.
من الترباسية إلى الجوراسية ونحن نعاني
سادت علينا هذه الديناصورات، وأصبح البرونتوصور يهدم منزلنا بلعقة لسانٍ فقط
أظن هذا ما كان سيقوله أجدادنا لو كانوا وجدوا على أرضهم قبل خمسة وستين مليون عام
سلم الرحمن وكفى
وكما اصطدم نيزك بالأرض فخبا نجم الديناصور وطفا
اصطدم هذا الأسبوع الليل بالنهار، فغدا الكون في رأس < ربية> رمادي اللون بلا معنى!.
كان هذا معتقد رأسي الصغير عن رأس < ربية> الأصغر
حينما تجمع ماء كالوحل على عينيها، فغدا منقارها كسيارة مراهق تصطدم يمنة ويسرة
ثم لم تلبث أن غيرت نغمة صوتها بلا رجوع للإعدادات ولا الرنين، لتتوالى نكباتها، وتسير للهاوية
فقد رجعت لوضع صامت، ثم استبدلته بهزاز مستديم
وقالت أمي: ليس لك إلا البصل يجديها نفعا!.
في علاجٍ ورثته عن جدها عن جدته عن عنعناتٍ كثيرةٍ إلى الحارث بن كلدة
فتعرقت يداي الصغيرتان على حقل البصل أقطع وأدمع، من المزرعة للدجاجة طازجا، وما أجدى نفعا
ومضى وقت اينشتين المطاطي، و < ريبة> تسير للموت المأساوي
...
وقالت الأم: الذبح يا صغيري خير علاج، لتموت بسرعة وراحة..
أعرفها أمي، لا تؤمن بإبرة الموت الرحيم، لكنها تخاف عدوى المرض، ولا تريد ( تشاؤماً) قول ذلك
- أمي، أنا سأذبحها اليوم، أريد أن أتعلم، ثم أنها دجاجتي أنا!.
هكذا هتفت، وأنا أنتزع السكين عن الرف الخشبي، وأعدو بسرعة الضوء إلا قليلا
ولم تفلح أصابع أمي أن تمسك بيدي الصغيرة
حدسية غولدباخ: كل عدد صحيح طبيعي زوجي اكبر من اثنين يمكن كتابته على شكل مجموع عددين أوليين..
وليس غولدباخ بأفضل من قدمي، حينما جعلت لهما حدسيةً قافزة
< كل سلم طبيعي غير مكسور أقل من أو يساوي خمسة؛ يمكن عبوره على شكل قفزة واحدة>
ثم من منزلنا الغربي إلى كن الدجاج الشرقي، مضيت أضيف لسرعة دوران الأرض ثُـمن كيلو متر
لنعدو معاً للشرق بسرعة احد عشر ألفاً ومائة وخمسة وعشرين متراً بالثانية
وتعالى صرير الباب الحديدي الصغير المفتوح
لأجد نفسي أحبو تاركاً بصمات يدي وركبتي وقدمي على ارض الكن الترابية
فتمحو رغم صغرها الآثار الثلاثية لأصابع الدجاج، والتي قد تترسب يوماً فتصبح بعد عصورٍ آثار مخلوق ما
ليروا بعد ملايين السنين ركبتي ويدي وقدمي وأصابع الدجاج يضمهما متحف ما
ولا أدري.. لعلهم يطلقون علينا لقب الدجاجتور، على وزن الديناصور، ومن دخل كن الدجاج فليقبل التطبيع!.
...
في ركنها نائمة، أو أنها في حالة إغماء، الله ثم الدجاج أعلم
بريشها الأسود الموخوط بالبياض، على فراش التبن الذهبي، وشمس الضحى تتسلل من النافذة لتداعبها
كأنما عمدت أخت يوشع أن تغيظ قلبي الصغير، فأبدتها بأجمل منظر في أسوأ موعد
< ربية> أول بني فصيلتها ولجت لمنزلنا، وكان يوم دخولها عيداً، حتى أنها نامت بجوار فراش صاحبها
في رمضان كنا، خلف الإمام نتشاغل بكل شاغلٍ لتنقضي التراويح الطويلة
إذ بابن الجيران يلوح بباب المسجد، ويبده شيئاً بين البياض والسواد، تخالطه حمرةٌ واصفرار
وما كانت تلك الا < ربية> بريشها وعرفها النائم ومنقارها القائم، فأنعم بساعة الشراء
طلقت التراويح اربعاً وتزوجت < ربية>،، رغم تحذيرات الأم وبلاغات المؤذن عني وعن أفعالي
قال ابن الجيران الخبير: بداخلها بيضةٌ تنتظر ضحى الغد لتلفظها..
ولا أدري أين وردت كلمة ( ربية) الغريبة، ولكنها أطلقت عليها، وأضحت معلمةً مشيرةً إليها
ومضيت للبيت في حضني الصغير تقبع الدجاجة السمينة، والتراويح تتلاشى خلفي
مع ولوجي باب المنزل كان إمامنا يردد بصوته الأنفي المخرج: وبارك لنا فيما أعطيت.. قلت: آمين!.
...
السكين الحادة محمولةٌ بين أسناني مخلوعها ومكسورها
وبين يدي تهتز < ربية> فتهز معها جسدي الصغير، كأنما يتصل بنا تياراً كهربيا
حبوت بها للخارج، ثم رفعت قامتي النحيلة، وسرت وفي عيني تلتمع نظرةٌ صبيانيةٌ شريرة
حينما مضت الإرادة للدماغ، فكتبت كلمة: بقية الدجاج.. ثم ضغطت بحث، لترسل الأمر للعين: جاري البحث.
إيقاف... بقية الدجاج هناك، على امتداد: الحقل الشرقي/ تحت الرمانة الصغيرة/ تأخذ حمام تراب . متعه
أول من نظر ناحيتي وضحيتي كان الديك الأكبر < فرفر>
وهو من أولاد < ربية> الذين جاء بهم لقاح ديك ابن الجيران
ثم كبر تحت رعايتها، وغدا ذات يومٍ أباً لأبنائها، ثم هو اليوم بعد عامين جداً وربما اباً لأحفادها، لا أدري!.
واذكر سؤالي ذات يومٍ خريفيٍ لأمي، وقد فقس بيض < ربية> عن الجيل الثاني: من هو أبو الفراخ الجديدة؟
وعلى قدرها تحرك حبات الذرة المطبوخة، قالت أمي: إنه الديك < فرفر>..
لم أهضم الإجابة، الديك < فرفر> ابن < ربية> فكيف يصير زوجها، لم أسمع بهذا من قبل!!.
نقلت شكوكي لأمي، ابتسمت وواصلت عملية التحريك، ثم تركتني لعود الذرة أمصه بتلذذ، والعق شفتي وحيرتي
لا أدري.. بعد سنين طويلة ونحن على مقاعد مؤتمرٍ ما
ذكر أحدهم لفظة ( الجندر) فتخايلت في ذهني صورة القدر وملعقة أمي تتحرك فيه بحرج وابتسامة
زجرت نفسي وأنا أتحسس مقعدي، قلت لها: أمك لم تكن تجيد الكتابة فضلاً عن أن تعرف هذا الهذيان!.
ورغم الزجر، لازالت تلك الكلمة مرتبطة بملعقة الحيرة، هل من مفسر؟
...
لو كانت هذه الدجاج هابطةً من قديم العصور لما فعلت فعلتي
إذ سيكون < فرفر> بحجم ديناصور البيتاروسور الطائر، لتكفي ضربة من ذيله الأنيق أن تجدع انفي
ولكن كلا؛ فإني لأحسب أن ضخامة الحيوان سيقابلها ولابد ضخامة للإنسان
وعلى هذا، ستبقى الدجاجة دجاجة، والإنسان إنسانا، والإضطهاد كما وصفه شيخ المعرة اضطهادا
ومن يقدر أن يكون نباتياً كما كان أبو العلاء رحمه الله؟!.
جلست القرفصاء قريباً من الدجاجات المستحمات
والرهج المتطاير من تقلبهن ورفرفتهن يكسو ثوب الضحى لوناً ميتا، برغم مجاهدة الرمانة الخضراء
وكما كنت أرى أمي في مطبخها، بدأت الخطوات الإجراميــة بحذر، وبحسابٍ أنيقٍ دقيقٍ لكل خطوة
فردت الجناحين الأسودين ليبدو الإبط الأبيض
ثم وضعت قدمي عليهما، وأضجعت الدجاجة لجنبها، ويدي الصغيرة تتحسس عنقها الذي امتد طويلا
آه، لا بد من قطع الودجين، هكذا قال جارنا وهو يذبح خروفه
حاولت أن أعلم أمي اسمهما لكني فشلت، وغاية ما وصلت إليه أن أسمتهما بالجدولين، لا بأس بذلك
" بسم الله.. والله أكبر"
جغغغغط.... وانتفضت < ربية> نفضةً قفز على إثرها جسمي الصغير للخلف
لتقوم ذات المرض تختلج برأسٍ عموديٍ على الحوصلة، وقد تطايرت نافورة الدماء شاخبةً صاخبة
ولو كنت أعرف مقولة بول ايردوس: الرياضي هو آلة تحول القهوة إلى نظريات رياضية!.
إذن لقلت من فوري: الدجاجة هي آلةٌ تحول الحبوب إلى نافورات دمائية..
ومع رقصة الموت المريعة
وشلالات ( نياجارا) الدموية ترتفع لأوراق الرمانة فتحيلها كحليةً متقطرةً بالإحمرار
انتفض المستحمون والمستحمات كافة، ثم تحلقوا بأصواتٍ متقطعةٍ حول الزوجة والأم والجدة مفجوعين
تجتاحها الإرتعاشات فتقفز ليقفزون حولها، وفي عيونهم تقرأ عيناي الصغيرتان رعب الدنيا
حتى إذا انتفض الجسد عن أقوى طاقتنه، ارتمى على الأرض، ولم يعد له إلا قوة فولت واحد لينتهي الشحن
استغلها في حركة رافضةٍ من رجله اليسرى، ثم خمد كأنما لم يكن
وتفرق الجمع المذعور برؤوس مطأطئة
...
كانت تجربةً كيميائيةً أجريتها وانتهت
قانون بناء المادة يقول: لا يوجد تغير في كمية المادة خلال التفاعل الكيميائي الطبيعي.
ورغم أن هذا تفاعل إجرامي غير طبيعي، إلا أني متأكد أن مادةً من مواد القوة والضعف لن تتغير في الدجاج
لذا، سرت بكل برودٍ وثقةٍ لأحمل من كانت تسمى < ربية>،، من قدمها التي خرج منها آخر فولت
ورأسها المتأرجح كبندول يرسم مسيرنا بخيط دماء منمنم، ما لبث أن انتهى حبره
وتحت الحقل الشرقي جهة الركن الأيسر، ألقيتها بشكل عمودي في سقيفة عمي المهدمة
وعندما التفت لأعود، كان رأس < فرفر> يرتد بسرعةٍ من بين عيدان العثربة القريبة، والمشرفة علي من الحقل
تأبين هذا يا < فرفر> أم ماذا؟ لعلها قراءة لسورة يس.. لعل
...
بيدي السكين اطعن بها أوراق التين الشوكي، والمتخمة بمياه الأمطار والضباب
وفي كل طعنة، تأخذ المطعونة حمرة السكين وتهب السكين بعض خضرتها، حتى تمت لها نظافتها
فسرت بها للبيت، منادياً على أمي ولا أسمع من مجيب!.
عندما شممت رائحة الدخان، وتيقنت أنها أغصان الشث المحترقه، علمت أن أمي بالخارج تخبز غداءنا
ألقيت السكين على ارض المطبخ وأنا واقفٌ بركنية الصالة البعيدة
يقول اينشتين أنه لولا نسبيته لطارت سكينتي حتى تدخل بيت الجيران؛ وربما صعدت للترانسفير
بل وربما قفزتي التالية عن النافذة إلى حيث موقد النار كانت ستوقعني في القرية المجاورة، حيث صاحبي سعد
لم يحصل شيء من هذا، وإنما نزلت لأمي مختصراً الدروب لأخبرها الخبر
وكانت مستمعةً جيدة
تركتني وفمي الصغير يبحث عن الكلمات يصف بها ما كان، ويصف ما لم يكن
حتى إذا انتهيت أجابت بصمت، وتركتني متشاغلةً بالنار والعجين بين يديها، وأنا انتظر التعليق
- أعطني العود القريب منك أحرك به النار..
حملت العود بطواعيةٍ لأسلمه إليها، وعيناي تصعدان مع شرارةٍ لم تلبث أن خمدت
عندما أرجعت بصري من الفضاء لأطارد شرارةً أخرى
كانت يدي وعودها المحمول بين يدي أمي، وقد انتقل الشرر إلى عينيها فجأةً بغير إنذار
- يا مجرم.. تذبح الدجاجة بين بقية الدجاج؟.
كانت عبارة واحدة، وتركت بقية الكلام لعود التالب الأخضر، فكان ثرثاراً جداً
تجاوبه صرخاتي، لينتقل تلوين الحمرة والخضرة من السكين والتين إلى التالب وحامل السكين
...
وبعد توقف التلوين الدامع
انفلت هارباً من دربي المختصر، والدموع تتدافع وتتزاحم فوق خدي
ولا أدري لعله طيف أو واقع، ولكني أحسب عيني رأتا رأس الديك يرتد من خلف جذع العرعرة القريبة
وإلى اليوم، وكلما ذكرت ابتسامة الشماتة تذكرت منقار الديك المبتسم!!.
...
في غرفتي بحيطانها البيضاء فوق سريري الصغير
مضيت أصور نفسي في سفينة فضائية تغادر الأرض بسرعة الضوء لأيام عديدة
ثم أعود منها لأجد كل من حولي اليوم من بشرٍ ودجاجٍ قد طواهم الفناء، وأتى الرب بغيرهم
الدمع على وجنتي يرسم خطاً مخربشاً
وقدماي تتحركان يمنةً ويسرةً كبندول ساعة أو رأس دجاجةٍ مذبوح
حمدت الله أن الضرب لم يكن بحضرة المؤذن، ولا ابن الجيران، ولا صديقي سعد، ولا حتى < ربية>
وما روى الرازي عن قدماء الفلاسفة: لا يكون الإنسان فيلسوفاً إلا وله علم بالخيمياء.
اروي أنا اليوم عن الماضي شبيهاً له:
< لا يكون الإنسانً عطوفاً؛؛ إلا وله علم ببطش الأقوياء>
.........
تمت
الفنار... 19 نوفمبر 2006م
من الترباسية إلى الجوراسية ونحن نعاني
سادت علينا هذه الديناصورات، وأصبح البرونتوصور يهدم منزلنا بلعقة لسانٍ فقط
أظن هذا ما كان سيقوله أجدادنا لو كانوا وجدوا على أرضهم قبل خمسة وستين مليون عام
سلم الرحمن وكفى
وكما اصطدم نيزك بالأرض فخبا نجم الديناصور وطفا
اصطدم هذا الأسبوع الليل بالنهار، فغدا الكون في رأس < ربية> رمادي اللون بلا معنى!.
كان هذا معتقد رأسي الصغير عن رأس < ربية> الأصغر
حينما تجمع ماء كالوحل على عينيها، فغدا منقارها كسيارة مراهق تصطدم يمنة ويسرة
ثم لم تلبث أن غيرت نغمة صوتها بلا رجوع للإعدادات ولا الرنين، لتتوالى نكباتها، وتسير للهاوية
فقد رجعت لوضع صامت، ثم استبدلته بهزاز مستديم
وقالت أمي: ليس لك إلا البصل يجديها نفعا!.
في علاجٍ ورثته عن جدها عن جدته عن عنعناتٍ كثيرةٍ إلى الحارث بن كلدة
فتعرقت يداي الصغيرتان على حقل البصل أقطع وأدمع، من المزرعة للدجاجة طازجا، وما أجدى نفعا
ومضى وقت اينشتين المطاطي، و < ريبة> تسير للموت المأساوي
...
وقالت الأم: الذبح يا صغيري خير علاج، لتموت بسرعة وراحة..
أعرفها أمي، لا تؤمن بإبرة الموت الرحيم، لكنها تخاف عدوى المرض، ولا تريد ( تشاؤماً) قول ذلك
- أمي، أنا سأذبحها اليوم، أريد أن أتعلم، ثم أنها دجاجتي أنا!.
هكذا هتفت، وأنا أنتزع السكين عن الرف الخشبي، وأعدو بسرعة الضوء إلا قليلا
ولم تفلح أصابع أمي أن تمسك بيدي الصغيرة
حدسية غولدباخ: كل عدد صحيح طبيعي زوجي اكبر من اثنين يمكن كتابته على شكل مجموع عددين أوليين..
وليس غولدباخ بأفضل من قدمي، حينما جعلت لهما حدسيةً قافزة
< كل سلم طبيعي غير مكسور أقل من أو يساوي خمسة؛ يمكن عبوره على شكل قفزة واحدة>
ثم من منزلنا الغربي إلى كن الدجاج الشرقي، مضيت أضيف لسرعة دوران الأرض ثُـمن كيلو متر
لنعدو معاً للشرق بسرعة احد عشر ألفاً ومائة وخمسة وعشرين متراً بالثانية
وتعالى صرير الباب الحديدي الصغير المفتوح
لأجد نفسي أحبو تاركاً بصمات يدي وركبتي وقدمي على ارض الكن الترابية
فتمحو رغم صغرها الآثار الثلاثية لأصابع الدجاج، والتي قد تترسب يوماً فتصبح بعد عصورٍ آثار مخلوق ما
ليروا بعد ملايين السنين ركبتي ويدي وقدمي وأصابع الدجاج يضمهما متحف ما
ولا أدري.. لعلهم يطلقون علينا لقب الدجاجتور، على وزن الديناصور، ومن دخل كن الدجاج فليقبل التطبيع!.
...
في ركنها نائمة، أو أنها في حالة إغماء، الله ثم الدجاج أعلم
بريشها الأسود الموخوط بالبياض، على فراش التبن الذهبي، وشمس الضحى تتسلل من النافذة لتداعبها
كأنما عمدت أخت يوشع أن تغيظ قلبي الصغير، فأبدتها بأجمل منظر في أسوأ موعد
< ربية> أول بني فصيلتها ولجت لمنزلنا، وكان يوم دخولها عيداً، حتى أنها نامت بجوار فراش صاحبها
في رمضان كنا، خلف الإمام نتشاغل بكل شاغلٍ لتنقضي التراويح الطويلة
إذ بابن الجيران يلوح بباب المسجد، ويبده شيئاً بين البياض والسواد، تخالطه حمرةٌ واصفرار
وما كانت تلك الا < ربية> بريشها وعرفها النائم ومنقارها القائم، فأنعم بساعة الشراء
طلقت التراويح اربعاً وتزوجت < ربية>،، رغم تحذيرات الأم وبلاغات المؤذن عني وعن أفعالي
قال ابن الجيران الخبير: بداخلها بيضةٌ تنتظر ضحى الغد لتلفظها..
ولا أدري أين وردت كلمة ( ربية) الغريبة، ولكنها أطلقت عليها، وأضحت معلمةً مشيرةً إليها
ومضيت للبيت في حضني الصغير تقبع الدجاجة السمينة، والتراويح تتلاشى خلفي
مع ولوجي باب المنزل كان إمامنا يردد بصوته الأنفي المخرج: وبارك لنا فيما أعطيت.. قلت: آمين!.
...
السكين الحادة محمولةٌ بين أسناني مخلوعها ومكسورها
وبين يدي تهتز < ربية> فتهز معها جسدي الصغير، كأنما يتصل بنا تياراً كهربيا
حبوت بها للخارج، ثم رفعت قامتي النحيلة، وسرت وفي عيني تلتمع نظرةٌ صبيانيةٌ شريرة
حينما مضت الإرادة للدماغ، فكتبت كلمة: بقية الدجاج.. ثم ضغطت بحث، لترسل الأمر للعين: جاري البحث.
إيقاف... بقية الدجاج هناك، على امتداد: الحقل الشرقي/ تحت الرمانة الصغيرة/ تأخذ حمام تراب . متعه
أول من نظر ناحيتي وضحيتي كان الديك الأكبر < فرفر>
وهو من أولاد < ربية> الذين جاء بهم لقاح ديك ابن الجيران
ثم كبر تحت رعايتها، وغدا ذات يومٍ أباً لأبنائها، ثم هو اليوم بعد عامين جداً وربما اباً لأحفادها، لا أدري!.
واذكر سؤالي ذات يومٍ خريفيٍ لأمي، وقد فقس بيض < ربية> عن الجيل الثاني: من هو أبو الفراخ الجديدة؟
وعلى قدرها تحرك حبات الذرة المطبوخة، قالت أمي: إنه الديك < فرفر>..
لم أهضم الإجابة، الديك < فرفر> ابن < ربية> فكيف يصير زوجها، لم أسمع بهذا من قبل!!.
نقلت شكوكي لأمي، ابتسمت وواصلت عملية التحريك، ثم تركتني لعود الذرة أمصه بتلذذ، والعق شفتي وحيرتي
لا أدري.. بعد سنين طويلة ونحن على مقاعد مؤتمرٍ ما
ذكر أحدهم لفظة ( الجندر) فتخايلت في ذهني صورة القدر وملعقة أمي تتحرك فيه بحرج وابتسامة
زجرت نفسي وأنا أتحسس مقعدي، قلت لها: أمك لم تكن تجيد الكتابة فضلاً عن أن تعرف هذا الهذيان!.
ورغم الزجر، لازالت تلك الكلمة مرتبطة بملعقة الحيرة، هل من مفسر؟
...
لو كانت هذه الدجاج هابطةً من قديم العصور لما فعلت فعلتي
إذ سيكون < فرفر> بحجم ديناصور البيتاروسور الطائر، لتكفي ضربة من ذيله الأنيق أن تجدع انفي
ولكن كلا؛ فإني لأحسب أن ضخامة الحيوان سيقابلها ولابد ضخامة للإنسان
وعلى هذا، ستبقى الدجاجة دجاجة، والإنسان إنسانا، والإضطهاد كما وصفه شيخ المعرة اضطهادا
ومن يقدر أن يكون نباتياً كما كان أبو العلاء رحمه الله؟!.
جلست القرفصاء قريباً من الدجاجات المستحمات
والرهج المتطاير من تقلبهن ورفرفتهن يكسو ثوب الضحى لوناً ميتا، برغم مجاهدة الرمانة الخضراء
وكما كنت أرى أمي في مطبخها، بدأت الخطوات الإجراميــة بحذر، وبحسابٍ أنيقٍ دقيقٍ لكل خطوة
فردت الجناحين الأسودين ليبدو الإبط الأبيض
ثم وضعت قدمي عليهما، وأضجعت الدجاجة لجنبها، ويدي الصغيرة تتحسس عنقها الذي امتد طويلا
آه، لا بد من قطع الودجين، هكذا قال جارنا وهو يذبح خروفه
حاولت أن أعلم أمي اسمهما لكني فشلت، وغاية ما وصلت إليه أن أسمتهما بالجدولين، لا بأس بذلك
" بسم الله.. والله أكبر"
جغغغغط.... وانتفضت < ربية> نفضةً قفز على إثرها جسمي الصغير للخلف
لتقوم ذات المرض تختلج برأسٍ عموديٍ على الحوصلة، وقد تطايرت نافورة الدماء شاخبةً صاخبة
ولو كنت أعرف مقولة بول ايردوس: الرياضي هو آلة تحول القهوة إلى نظريات رياضية!.
إذن لقلت من فوري: الدجاجة هي آلةٌ تحول الحبوب إلى نافورات دمائية..
ومع رقصة الموت المريعة
وشلالات ( نياجارا) الدموية ترتفع لأوراق الرمانة فتحيلها كحليةً متقطرةً بالإحمرار
انتفض المستحمون والمستحمات كافة، ثم تحلقوا بأصواتٍ متقطعةٍ حول الزوجة والأم والجدة مفجوعين
تجتاحها الإرتعاشات فتقفز ليقفزون حولها، وفي عيونهم تقرأ عيناي الصغيرتان رعب الدنيا
حتى إذا انتفض الجسد عن أقوى طاقتنه، ارتمى على الأرض، ولم يعد له إلا قوة فولت واحد لينتهي الشحن
استغلها في حركة رافضةٍ من رجله اليسرى، ثم خمد كأنما لم يكن
وتفرق الجمع المذعور برؤوس مطأطئة
...
كانت تجربةً كيميائيةً أجريتها وانتهت
قانون بناء المادة يقول: لا يوجد تغير في كمية المادة خلال التفاعل الكيميائي الطبيعي.
ورغم أن هذا تفاعل إجرامي غير طبيعي، إلا أني متأكد أن مادةً من مواد القوة والضعف لن تتغير في الدجاج
لذا، سرت بكل برودٍ وثقةٍ لأحمل من كانت تسمى < ربية>،، من قدمها التي خرج منها آخر فولت
ورأسها المتأرجح كبندول يرسم مسيرنا بخيط دماء منمنم، ما لبث أن انتهى حبره
وتحت الحقل الشرقي جهة الركن الأيسر، ألقيتها بشكل عمودي في سقيفة عمي المهدمة
وعندما التفت لأعود، كان رأس < فرفر> يرتد بسرعةٍ من بين عيدان العثربة القريبة، والمشرفة علي من الحقل
تأبين هذا يا < فرفر> أم ماذا؟ لعلها قراءة لسورة يس.. لعل
...
بيدي السكين اطعن بها أوراق التين الشوكي، والمتخمة بمياه الأمطار والضباب
وفي كل طعنة، تأخذ المطعونة حمرة السكين وتهب السكين بعض خضرتها، حتى تمت لها نظافتها
فسرت بها للبيت، منادياً على أمي ولا أسمع من مجيب!.
عندما شممت رائحة الدخان، وتيقنت أنها أغصان الشث المحترقه، علمت أن أمي بالخارج تخبز غداءنا
ألقيت السكين على ارض المطبخ وأنا واقفٌ بركنية الصالة البعيدة
يقول اينشتين أنه لولا نسبيته لطارت سكينتي حتى تدخل بيت الجيران؛ وربما صعدت للترانسفير
بل وربما قفزتي التالية عن النافذة إلى حيث موقد النار كانت ستوقعني في القرية المجاورة، حيث صاحبي سعد
لم يحصل شيء من هذا، وإنما نزلت لأمي مختصراً الدروب لأخبرها الخبر
وكانت مستمعةً جيدة
تركتني وفمي الصغير يبحث عن الكلمات يصف بها ما كان، ويصف ما لم يكن
حتى إذا انتهيت أجابت بصمت، وتركتني متشاغلةً بالنار والعجين بين يديها، وأنا انتظر التعليق
- أعطني العود القريب منك أحرك به النار..
حملت العود بطواعيةٍ لأسلمه إليها، وعيناي تصعدان مع شرارةٍ لم تلبث أن خمدت
عندما أرجعت بصري من الفضاء لأطارد شرارةً أخرى
كانت يدي وعودها المحمول بين يدي أمي، وقد انتقل الشرر إلى عينيها فجأةً بغير إنذار
- يا مجرم.. تذبح الدجاجة بين بقية الدجاج؟.
كانت عبارة واحدة، وتركت بقية الكلام لعود التالب الأخضر، فكان ثرثاراً جداً
تجاوبه صرخاتي، لينتقل تلوين الحمرة والخضرة من السكين والتين إلى التالب وحامل السكين
...
وبعد توقف التلوين الدامع
انفلت هارباً من دربي المختصر، والدموع تتدافع وتتزاحم فوق خدي
ولا أدري لعله طيف أو واقع، ولكني أحسب عيني رأتا رأس الديك يرتد من خلف جذع العرعرة القريبة
وإلى اليوم، وكلما ذكرت ابتسامة الشماتة تذكرت منقار الديك المبتسم!!.
...
في غرفتي بحيطانها البيضاء فوق سريري الصغير
مضيت أصور نفسي في سفينة فضائية تغادر الأرض بسرعة الضوء لأيام عديدة
ثم أعود منها لأجد كل من حولي اليوم من بشرٍ ودجاجٍ قد طواهم الفناء، وأتى الرب بغيرهم
الدمع على وجنتي يرسم خطاً مخربشاً
وقدماي تتحركان يمنةً ويسرةً كبندول ساعة أو رأس دجاجةٍ مذبوح
حمدت الله أن الضرب لم يكن بحضرة المؤذن، ولا ابن الجيران، ولا صديقي سعد، ولا حتى < ربية>
وما روى الرازي عن قدماء الفلاسفة: لا يكون الإنسان فيلسوفاً إلا وله علم بالخيمياء.
اروي أنا اليوم عن الماضي شبيهاً له:
< لا يكون الإنسانً عطوفاً؛؛ إلا وله علم ببطش الأقوياء>
.........
تمت
الفنار... 19 نوفمبر 2006م
تعليق