{ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ * اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ * قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ * قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ * قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ * فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ فَمَا آتَانِي اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ }


3ـ التثبت والتبين ومتابعة صدى المواقف والأقوال

لم ينته دور الهدهد بعد ، فسليمان عليه السلام يريد تأكيد الخبر { قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ } فيما أخبرتنا به لتتخلص من الوعيد - وهذا من واجبات القائد - { اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } حمله الهدهد وذهب إلى اليمن فألقى بالكتاب إلى الملكة كما أمر ثم تولى ناحية أدباً ورياسة { قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } تعني بكرمه ما رأته من عجيب أمره كون طائر أتى به فألقاه إليها ، وهذا أمر لا يقدر عليه أحد من الملوك { إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }

كان كتاب سليمان عليه السلام في غاية البلاغة والفصاحة والإيجاز فإنه حصل المعنى بأيسر عبارة وأحسنها ، فعرفوا أنه من نبي الله سليمان وأنه لا قبل لهم به .

4- الشورى

{ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ * قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ * قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } مع أن قومها أولو قوة وبأس شديد إلا أنها أيقنت أنه لا قبل له بجيش سليمان فالدلائل تشير إلى ذلك مبكراً وهي تعلم قوة وجبروت الملوك ، قالت إني أخشى أن نحاربه ونمتنع عليه فيقصدنا بجنوده ويهلكنا بمن معه ويخلص إلى وإليكم الهلاك والدمار دون غيرنا ، فعدلت إلى المصالحة والمهادنة والمسالمة والمخادعة والمصانعة فقالت { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ }

{ فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ } أي أتصانعونني بمال لأترككم على شرككم ؟ { فَمَا آتَانِي اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } أي أنتم الذين تنقادون للهدايا والتحف أما أنا فلا أقبل منكم إلا الإسلام أو السيف .

5 - معرفة مواطن الضعف عند الخصم

{ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ } وهذا موافق لما قالت من قبل عن جبروت الملوك ومعرفة سليمان بمواطن ضعف خصمه ، فلما رجعت إليها رسلها بهديتها وبما قال سليمان قالت والله لقد عرفت ما هذا بملك وما لنا به طاقة فبعثت إليه أني قادمة عليك بملوك قومي لأنظر ما أمرك وما تدعونا إليه من دينك فسر بذلك سليمان عليه السلام وفرح وجعل يبعث الجن يأتونه بمسيرها .


يتبع إن شاء الله


--------------
المراجع السابقة

بارك الله فيك وفي جهدك ويسرلك الأمر فسيري على بركة الله وتوفيقه

{ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ * قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنْ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ * فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ * وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ * قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

جعل يبعث الجن يأتونه بمسيرها حتى إذا دنت جمع من عنده من الجن والإنس { قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ *قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ } أي مارد من الجن وكان كأنه جبل { أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ } أي قبل أن تقوم من مجلسك { وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } قوي على حمله ، أمين على ما فيه من جواهر { قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ } قيل هو آصف بن برخياء كاتب سليمان وكان صديقاً يعلم الاسم الأعظم { أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } أي ارفع بصرك وأنظر { فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }


5- اختبار ذكاء الملكة

{ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنْ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ } بتغيير ألوانه ونزع فصوصه ومرافقه { فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ } عرض عليها عرشها وقد غير ونكر وزيد فيه ونقص منه فكان لها ثبات وعقل ولها لب ودهاء وحزم ، فلم تقدم على انه هو لبعد مسافته عنها ولا انه غيره لما رأت من آثاره وصفاته وإن غير وبدل { قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ } أي يشبهه ويقاربه ، وهذا في غاية الذكاء والحزم كما أن إجابتها أتت موافقة للسؤال ، فالسؤال لم يكن ( أهذا عرشك ) لتقول ( نعم هو ) وهذا من البيان . قال سليمان عليه السلام { وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ * وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ }

{ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً } لا تشك أنه ماء تخوضه { وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا } وذلك أن سليمان عليه السلام أمر الشياطين فبنوا لها قصراً عظيماً من قوارير واجري تحته الماء فالذي لا يعرفه يحسب أنه ماء { قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }


فأسلمت وحسن إسلامها ، والله تعالى أعلم .



للحديث بقية إن شاء الله ،،،

الأستاذ الفاضل أبو احمد

بداية أعتذر لك وللمشاركين الكرام لتأخير التعقيب على الردود فقد كان الهدف طرح القصة كاملة (( كمثال )) و (( شهادة )) و (( دعم )) مسبق لما أنا بصدد طرحه وأسعى من خلاله إلى طرق أبواب قضية ربما تكون شائكة ومعقدة هي (( دور الإعلام - الإيجابي والسلبي )) ، وقد اخترت عنوان الموضوع (( ذاكرة التأريخ )) للتأكيد على أن (( الإعلام )) يضرب في أعماق التاريخ صنعه (( أبطال )) ليس (( الهدهد )) إلا أحدهم وإن كان (( طائراً )) فقد خلده التاريخ إزاء جهوده الإعلامية المتميزة التي وضع بها الأطر العامة والخطوط العريضة لأبجديات وضوابط تلك المهنة الشاقة (( والهامة )) .


الأستاذ الفاضل

قريباً إن شاء الله سوف نبدأ الحوار لنصل للهدف المنشود بإذن الله .


أشكر لك حضورك ودعمك

الأستاذ فارس


وعدتنا بالعودة ، ننتطلع لتلك العودة بشوق ..


أشكر لك حضورك

الغالية حنين

كم يسعدني تواجدك وإضافتك التي تمنحني الكثير من الدعم والشعور بالرضى ..


شكراً شكراً .. غاليتي

(( دور الإعلام - الإيجابي والسلبي ))

الأستاذ الفاضل بن مرضي

الآن وقد اتضح الهدف من الموضوع لا أجد إلا أن أدعو لك بتمام الصحة والعافية ما حييت ، فقد أتيت على الهدف من قراءتك للعنوان فقط وهذا فضل من الله عليك كبير يستوجب الشكر .


وقفت على اسئلتك كثيراً ، لم أجد لبعضها إجابة ، والبعض الآخر ربما وردت إجابته في سياق القصة ، إلا أنني سأقف على اسئلتك من جديد وأتمنى أن نجد لها إجابة من عندك أو من عند المشاركين الكرام ..


أين ذهب الهدهد بعد عودته بالرسالة إلى بلقيس ؟

لا أعلم ، ما أعلمه انه أدى دوره باتقان وخلد نفسه في ذاكرة التاريخ ووضع لنا ضوابط وقوانين لم نستطع حتى اليوم الاستفادة منها وتطبيقها بشكل صحيح .

أين يقع واد النمل الذي وقف فيه سليمان للنملة وتبسم ضاحكا من قولها ؟

الله تعالى أعلم .

هل كان لكشف ساقيها علاقة بما رأيناه ونراه من كشف للسيقان وغير السيقان هذه الأيام عند أخوات بلقيس وبناتها ؟

؟؟



لماذا لم نتعلم الأسلوب المختصر البليغ الذي جاء به الهدهد ؟ بدلا من الإطالة المملة والمخلّة التي نراها في كتابتنا وأخبارنا ؟


هنا بيت القصيد ، لب الموضوع وهدفه ، فلله أنت



أشكرك من الأعماق

الأستاذ الفاضل أبو ماجد


أتمنى أن قدمت ما يحوز رضاك ، وما قدمه المشاركون الكرام فهو أكثر مما تأملت بكثير ، فلك ولهم وافر الشكر والتقدير .


دمتم في حفظ الله

الموضوع خطير وشائك ..


غاليتي حنين ، أشكرك مجدداً وأتمنى أن أتمكن من طرح القضية بالمستوى اللائق >>>> قريباً ( إن كتبت لنا الحياة ) .


أشكرك من الأعماق