كوميديا المياه في جدة
بخيت الزهراني
بخيت الزهراني
** استوقفني عدد من الاخوة من جيراني مساء أحد الايام القريبة، ونحن عائدون من صلاة العشاء بالمسجد، وبدأوا عاتبين على شخصي الضعيف، لانني - كما زعموا - لم اكتب عن مأساة نقص المياه في شرق جدة، عندما تقلص حجمها وبدأت تصب في خزناتهم بالقطارة، ثم تحولت مع الايام الى انقطاع متواصل بلغ حتى كتابة هذه السطور قرابة المئة يوم، دون ان تشم خزاناتهم رائحة الماء القادم من انابيب الشبكة العامة، في مشهد اقرب ما يكون الى الكوميديا الساخرة!!
** جيراننا الطيبون يعتقدون ان الكتابة مفيدة، ولها اثر، وان طرح قضية غياب المياه بهذا الشكل المخجل عن عدة احياء شرق الطريق السريع بجدة في حي الرغامة وما حوله شمالا وشرقا وجنوبا، يمكن ان تجعل بزابيز بيوتهم تهدرمياها بعد عرض قضيتهم على صفحات الصحف، وما دروا - من فرط طيبتهم - ان ذلك محض خيال جميل، وحلم ليل رائع، لا اقل ولا أكثر!!
** وحتى ابدو أمام جيراني في شخص الانسان الوفي لحارته والمنافح عن قضاياها، والصوت الذي ينقل همومها وغمومها الى من بيده القرار، فانني اعرض عبر هذه السطور واقع حال الاف الاسر، التي صارت تتقاطر على طوابير بيع الماء بالوايت على مدار الساعة، لتدفع من جيوبها سعر الماء اضعافاً مضاعفة الى 60 ضعفاً.. سعر حمولة الوايت الصغيرة لو جاء عبر الشبكة تساوي ريالا واحداً وسعره بواسطة الوايت 60 ريالاً.. وهنا يتجلى حجم الغبن والمرارة، العالقة في حلوق من كان قدره ان يعتمد على الوايت، بينما مواسير الشبكة العامة الواصلة الى خزانه تصفر فيها الريح!!
** يا ايها الاخوة الجيران.. لقد كتب الكاتبون، واهرقوا المداد، وفردوا المقالات والاستطلاعات والتحقيقات الصحفية، وما هز ذلك شعرة واحدة من رأس القائمين على امر ادارة مياه جدة، بل ولم تحرك حتى الوزارة ساكناً، وكأن الجميع راضٍ بهذه الحالة البائسة لعدة احياء سكنية في مدينة تجلس على ضفاف بحر، وظلت كل ردود الفعل مجرد وعود في الهواء، لا تسمن ولا تغني من جوع، ولذلك فان عليكم ان تحمدوا الله على نعمة الوايت كخيار اخير، رغم صعوبته على جيوبكم، ولتنتظروا مع المنتظرين حلم محطة الشعيبة القادم، كما هي وعود ادارة مياه جدة، ومن ورائها وزارة المياه، ولعل في بعض الحلم حياة وعزاء وتسلية!!.
** الشيء الوحيد الذي لم استطع ان اجيب عليه جيراني، انهم باغتوني باسئلة وجيهة احيلها الى المسؤولين في شؤون المياه بجدة، عندما قالوا.. اين العدالة في توزيع المياه على احياء جدة.. وهل كل الاحياء تغيب وتحضر اليها المياه في أوقات واحدة بالتساوي؟.. وما الفرق بين مواطن ومواطن، سواء من كان يسكن الاحياء الفارهة، او وسط البلد، او في اطراف المدينة؟ وهل يشعر أحد من اركان الوزارة بمرارة وحجم ما نعيشه من عذابات متواصلة في مطاردة وايتات المياه على مدار الساعة؟!!
** وبقيت حكاية صغيرة قالها لي احد موظفي مكتب جدولة المياه بحي الشرفية، عندما بدأ يضحك بملء شدقيه من أخبار وصول بارجة انتاج المياه الجديدة الى شواطئ جدة بواقع 250 الف متر مكعب يومياً، عندما قال: "وماذا ستكفي هذه الكمية الصغيرة لعشرات الاحياء التي تضج بالشكوى من نقص المياه".. عندها لم يكن أمامي الاّ ان اضحك معه، وكان الله سميع الدعاء.
تعليق