Unconfigured Ad Widget

Collapse

ابن الحب !!

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • فارس الأصيل
    عضو مميز
    • Feb 2002
    • 3319

    ابن الحب !!

    أحمد الله الذي خلق وصور وأودع هذا الكون من الأسرار ما هو به عليم أحمده على كل حال اعترافاً بعظيم منه وكرمه وإجلالا له سبحانه بعظم خلقه وجميل تصويره خلقنا في أحسن صورة وأكملها وأودع فينا دقائق تذهل المتأمل وتقوده للوحدانية إذ أمر الإنسان وحده بتأمل نفسه وما حوله فقال ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) وأكثر من تنبيهنا إلى استخدام العقل والتعقل والتفكر
    ثم أصلي على نبي الرحمة والرأفة نبي النور والهداية مرشد البشرية إلى خيري الدنيا والآخرة الذي ما عرف التأريح محباً مثله صادقا ودودا رحيماً صلى الله عليه وسلم وبعد :
    ففي احدى ليلاي الصيف صال بخاطري الطيف وجال, وحملني على العود إلى قراءات متأملة إذ يحدوني الشوق إلى تلك القراءات التي أحبها كثيراً حيث يغوص المرء في مشاعره يحس بحلاوة الحس وانتشاء الروح وصدق المشاعر التي تتحول من جدول صغير إلى شلال يهدر حيث تلوح آثاره في العين قطرات .
    في تلك الليلة امتدت يدي إلى قصة من قصص التأريخ أتأملها وكثيراً ما فعلت صاغها كاتب وأديب وفقيه وعالم أحببته وسهرت كثيراً على شموعه التي أشعلها قبل أن تغمض عينه يوارى الثرى ولو أحصيت كم مرة استلقيت بين أسطره لما استطعت حصرها لكثرة ارتيادي لمغانيه واستلقائي على جنانه الخضر .
    في تلك الليلة التي وقعت عيني على تلك القصة التأريخيه التي قد لا تتجاوز في مجملها صفحة أو صفحتين لكني قرأت مالم أحتمله إذ الخيال الواسع والمشاعر الهادرة والصور الرائعة التي نسجها في عبارات تصعب على أمثالي قراءتها بلا قلب عاقل فهو يأخذ القصة ويغمسها في خياله ليخرج لنا بستاناً وافر الظل وفير الماء طيب الثمر زكي الرائحة .
    عنون الأدب الفقيه لقصته بما جعلته عنوانا لمشاعري هذه إذ لم أعرف القصة إلا منه فهو من أطلعني عليها وأخبرني بها إذ هي مدهشة وغير عادية أجبرتني على كتابة أسطري هذه بالرغم من نفوري عن الكتابة وشتات فكري إلا أني تشجعت للحديث حولها واستخلاص العبر منها لكني متعب الآن وقد قاربت ساعتي على الثامنة والنصف صباحاً ولم أذق طعم النوم فإلى حين أجد راحتي وصفاء ذهني سأعود لكم بالقصة وما وجدته بين سطورها ..
    دمتم في رعاية الله
    هـذا أنا قـدر تـقـاذفـنــــــــي
    كالبحر عمقاً والفضاء مدى
    مدونتي
    أحمد الهدية
  • فارس الأصيل
    عضو مميز
    • Feb 2002
    • 3319

    #2
    يقول الأديب متحدثاً عن موطن الحدث :
    (( الطائف تلك القرية المسحورة التي سارت ـ كما تروي الأساطيرـ , سارت من ربوع الشام بينابيعها وجداولها, وبساتينها ورياضها, وزهرها وثمرها, فطافت حول الكعبة ثم تسلقت الصخور حتى استقرت في أعالي جبل ( غزوان ) وهجعت على سرير من السحاب حالمة بالسهول والأنهار والنعمة والخصب, لتستيقظ مع الفجر لتصنع العظماء والقادة وتقذف بهم إلى الدنيا الواسعة ))
    ذلك ما قاله الأديب عن موطن القصة وأمعن التفكير في قوله عن بدايات الأحداث بقوله :
    (( وكانت منازل الطائف كأنها أسراب من العشاق قد تغلغلت في هذه البساتين, لتفيء إلى عزلة سعيدة, تنعم فيها بذكرى اللقاء الماضي وتحلم بلقاء جديد... وأوى الزراع إلى بيوتهم فناموا بين أهليهم كما نام الرعاة إثر نهار حافل بالتجوال الفاتن, في هذه الجبال التي تتفجر صخورها السود بالنبت الأخضر والزهور البرية ذوات الألوان العارية, ولم يبق في المدينة عين ساهرة إلا عين سيد غريب ( يذكره هذا الليل الساجي وهذا البدر المطل بلده, فيؤرقه الشوق, فهو يطوف بهذه المرابع ويده على قلبه ) وعيوناً أخرى خلال البيوت التي تبدو سرجها المضيئة ـ من بعيد ـ كليلية الضوء ( ترتجف) من الخجل وهي تضرب بأشعتها تائهة وسط الفضاء, حيث يجلس على العتبات فتيات بائسات يعرضن في استحياء أجساداً قد عرتها هاتيك المهنة الآثمة, ينتظرن عابرا يسوقه المقدار إليهن فيبعنه اللذة ويطعمنه من لحمهن... ليعطيهن دراهم يحملنها إلى أسيادهن الذين يكرهونهن على البغاء, ولا يكون نصيبهن بعد ذلك إلا أرغفة من الخبز معجونة بالدم والشرف والوحل.
    تلك هي سنة قوم لم يتأدبوا بعد بآداب الإسلام ))
    بعد أن تحدث عن بطل القصة هاهو الآن يعرج على من شاطر ذلك السيد في البطولة فيقول وبعد أن وصف حالهن من التعب من طول الانتظار ولم يطرقهن طارق فنمن متعبات :
    (( ولم يبق إلا فتاة صغيرة تنظر إلى السماء بعينين زرقاوين بلون السماء, تفيضان بالطهر... رغم أنهما في وجه بغي, ولها فم صغير حلو ينطق بالصفاء من غير أن تتحرك شفتاه الرقيقتان, وكأن هذا الفم ورد من ورود الجنائن, غير أنها لا تذوي ولا تذبل, وأنها من لحم ودم, وكانت من بنات الروم؛ فما تحترف عربية حرفة الخنا . وكان لها شعر أشقر متموج يبرق تحت أشعة القمر كبريق الذهب, وجسم أبيض لدن له لون العاج, ولين الحرير, وسحر الحب وفعل الخمر.. فهي وردة نمت في غير أرضها, فازدادت ـ بندرتها ـ جمالاً إلى جمالها ))
    ثم يجنو عليها حنو الأب العفيف فيقول :
    (( وكان مكان هذه الفتاة بين ذراعي أم تحنو عليها أو زوج يحميها, يكتم سر هذا الجمال أن يفشو ويستعلن وتعبث بقدسيته العيون السارقة والأيدي المجرمة... لكن من بيده أمرها لم ير لها إلا هذا المكان الذي تنتهبها فيه العيون وتعبث بها فيه الأيدي وتفترسها فيه سباع البشر))
    ثم يف ليصور حال الفتاة وما هي فيه بتصوير بديع وعقل واع وأدب جميل فيقول :
    (( أفرأيت الزهرة اليانعة تلقى بين ألسنة اللهيب, والحمل الضعيف يرمى بين أينياب الذئاب ؟ كذلك كانت هذه الفتاة وقد قذفت بها الحياة بين ذراعي كل وبش فظ غليظ من ذئلب الناس وكلابهم, هي زهرة ولكن الرياح العاتية قطفتها من غصنها ثم ألقتها بين الأشواك البرية لتجف عليها وتذوي وهي وردة ولكن النهر الجياش اخطفها من منبتها ثم رمى بها في الحقل لتموت تحت أرجل البهائم والأناسي ))
    هاهما بطلي القصة قد أطلا لكن كيف التقيا وكيف دارت رحتى القصة هذا أتركه لحين يصفى الذهن وتنتهي المشاغل وتهدأ النفس لنكمل سوياً
    إلى ذلك الحين استودعكم الله
    هـذا أنا قـدر تـقـاذفـنــــــــي
    كالبحر عمقاً والفضاء مدى
    مدونتي
    أحمد الهدية

    تعليق

    • الشعفي
      مشرف المنتدى العام
      • Dec 2004
      • 3148

      #3
      قصة ذات أسلوب أدبي راقي

      ننتظر البقية منك أخي فارس الأصيل

      دمت في رعاية الله
      من مواضيع الشعفي في منتدى الديرة

      تعليق

      • فارس الأصيل
        عضو مميز
        • Feb 2002
        • 3319

        #4
        يقول الأديب ـ رحمه الله ـ بعد أن عرفنا بموطن الحدث وبطليه ذكر عن الفتاة أنها لبثت جالسة تنتظر أن يأتي أحد ما ليدفع لها مقابل المتعة الحرام ولكن طال انتظارها فقال صاحبنا يصف حالها بعد يأسها من حضور ذئب جائع في هذه الحالة :
        (( ذكرت عرضها الذي مزقته مطامع سيدها, وجسدها الذي أبلته وحشية الرجال طلاب اللذة من كل شكل ولون, فانطلقت تبكي وذهبت هائمة على وجهها حتى ابتعدت عن هذه البيوت ))
        أقول إن هذه الحالة من التفكير العميق والشرود الذهني والألم الضاغط يجعل الإنسان منا يقطع طريقه دون أن يشعر كما فعلت هذه الفتاة لكنها في هذه الأثناء :
        (( إذا هي بشبح يسير في شعاع القمر متشحاً بثوب أسود لا يبين منه شيء, فظنته من رجالها ومشت إليه, فلما رآها ارتاع وارتد, وعجب أن يرى فتاة صغيرة كأنما هي حوراء من حور الجنان تسير تحت ذوائب الليل,
        - وسألها : ما لك أيها الفتاة؟
        - مالي ؟ ماذا ترى فيّ ؟
        فلم يجب وجعل يحدق فيها تحديقاً شديداً مأخوذاً بجمالها, وهي تنظر متعجبة, لأنها كانت من السذاجة والصفاء بحيث لا تدري جمالها وفتنتها, ولأنها لم تجد من الرجال من يرفع عينيه إلى وجهها, وإنما وجدتهم جميعاً يخفضون عيونهم إلى غير الوجه . فما بال هذا الرجل ؟
        ومرت دقائق حسبها كل منهما دهراً طويلاً, ثم قال لها بصوت حلو رقيق ــ وقد أشفق عليها أن تنال برودة الليل من هذا الجسم اللدن الناعم الذي خلق لينعم بدفء الحب ــ : لم لا تدخلين إلى دارك ؟ ))
        بظني أن من اعتاد على أمر وشب عليه دون الوقوف عنده لمعرفة معانيه قد يردده كثيراً دون انتباه لكنه حين ينتبه يجد نفسه ساذجاً كالببغاء وتلك طبيعة بشرية لمن لم يعمل عقله الذي ميزه الله به دون سائر المخلوقات وهذا ما رأيته في هذه المسكينة إذ يقول الشيخ الأديب ـ رحمه الله ـ عنها :
        (( فأجابته هذا الجواب الذي ألفته حتى ما تفكر في معناه ولا تدري منه إلا أنه واجب عليها يجب أن تؤديه كآلة جامدة : بشعرة دراهم... هل تدخل ؟))
        يا الله أي نفس تلك وأي ضحية انظروا إلى كثير من المساكين في هذا العالم ممن سلم عقله لغيره حتى تحكم في جسده ومشاعره حتى غدا أشبه بالحيوان المروض تأملوهم في كثير من المعتقدات الباطلة والأفكار الشركية والمذاهب المخالفة التي حادت عن شرع الله وكذلك في كثير من أجيال اليوم كل هذا يحدث بسبب أن الإنسان لا يقف للحظه مع النفس ليفكر ويسأل رحمني الله وإياكم وثبتنا على الحق
        يقول الشيخ الأديب ـ رحمه الله ـ : (( ووثبت بين يديه تسعى إلى الدار بخفة ظبي أفلت من شبكة الصيلد, وتبعها حزيناً متألماً, يفكر في هذا الجمال كيف تعلق به الأرجاس, ويأسى لها ويتمنى لو استطاع أن يسمو بها إلى أفق الطهر والعفاف. حتى بلغت الدار فدخلت ودعته إلى الدخول, ثم أغلقت الباب ووقفت بين يديه تنظر ما يريد ))
        .
        .
        .
        سنكمل فيما بعد إن شاء الله
        هـذا أنا قـدر تـقـاذفـنــــــــي
        كالبحر عمقاً والفضاء مدى
        مدونتي
        أحمد الهدية

        تعليق

        • فارس الأصيل
          عضو مميز
          • Feb 2002
          • 3319

          #5
          لو أنني سألت ووضعت جائزة وقلت من يكمل القصة لوردت إلي الكثير من الأفكار منها الخيالية ومنها الواقعية والتي تتبادر إلى ذهن القارئ الآن وهو ماذا يفعل رجل مع امرأة بغي في دارها لا شك أن الأمر أوضح من الشرح والإسهاب لكن الكاتب الشيخ الأديب عليه رحمة الله فاجأنا بقوله :
          (( يا لهذه المسكينة التي عاشت وسط الرجس, ولكن قلبها ظل نقياً طاهراً لأن الخطيئة لم تصل إليه . فم يبد الرجل حراكا ، فجعلت تنظر إليه حائرة وقد بدأت تخشاه وتظن به الضنون . ماله لا يصنع كسائر الرجال ، يأخذونها عارية كشعاع القمر فيعبثون بها ويسخّرونها للذاتهم كأنها أداة لا تعقل ولا تشعر ثم يلقونها كما يلقي المرء برتقاله يمتصها حتى لا يدع فيها إلا قشرة خالية من الماء. ماله لا يفعل شيئا من هذا؟ إنه ينزع ثوبه فيلقيه عليها يحفظها من برودة الليل فيبدو من ورائه شبابه وجماله وثيابه الغالية ، ثم يأخذها برفق ويجلسها على ركبتيه وينطلق يسائلها عن اصلها ومنبتها ، ويلقي في أذنيها من احاديث الحب مالم تسمع مثله من قبل فيحيى في نفسها الطهر والفضيله ، ويغسلها من أدران هذه الحياه الداعرة فتحس كأن جناحيها اللذين حطمتهما يد الأيام قد نبتا من جديد ، وتحس بأن هذا السيد الذي هبط عليها هذه الليلة هبوط ملك الرحمة يطير بها في آفاق طال عهدها بفراقها ، آفاق واسعة كلها نور وعطر . وتذوق المرة الأولى لذة العاطفة التي تمتزج بها النفسان وتتحدان ، وتعرف حرارة الصدر المحب وحلاوة العناق اللذ.))
          سنعود فهناك ما يدهش إن شاء الله
          هـذا أنا قـدر تـقـاذفـنــــــــي
          كالبحر عمقاً والفضاء مدى
          مدونتي
          أحمد الهدية

          تعليق

          • فارس الأصيل
            عضو مميز
            • Feb 2002
            • 3319

            #6
            هنا تقف النفوس الأمارة بالسوء في دهشة هل يعقل أن يمكث هذا السيد في خدر تلك الفتاة الحالمة ويجلسها على فخذه ويتحدث معها بحديث كله حب وأحاسيس متدفقه ثم لاتغريه بالفعل ؟!
            أيعقل أيها القراء أن يحدث هذا ؟! ونحن في عصرنا هذا الحديث من يسمع همس امرأة تراقصت أطرافه واقشعر جلده وأحس بأجزائه تتحرك وتصبب عرقه فكيف وهي على فخذا وتتحدث إليه هو ولا يزيده إلا ثباتاً ؟!
            لكأني بقاريء يقول إن ذلك الشيخ الأديب ـ رحمه الله ـ وهو يروي القصة لا بد أنه نسي شيئاً ما أو تجاهله رغبة منه أو حياء.. لكني أقول لكم أيها السادة الكرام إن العربي الأصيل صاحب مبدأ وهو الذي كان يقول :
            وأغض طرفي إن بدت لي جارتي
            حتى يواري جارتي مأواها
            وهو ذلك العربي الذي كان يحمل من الغيرة والنخوة والشهامة ما يجعلني أرى ذلك حقاً والتي لا تصح معها على كل المقاييس مقارنة الأمس الساطع الأبيض الناصع باليوم الباهت المشوب إن الفرق بين الأمس واليوم لا يخضع فقط للواقعية المحضة والتفكير المجرد لكنه يرتكز على قيم ومبادئ عاشها أؤلائك القوم مع سخافة عقدية في الجاهلية إذ كانوا لفرط غيرتهم وخوفهم من العار والفضيحة يدفنون البنات أحياء إلا أن مجيء الإسلام أقر لهم بالشهامة والرجولة والنخوة والغيرة التي فقدها كثير من الناس وغدت كشمعة صغيرة في ظلام عصرنا الحاضر إلا ما رحم ربك وطهرهم وأصلح عقائدهم ورص صفوفهم وأفهمهم معنى الرجولة الحقة والشهامة الحقة وحدود الغيرة فسادوا الدنيا وملكوها بلا إلله إلا الله فرضي الله عنهم ورحمهم وألحقنا بهم .
            وحتى لا أذهب بكم بعيداً تعالوا لنقرأ ما قاله الشيخ يرحمه الله في إكماله للقصة قال :
            (( ولما خرجت تشيعه كأن الليل قد تصرم وبدت طلائع الفجر من وراء الصخور, تغسل الأرض بالنور بعد أن خلعت عنها رداء الظلام. فوقفت الفتاة تنظر إليه وقد أحست أن هذا الحب قد نقاها من رجسها, وأن الفجر قد سطع على قلبها فبدد ظلماته. وتنبهت في نفسها ذكريات ماض بعيد حسبته قد مات منذ زمن طويل فإذا هو حي قد أكسبه الحب يقظة وقوة, وطفقت صور هذا الماضي تتدفق على نفس الفتاة فتبصر صباحها الطاهر كثلج الصباح وحياتها في تلك الخمائل البعيدة من وطنها الثاني كفراشة تطير خلال الورد... ولكنها لا تتبين هذه الصور ولا ترى منها إلا خيالات ضعيفة. لقد مشت عليها السنون فمحتها بأقدامها... ثم تفكر في حياتها الحاضرة التي تخوض حمأتها الدنسة, وتعرض لها صور هذه الأجساد البشعة القذرة التي مست جسدها وعانقته وقبست منه لذتها, فيعروها ارتجاف شديد, وتواري وجهها بكفيها حياء وخجلا... ثم تذكر هذا الحب الذي مس قلبها بكهربائه فأضاءه وزكاه, فتعتزم التوبة لتصل ماضيها البعيد بمستقبلها الذي طهره هذا الحب الوليد .
            وبزغت الشمس ولم يغمض للفتاة جفن, فدخلت منزلها تستريح, وإذا هي برجل يدخل عليها يبتغي أن تمنحه اللذة. فتتأمل في وجهه فإذا هو بكر الثقفي, أشد شباب الطائف وأقواهم. فيرعبها مشهده, ويروعها كأنما هي عذراء لم تفارق خدر أمها, فتبتعد عنه مضطربة, فيعجبه ذلك منها ويظن أنها تداعبه, فيبالغ في الإقتراب منها ويأخذ بيدها, فتحس لملمسه كأن حية سوداء قد التفّت على عنقها, فيقشعر جسمها كله ويقف شعر رأسها وتصرخ به : ابتعد عني!
            فيضحك الرجل ويكركر من الضحك, ويشد على يدها ليجذبها إليه, فتعود إلى صراخها.
            ــ ما للغزال نافراً هذا اليوم؟ تعالي!
            ــ قلت لك دعني, دعني؛ لست لك .
            فيصيح بها ساخراً : لمن أنت إذن أيتها العذراء البتول ألزوجك ؟
            ويوغل في الضحك ويضمها إليه, فتلطم وجهه وتوغل في الصراخ, فيغضب الرجل ويقسو عليها .
            ــ ألم تقل لك إنها لاتريدك ؟
            صوت هادئ متزن جعل بكراً يرسل الفتاة ويلتفت إليه...!!! ))
            سنكمل إن شاء الله لا تذهبوا بعيدا
            هـذا أنا قـدر تـقـاذفـنــــــــي
            كالبحر عمقاً والفضاء مدى
            مدونتي
            أحمد الهدية

            تعليق

            • فارس الأصيل
              عضو مميز
              • Feb 2002
              • 3319

              #7
              حينما سمع بكر الثقفي الصوت من خلفه تعجب في نفسه حيث لم يجرؤ أحد من شباب الطائف أن يوقفه عما يريد في يوم من الأيام إلا وصرعه وغلبه ولذلك اكتسب هذه الهيبة في نفوس أقرانه لكنه الآن في قمة الرغبة لديه تستعصي عليه فتاة بغي وتلطمه على وجهه فيزداد غضبه وفوق هذا كله يأتي من يوقفه بكل بساطه ذلك ما ازداد من غضبه لحظة انطلاق الصوت من خلفه فهكذا هي قوة الشباب التي تعشق التحدي وتتمنى التصدي وتميل كثيرا النفوس إلى العدوان والتعدي في سكرة النشوة وغفلة العقل والقلب معاً لنقرأ ونتصور ما قاله شيخنا الأديب رحمه الله حيث وقف بنا حينما التفت بكر إلى ذلك الصوت قال:
              (( فيرى فيه سيداً كامل الشباب موفور الرجولة, بثياب غالية تشعر بالسيادة والغنى. وتطمئن الفتاة وترى فيه حبيبها ومنقذها, ثم يخالطها الخوف عليه لأنها تعلم أي رجل هو بكر, ذلك الذي لا يقوم له شاب في هذا البلد ولا كهل))
              قلت معلقاً على بكر هذا ومن هذه صفته في كل زمان ومكان مجرد من الاحترام والتقدير مستغل لقدراته في غير محلها هذه والله هي الهمجية الحيوانية بأعلى صورها وهل الإنسان إلا أضل من الحيوان إن غيب عقله وأصبح دون رادع من دين أو خلق أو عرف سائد مشروع؟!! يكمل الشيخ رحمه الله فيقول عن ذلك المشهد :
              (( وتنتظر نهاية هذا العراك وقد أعدت نفسها للدفاع عن حبيبها .
              ويصيح به بكر مغضباً : من أنت أيها الرجل الذي يتجرأ على بكر الثقفي ؟!
              ويرفع يده عليه, ولكن الرجل يغض من يده ويقول له هادئاً : أتحب أن تعرف من أنا ؟ اقترب لأخبرك .
              ويلقي في أذنه ذلك الإسم الكبير, فتسقط يد بكر على جنبه, ويعتذر لهذا السيد, ثم يخرج يا ئساً يفتش خلال تلك البيوت عن بنت أخرى تبيعه اللذه. ويأخذ هذا السيد بيد الفتاة إلى دارها التي أعدها لها .
              وانعقد الرباط بين قلبيهما الحبيبين, فأصبحت هي حياته لا يعرف الحياة إلا ساعة يكون معها, واختصرت دنياه كلها فكانت نظرة واحدة في عينها, وملأت نفسه هذه الفتاة التي ظهرت له فجأة كما تظهر الشمس من وراء الجبل فتملأ الوادي نوراً وحياة .
              لقد نسي هذا السيد المجد الذي ينتظره في مكة, والمعركة الكبرى التي ترقب فيه قائدها ومديرها .
              ذلك هو الحب أقوى كائن وأعظم مخلوق ...... ))

              سنكمل إن شاء الله فيما بعد
              هـذا أنا قـدر تـقـاذفـنــــــــي
              كالبحر عمقاً والفضاء مدى
              مدونتي
              أحمد الهدية

              تعليق

              • فارس الأصيل
                عضو مميز
                • Feb 2002
                • 3319

                #8

                ذلك هو الحب, أقوى كائن وأعظم مخلوق.
                وقد صدق الشيخ الأديب فيما قال أي والله ما كذب. من غيره ذلك المخلوق الخفي الذي لم يستقر أحد على تعريفه وضبطه ووصفه وقد حاول الكثيرون ومن أشهرهم ممن قرأت لهم ابن حزم الظاري ـ رحمة الله عليه ـ في كتابه طوق الحمامة لم يستطع إرواء الغليل بل فيما بدا لي أنه قد بدأ من عند الذي انتهى منه غيره وجاء بتفسير انتقادي لما كان يقوله السابقون . ولقد مرت علي فترة من الزمان وما لي في الحياة غير مطاردت هذا الحب سرت على جداولة وسبحت في أنهاره وركبت بحوره وخضت محيطاته ووالله ما رسيت على بر إلا وأنا جاهل به أكثر من ذي قبل فسبحانه ذي العرش المجيد الذي جعل ذلك المخلوق في أنفسنا يحركنا ويستميلنا ويلعب بنا يمنة ويسره وفوق ذلك كله قد رتب عليه ثواباً عند تقديم الله وشرعه وقد جعل الله شرط حبه ومحبته اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وأهله وحتى رسول الله جعله شرط الإيمان حينما تحدث إليه عمر فهو مرتبة عظيمة وقد يكون مرض يخرج من ملة الإسلام وقد صدق الله ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) ذلك هو الحب أيها السادة الكرام .
                وهاهو أديبنا يقول مكملا حديثه حين وصل لهذا الحب واصفاً هذا المخلوق العجيب :
                (( يستطيع الحب أن يمحوا من النفس صورة المجد والجاه, والفضيلة والرذيلة, والطموح والحسد, ولكن لا يمحوه شيء.
                الحب أحجية الوجود. ليس في الناس من لم يعرف الحب, وليس فيهم من عرف ما هو الحب. الحب مشكلة العقل التي لا تحل, ولكنه حقيقة القلب الكبرى.
                الحب أضعف مخلوق وأقواه, يختبئ في النظرة الخاطفة من العين الفاتنة, وفي الرجفة الخفيفة من الأغنية الشجية, وفي البسمة المومضة من الثغر الجميل... ثم يظهر للوجود عظيماً جباراً فيبني الحياة ويهدمها, ويقيم العروش ويثلها, ويفعل في الدنيا والأفاعيل ))
                وصدق والله ما كذب
                انتظروا فلا يزال هناك المزيد ..
                استودعكم الله
                هـذا أنا قـدر تـقـاذفـنــــــــي
                كالبحر عمقاً والفضاء مدى
                مدونتي
                أحمد الهدية

                تعليق

                • فارس الأصيل
                  عضو مميز
                  • Feb 2002
                  • 3319

                  #9

                  أيها السادة الكرام :
                  سلام من الله عليكم بعد طول غيبه, وقد كنت حدثتكم في آخر مرة عن وصف شيخنا الأديب عن الحب وكيف يفعل الأفاعيل حتى يغدو بأصحابه صم بكم عمي فهم لا يعقلون, هكذا هو الحب وهكذا هم المحبون.
                  وقبل أن أن نستغرق في استكمال قصة بطلنا ( ابن الحب ) وقعت في حيرة من أمري فوالله ما مر بي يوم تشتت فيه الفكر واهتزت فيه المشاعر وارتعش فيه الجسد إلا حين أحاول أن اكتب أو أبحث عن سطور تتحدث عن هذا المخلوق العجيب, ووالله لقد رأيت أعاجيباً حين تبحرت فيه وغصت في العمق, ولكم أن تتأملوا معي هذا القول الذي ورد في ( رسالة ود ) المنشورة في كتاب الأديب مصطفى صادق الرافعي ( من وحي القلم ) يقول بعد أن استطرد في ذكر الكثير حول محبوبته ووصفها إلى أن قال :
                  (( وكان حبي إياها حريقاً من الحب, فمثّل لعينيك جسماً تناول جلده مس من لهب, فتسلع هذا الجلد هنا وهناك من سلخ النار, وظهر فيه من آثار الحروق لهب يابس أحمر كأنه عروق من الجمر انتشرت في هذا الجسم؛ إنك إن تمثلت هذا الوصف ثم نقلته من الجلد إلى الدم, كان هو حريق ذلك الحب في دمي )) ثم يقول بعد ذلك عن هذا المخلوق (( ولقد أيقنت أن الغرام إنما هو جنون شخصية المحب بشخصية محبوبه, فيسقط العالم وأحكامه ومذاهبه مما بين الشخصيتين, وينتفي الواقع الذي يجري الناس عليه, وتعود الحقائق لا تأتي من شيء في هذه الدنيا إلا بعد أن تمر على المحبوب لتجيء منه, ويصبح هذا الكون العظيم كأنه إطار في عين مجنون لا يحمل شيئاً إلا الصورة التي جن بها !.)) ويقول في شيء من الهلوسة الفكرية والهذيان (( وأحسست في المكان قوة عجيبة في قدرتها على الجذب؛ جعلتني مبعثراً حول هذه الفتانة, كأنها محدودة بي من كل جهة.
                  وخيل إلي أن النواميس الطبيعية قد اختلت في جسمي إما بزيادة وإما بنقص؛ فأنا لذلك أعظم أمامها مرة وأصغر مرة ))
                  أيها السادة الكرام :
                  اعذروني فذلك الخلوق العجيب لا يترك فينا إلا كلمات مبعثرة ودمعات وأشياء أخرى يعلم الله أني لا يردني إلا الإطالة وإضاعة القصة وتشتيتك ولكن ما أفعل والحديث عن الحب .
                  سامح الله الحب فقد ترك جلنا مجانين منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون
                  هـذا أنا قـدر تـقـاذفـنــــــــي
                  كالبحر عمقاً والفضاء مدى
                  مدونتي
                  أحمد الهدية

                  تعليق

                  • فارس الأصيل
                    عضو مميز
                    • Feb 2002
                    • 3319

                    #10

                    قال الأديب مكملاً القصة :
                    (( كانا يلتقيان دائماً فيتحدثان عن ما ضيهما وحاضرهما, ويكشف لها من أسرار قلبه مثلما تكشف له من أسرار قلبها, فكان هذا التكاشف طريق الوحدة والفناء في الحب؛ حتى إذا لم يبق لأحدهما سر يكتمه عن الآخر, لم يبق له (أنا) ينفرد بها عنه .
                    لقد طهرها حبه, وصهر ماضيها الملوث فأحاله بنار الهوى جوهراً خالصاً, ورفعها من الحضيض الضيق الذي كانت تتقلب في ظلماته إلى سماء عالية رحيبة. وليس كالحب ( إذا لم يكن حرام ) مطهراً للنفوس, ومصلحاً للأمم, وحافزاً إلى الفضيلة .
                    لولا الحب ما أشرقت الشمس وغمرت الأرض بنور ربها ولا منحتها الفء والحياة. ولولا الحب ما التف الغصن على الغصن في الغابة النائية, ولا عطفت الظبية على الطلا في الكناس البعيد, ولا حنا الجبل على الجبل في الوادي المتعزل, ولا أمد الينبوع الجدول الساعي نحو البحر. ولولا الحب ما بكى الغمام لجدب الأرض, ولا ضحكت الأرض بزهر الربيع, ولا كانت الحياة. ))
                    سنكمل لا حقاً إن شاء الله
                    هـذا أنا قـدر تـقـاذفـنــــــــي
                    كالبحر عمقاً والفضاء مدى
                    مدونتي
                    أحمد الهدية

                    تعليق

                    • فارس الأصيل
                      عضو مميز
                      • Feb 2002
                      • 3319

                      #11

                      (( كانا يخرجان كل غداة حين تبسم الشمس بسمتها الأولى, فيجلسان على هذه الصخرة المنفردة المطلة على البساتين القريبة والقفار البعيدة, فيشاركان العصافير غناءها, والورد ضحكه, والنسيم همسه, والنور طهره وصفاءه, فيتحدثان ويتناغيان كحمامتين ضمهما وكر, وهما ينظران إلى الرعاة يسوقون أغنامهم نحو السفوح العاشبة, يغنون أغانيهم الساحرة أو ينفخون في الناي تلك النغمة الفاتنة التي يتوارثها الرعاة جيلاً عن جيل فلا يفقدها التكرار حلاوتها ولا جمالها. فإذا انبسطت الشمس وتصرمت الضلال أويا إلى الدار فعاشا روحاً واحدة في جسمين... ثم إذا وقفت الشمس للوداع خرجا مرة أخرى إلى الصخرة يودعان الشمس, فينظر كل منهما بأربع عيون, ويلقي هامساً في أذنيها أغاريد الحب, فتسمعها بروحها وتجيب عنها بعينيها, حتى تغيب الشمس ويلقي الليل ذوائبه السود على الدنيا, فيعودان .
                      الحب ربيع الحياة المزهر, ولكن الربيع ينتهي ويأتي الصيف بحرارته, والخريف بشحوبه, والشتاء بزمهريره, ولا بد أن ينتهي الربيع. أيام الحب كأس مترعة بالشراب, ولكن الكأس تفرغ ويحس الإنسان بالضمأ, ولا بد أن تفرغ الكأس ))
                      سنكمل فيما بعد إن شاء الله
                      هـذا أنا قـدر تـقـاذفـنــــــــي
                      كالبحر عمقاً والفضاء مدى
                      مدونتي
                      أحمد الهدية

                      تعليق

                      • فارس الأصيل
                        عضو مميز
                        • Feb 2002
                        • 3319

                        #12
                        أحبتي القراء :
                        بعد طول غيبة وتجوال أقول لكم كل عام وأنتم ومن تحبون بألف خير وأسأل الله أن يجعل هذا العام نهاية البغض والكراهية وتفكك الأسر والروابط الأخوية وأن يجعلني وإياكم من المحبين الصادقين حيث تصح النفس وتصحو ثم تسمو وتعلو جمعني الله بكم في عليين. اللهم آمين
                        سنتابع القصة إن شاء الله
                        هـذا أنا قـدر تـقـاذفـنــــــــي
                        كالبحر عمقاً والفضاء مدى
                        مدونتي
                        أحمد الهدية

                        تعليق

                        • ابن مرضي
                          إداري
                          • Dec 2002
                          • 6171

                          #13
                          اللهم آمين . وكل عام وأنت بخير . ونسأل الله لك التوفيق في إكمال ما تريد .
                          كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

                          تعليق

                          • الواصل
                            عضو مميز
                            • Oct 2007
                            • 2396

                            #14
                            أخي الغالي (فارس الأصيل)
                            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                            كل عام وانت بخير بأذن الله وفقك المولى جل في علاه حقيقه قصه رائعه وتسلم يمينك التي سطرت وصح لسانك الذي شكل أعذب الكلمات وأقربها للقلوب المحبه وفي شوق للمزيد ولبقية الأحداث فجزاك الله كل خير وتقبل مني وافر التحيه والتقدير (محبك الواصل)

                            تعليق

                            • فارس الأصيل
                              عضو مميز
                              • Feb 2002
                              • 3319

                              #15

                              أخي الغالي وأستاذنا الكريم عبدالله
                              شكرا لمرورك العطر


                              أخي الوصل
                              أوصلني الله وإياك والقراء لأعلى عليين فردوس رب العالمين أحبابا على سرر متقابلين
                              هـذا أنا قـدر تـقـاذفـنــــــــي
                              كالبحر عمقاً والفضاء مدى
                              مدونتي
                              أحمد الهدية

                              تعليق

                              Working...