Unconfigured Ad Widget

Collapse

( رمضان في قريتي )

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • السوادي
    إداري
    • Feb 2003
    • 2219

    ( رمضان في قريتي )


    سأتحدثُ عن رمضان الذي يسكن ذاكرتي وكأنه غير هذا الذي أعيشه ، أعني به رمضان في قريتي ، فأقول :
    حينما أتذكر رمضان الماضي أخشى بأنه ذاك الذي وعد الله صائمه بدخول الجنة من باب الريان وأن صائم رمضاننا هذا لا يدخل في وعد الرحمن جل شأنه فشتان بين حالتي الصائمينِ..
    لم يمنع صيام رمضان فيما أذكر المزارع عن مزرعته ولا الراعي عن رعيته ، ولا الصانع عن صناعته ، بل كانوا يؤدون أعمالهم المعتادة التي يمارسونها قبل رمضان كما هي ، ولا يتضجرون ..!
    عناءٌ وتعبٌ ونصبٌ تنالُ الصائمَ في أيام الحرِّ الشديد وهو متمسك بصومه متشبثٌ به ، فلا مكيفات تخفف ، ولا نوم في النهار معه ينسى عطشه وجوعه ..!
    إذًا ، برنامج أهل قريتي في نهار رمضان كان هو نفسه برنامجهم في أيام الأشهر العادية ..

    أما برنامجهم في لياليه فقد تحدثتُ عنه يومـًا ، وقلت :
    ما أجمل تلك الأيام الخوالي وما أطيب أهلها ، وما أنقى سرائرهم ..
    لا أزال اذكر ذلك المكان الواقع وسط القرية الذي يُمدُّ فيه البساط قبل ساعةٍ من حلول موعد الإفطار ، ولا تزال صورة أبي ، وأعمامي وجارنا أبي ساعد وأخيه أبي حامد راسخةً في الذاكرة ..!
    كأني أنظر الآن إلى ذلك البساط و( أنا وسعد ) نحرسه من عبث ( المواشي ) حتى يحضر الكبار وعلى رأس كلٍّ منهم ( مائدة ) مصغرة فيها ما تيسّر مما عملته أيدي أمي وعمّاتي ..!
    ما أروع ذلك المنظر ونحن نتحلّق حول ( السفرة ) المتواضعة ننتظر الأذان ..!
    وجوهٌ مشرقةٌ ، وابتساماتٌ متبادلة ، وأرواحٌ اختلطت فيها البساطة بالنقاء ، وألسنة تلهج بالدعاء ..
    نفطر ، ويأتي موعد الاستماع إلى المائدة اليومية للشيخ على الطنطاوي رحمه الله ، فلا ترى وقت حديثه إلا مصغيـًا ..!
    ثم يكون لنا مع ( الكوميديا ) النقية التي تهدي الابتسامة ، وتعالج قضية من قضايا المجتمع ، ليس فيها تصنُّعٌ ، تخلو من لعن ( فائز المالكي ) ، ومن سب وشتم ( حسن عسيري )، ومن سذاجة وبلاهة ( السدحان والقصبي ) ، أعني بذلك برنامج ( يوميات أم حديجان ) الذي كان يقدمه الممثل المبدع ( عبدالعزيز الهزاع ) ..!
    بعد يوميات أم حديجان يغلق المذياع ، وتبدأ ( السوالف ) الشيقة التي لا تخلو من حكمةٍ أو عظةٍ أو طرفةٍ ، يستمر السمر إلى أن يؤذن للعشاء فنصلي ويحمل كل متاعه وإلى بيته ينطلق ، فقد حان موعد النوم ، هو تطبيقٌ – بالفطرة - لقوله تعالى : ( وجعلنا الليل لباسـًا وجعلنا النهار معاشـًا ) ..!

    هكذا كان برنامج رمضان في قريتي ، سردته لكم باختصار ، فجعلته بين أيديكم مقرونـًا بالعذر ..
  • ابن مرضي
    إداري
    • Dec 2002
    • 6171

    #2
    سقاها الله من أيّام ...!

    لا أدري في الحقيقة هل يتفق معنا أبناؤنا على أنّ الماضي أكثر أصالة وبساطة وحلاوة من الحاضر ، أم أنّه شيء نسبي ، حيث يرون حاضرهم اليوم بنفس النظرة التي كنا نرى فيها ماضينا وسيتحسرون يوما ما على هذا الحاضر الذي يعيشونه عندما يصبح ماضيا ؟! وحتى مع مفردات المالكي السوقية وسطحية البقيّة ، فقد يكون اليوم بالنسبة لهم أفضل من الغد !

    أما عن رمضان في قريتي فإنه لا يختلف كثيرا عما ذكرت أيها الأستاذ . فكما أشرت كان مجتمعا قرويا مشغولا بقوت يومه ، ومحكوما بالفطرة التي فطره الله عليها ، فلا نوم في النهار ، إلا فيما ندر للبعض، ولا سهر بعد صلاة العشاء إلا للقليل .

    نعم لرمضان همّ واهتمام ، البعض يهتم لضيق ذات اليد ، والبعض يهتم لمشقة الصوم مع كثرة الأعمال التي لا يمكن التساهل فيها . فالمدرسة كانت مفتوحة في رمضان مثلها مثل بقية الأيام ، وراعي الغنم لا يعرف الفرق بين مناسبة وأخرى ، فغنمه لابد وأن تسرح سواء في يوم عيد أو يوم موت لقريب . إلا انّه كان لرمضان حلاوته وذكرياته التي لا تنسى .

    فمن ذا الذي ينسى من أبناء قريتي إجتماعنا عند المسجد قبيل صلاة المغرب لنحظى بتمرات معدودة مما كان يسمى بــ ( الفطرة ) . حيث يأتي كل يوم متبرع من أصحاب الأوقاف بــ ( جالوق ) ؛ كيس ، من التمر ، ليفطر به المصلين في المسجد . حيث كانوا يتواجدون في المسجد قبل الأذان ولا يخرجون منه إلا بعد الصلاة . ومن ذا الذي ينسى تلك الجملة الشهيرة التي كنّا نرددها بمجرد سماع الأذان ( آهو وذّن .. آهو وذّن ...آهو وذّن ) ونحن مهرولين إلى بيوتنا ليتمكن من لم يسمع ذلك الصوت الرخيم الذي يطلقه العم صالح بن فرج أو العم أحمد بن خظران ( رحمهما الله ) من معرفة دخول وقت الإفطار ، حيث لم يكن هناك من مكبرات للصوت ولا يحزنون .

    ثم من ينسى تلك ( الدواخن ) ، التي تصعد أعمدتها إلى السماء من كل منزل تقريبا ، من بعد صلاة العصر لتدل على الإستعداد لطعام الإفطار ، ولتخلق جوا مفعما بالروحانية والأطمئنان.

    لا تزال الصورة في ذهني ونحن ننتظم في صفٍ واحد ، بعد أن يأذن لنا صاحب (التمر) بالأقتراب ، وما يكاد أحدنا يحصل على قسمه حتى ويطير كــ( السّيفاح ) إلى بيتهم ليعطي ماحصل عليه من تمر لأهله ، إذ لم يكن التمر متوفرا آنذاك إلا عند القليل .

    لا أبالغ إذا قلت أنّ من أجمل الذكريات في حياتي هو مجيء أبي (رحمه الله) من المسجد بعد صلاة المغرب ونحن نستعد لتهيئة السفرة ، من تبريد ( المرقة ) وتكسير ( الخبز) وتجهيز المكان الخاص به حول ( الملّة ) ثم ما يأتي بعده ذلك من أحداث سريعة ، حيث ما نكاد ننتهي من أكل طعام الفطرة إلا ونحن نتجهز لزيارة الأقرباء أو لأستقبالهم ، حسب الدور المعروف بديهة دون دعوة أو ترتيب .

    نعم كان هناك بعض الاهتمام ببرنامج (أم حديجان) إلا أنه لم يكن سائدا حيث لا يتوفر جهاز الراديو إلا عند القليل . ولكن الشباب كانو يجتمعون دائما تحت شجرة ( الرقّاعة ) التي تتوسط القرية ليمارسوا ألعابهم المختلفة إلى مابعد العشاء بقليل ، ثم تهدأ القرية كاملة ويخلد الناس للراحة من عناء يوم طويل ، ولا يوقظهم إلا ذلك الصوت الذي يأتي من متطووع من أهل القرية ينبههم فيه للإستعداد للسحور ، حيث يطوف القرية أو يصعد أعلاها وهو يردد ( سحورك ياصايم ...سحورك ياصايم ) . فيبدأن النسوة في إعداد السحور ، مع أنّ أكثر أهل القرية يستدلون على وقت السحور بتلك النجوم التي تسمى ( السبّع)؛ الدب القطبي . فما أن تشرف عليهم من مكان معين فوق الجبل الشرقي منهم إلا ويسارعون إلى تناول السحور . ويستعدون لصلاة الفجر ويوم جديد مليء بالعمل والحياة .

    وما أن يقترب الشهر الكريم من الرحيل حتى ترى الحزن والأسى واضحا في وجوه الناس ، صغيرهم وكبيرهم ، حيث سادت فيه روحانية لا يوجد لها مثيل ، ولا يسليهم ويعزيهم فيه إلا استعدادهم للعيد وما يلزمه من ترتيبات .
    إلاّ أنهم لا ينسوه ويبقوا على ذكراه لعدة إيام وهم يقولون : "الله يسقي أيام رمضان ، وياخسارة على رمضان .. وما إلى ذلك " . بل وحتى في يوم العيد كانت القصيدة التي نبدأ بها كأطفال من شاعر القرية الشهير الشيخ عقال الصلصل ( رحمه الله )هي عن رمضان :

    حيث يعلن الأسف على رحيله ويودّعه ، ويدعو على من لم يصمه كما ينبغي :

    يارمضان المبارك .... ربي يلقيّك خير
    من أفطرك لا تبارك ... ولا يعيّد بخير .

    أستاذنا العزيز أبا هاني : أشكرك على أنّ منحتنا فرصة ذكرى جميلة وأعتذر إن لم أت بجديد ولا مفيد .


    كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

    تعليق

    • الواصل
      عضو مميز
      • Oct 2007
      • 2396

      #3
      بارك الله فيك أخي السوادي
      طرح رائع والله يسقي ذاك الزمان وأهله لقد وفيت وكفيت ولم تدع مجال لمن يعقب عليك استاذنا القدير بن مرضي أيضاً تكلم بما يكفي لك الشكر أخي الغالي على التذكير بالأيام الخوالي أيام الأباء والأجداد أيام القرى التي كانت تسعد برمضان رغم الفقر والمشقه والعمل الدؤوب خلال النهار ولم يتغير عندهم شي فرمضان كسواه من الأشهر قبله وبعده اما رمضان هذه الأيام فالشكوى لله ولن أعلق على ذلك لأنك أعطيته حقه تقبل تحياتي وتقديري ودمت في رعاية الله وحفظه وكل عام وأنت بخير

      تعليق

      • أبوهاجر
        عضو مميز
        • Oct 2004
        • 6592

        #4
        أخي الحبيب السوادي


        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


        تشكر كل الشكر على هذا الإبداع المتواصل والطرح الرائع



        وكما عهدناك أخي الغالي في اختياراتك وأخلاقك وتعاملك .


        وزاد الابداع الحبيب بن مرضي



        وفقكم الله بتوفيقه وسدد على طريق الخير خطاكم .



        وأطال الله في عمركعلى طاعته


        وكل عام وأنتم بخير
        ♥ஓ♥ أسال الله أن يحفظهم من كل مكروه♥ஓ♥

        تعليق

        Working...