تحيتي لكل الشامخين في منتدى الديرة
لن أعلق بكلمة واحدة إلا بعد أن أسمع آراءكم حول مقال الدكتور صالح الزهراني
والذي نُشر في ملحق الرسالة بصحيفة المدينة بتأريخ الجمعة 11 شعبان 1428 - الموافق - 24 اغسطس 2007 - ( العدد 16193)
الصيف في الباحة (1) تسوّل الضيوف
أ.د. صالح الزهراني
الصيف في الباحة حرب أهلية منظمة على الأنعام ، لا تكاد تمرّ بمطبخ أو قاعة أفراح حتى ترى سيارة تنقل القدور والصحون ، أو المواشي استعدادًا لمائدة ، أو حفلة دم .
دائمًا تؤجل حفلات الأعراس حتى فصل الصيف ، حيث يجتمع الأهل والأصدقاء، ويؤوب المهاجرون من الباحة إلى منطقتهم العجوز . ولذلك أصبح من المألوف أن ترى أبناء القبيلة وقد اصطفوا على جنبات الطريق استعدادًا لهجوم فرح على قبيلة أخرى. تبدأ الحشود في التجمع عقب صلاة العصر ، وما إن تبدأ الشمس في لملمة أشعتها الذهبية من فوق جبال السروات حتى تبدأ المداهمة .
حفلة عرس يتم تدشينها بزخات من الرصاص ، وبدء العرض القبلي فيها بالسلاح الأبيض والهراوات وعصي الخيزران . إنه الفرح على طريقة أهل الباحة .
هذا المشهد الدموي الذي تستعيد فيه القبيلة حضورها تعويض عن حالة انكسار كبيرة ، يظهرها النسق الثقافي على أنها نوع من البطولة والانتصار .
انتقلت المملكة من قبائل متناحرة إلى دولة واحدة ، لكن الفكر القبلي ظل الأكثر حضورًا في ساعة الفرح ، لأنه الفكر الذي يصنع الوهم ، ويمجد الاستعلاء ، ويمنح الفرد والجماعة وصفة المجد المفقود .
في هذه الأعراس يقوم أهل العروس أو أهل العريس بحملة تسوّل للضيوف تتعاضد فيها كروت الأفراح والاتصالات والدعوات الجماعية في المساجد وقصور الأفراح ، وكأن حفلة العرس غزوة ثأر يجب أن تكون النتيجة فيها النصر بالضربة القاضية .
مع كل سنوات الوحدة ، و الخطط الخمسية التي تؤسس لوعي مدني تذوب فيه الطبقية ، وتمحى العصبية ، ويشعر الناس أنهم في وطن واحد متشابك الأنساب ومتداخل الأعراق ، ظل الفكر العشائري هو الأكثر حضورًا وتأثيرًا في مثل هذه المناسبات .
هذا التوافد الجماعي لا يعبّر عن تواصل ديني قدر ما يعبر عن إعلان تفوق قبلي، لهذا لا تكاد تقبل الأعذار والاعتذارات في مثل هذه المناسبات ، ولا يظل للحضور خارج الوفد معنى سوى كثير من التأويلات التي تنطلق من وعي جمعي بوجود تمرد على القانون يجب أن يكون له عقاب قاسٍ في معركة قادمة يكون الداعي إليها هذا الصعلوك الذي تمرد على قيم القبيلة .
وأصبح الكرم في مثل هذه الحفلات جزءًا من تجمل الذات ، وإعلان تفوقها ، ونفوذها ، وغدا مسلكًا من مسالك التفاخر ، و زادًا للمجالس اليومية في مجتمع يكاد يفقد صفة التراحم الحقيقية تحت وطأة الإجماع على التفوق ، والخوف من الفشيلة ، والبحث عن النقائص في مجتمع صغير مغلق ، ينبت فيه الحسد ويتكاثر كما تتكاثر الملاريا في المياه الآسنة .
هنا المقال
لن أعلق بكلمة واحدة إلا بعد أن أسمع آراءكم حول مقال الدكتور صالح الزهراني
والذي نُشر في ملحق الرسالة بصحيفة المدينة بتأريخ الجمعة 11 شعبان 1428 - الموافق - 24 اغسطس 2007 - ( العدد 16193)
الصيف في الباحة (1) تسوّل الضيوف
أ.د. صالح الزهراني
الصيف في الباحة حرب أهلية منظمة على الأنعام ، لا تكاد تمرّ بمطبخ أو قاعة أفراح حتى ترى سيارة تنقل القدور والصحون ، أو المواشي استعدادًا لمائدة ، أو حفلة دم .
دائمًا تؤجل حفلات الأعراس حتى فصل الصيف ، حيث يجتمع الأهل والأصدقاء، ويؤوب المهاجرون من الباحة إلى منطقتهم العجوز . ولذلك أصبح من المألوف أن ترى أبناء القبيلة وقد اصطفوا على جنبات الطريق استعدادًا لهجوم فرح على قبيلة أخرى. تبدأ الحشود في التجمع عقب صلاة العصر ، وما إن تبدأ الشمس في لملمة أشعتها الذهبية من فوق جبال السروات حتى تبدأ المداهمة .
حفلة عرس يتم تدشينها بزخات من الرصاص ، وبدء العرض القبلي فيها بالسلاح الأبيض والهراوات وعصي الخيزران . إنه الفرح على طريقة أهل الباحة .
هذا المشهد الدموي الذي تستعيد فيه القبيلة حضورها تعويض عن حالة انكسار كبيرة ، يظهرها النسق الثقافي على أنها نوع من البطولة والانتصار .
انتقلت المملكة من قبائل متناحرة إلى دولة واحدة ، لكن الفكر القبلي ظل الأكثر حضورًا في ساعة الفرح ، لأنه الفكر الذي يصنع الوهم ، ويمجد الاستعلاء ، ويمنح الفرد والجماعة وصفة المجد المفقود .
في هذه الأعراس يقوم أهل العروس أو أهل العريس بحملة تسوّل للضيوف تتعاضد فيها كروت الأفراح والاتصالات والدعوات الجماعية في المساجد وقصور الأفراح ، وكأن حفلة العرس غزوة ثأر يجب أن تكون النتيجة فيها النصر بالضربة القاضية .
مع كل سنوات الوحدة ، و الخطط الخمسية التي تؤسس لوعي مدني تذوب فيه الطبقية ، وتمحى العصبية ، ويشعر الناس أنهم في وطن واحد متشابك الأنساب ومتداخل الأعراق ، ظل الفكر العشائري هو الأكثر حضورًا وتأثيرًا في مثل هذه المناسبات .
هذا التوافد الجماعي لا يعبّر عن تواصل ديني قدر ما يعبر عن إعلان تفوق قبلي، لهذا لا تكاد تقبل الأعذار والاعتذارات في مثل هذه المناسبات ، ولا يظل للحضور خارج الوفد معنى سوى كثير من التأويلات التي تنطلق من وعي جمعي بوجود تمرد على القانون يجب أن يكون له عقاب قاسٍ في معركة قادمة يكون الداعي إليها هذا الصعلوك الذي تمرد على قيم القبيلة .
وأصبح الكرم في مثل هذه الحفلات جزءًا من تجمل الذات ، وإعلان تفوقها ، ونفوذها ، وغدا مسلكًا من مسالك التفاخر ، و زادًا للمجالس اليومية في مجتمع يكاد يفقد صفة التراحم الحقيقية تحت وطأة الإجماع على التفوق ، والخوف من الفشيلة ، والبحث عن النقائص في مجتمع صغير مغلق ، ينبت فيه الحسد ويتكاثر كما تتكاثر الملاريا في المياه الآسنة .
هنا المقال
تعليق