عابر سبيل
لا يكاد المرء يجد مكانا منعزلا في جبال عسير ليرتاح فيه مع عائلته إلا ويلاحقه المتسولون الذين يسمون أنفسهم عابري سبيل . ولا يملك المرء إلا أن يتعاطف معهم مهما كانت قناعاته وخلفياته عنهم .
بالأمس فاجأني رجل (عابر سبيل ) قد رسم عليه الزمن أضعاف ما بلغه من العمر ، لحيته تضيف إليه عمرا وتكسيه وقارا ، حيث تركها لطبيعتها تتواطأ مع بعضها كما يتواطأ العشب مع بعضه البعض . فاجأني بما يحمل من حقد دفين لكثير من أبناء هذا الوطن . حيث أكدّ أننا لا نستحق هذه النعمة وأننا متكبرون ومتغطرسون ونحب الظهور، وحتى عندما نعطي أمثاله ، من عابري السبيل ، فإننا لا نعطيهم إلا ليقال ، وأننا نجود أكثر ما نجود إذا رأينا توثيقا لما نقدمه ونجود به !
تبسمت ساخرا منه وقلت له وماذا تظنّ جعلني استقبلك في هذا المكان المنعزل الذي اقتحمت فيه خصوصيتي ، وأفسدت عليّ متعتي؟! وأوضحت له أنني استغرب منه فعلا أن يكون بهذا الانطباع ..!
ما أن غادر المكان حتى جلت بفكري وتذكرت قصة حكاها لنا رجل عن أمره مع رئيس له ، حيث أعماه الحقد والحسد ، فكتب إلى الجهة المسؤولة عن هذا الرئيس كتابا خصا وقعه بتوقيع فاعل خير . وأرسله من مدينة بعيدة عن المكان الذي يعمل فيه ، كتب فيها عن إخفاقات وتجاوزات هذا الرئيس التي أختلق بعضها وزاد على ما هو موجود منها . فتضرر الرئيس من فعل الخير وفاعله ، ونقل من منطقته إلى منطقة أخرى بعيدة ..!
يحكي لنا هذا الرجل قصته وهو نادم أشدّ الندم ، ويؤكد لنا أنه لم يأته من رئيسه هذا إلا كل خير ، ولم يدفعه لذلك العمل إلا النظرة السلبية لكل يدٍ عليا ، والحسد لكل ذي نعمة . ويضيف أنه أعتبر بما فعل وتعثر . بينما توفّق رئيسه وواصل نجاحه وتقدمه .
تذكرت قصة هذا الرجل ، وقصة عابر السبيل الذي ذكرته في بداية الموضوع ، فهانت عليّ قصص وعاظ النّت الذين يزعمون أنهم من فاعلي خير أو عابري السبيل وهم بخلوا حتى بالإفصاح حتى عن أسماءهم !
تعليق