في السابق كان الآباء إذا ما أرادوا تثقيف أبنائهم وتأسيسهم وتهيئتهم للمستقبل ابتعثوهم إلى البادية ليتلقّوا اللغة غضّةً طريّة من أفواه الأعراب ، ولتكون ملكتهم الأدبيّة أكثر استعدادًا ، وهذا بدوره ينمّي لديهم ملكة الحفظ وسرعة البديهة ، كان السابقون يفعلون هذا ، فما الذي سنفعله ، نحن المحدثين ، بأبنائنا بعد أن اختلطت الألسن ، وماتت السليقة ، وصار الأعراب سُذّجا لا يفكّرون تفكير الأوائل ، ولا يضيفون إلى الابن المبتعث إليهم شيئا؟!
لقد تغيّر الزمن ، فصارت لغته غير اللغة السابقة ، صار الزمن ينحى منحى جديدًا في رؤيته ، والمثقّف اللسن هذه الأيَّام ، هو ذلك الذي يحفظ عن ظهر قلب : كلّ قاموس الحارات والشوارع ، ولا تغيب عنه شاردةٌ ولا واردة من مكر أبناء المدينة ، ومن لم يحفظ هذا القاموس ولو من باب من تعلَّم لغة قومٍ أَمِن مكرهم ، فأشكّ في أنّه سينجو بجلده من المكائد التي تتربّص به في زوايا الشوارع ودهاليز الأحياء والحارات الشعبيّة ، وهذا كلّه يدفعنا إلى طريقة تربويّة جديدة قديمة في آن ، هي أنّه على الأب الذي يخشى على ابنه من ضررٍ متربّص أن يُعدَّ العدّة لذلك ، وليس من هذا الإعداد – دون أدنى شكّ – الحصار البيئيّ الذي يضيّق على الابن فرصة الالتقاء بأبناء الشارع ، وحبسه في خمس غرف مفروشة بحجّة إنقاذه من الفساد الأخلاقيّ ، هذه قد تحفظ الابن مؤقّتا ، ولكنها ستكون أشبه بحبس الماء ثمّ السماح له بالتدفق دفعة واحدة ، والابن ، قصر الزمن أو طال ، سيتمكّن من فكّ هذا الحصار المضروب عليه من أبويه ، وحينئذٍ ستكون العاقبة أشدّ ، والحريّة أكثر تفلّتا وأعظم خطرا ، وسيدفع الأب فاتورة الحساب مضاعفة ، فما الحلّ يا تُرى ؟
في تصوّري ، الخاطيء ربما ، أنّ حماية الابن من أبناء الشوارع ، تكون بإعطائه دروسًا تربويّة من الشارع نفسه ، لا أمزح ، فالذين يقضون طفولتهم في الشارع ويستمتعون بالحريّة أثناء الطفولة يضيفون إلى ذاكرتهم البيضاء شيئًا من شخبطات الحارة ، وشيئًا من المكر ، وشيئا من الشقاوة البريئة ، وشيئًا من الخصومات والعراكات الطفوليّة ، فإذا ما تشكّلت ذاكرة الطفل من هذه الأشياء جميعها ، كانت مصلا ضدّ حمّى الفساد الأخلاقيّ المتأخّر ، وبذلك يفرّغ الأب طاقة ابنه في مثل هذه الأشياء الصغيرة ، فلا تكبر داخله ، لأنّها خرجت في ساعات اللهو والشقاوة والعفرتة ، فتصبح " تربية الشارع " دواء من دائها ، وإضافة إلى ذلك تكون له ذاكرة ترفده بحصانة ضدّ أصدقاء السوء الذين يكون تأثيرهم على من قضوا طفولتهم في المنزل أشدّ وأكثر ضررا ، لأنّ هؤلاء يواجهون الحياة بذاكرة بيضاء لا تعرف شيئًا اسمه المكر والخديعة ، ومن قضى نصف عمره في الظلّ سيذوب نصفه الآخر تحت حرارة الشمس !
تُراني على حقّ حينما أقول : إنّ تربية الشوارع ، في زمننا الذي كثرت فيه الدسائس والأخلاقيّات الرديئة ، ضرورةٌ لابدّ منها ؟
أتمنّى أن تكون هذه أضغاث أحلام ، أو هذيان محموم بنار الواقع !!
منقول للكاتب والشاعر سعود الصاعدي ....لقد تغيّر الزمن ، فصارت لغته غير اللغة السابقة ، صار الزمن ينحى منحى جديدًا في رؤيته ، والمثقّف اللسن هذه الأيَّام ، هو ذلك الذي يحفظ عن ظهر قلب : كلّ قاموس الحارات والشوارع ، ولا تغيب عنه شاردةٌ ولا واردة من مكر أبناء المدينة ، ومن لم يحفظ هذا القاموس ولو من باب من تعلَّم لغة قومٍ أَمِن مكرهم ، فأشكّ في أنّه سينجو بجلده من المكائد التي تتربّص به في زوايا الشوارع ودهاليز الأحياء والحارات الشعبيّة ، وهذا كلّه يدفعنا إلى طريقة تربويّة جديدة قديمة في آن ، هي أنّه على الأب الذي يخشى على ابنه من ضررٍ متربّص أن يُعدَّ العدّة لذلك ، وليس من هذا الإعداد – دون أدنى شكّ – الحصار البيئيّ الذي يضيّق على الابن فرصة الالتقاء بأبناء الشارع ، وحبسه في خمس غرف مفروشة بحجّة إنقاذه من الفساد الأخلاقيّ ، هذه قد تحفظ الابن مؤقّتا ، ولكنها ستكون أشبه بحبس الماء ثمّ السماح له بالتدفق دفعة واحدة ، والابن ، قصر الزمن أو طال ، سيتمكّن من فكّ هذا الحصار المضروب عليه من أبويه ، وحينئذٍ ستكون العاقبة أشدّ ، والحريّة أكثر تفلّتا وأعظم خطرا ، وسيدفع الأب فاتورة الحساب مضاعفة ، فما الحلّ يا تُرى ؟
في تصوّري ، الخاطيء ربما ، أنّ حماية الابن من أبناء الشوارع ، تكون بإعطائه دروسًا تربويّة من الشارع نفسه ، لا أمزح ، فالذين يقضون طفولتهم في الشارع ويستمتعون بالحريّة أثناء الطفولة يضيفون إلى ذاكرتهم البيضاء شيئًا من شخبطات الحارة ، وشيئًا من المكر ، وشيئا من الشقاوة البريئة ، وشيئًا من الخصومات والعراكات الطفوليّة ، فإذا ما تشكّلت ذاكرة الطفل من هذه الأشياء جميعها ، كانت مصلا ضدّ حمّى الفساد الأخلاقيّ المتأخّر ، وبذلك يفرّغ الأب طاقة ابنه في مثل هذه الأشياء الصغيرة ، فلا تكبر داخله ، لأنّها خرجت في ساعات اللهو والشقاوة والعفرتة ، فتصبح " تربية الشارع " دواء من دائها ، وإضافة إلى ذلك تكون له ذاكرة ترفده بحصانة ضدّ أصدقاء السوء الذين يكون تأثيرهم على من قضوا طفولتهم في المنزل أشدّ وأكثر ضررا ، لأنّ هؤلاء يواجهون الحياة بذاكرة بيضاء لا تعرف شيئًا اسمه المكر والخديعة ، ومن قضى نصف عمره في الظلّ سيذوب نصفه الآخر تحت حرارة الشمس !
تُراني على حقّ حينما أقول : إنّ تربية الشوارع ، في زمننا الذي كثرت فيه الدسائس والأخلاقيّات الرديئة ، ضرورةٌ لابدّ منها ؟
أتمنّى أن تكون هذه أضغاث أحلام ، أو هذيان محموم بنار الواقع !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاخ سعود وضع يده على الجرح فالقضيه تربوية جديرة بالاهتمام والمناقشة
وجميع الاخوان هنا اهل حكمه ومشوره وانتظر تعليقكم اخواني الاعضاء ....
وجميع الاخوان هنا اهل حكمه ومشوره وانتظر تعليقكم اخواني الاعضاء ....
تعليق