مشاهير القرية
المكان" سد الحوية(1) "، المزرعة تتسع في كل صوب ، والجبال تحتضن الوادي حباً . المكان يحظى بالتقدير وذاع صيته في الآفاق و "جينس(2)" يستشير موسوعته . الشنفرى(3) يجرَّب ساقيه في ماراثون التحدي. الخصوبة تردم المكان ، والأرض ولود، وودود ، ولكنها ؛ يوماً أجدبت...
الناس يستشرفون السماء ، و"فقيه" القرية يهيء خطبة الاستسقاء ويستعد للصلاة. خرج الناس من بيوتهم لصلاة يندحر فيها الوسواس ، ويخنس فيها الشيطان . الخشوع يقتعد المصلى ، والجميع متوضئون ومخلصون، يحملون همَّها وهمَّ ما بعدها. تنتهي الصلاة . حوَّل الناس أرديتهم ليتغير حالهم. ويأتي دور ”البقرة(4)" والبهائم الرُّتَّع .البقرة تتجول في القرية والناس خلفها يتضرعون: يا لله يا كريم ، يا لله رحمتك(5)....البقرة تتنفس الصعداء بعد تمرين الصباح ، وأشك أن تنعم "بالمواص(6)" بعد اليوم، فهناك "جَنْبيَّه(7) " صنعت من موس ، بل وأسرع من الريح تنتظرها لتختصر حياتها الفاضلة ، ويتقاسم أفراد القرية لحمها الراعف.
الوادي يكتحل بالسواد ، والسماء راعدة ، والبرق يخلخل السديم . إرهاصات المطر ، والغيوم تلقي بحملها وتختفي بعد أن رسمت لوحة السعادة وحنى قوس الرحمة. والناس يلهجون : "يا لله يا كريم".
-------------------------
1- (سد الحوية) : اسم لمزرعة ضخمة ومشهورة في أرض دوس بالباحة حيك حولها الكثير من الأساطير.
2- (جينس) : اسم مشهور لموسوعة تهتم بالأرقام القياسية في العالم.
3- (الشنفرى) : من أشهر عدائي العرب،عاش قبل الهجرة بسبعين سنة وقيل انه عاش في قبيلة زهران حيث سد الحوية.
4- كان الأهالي يعتادون على إخراجها وقت الاستسقاء ولا ادري إن كان له أصول.
5- دعاء يردده الأولون وهم يقتادون بقرة صبيحة صلاة الاستسقاء وليس له أصول شرعية .
6- (المواص): شربة تقدم للبقر من النخالة وفتات السنابل .
7- (الجنبيه) : خنجر حاد محني يستخدم زينة عادة.
" مزنة " كانت في "سد الحوية" ، تلملم ما بقي من الحياة ، المزن يثخن السماء وتنهمر من جديد ، وإذ بـ"مزنة" تبحث عن شجرة ، ولكن الشجر قد تبلل ، ورائحة الطين تزخم الأنوف .
الطيور تنتفض بعد أن ابتلعتها أشجار الوادي. جدران "سد الحوية" تستعد لمرور الماء ، والجبل يرسم حبلاً مبتسما كسناء الفضة ، والقرية تفتح آذانها للخرير..الهواء البارد يلف حول القرية والوادي ، ويلطف طبقات الجو، وحفيف الأشجار شحب صوته. تلصق "مزنة" جذعها بجذع شجرة،ولكن الورق لم يزال يرسل قطرات الغرق على بعضه ، ثم عليها..
الطهارة في الوادي، والحب في القرية؛ يتعانقان . لغة التراب ولّت هاربة ، وثقافة الطين تنتشر بسرعة. عيد المطر يكتسيه سكان القرية حُلّة. السماء أقلعت ، وغاظت الأرض بالماء . تودع مزنة الشجرة وتتحرك وهي تلبس الماء على جسدها ، وتتثاقل خطاها . جلبابها الأحمر يلتصق بساقيها، ويعرقل عليها الحركة ." شيلتها وصمادتها(1) " تضاعف وزنهما ماءً ، وبَرْداً ، وكأنما تحمل رأسين. تصل البيت وقد تحوَّل إلى فوضى . الماء يتسلل في كل مكان دونما استئذان ، و"ملتها(2)" الملتهبة أنساها المطر حرارة اللقاء بها.
دنفت الشمس وعصرت "مزنة" غرقها ، وهدَّت من رَوْع جِلدها ، لتبات في حجرتها على نغمات " قاطر(3) السقف " وهو يعزف " إيقاع الصحن" . "مزنة" تفترش وتلتحف ما لصق بها من مطر ، لتظهر آثار الغرق وجعاً على ظهرها وجنبيها بعد حين.
-----------------------------------------
1-( الشيلة) ملابس الرأس عند النساء.
2-(الملة ): مكان في البيت يطبخ فيه الطعام.
3- (القاطر)قطرات تتسرب من بين الطين والسواري وخشب السقف بعد هطول الأمطار.
يصحو الناس ثاني أيام عيد المطر . الشمس تغمر الوادي حباً ، تجفف ملابسهم، وترصف لهم طريق الأمان. ينتشرون في الوادي بعد أن عالج المطر أديم الأرض . يهرع "مطر" يستشرف مستقبل البئر ، ويعيد ترتيب "خليجه(1)" وينظف مزرعته .الناس يتبادلون : "هَنيتكُم الرحمة" . وبدأت "الوسمية(2)" تنعش الشِّعب.
ويستمر "سد الحوية" يحوي الحياة زمناً حتى أصبح رمزاً ، وصرحاً . خرَّج أجيالاً من الحبوب و وركم صوامعاً من الحصاد، وتغنى به الشعراء .
ماتت "مزنة" ومات "مطر" . رُز" البكة ، وأبو بنت"، والحب "الاسترالي ، والكندي" تغزو القرية . "سد الحوية" أصبح كالأرملة ينتظر ، بل كالثكلى يئن، والناس يتدابرون الوادي ، وتقطَّعت صلة الأرحام به.
المكان يجب أن يُدرس ديموغرافياً ، فالقرية سافرت ، ولا بد "لسد الحوية" أن يراجع حساباته . هناك ردة فعل قاسية تنتظر الأحفاد ؛ " الطلح" يتوالد ويشيخ على جنبات الوادي ، قسا أديمه الخصب ، وعَقُم رحمه الحميمي . تعود القرية من المدينة في رحلة الصيف ، ويشكل شباب القرية لجنة لترتيب المزرعة، ولكنهم غرزوا "يافطة" في نحر الوادي مكتوباً عليها : " ملعب "سد الحوية" يرحب بكم " .
----------------------------------------------
1-(الخليج):ممر ماء المطر إلى المزرعة.
2-(الوسمية):زمن ما بعد هطول الأمطار.
____________
من مجموعتي القصصية / أسرار القرية
المكان" سد الحوية(1) "، المزرعة تتسع في كل صوب ، والجبال تحتضن الوادي حباً . المكان يحظى بالتقدير وذاع صيته في الآفاق و "جينس(2)" يستشير موسوعته . الشنفرى(3) يجرَّب ساقيه في ماراثون التحدي. الخصوبة تردم المكان ، والأرض ولود، وودود ، ولكنها ؛ يوماً أجدبت...
الناس يستشرفون السماء ، و"فقيه" القرية يهيء خطبة الاستسقاء ويستعد للصلاة. خرج الناس من بيوتهم لصلاة يندحر فيها الوسواس ، ويخنس فيها الشيطان . الخشوع يقتعد المصلى ، والجميع متوضئون ومخلصون، يحملون همَّها وهمَّ ما بعدها. تنتهي الصلاة . حوَّل الناس أرديتهم ليتغير حالهم. ويأتي دور ”البقرة(4)" والبهائم الرُّتَّع .البقرة تتجول في القرية والناس خلفها يتضرعون: يا لله يا كريم ، يا لله رحمتك(5)....البقرة تتنفس الصعداء بعد تمرين الصباح ، وأشك أن تنعم "بالمواص(6)" بعد اليوم، فهناك "جَنْبيَّه(7) " صنعت من موس ، بل وأسرع من الريح تنتظرها لتختصر حياتها الفاضلة ، ويتقاسم أفراد القرية لحمها الراعف.
الوادي يكتحل بالسواد ، والسماء راعدة ، والبرق يخلخل السديم . إرهاصات المطر ، والغيوم تلقي بحملها وتختفي بعد أن رسمت لوحة السعادة وحنى قوس الرحمة. والناس يلهجون : "يا لله يا كريم".
-------------------------
1- (سد الحوية) : اسم لمزرعة ضخمة ومشهورة في أرض دوس بالباحة حيك حولها الكثير من الأساطير.
2- (جينس) : اسم مشهور لموسوعة تهتم بالأرقام القياسية في العالم.
3- (الشنفرى) : من أشهر عدائي العرب،عاش قبل الهجرة بسبعين سنة وقيل انه عاش في قبيلة زهران حيث سد الحوية.
4- كان الأهالي يعتادون على إخراجها وقت الاستسقاء ولا ادري إن كان له أصول.
5- دعاء يردده الأولون وهم يقتادون بقرة صبيحة صلاة الاستسقاء وليس له أصول شرعية .
6- (المواص): شربة تقدم للبقر من النخالة وفتات السنابل .
7- (الجنبيه) : خنجر حاد محني يستخدم زينة عادة.
" مزنة " كانت في "سد الحوية" ، تلملم ما بقي من الحياة ، المزن يثخن السماء وتنهمر من جديد ، وإذ بـ"مزنة" تبحث عن شجرة ، ولكن الشجر قد تبلل ، ورائحة الطين تزخم الأنوف .
الطيور تنتفض بعد أن ابتلعتها أشجار الوادي. جدران "سد الحوية" تستعد لمرور الماء ، والجبل يرسم حبلاً مبتسما كسناء الفضة ، والقرية تفتح آذانها للخرير..الهواء البارد يلف حول القرية والوادي ، ويلطف طبقات الجو، وحفيف الأشجار شحب صوته. تلصق "مزنة" جذعها بجذع شجرة،ولكن الورق لم يزال يرسل قطرات الغرق على بعضه ، ثم عليها..
الطهارة في الوادي، والحب في القرية؛ يتعانقان . لغة التراب ولّت هاربة ، وثقافة الطين تنتشر بسرعة. عيد المطر يكتسيه سكان القرية حُلّة. السماء أقلعت ، وغاظت الأرض بالماء . تودع مزنة الشجرة وتتحرك وهي تلبس الماء على جسدها ، وتتثاقل خطاها . جلبابها الأحمر يلتصق بساقيها، ويعرقل عليها الحركة ." شيلتها وصمادتها(1) " تضاعف وزنهما ماءً ، وبَرْداً ، وكأنما تحمل رأسين. تصل البيت وقد تحوَّل إلى فوضى . الماء يتسلل في كل مكان دونما استئذان ، و"ملتها(2)" الملتهبة أنساها المطر حرارة اللقاء بها.
دنفت الشمس وعصرت "مزنة" غرقها ، وهدَّت من رَوْع جِلدها ، لتبات في حجرتها على نغمات " قاطر(3) السقف " وهو يعزف " إيقاع الصحن" . "مزنة" تفترش وتلتحف ما لصق بها من مطر ، لتظهر آثار الغرق وجعاً على ظهرها وجنبيها بعد حين.
-----------------------------------------
1-( الشيلة) ملابس الرأس عند النساء.
2-(الملة ): مكان في البيت يطبخ فيه الطعام.
3- (القاطر)قطرات تتسرب من بين الطين والسواري وخشب السقف بعد هطول الأمطار.
يصحو الناس ثاني أيام عيد المطر . الشمس تغمر الوادي حباً ، تجفف ملابسهم، وترصف لهم طريق الأمان. ينتشرون في الوادي بعد أن عالج المطر أديم الأرض . يهرع "مطر" يستشرف مستقبل البئر ، ويعيد ترتيب "خليجه(1)" وينظف مزرعته .الناس يتبادلون : "هَنيتكُم الرحمة" . وبدأت "الوسمية(2)" تنعش الشِّعب.
ويستمر "سد الحوية" يحوي الحياة زمناً حتى أصبح رمزاً ، وصرحاً . خرَّج أجيالاً من الحبوب و وركم صوامعاً من الحصاد، وتغنى به الشعراء .
ماتت "مزنة" ومات "مطر" . رُز" البكة ، وأبو بنت"، والحب "الاسترالي ، والكندي" تغزو القرية . "سد الحوية" أصبح كالأرملة ينتظر ، بل كالثكلى يئن، والناس يتدابرون الوادي ، وتقطَّعت صلة الأرحام به.
المكان يجب أن يُدرس ديموغرافياً ، فالقرية سافرت ، ولا بد "لسد الحوية" أن يراجع حساباته . هناك ردة فعل قاسية تنتظر الأحفاد ؛ " الطلح" يتوالد ويشيخ على جنبات الوادي ، قسا أديمه الخصب ، وعَقُم رحمه الحميمي . تعود القرية من المدينة في رحلة الصيف ، ويشكل شباب القرية لجنة لترتيب المزرعة، ولكنهم غرزوا "يافطة" في نحر الوادي مكتوباً عليها : " ملعب "سد الحوية" يرحب بكم " .
----------------------------------------------
1-(الخليج):ممر ماء المطر إلى المزرعة.
2-(الوسمية):زمن ما بعد هطول الأمطار.
____________
من مجموعتي القصصية / أسرار القرية
تعليق