض المعاهد يدخل مشرف الدور في بعض لجان الامتحان آخر العام, ويملي على جميع طلبة المعهد إجابة سؤال أو سؤالين، فما واجب الطلبة تجاه ما يملى عليهم؟ وهل إذا كتبوا الإجابة كما يمليها عليهم يكون ذلك غشا؟.
الجواب
لا يجوز لأحد أن يقوم بإخبار الطلاب الذين يؤدون الامتحان عن إجابات الأسئلة أو بعضها، لما في ذلك من مخالفة الأمانة المطلوبة منه، والإعانة على الإثم والمعصية، والله –تعالى- يقول: "وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" [المائدة: من الآية2]، وعلى الطلاب أن ينكروا على من يفعل ذلك، أو يبلغوا عنه إدارة المعهد لكي تمنعه من القيام بهذا العمل، والرضا عن هذا العمل والسكوت عنه يوقع أصحابه في الغش المنهي عنه في قول النبي – صلى الله عليه وسلم – : "...ومن غشنا فليس منا" رواه مسلم (101) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه- وعلى الطالب أن يكتب في الامتحان ما يعرفه ويتذكره دون التفات إلى ما يملى عليه، والله أعلم.
السؤال
نحن طلبة ندرس بالصين بمدينة بكين، ونظراً لوجود مرض السارس فقد قامت الحكومة الصينية بغلق المساجد، وذلك لمنع التجمعات، وعدم الإصابة بالعدوى، فهل يجوز ترك صلاة الجمعة لهذا العذر، مع العلم أن هناك مساجد في بعض سفارات الدول الإسلامية تقام فيها صلاة الجمعة.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فمن خشي انتقال عدوى المرض المذكور إليه بحضوره للجمعة أو الجماعة، أو كان الاحتمال حاصلاً لمن حضر إليها؛ فإنه معذور بتركه الصلاة مع الجماعة، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: "من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا" متفق عليه عند البخاري (5452)، ومسلم (564) من حديث جابر – رضي الله عنه-، ومعلوم أن المرض المعدي أشد إضراراً من رائحة الثوم والبصل.
ولذا ذكر الفقهاء من أسباب سقوط وجوب الجمعة والجماعة، من خاف ضرراً يلحق بدنه أو يصيبه.
وعلى كل، فإن خشية انتقال المرض عذر يبيح ترك الجمعة والجماعة، ولو كانت الصلاة تقام فعلاً جماعة في بعض الأماكن، والله أعلم.
السؤال
هل يجوز تسمية سور القرآن الكريم بشيء مما ذكر فيها؟ مثلا تسمية سورة (الإخلاص) بسورة (الصمد) أو تسمية سورة (البقرة) بسورة الكرسي، أسوة بآية الكرسي المذكورة فيها؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء. وشكرا.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد
فاعلم أنه لم يرد عن النبي –صلى الله عليه وسلم- نهيٌ عن أن تُسمى سورة باسمٍ ما، كما أنه لم يأمر بذلك، ويمكن تقسيم تسمية السور إلى أقسام:
القسم الأول : سورة ثبتت تسميتها عن النبي –صلى الله عليه وسلم- كالبقرة وآل عمران، في مثل قوله –صلى الله عليه وسلم-:"اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران " الحديث رواه مسلم (804) من حديث أبي أمامة – رضي الله عنه-، وكقوله –صلى الله عليه وسلم- : "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عصم من الدجال" رواه مسلم (809) وغيره من حديث أبي الدرداء – رضي الله عنه- . والأحاديث الواردة عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في تسمية السور كثيرةٌ.
القسم الثاني: ما ثبتت تسميته عن بعض الصحابة –رضي الله عنهم-، ومن ذلك ما رواه البخاري (4029)، ومسلم (3031)، واللفظ له، عن سعيد بن جبير قال: "قلت لابن عباس –رضي الله عنهما-: سورة الأنفال. قال: تلك سورة بدر" ويمكنك أن تنظر إلى أسماء السور في مبحث المكي والمدني من كتاب الإتقان في علوم القرآن، حيث ذكر السور المكية والسور المدنية بأسمائها عن بعض الصحابة والتابعين وأتباعهم، وستلاحظ وجود أكثر من اسم لبعض السور، كما أن السيوطي قد عقد لهذه الأسماء المختلفة مبحثًا خاصًّا.
القسم الثالث: ما تعارف عليه من جاء بعد الصحابة –رضي الله عنهم- إلى عصرنا الحاضر، وهذا مما يقع فيه التسامح، لذا ترى كثيرًا من التسميات التي تعارف عليها الناس، وهي في الغالب حكاية أول السورة، كقولهم: سورة لم يكن، سورة إذا زلزلت، سورة تبت يدا أبي لهب، سورة قل هو الله أحد، وهكذا غيرها من التسميات، والظاهر من عمل المسلمين خلال العصور أنه لا تناكر بينهم في تسمية السور، والتعارف عليها باسم لم يوجد في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عصر الصحابة –رضي الله عنهم-، غير أن الأولى أنَّ ما ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- خاصَّة أن لا يُعدل عنه، لأنه قد يكون في التسمية حكمة لا تُعلم إلا بالبحث ، وهذه الأسماء النبوية للسور مبحث لطيف فلم أر من بحث فيه علاقة التسمية ، ومن المفسرين الذين اعتنوا بهذا المبحث (الطاهر بن عاشور) ومن ذلك ما ذكره في سبب تسمية سورة البقرة قوله: "ووجهُ تسميتِها: أنَّها ذُكرت فيها قصَّةُ البقرةِ التي أمرَ اللهُ بني إسرائيلَ بذبحِها ؛ لتكونَ آية ووصف سوء فهمِهم لذلك، وهي مما انفردت به هذه السورة بذكرِه ، وعندي أنها أضيفت إلى قصةِ البقرةِ تمييزًا لها عن سورِ آل" آلم "من الحروف المقطَّعةِ …" . التحرير والتنوير (1/201)، وقد ظهر لي في مناسبة هذا الاسم سِرٌّ لطيفٌ ، إذ قد يقول قائلٌ : إنَّ في قصَّةِ البقرةِ إحياءَ ميِّتٍ فسُمِّيتْ السورةُ بما يُشيرُ إلى ذلك الحدث الغريبِ، والجوابُ: أنها لم تكن هي الأميزَ في موضوعِ إحياءِ الموتى ، فقد وردَ في هذه السُّورةِ أكثرُ من قصةٍ فيها إحياءُ الموتى، وهي إحياءُ بني إسرائيلَ بعد الصَّعقةِ، وذلك قوله –تعالى- : "وَإذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"[ البقرة: 55 ـ 56].
وقصَّةُ الَّذين خرجوا من ديارهم ، وهم ألوف ، خرجوا حذر الموتِ ، فأماتهم الله ثُمَّ أحياهم، وقصَّة الذي مرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها ، فأماته الله مائة عامٍ ثُمَّ بعثه، وقصَّة إحياء الطيور الميِّتةِ لإبراهيم –عليه الصلاة والسلام-. إذًا فليست هي القصةَ الوحيدةَ في هذا الشأنِ العجيبِ ، وهو إحياءُ الموتى والذي يُمكنُ أن يُقال في مناسبةِ تسميتها بهذا الاسم : أنَّ هذه السُّورةَ من أوائلِ السُّورِ المدنيَّةِ، والعهد المدنيُّ كان فيه إقرار كثيرٍ من الأحكامِ الشرعيَّة، وكان الأمرُ في أحكامِ اللهِ أن تُنفَّذَ، ولا يُتأخَّرَ فيها أو يُعترضَ عليها؛ فأخبرَ اللهُ بقصَّةِ البقرةِ التي فيها التَّنبيه والإعلامُ بشأنِ من تلكَّأ في الاستجابةِ لأحكامِ الله، فإنَّ بني إسرائيلَ لَمَّا شدَّدُوا وتعنَّتوا في تنفيذِ أمرِ اللهِ؛ شدَّدَ اللهُ عليهم، إذ لو ذبحوا في أولِ أمرِ اللهِ لهم أيَّ بقرةٍ، لأجزأهم ذلك، ولكانوا بذلك مستجيبين لأمرِ اللهِ، وفي هذه القصَّةِ عِظةٌ أيَّما عِظَةٍ للصَّحابةِ –رضي الله عنهم-، كي لا يتردَّدُوا في تنفيذِ أحكامِ اللهِ، فيشدِّدَ اللهُ عليهم كما شدَّد على بني إسرائيلَ في شأنِ البقرةِ . وحياتُهم -رضي الله عنهم- مع نبيِّهم –صلى الله عليه وسلم- تدلُّ على أنهم وَعَوا هذا الدَّرسَ وتلقَّنوه جيِّدًا، فلم يكونوا يتأخَّرون عن تنفيذِ أوامرِ الَشَّرعِ، واللهُ أعلمُ.
وهذا الاستطراد ذكرته لك للفائدة ، أسأل الله أن يمن عليَّ وعليك بحسن الفهم، وبالإخلاص في القول والعمل.
في كل يوم يشتد الظلم في العالم العربي من قبل الحكومات، فهل يجوز للمسلم أن يهاجر إلى بلد آخر يتوفر فيه العدل بين الناس؟ مع العلم بأن غالبية سكان هذا البلد من غير المسلمين.
الجواب
الأصل ألا يترك الإنسان بلداً إسلامياً، من أجل ظلم لا يتعلق بالدين، أو من أجل ظلم غير كبير جداً، لكن إذا كان الإنسان يخاف على نفسه أو دينه أو ماله؛ فلينتقل إلى بلد، ولو كان هذا البلد غير إسلامي، بشرط أن يكون قادراً على إقامة شعائر دينه، وبذلك ينطبق عليه الحديث الذي ذكره ابن حبان في صحيحه (4861) وهو حديث فديك – رضي الله عنه – وكان قد أسلم، وأراد أن يهاجر فطلب منه قومه وهم كفار أن يبقى معهم، واشترطوا له أنهم لن يتعرضوا لدينه، ففر فديك بعد ذلك إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله إنهم يزعمون أنه من لم يهاجر، هلَكَ فقال النبي – عليه الصلاة والسلام – حسب الحديث الذي يرويه ابن حبان: "يا فديك أقم الصلاة، واهجر السوء، واسكن من أرض قومك حيث شئت"، وظن الراوي أنه قال: "يكن مهاجراً".
إذاً يجب أن نعي هذه الألفاظ كاملة: (أقم الصلاة)، فمن يريد أن يقيم في دار الكفر فعليه أن يجعل من هذا الحديث دستوراً لحياته.
"أقم الصلاة واهجر السوء"، اترك الأعمال السيئة، لا ترتكب الفواحش، ولا تشرب خمراً، وأقم من دار قومك حيث شئت، وحديث ابن حبان رجاله ثقات، والحديث الذي يرويه الإمام أحمد في مسنده (1420) وفيه: "البلاد بلاد الله، والعباد عباد الله، وحيثما أصبت خيراً فأقم"، فهذا الحديث أصل في الإقامة في بلاد الكفر لمن يستطيع أن يظهر شعائره، وبصفة عامة فإن ثلاثة من المذاهب تميل إلى جواز هذه الإقامة، وهي: الشافعية، والحنابلة والأحناف، مع خلاف داخل هذه المذاهب، أما مالك – رحمه الله تعالى – والظاهرية فهؤلاء لا يجيزون الإقامة في دار الكفر، ويعملون بأحاديث أخرى منها: "لا تراءى ناراهما"، رواه أبو داود (2645)، والترمذي (1604)، والنسائي (4780) من حديث جرير بن عبد الله مع اختلاف صحة هذه الأحاديث، وفي تأويلها أيضاً.
فحاصل الجواب: أنه إذا كان في بلاد العرب أو بلاد الإسلام يلقى عنتاً وظلماً فإنه يجوز له أن يقيم في ديار غير المسلمين، بشرط أن يكون قادراً على إقامة شعائره، ولعلنا أن نضيف شرطاً آخر، هو: أن يستطيع أن يربي أولاده تربية إسلامية.
السؤال
أود أن أعرف رأيكم في موضوع جد مهم، ألا وهو ما اصطلح على تسميته "مسابقة التنمية الرياضية" أو "اليانصيب الرياضي، أو ما عرف في الغرب بـ"lotto" هل هو قمار؟ وهل هو حلال أم حرام؟
علماً أن فيه فائدة خاصة، هي أنه مرخص له من قبل الدولة (وهي إسلامية)، وله قانون ينظمه ويحمي المشاركين، وزيادة على أن جزءاً منه يساهم في رفع مستوى عيش الفقراء، وجزءاً آخر يذهب إلى التنمية، هذا كما هو معلن، والله أعلم.
هذا إضافة إلى أننا في حاجة شديدة إلى المال، خاصة لسداد ديون علينا، فنحن عائلة من أربعة أبناء يتامى ، في مراحل التعليم المختلفة، وأغلب أرضنا مرهونة، والمعاش لا يكفي؛ لهذا أتصل بكم أرجو إجابة شافية.
الجواب
مسابقة التنمية الرياضية أو "اليانصيب الرياضي" من العقود القائمة على الحظ المجرد، فهي تحتمل الغرم أو الغنم، وإذا كان العقد دائراً بينهما فإنه من القمار، والذي هو راجع إلى الميسر المحرم، قال –تعالى-: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [المائدة:90] .
أما ما ذكرته من أن فيه منفعة للفقراء، وأنكم محتاجون إليه، وأن هناك قوانين تنظمه؛ فإن هذا لا يعتبر مبيحاً لما حرم الله، والله -سبحانه وتعالى- قد بين أن الميسر قد يتضمن فوائد، ولكن إثمه أكبر من نفعه، قال تعالى: "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما" [البقرة: 219]، فبين -جل وعلا- بأن الميسر له منافع، ووصف الإثم بأنه كبير، وأنه لا مقارنة بين منافعه وإثمه، ثم أكد ذلك بقوله "وإثمهما أكبر من نفعهما".
وشبيهاً بما ذكرت أن السائد ما كان عليه العمل في الجاهلية، حيث كان بعض الميسر يعتبر من الأعمال الخيرية التي ينتفع منها الفقراء، فقد ذكر المفسرون للآيات السابقة أن المشركين كانوا يتفقون على شراء جمل ديناً، ثم يذبحونه ويقسمونه بواسطة جزار مختص، ثم يقسمون اللحم إلى عشرة أقسام متساوية وبعد ذلك يعقدون مجلساً للقمار فيما بين المتبرعين لدفع قيمته، ويحضر هذا المجلس سائر الفقراء في القرية، وبعد اللعب المعتمد على الحظ المحض تثبت قيمة الجمل على بعضهم ويربحه الباقون، فيقومون بتوزيعه بين الحاضرين من الفقراء.
فالله -سبحانه وتعالى- حرم الميسر؛ لأن ضرره أكثر من نفعه، بل لا يقارن به، ولذا ننصحك باجتناب هذه الألعاب المعتمدة على الحظ الصرف، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، والله أعلم.
السؤال
في بعض المعاهد يدخل مشرف الدور في بعض لجان الامتحان آخر العام, ويملي على جميع طلبة المعهد إجابة سؤال أو سؤالين، فما واجب الطلبة تجاه ما يملى عليهم؟ وهل إذا كتبوا الإجابة كما يمليها عليهم يكون ذلك غشا؟.
الجواب
لا يجوز لأحد أن يقوم بإخبار الطلاب الذين يؤدون الامتحان عن إجابات الأسئلة أو بعضها، لما في ذلك من مخالفة الأمانة المطلوبة منه، والإعانة على الإثم والمعصية، والله –تعالى- يقول: "وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" [المائدة: من الآية2]، وعلى الطلاب أن ينكروا على من يفعل ذلك، أو يبلغوا عنه إدارة المعهد لكي تمنعه من القيام بهذا العمل، والرضا عن هذا العمل والسكوت عنه يوقع أصحابه في الغش المنهي عنه في قول النبي – صلى الله عليه وسلم – : "...ومن غشنا فليس منا" رواه مسلم (101) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه- وعلى الطالب أن يكتب في الامتحان ما يعرفه ويتذكره دون التفات إلى ما يملى عليه، والله أعلم.
السؤال
نحن طلبة ندرس بالصين بمدينة بكين، ونظراً لوجود مرض السارس فقد قامت الحكومة الصينية بغلق المساجد، وذلك لمنع التجمعات، وعدم الإصابة بالعدوى، فهل يجوز ترك صلاة الجمعة لهذا العذر، مع العلم أن هناك مساجد في بعض سفارات الدول الإسلامية تقام فيها صلاة الجمعة.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فمن خشي انتقال عدوى المرض المذكور إليه بحضوره للجمعة أو الجماعة، أو كان الاحتمال حاصلاً لمن حضر إليها؛ فإنه معذور بتركه الصلاة مع الجماعة، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: "من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا" متفق عليه عند البخاري (5452)، ومسلم (564) من حديث جابر – رضي الله عنه-، ومعلوم أن المرض المعدي أشد إضراراً من رائحة الثوم والبصل.
ولذا ذكر الفقهاء من أسباب سقوط وجوب الجمعة والجماعة، من خاف ضرراً يلحق بدنه أو يصيبه.
وعلى كل، فإن خشية انتقال المرض عذر يبيح ترك الجمعة والجماعة، ولو كانت الصلاة تقام فعلاً جماعة في بعض الأماكن، والله أعلم.
السؤال
هل يجوز تسمية سور القرآن الكريم بشيء مما ذكر فيها؟ مثلا تسمية سورة (الإخلاص) بسورة (الصمد) أو تسمية سورة (البقرة) بسورة الكرسي، أسوة بآية الكرسي المذكورة فيها؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء. وشكرا.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد
فاعلم أنه لم يرد عن النبي –صلى الله عليه وسلم- نهيٌ عن أن تُسمى سورة باسمٍ ما، كما أنه لم يأمر بذلك، ويمكن تقسيم تسمية السور إلى أقسام:
القسم الأول : سورة ثبتت تسميتها عن النبي –صلى الله عليه وسلم- كالبقرة وآل عمران، في مثل قوله –صلى الله عليه وسلم-:"اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران " الحديث رواه مسلم (804) من حديث أبي أمامة – رضي الله عنه-، وكقوله –صلى الله عليه وسلم- : "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عصم من الدجال" رواه مسلم (809) وغيره من حديث أبي الدرداء – رضي الله عنه- . والأحاديث الواردة عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في تسمية السور كثيرةٌ.
القسم الثاني: ما ثبتت تسميته عن بعض الصحابة –رضي الله عنهم-، ومن ذلك ما رواه البخاري (4029)، ومسلم (3031)، واللفظ له، عن سعيد بن جبير قال: "قلت لابن عباس –رضي الله عنهما-: سورة الأنفال. قال: تلك سورة بدر" ويمكنك أن تنظر إلى أسماء السور في مبحث المكي والمدني من كتاب الإتقان في علوم القرآن، حيث ذكر السور المكية والسور المدنية بأسمائها عن بعض الصحابة والتابعين وأتباعهم، وستلاحظ وجود أكثر من اسم لبعض السور، كما أن السيوطي قد عقد لهذه الأسماء المختلفة مبحثًا خاصًّا.
القسم الثالث: ما تعارف عليه من جاء بعد الصحابة –رضي الله عنهم- إلى عصرنا الحاضر، وهذا مما يقع فيه التسامح، لذا ترى كثيرًا من التسميات التي تعارف عليها الناس، وهي في الغالب حكاية أول السورة، كقولهم: سورة لم يكن، سورة إذا زلزلت، سورة تبت يدا أبي لهب، سورة قل هو الله أحد، وهكذا غيرها من التسميات، والظاهر من عمل المسلمين خلال العصور أنه لا تناكر بينهم في تسمية السور، والتعارف عليها باسم لم يوجد في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عصر الصحابة –رضي الله عنهم-، غير أن الأولى أنَّ ما ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- خاصَّة أن لا يُعدل عنه، لأنه قد يكون في التسمية حكمة لا تُعلم إلا بالبحث ، وهذه الأسماء النبوية للسور مبحث لطيف فلم أر من بحث فيه علاقة التسمية ، ومن المفسرين الذين اعتنوا بهذا المبحث (الطاهر بن عاشور) ومن ذلك ما ذكره في سبب تسمية سورة البقرة قوله: "ووجهُ تسميتِها: أنَّها ذُكرت فيها قصَّةُ البقرةِ التي أمرَ اللهُ بني إسرائيلَ بذبحِها ؛ لتكونَ آية ووصف سوء فهمِهم لذلك، وهي مما انفردت به هذه السورة بذكرِه ، وعندي أنها أضيفت إلى قصةِ البقرةِ تمييزًا لها عن سورِ آل" آلم "من الحروف المقطَّعةِ …" . التحرير والتنوير (1/201)، وقد ظهر لي في مناسبة هذا الاسم سِرٌّ لطيفٌ ، إذ قد يقول قائلٌ : إنَّ في قصَّةِ البقرةِ إحياءَ ميِّتٍ فسُمِّيتْ السورةُ بما يُشيرُ إلى ذلك الحدث الغريبِ، والجوابُ: أنها لم تكن هي الأميزَ في موضوعِ إحياءِ الموتى ، فقد وردَ في هذه السُّورةِ أكثرُ من قصةٍ فيها إحياءُ الموتى، وهي إحياءُ بني إسرائيلَ بعد الصَّعقةِ، وذلك قوله –تعالى- : "وَإذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"[ البقرة: 55 ـ 56].
وقصَّةُ الَّذين خرجوا من ديارهم ، وهم ألوف ، خرجوا حذر الموتِ ، فأماتهم الله ثُمَّ أحياهم، وقصَّة الذي مرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها ، فأماته الله مائة عامٍ ثُمَّ بعثه، وقصَّة إحياء الطيور الميِّتةِ لإبراهيم –عليه الصلاة والسلام-. إذًا فليست هي القصةَ الوحيدةَ في هذا الشأنِ العجيبِ ، وهو إحياءُ الموتى والذي يُمكنُ أن يُقال في مناسبةِ تسميتها بهذا الاسم : أنَّ هذه السُّورةَ من أوائلِ السُّورِ المدنيَّةِ، والعهد المدنيُّ كان فيه إقرار كثيرٍ من الأحكامِ الشرعيَّة، وكان الأمرُ في أحكامِ اللهِ أن تُنفَّذَ، ولا يُتأخَّرَ فيها أو يُعترضَ عليها؛ فأخبرَ اللهُ بقصَّةِ البقرةِ التي فيها التَّنبيه والإعلامُ بشأنِ من تلكَّأ في الاستجابةِ لأحكامِ الله، فإنَّ بني إسرائيلَ لَمَّا شدَّدُوا وتعنَّتوا في تنفيذِ أمرِ اللهِ؛ شدَّدَ اللهُ عليهم، إذ لو ذبحوا في أولِ أمرِ اللهِ لهم أيَّ بقرةٍ، لأجزأهم ذلك، ولكانوا بذلك مستجيبين لأمرِ اللهِ، وفي هذه القصَّةِ عِظةٌ أيَّما عِظَةٍ للصَّحابةِ –رضي الله عنهم-، كي لا يتردَّدُوا في تنفيذِ أحكامِ اللهِ، فيشدِّدَ اللهُ عليهم كما شدَّد على بني إسرائيلَ في شأنِ البقرةِ . وحياتُهم -رضي الله عنهم- مع نبيِّهم –صلى الله عليه وسلم- تدلُّ على أنهم وَعَوا هذا الدَّرسَ وتلقَّنوه جيِّدًا، فلم يكونوا يتأخَّرون عن تنفيذِ أوامرِ الَشَّرعِ، واللهُ أعلمُ.
وهذا الاستطراد ذكرته لك للفائدة ، أسأل الله أن يمن عليَّ وعليك بحسن الفهم، وبالإخلاص في القول والعمل.
تعليق