موضوعٌ قديمٌ ذكرني به أديبنا ابن مرضي ، ولئن ذهب من ( الشبكة ) ففي رأس السوادي باقٍ ..!
يقول جدي رحمه الله : مرّ علينا دهرٌ عز فيه القطر ، وأجدبت الأرض ، وهلكت المواشي من بعد هزالٍ ، كان الرجل منا يحزم بطنه بـ ( الحجر ) من شدة الجوع ، أما عن النساء والصغار فلا تسأل ..!
أنظارنا لم تعد تتجه إلا إلى السماء ترقبُ أملاً يبرق بسحابة صيفٍ ماطرةٍ ، فتعود محملةً بالخيبة لتخبرنا أن الحال سيطول ..!
ومن زفرته تبين لي أن الحال لم تكن صعبةً فحسب ، بل أكثر أكثر ..!
يمضي جدي قائلاً :لم نكن نعرف ( صلاة الاستسقاء ) ، وحتى صلاتنا المفروضة لم تكن تؤدى بالطريقة الصحيحة وما ذاك إلا من جهلٍ مستشرٍ كان يخيم على ( ديرتنا ) وما جاورها ..!
ويستمر في سرده : نمنا في إحدى الليالي بعد أن تملكنا اليأس فتجاوز بنا مرحلة القنوط ، حتى عبارتنا : ( ما بعد الضيق إلا الفرج ) لم نعد نرددها من سوءِ ما حل بنا ..!
نمنا ، ولم نصحُ إلا من صوت الرعد والصواعق التي كانت تقع بالقرب منا فكنا نسأل الله أن ينزل المطر أو يِأخذنا بصاعقةٍ فيريحنا ، فقد رأينا في الصواعق (رصاصة الرحمة) التي عنها تتحدثون ..!
لم يبزغ فجر ذلك اليوم إلا والديرة محمّلة شعابها بالسيول ، والهتان لم ينقطع ..!
ليتك تتصور يا ولدي فرحتنا في ذلك اليوم ..!
لم يكن في ذلك الوقت عيد الفطر عيدنا ، ولا عيد النحر ، فعيد (ديرتنا) هو ذلك اليوم الذي دوى فيه الرعد ولمع البرق ، وهطل المطر وجرت الأودية ..!
لم نكن نعلم أن حالنا سيتبدل إلى الأسوأ ..!
الأسوأ ..؟
كيف ..؟
قال : استمر هطول المطر لمدة شهرين متواصلين ، حتى بدأنا نمد أيدينا إلى الله بأن يجعله (حوالينا لا علينا )، فالناس كانوا في هذه الفترة كـ ( المساجين) الذين لا يستطيعون الخروج ، والضرب في الأرض للقمة العيش ، ومن هول ما بنا جزمنا أن سخط الله علينا وقع ..!
قلت لجدي : أمركم عجيب ، فلا بالقحط ترضون ولا بالمطر ..!
قال يا ولدي : لا نريد قحطـًا قحطـًا ، ولا مطرًا مطرًا فخير الأمور الوسط ..!
تعجّبت من رجلٍ أميّ لا يقرأ ولا يكتب ، وينادي بـ (الوسطية) التي أمرنا بها ديننا الحنيف ، وأيقنت أن الله يفطر الناس على أحسن الأشياء وأتمها ، وهم الذين يغيرون ويستبدلون ..!
السوادي
تعليق