الإنسان لا يغترب من أجل الغربة ، فهو يعلم أنها مرة قاسية بما يكفي للهروب منها ، ولكن البعض يتجه لذلك الاختيار عندما تنقطع به السبل ولا يرى الأمل في إحداث تغيير مقبول في حياته إلا من خلال الاغتراب .
ضحايا الغربة كثر بكثرة أنواعها ، أعظمها قسوة وأكثرها ألماً غربة الدين ، فما أقسى أن يكون الإنسان غريب بدينه ، وكذا غربة الوطن والروح والجسد تأتي تباعا .. فهي تشعر الإنسان بالوحدة وإن بلغ العلا أو تربع على عرش المجد لأن المخاطر تضل دوماً وأبداً متربصة به فضلاً عما يجده في نفسه من ألم وغربة .
على طريقة الكاتب المتألق بن مرضي تحت موضوع ( الشك ) يقول هناك من يعيش الشك حتى مع نفسه ، وكذا حال الغربة ، فهناك من يستشعرها بينه وبين نفسه وإن لم يبرح الجسد مسقط رأسه .. !!
يرى البعض أن الغربة في ذاتها مدرسة وإن قصرت مدتها قد توازي حياة الإنسان بأكملها وإن طالت ، أتفق وذلك جملة وتفصيلاً إلا أنها قد تتجاوز إلى أبعد من ذلك بكثير ...
عندما يعاشر الإنسان قوماً ما فإنه لا بد وإن يكتسب منهم الشيء الكثير فيخرج بمخزون ثقافي مختلف تماماً عما كان يحمله قبل الاغتراب وسوف يكتسب عادات وصفات مختلفة أيضاً ، قد يكتسب منهم الخير وقد يأخذ عنهم غير ذلك وإن كان الأمر يعتمد عليه ومدى التلقي والاستجابة عنده ، إلا أن الواقع يؤكد أن من يعيش في بيئة طيبة فسوف يجني منها الخير الوفير ، ومن يعيش في بيئة مشحونة بالفتن والشر والخداع والحقد والبغضاء والسخرية وغيرها فإنه حتماً سوف يخرج من تلك البيئة بشيء من تلك الصفات القبيحة .
لا أحد يستطيع إنكار ذلك أبداً وعهدتي على التجربة .. !
بحثت عن الغربة وتتبعت أخبارها في جميع صورها ، وجدت المغتربين جميعاً يرددون عبارة واحدة وإن اختلفت لغاتهم ولهجاتهم ... لعلكم تجدونها في العنوان .
يقول الشاعر
بلدي وإن جارت علي عزيزة *** وأهلي وإن ضنوا علي كرام
فهناك ( في الوطن ) ظلمهم غير ، وبغضهم غير وقسوتهم أيضاً غير ............... فهي وإن اجتمعت فإنها لا تساوي لحظة ألم يتجرعها غريب بمفرده دون أن يشعر به أحد .
دمتم في حفظ الله
تعليق