ما يمرُّ بالإنسان في المراحل العمرية الأولى لا يمكن أن تمحوه السنين مهما تعاقبت ، فهو ينقش على جدار الذاكرة كنقش عباراتٍ على صخورٍ ملساء ..!
رغم تعاقب السنوات على السوادي ، ورغم شيخوخته المبكرة والمتأخرة فلا تزال ذاكرته (عامرة ) بمواقف بعضها مضحك ، وبعضها (مبكي ) وبعضها يحمل الدروس والعبر ..!
تربية الأبناء في الماضي مختلفة تمامـًا عن تربيتهم حاضرًا ولا مجال للمقارنة ..!
لست أعلم أيهما أصح ، إنما الذي أعلمه أن لكل زمن رجالاً ، وأبناءً ، ونساءً ..!
لا أزال أذكر تلك الليالي التي كان يجتمع فيها أبي وأعمامي وبعض كبار القرية للسمر ، لا يحسن المجلس إن لم يكن جارنا أبو حمدان في الصدر ..!
أبو حمدان رجل (فكاهي ) من الدرجة الأولى ، له قدرة فائقة على صياغة (النوادر ) التي إن سمعتـَها منه ضحكتَ حتى تذرف العينان دمعـًا ، وإن سمعتها من غيره فلا رائحة لها أو طعم ، طريقته عجيبة ..!
(ألوان شعبية ، ومضارب البادية ، ومجلس أبي حمدان ) ، كان الاستماع إليها مما يشمله البرنامج اليومي لهم ، فإن بدأ أحد هذه البرامج فلا تكاد تسمع للقوم همسـًا ، فالكل منصت ..!
إذا انتهت البرامج المحببة ، انتقلوا إلى برنامج آخر هو مجلس جارنا (أبي حمدان ) ..!
للتمييز بين مجلس أبي حمدان الإذاعي ومجلس (أبي حمدان ) المشاهد ، أطلقوا على الثاني ( مجلس أبي روثان ) مزحـًا ومداعبة ولا غضب منه أو اعتراض ..!
تأخر أبو حمدان ليلة ، وقدمت عرضـًا ، هي اللقافة ولا شك :
أبي أتردني أنادي (أبو روثان ) ؟!
جاوبني أبي - رحمه الله – بـ ( خيزرانة ) في الظهر ، قفزت من حرارتها ولسعتها لأتعثر عند قدمي (عمي ) ، وقبل أن أستجمع قواي للهرب باشرني بـ ( شون) رسم مع خيزرانة الوالد علامة (الصليب ) على ظهري ..!
حمدًا لله أنها كانت في ذاك الزمن إذ لو كانت اليوم لقطعني البعض إربـًا بموجب هذه العلامة التي رُسِمت رغمـًا عني ..!
نهضت ، وكان الاتجاه إلى الصدر الحنون إلى أمي في حجرتها ، هالها ما رأته من بكاء ودموع تجري ، ماذا بك يا ولدي ؟!
أبي وعمي ضرباني ..!
لماذا ؟!
أردت أن أنادي ( أبو روثان ) ..!
وبـ (المـِصْـنـَع ) الذي بيدها على الزاوية اليمنى من جبهتي ، أسكت يا قليل الأدب ..!
، أسبوعٌ قضيته بين أقراني أحمل في رأسي ما يشبه (القرن ) ، إنه الأثر الذي خلـّفه (مِصْـنـَع ) الوالدة ، أطال الله في عمرها ومتعها بالصحة والعافية ..!
تمر الأيام ويتأخر أيضـًا أبو حمدان ، ويقدم محمد السوادي العرض نفسه ولكن بطريقة أخرى :
هل أنادي (أبو حمدان ) ..!
ماذا قلت ؟
يسألني الأب ، وينصت العم ..
أقول :
هل أنادي عمي (أبو حمدان) ؟!
يتبسم أبي ، وتنطلق ضحكة عمي ، وأنا كالأبله ، لا أدري علام الابتسامة والضحك ..!
نعم ، هو أبو حمدان ، وهو عمي إلى اليوم وإلى أن أموت ، فقد اخبرتني بذلك ( الخيزرانة ، والشون ، والمِصْـنـَع ) ..!
أحبتي أعرف أن الزمن ليس هو الزمن ، ولا هم الناس ، تغير وتغيروا ..!
آهٍ ، ثم آه ، ليتك يا زمن تعود بي إلى ثلاثين سنة خلت ، ليتك ..!
السوادي
رغم تعاقب السنوات على السوادي ، ورغم شيخوخته المبكرة والمتأخرة فلا تزال ذاكرته (عامرة ) بمواقف بعضها مضحك ، وبعضها (مبكي ) وبعضها يحمل الدروس والعبر ..!
تربية الأبناء في الماضي مختلفة تمامـًا عن تربيتهم حاضرًا ولا مجال للمقارنة ..!
لست أعلم أيهما أصح ، إنما الذي أعلمه أن لكل زمن رجالاً ، وأبناءً ، ونساءً ..!
لا أزال أذكر تلك الليالي التي كان يجتمع فيها أبي وأعمامي وبعض كبار القرية للسمر ، لا يحسن المجلس إن لم يكن جارنا أبو حمدان في الصدر ..!
أبو حمدان رجل (فكاهي ) من الدرجة الأولى ، له قدرة فائقة على صياغة (النوادر ) التي إن سمعتـَها منه ضحكتَ حتى تذرف العينان دمعـًا ، وإن سمعتها من غيره فلا رائحة لها أو طعم ، طريقته عجيبة ..!
(ألوان شعبية ، ومضارب البادية ، ومجلس أبي حمدان ) ، كان الاستماع إليها مما يشمله البرنامج اليومي لهم ، فإن بدأ أحد هذه البرامج فلا تكاد تسمع للقوم همسـًا ، فالكل منصت ..!
إذا انتهت البرامج المحببة ، انتقلوا إلى برنامج آخر هو مجلس جارنا (أبي حمدان ) ..!
للتمييز بين مجلس أبي حمدان الإذاعي ومجلس (أبي حمدان ) المشاهد ، أطلقوا على الثاني ( مجلس أبي روثان ) مزحـًا ومداعبة ولا غضب منه أو اعتراض ..!
تأخر أبو حمدان ليلة ، وقدمت عرضـًا ، هي اللقافة ولا شك :
أبي أتردني أنادي (أبو روثان ) ؟!
جاوبني أبي - رحمه الله – بـ ( خيزرانة ) في الظهر ، قفزت من حرارتها ولسعتها لأتعثر عند قدمي (عمي ) ، وقبل أن أستجمع قواي للهرب باشرني بـ ( شون) رسم مع خيزرانة الوالد علامة (الصليب ) على ظهري ..!
حمدًا لله أنها كانت في ذاك الزمن إذ لو كانت اليوم لقطعني البعض إربـًا بموجب هذه العلامة التي رُسِمت رغمـًا عني ..!
نهضت ، وكان الاتجاه إلى الصدر الحنون إلى أمي في حجرتها ، هالها ما رأته من بكاء ودموع تجري ، ماذا بك يا ولدي ؟!
أبي وعمي ضرباني ..!
لماذا ؟!
أردت أن أنادي ( أبو روثان ) ..!
وبـ (المـِصْـنـَع ) الذي بيدها على الزاوية اليمنى من جبهتي ، أسكت يا قليل الأدب ..!
، أسبوعٌ قضيته بين أقراني أحمل في رأسي ما يشبه (القرن ) ، إنه الأثر الذي خلـّفه (مِصْـنـَع ) الوالدة ، أطال الله في عمرها ومتعها بالصحة والعافية ..!
تمر الأيام ويتأخر أيضـًا أبو حمدان ، ويقدم محمد السوادي العرض نفسه ولكن بطريقة أخرى :
هل أنادي (أبو حمدان ) ..!
ماذا قلت ؟
يسألني الأب ، وينصت العم ..
أقول :
هل أنادي عمي (أبو حمدان) ؟!
يتبسم أبي ، وتنطلق ضحكة عمي ، وأنا كالأبله ، لا أدري علام الابتسامة والضحك ..!
نعم ، هو أبو حمدان ، وهو عمي إلى اليوم وإلى أن أموت ، فقد اخبرتني بذلك ( الخيزرانة ، والشون ، والمِصْـنـَع ) ..!
أحبتي أعرف أن الزمن ليس هو الزمن ، ولا هم الناس ، تغير وتغيروا ..!
آهٍ ، ثم آه ، ليتك يا زمن تعود بي إلى ثلاثين سنة خلت ، ليتك ..!
السوادي
تعليق