.
..
...
العقل البشري عجيب التكوين
أبدع فيه خالقه، فجعل منه آيةً كافيةً للدلالة على عظمته
بأفكاره، بأساليبه، بطرق أخذه للأمور، بزوايا رؤيته للفعال والأقوال، بكل أمر من أموره
...
ومن أمور هذا العقل البشري
أمر الربط بين مستجدات الأحداث وقديمها
فمستحيلٌ أن يستوعب العقل البشري أمراً إلا وقد صنع له رابطاً يربطه بحدثٍ ما
فعندما يقال لك: اشترى محمدٌ تفاحاً وأوصله لمنزله..
فأنت لا تستوعب الجملة إلا بعد أن تربطها بصورة محمد ومنزله وصورة التفاح حسب معرفتك لهذه الصور
وهو ترابط يمر بالذهن بسرعةٍ هائلةٍ غير محسوسة..
لذلك فمما يلجأ له مدربو القدرات البشرية لتقوية الذاكرة
تقوية الروابط عند طلابهم، وتعليمهم كيفية إتقان الربط بين عشرات الأمور لأجل استيعابها وحفظها بسهولة
فمن أجاد ربط الأشياء أجاد حفظها..
وهذا أعلاه حديث تمهيدي نبين به مقصودنا من الارتباط
وهو نعمة من الله عز وجل، ولكن؛؛ كيف يصيرها البعض إلى إشكالية ونقمه؟
وكيف تصبح في بعض المواقف مصدر إزعاجٍ وفتنه؟
...
دعونا نأخذ رأي الدين في مسألة الارتباط
فالدين عندما تناول موضوع تقبل الإنسان لمستجدات الأحداث وجديد الأشخاص
تناوله بمبدأ ( الظن الحسن) وتقديم رؤية الخير على الشر
وترك الارتباطات السيئة السابقة جانباً – كمصدر تحذير فقط- دون أن تكون مصدر استبعاد وتنافر
فإن الارتباطات السيئة إن أضحت مقدمة على العقل أسقطت صاحبها في مسالك الغلو والتشنج
ولو وقفنا على أمثلةٍ من هذه الأمور لربما اتضحت الصورة أكثر..
ففي إحدى المنتديات الصحوية – كما يسمونها- أنزل أحدهم مقالاً لأحد المشائخ المعروفين
وقد ذلل المقال باسم أحد ربان سفن التيار الليبرالي، الذين لا يلقون رواجا إسلاميا
فجاءت عملية الارتباطات السابقة لتفعل فعلها، ولتتقدم على العقل في منظرٍ مضحكٍ مؤسف
عندما قامت الجماهير بالنقد والتشنيع على المقال مع أنه في غاية الصواب
وكل هذا بتأثيرٍ من رؤية الاسم بدون النظر للمضمون
واحسبنا لو وضعنا مقالاً معقولاً لأحد دعاة الفكر التغريبي بمنتدى ليبرالي
وذيلناه باسم أحد المشائخ، لرأيت مثل ذلك من تقديم ارتباطات السوء على العقل والبرهان والفكر
وهذا تدليلٌ على تفشي ظاهرة تقديم الارتباطات على العقول في مجتمعنا
وترك حسن الظن وصدق التحكيم والعدل جانباً لتسيطر نظرةً مسبقةً على رؤانا كلها
...
وأذكر أني في أحد المنتديات كنت أضع أمام اسم العمل في بياناتي الشخصية كلمة " مبشر"
لأجد ذات موضوعٍ ما؛ شخصاً يدخل بعيداً عما نتحدث حوله ليغرس في أنيابه
كيف أقول بكل وقاحةٍ أن عملي هو التبشير؟ وهل الفنار نصرانياً يعترف بذلك بنفسه؟
ابتسمت عندها على هذا الارتباط القبيح عند صاحبنا لهذه الكلمة الجميلة
وكيف أوقعها سوء الاستخدام – إضافة لإشكالية تلاعب المصطلحات- فريسة للظن السيئ بلا تدبر ولا تفكر؟!.
واحسبني لو كتبت " مستعمر" لوجدت أكثر من معترض ومنتقد
ولا زلت أذكر نقاشاً بيني وبين شاعرٍ كبيرٍ حول موقفنا من أبي العلاء المعري رحمه الله
فرأيي فيه ولا يزال أنه شخصٌ مسلمٌ نذكر عنه آلاف الومضات الإيمانية
ورأي محاوري أن شيخ المعرة شيخ سوءٍ وزندقةٍ وأن في شعره من المكفرات ما يخرجه من الملة
والعجب أنه برغم ما فندت من قوله، وما بينت له من أن أكثر ما ينسب إليه مكذوبٌ عليه، لم يقتنع..
لأجد في نهاية الأمر أن الارتباط السيئ هو الحائل بين صاحبنا وبين الاعتراف بالحقيقة..
وهو ارتباطٌ زرعه محبة طه حسين للمعري وتشبيهه نفسه به، فجاء كره أبي العلاء من كره طه حسين..
وشتان بين الثرى والثريا، وشتان بين الصدق والزيف..
...
إن تقديم الارتباطات على البراهين والأدلة العقلية
سبيل يرمي بصاحبه إلى فقدان موقعه من الحوار العاقل، وإلى ضياع الحقيقة التي ينشدها كل أريب
وبهذا؛؛ يصبح الحوار عبثا، ويصبح النقاش نوعاً من الملهاة والسعي بدون هدف
لتجد شخصاً قد سمع كلمةً معينةً في مقامٍ معينٍ لا يعجبه
قد أضحت عنده هذه الكلمة رمز سوءٍ حتى لو قالها قائلها في مقام خير وبنية طيبة ولمعنىً مختلف
أو تجد شخصاً أبصر بإنسانٍ ما في مكانٍ يرى انه قبيح..
قد أضحى عنده ذات الشخص مثال الشر حتى لو سلك أنظف المسالك برأي العقل والرأي النزيه
إشكالية الارتباط
سبيلٌ يودي بصاحبه إلى إشكالية التكبر عن قبول الحقيقة
وبين هذه وتلك؛؛ يضيع الحجى والرشد، ويضيع العمر في انتفاشٍ على غير دراية.
...
وانتهى القول
ــــــــــــــــــ
..
...
العقل البشري عجيب التكوين
أبدع فيه خالقه، فجعل منه آيةً كافيةً للدلالة على عظمته
بأفكاره، بأساليبه، بطرق أخذه للأمور، بزوايا رؤيته للفعال والأقوال، بكل أمر من أموره
...
ومن أمور هذا العقل البشري
أمر الربط بين مستجدات الأحداث وقديمها
فمستحيلٌ أن يستوعب العقل البشري أمراً إلا وقد صنع له رابطاً يربطه بحدثٍ ما
فعندما يقال لك: اشترى محمدٌ تفاحاً وأوصله لمنزله..
فأنت لا تستوعب الجملة إلا بعد أن تربطها بصورة محمد ومنزله وصورة التفاح حسب معرفتك لهذه الصور
وهو ترابط يمر بالذهن بسرعةٍ هائلةٍ غير محسوسة..
لذلك فمما يلجأ له مدربو القدرات البشرية لتقوية الذاكرة
تقوية الروابط عند طلابهم، وتعليمهم كيفية إتقان الربط بين عشرات الأمور لأجل استيعابها وحفظها بسهولة
فمن أجاد ربط الأشياء أجاد حفظها..
وهذا أعلاه حديث تمهيدي نبين به مقصودنا من الارتباط
وهو نعمة من الله عز وجل، ولكن؛؛ كيف يصيرها البعض إلى إشكالية ونقمه؟
وكيف تصبح في بعض المواقف مصدر إزعاجٍ وفتنه؟
...
دعونا نأخذ رأي الدين في مسألة الارتباط
فالدين عندما تناول موضوع تقبل الإنسان لمستجدات الأحداث وجديد الأشخاص
تناوله بمبدأ ( الظن الحسن) وتقديم رؤية الخير على الشر
وترك الارتباطات السيئة السابقة جانباً – كمصدر تحذير فقط- دون أن تكون مصدر استبعاد وتنافر
فإن الارتباطات السيئة إن أضحت مقدمة على العقل أسقطت صاحبها في مسالك الغلو والتشنج
ولو وقفنا على أمثلةٍ من هذه الأمور لربما اتضحت الصورة أكثر..
ففي إحدى المنتديات الصحوية – كما يسمونها- أنزل أحدهم مقالاً لأحد المشائخ المعروفين
وقد ذلل المقال باسم أحد ربان سفن التيار الليبرالي، الذين لا يلقون رواجا إسلاميا
فجاءت عملية الارتباطات السابقة لتفعل فعلها، ولتتقدم على العقل في منظرٍ مضحكٍ مؤسف
عندما قامت الجماهير بالنقد والتشنيع على المقال مع أنه في غاية الصواب
وكل هذا بتأثيرٍ من رؤية الاسم بدون النظر للمضمون
واحسبنا لو وضعنا مقالاً معقولاً لأحد دعاة الفكر التغريبي بمنتدى ليبرالي
وذيلناه باسم أحد المشائخ، لرأيت مثل ذلك من تقديم ارتباطات السوء على العقل والبرهان والفكر
وهذا تدليلٌ على تفشي ظاهرة تقديم الارتباطات على العقول في مجتمعنا
وترك حسن الظن وصدق التحكيم والعدل جانباً لتسيطر نظرةً مسبقةً على رؤانا كلها
...
وأذكر أني في أحد المنتديات كنت أضع أمام اسم العمل في بياناتي الشخصية كلمة " مبشر"
لأجد ذات موضوعٍ ما؛ شخصاً يدخل بعيداً عما نتحدث حوله ليغرس في أنيابه
كيف أقول بكل وقاحةٍ أن عملي هو التبشير؟ وهل الفنار نصرانياً يعترف بذلك بنفسه؟
ابتسمت عندها على هذا الارتباط القبيح عند صاحبنا لهذه الكلمة الجميلة
وكيف أوقعها سوء الاستخدام – إضافة لإشكالية تلاعب المصطلحات- فريسة للظن السيئ بلا تدبر ولا تفكر؟!.
واحسبني لو كتبت " مستعمر" لوجدت أكثر من معترض ومنتقد
ولا زلت أذكر نقاشاً بيني وبين شاعرٍ كبيرٍ حول موقفنا من أبي العلاء المعري رحمه الله
فرأيي فيه ولا يزال أنه شخصٌ مسلمٌ نذكر عنه آلاف الومضات الإيمانية
ورأي محاوري أن شيخ المعرة شيخ سوءٍ وزندقةٍ وأن في شعره من المكفرات ما يخرجه من الملة
والعجب أنه برغم ما فندت من قوله، وما بينت له من أن أكثر ما ينسب إليه مكذوبٌ عليه، لم يقتنع..
لأجد في نهاية الأمر أن الارتباط السيئ هو الحائل بين صاحبنا وبين الاعتراف بالحقيقة..
وهو ارتباطٌ زرعه محبة طه حسين للمعري وتشبيهه نفسه به، فجاء كره أبي العلاء من كره طه حسين..
وشتان بين الثرى والثريا، وشتان بين الصدق والزيف..
...
إن تقديم الارتباطات على البراهين والأدلة العقلية
سبيل يرمي بصاحبه إلى فقدان موقعه من الحوار العاقل، وإلى ضياع الحقيقة التي ينشدها كل أريب
وبهذا؛؛ يصبح الحوار عبثا، ويصبح النقاش نوعاً من الملهاة والسعي بدون هدف
لتجد شخصاً قد سمع كلمةً معينةً في مقامٍ معينٍ لا يعجبه
قد أضحت عنده هذه الكلمة رمز سوءٍ حتى لو قالها قائلها في مقام خير وبنية طيبة ولمعنىً مختلف
أو تجد شخصاً أبصر بإنسانٍ ما في مكانٍ يرى انه قبيح..
قد أضحى عنده ذات الشخص مثال الشر حتى لو سلك أنظف المسالك برأي العقل والرأي النزيه
إشكالية الارتباط
سبيلٌ يودي بصاحبه إلى إشكالية التكبر عن قبول الحقيقة
وبين هذه وتلك؛؛ يضيع الحجى والرشد، ويضيع العمر في انتفاشٍ على غير دراية.
...
وانتهى القول
ــــــــــــــــــ
تعليق