ثقافة الاعتراف بالخطأ
بخيت الزهراني
** هل يشكل تقرير البنك الدولي عن حال التعليم في السعودية صدمة، وهل الصدمة لوزارة التربية والتعليم وحدها، أم انها تمتد بظلالها الى كل منسوبي التعليم، بل والى الشارع العام؟ ..قبل الاجابة على هذا السؤال / المأزق " لابد من معرفة أمرين أولهما احترام رأي ومنطوق كل تقرير مهما بدأت صورته رمادية، والثاني التعامل المنطقي الحكيم مع مثل هذه التقارير باسلوب علمي وحضاري، يؤكد للآخرين، اننا على قدر كبير من الثقة بأنفسنا، من حيث فحص مضمون التقارير، ودحض ما فيها من افتراءات ..والاعتراف من الجانب الآخر بما فيها من حقائق، من منطلق تسلحنا بما يعرف بـ " ثقافة الاعتراف بالخطأ "!!
** المؤلم في التقرير الأممي الأحدث صدوراً، هو مكاننا في سلم الترتيب، وطبقاً لما قرأت فانه الترتيب الـ 17 من بين الـ 22 دولة عربية ..وهذا يكفي لمعرفة ان كان يشكل صدمة ام لا؟ ..ويظل المهم جداً هو معرفة حيثيات هذا الترتيب المتأخر لنا، والذي لا ينسجم حقيقة مع طموحاتنا كسعوديين، ولا مع ما يصرف على التعليم من مبالغ فلكية، قياساً مع الذين سبقونا في سلم الترتيب رغم امكانياتهم المتضاءلة !!
**ودعونا أولاً نتأمل ردة الفعل التي صاحبت اعلان التقرير الأممي، فهي اما ساخطة ومنكرة ومتهمة اياه بمخالفة الحقيقة، سواء من قبل الرسميين في التعليم او عدد من الناس العاديين ..او انها قد ذهبت الى ذات التبرير المعَّلب، الذي يتهم به بعضنا الآخرين بسوء النية تجاهنا، وان المسألة لا تخرج عن " حملة مدروسة " لتمييع ثوابتنا وقيمنا ..في حين كان من المطلوب ان تتم قراءة التقرير بتأن، ودون انفعال، وبالتالي تحليل محتواه باسلوب علمي، والافادة من محاوره، من حيث التأكيد على ما ورد فيه من ايجابيات، ومعالجة الخلل الذي اورده التقرير، بعد التأكيد من انه خلل فعلاً، ويحتاج الى اصلاح .
**ودعونا نطرح سؤالاً ..ما الذي ينقصنا لان نبدأ - منذ اللحظة - الخطوة او الخطوات الاولى الصحيحة، لان نصبح بعد سنوات في مستوى علمي يماثل دولاً مثل اليابان او كوريا او ماليزيا، ولن نقول امريكا او فرنسا او بريطانيا؟ !!..خصوصاً ولدينا المال والعقول والشباب والطموح والرغبة، للانعتاق من نظام تعليمي تقليدي الى نظام حديث يعتمد التقنية عنصراً رئيساً في العملية التعليمية، ويحتفي بكل الطرائق احديثة للتعلم، والتقدم بخطوات علمية ثابتة ومتوهجة بل ولافتة ..
**نحن في الواقع أعرف الناس بما يصلح لنا، وما لا يصلح، ودولة مثل اليابان أقامت برامج اصلاح التعليم عندها، من خلال عقول وهمّة وعزيمة ابنائها، الذين رسموا برامج التطوير، ونجحوا في تحقيق مخرجات أهدافهم في وقت قياسي أذهل العالم .. فما الذي يمنع ان نكرر ذات التجربة، ولا بأس بمراعاة خصوصيتنا، في ذات الاطار العام للامساك بـ " المفاتيح الحقيقية " لنهوض تعليمي متميز، ليس بالضرورة ان يرضي معدي التقارير الاممية، ولكن المهم ان نحقق من خلاله ذاتنا، وان نصنع من خلاله تجربة سعودية لافتة، امام كل العالم .
**وبقليل من الصراحة والاعتراف والشفافية، اقول وانا غير الطارئ على التعليم، فقد خرجت للتو من تحت معطفه، ان من ابرز ما يحتاجه تعليمنا، تطوير طرائق التدريس، ومواصلة تدريب وتطوير الكفايات المهنية للمعلمين والمعلمات والاداريين والاداريات بالمدارس، وتخفيف ضغوط الفصول الدراسية المكدسة بالطلاب في المدن خصوصاً من الارقام غير الطبيعية الى اعداد معقولة في كل فصل دراسي، وزيادة العناية بالمواد العلمية كالرياضيات والعلوم واللغة الانجليزية، وازالة التكدس من عدد كبير من المناهج الدراسية التي تعاني من الحشو، واعتماد خطط بناء المهارات العلمية والشخصية للطلاب والطالبات، وتحفيز العاملين في الميدان، وتخفيف أنصبة الحصص الاسبوعية، وبناء البيئة المدرسية الجاذبة، التي تجعل طلابنا يتحرقون شوقاً للساعات التي يقضونها في مدارسهم، لا ان يفرحوا بلحظة الخروج من ابوابها، واعادة النظر في نظام الاختبارات الحالي، الذي مازال يشكل شبحاً مخيفاً، الى نظام آخر يقِّوم المهارات والمعارف دونما ضغوط نفسية للطلاب واسرهم ..والى بناء جيل متسلح بمهارات تحقق له - حتماً - فرصة عمل فور خروجه من مدرسته او جامعته، دون ان يظل حبيس قفص البطالة .
صفحة الرأي جريدة البلاد 8ربيع أول 1429هـ
تعليق