قصة سعودي من التطرف والتكفير الى الانحلال والسفور
--------------------------------------------------------------------------------
كنتُ في منزل ٍ صديق ٍ لي ، أضافني في جلسةٍ شاي ، في عصريّةٍ أدبيةٍ ، نتجاذبُ فيها أخبارَ الأدبِ ، ونتبادلُ فيها النكاتَ الحسانَ ، والفوائدَ الظَرافَ ، فما راعني إلا وصاحبي قد فزّ من كرسيهِ ، وانتصبَ قائماً ، وأخذَ يُشيرُ إلى شاشةِ التلفاز ِ – وقد كان الصوتُ مطفئاً – قائلاً : إنّه هوَ ! إنّه هو ! .
قلتُ من هوَ يا رجلُ ؟! ، وماذا عراكَ ودهاكَ ، حتى أفقدكَ السكينة َ والوقارَ ، وقمتُ تنطُّ في حالةٍ من الذهول ِ والاستغرابِ ؟ .
قال : إنّهُ مشاري الذايدي ! .
نعم ! إنّهُ هوَ بلحمهِ وشحمهِ ، هو بسحنتهِ المعروفةِ ، وبقايا جلافتهِ الماضيةِ ، وانحباس ِ الكلام ِ في لسانهِ ، ومعالجتهِ له ! .
كانَ هذا في وقتٍ كانَ الأستاذُ : حسين شبكشي ، يناقشهُ في برنامج ِ : تقرير ، على قناةِ العربيّةِ .
قلتُ لصاحبي : ما شأنهُ ؟! ، وما قصّتهُ ؟! ، فواللهِ إنّي لخبرهِ بالأشواق ِ ، ولمعرفةِ سيرته مشتاقٌ ، فعجّل علي ، فما ذمّتِ العربُ شيئاً مثلَ الانتظار ِ ! .
قال صاحبي : كنتُ في سنةٍ من السنين ، في ثاني أيّام ِ عيدِ الفطر ِ فيها ، في زيارةٍ لشيخيَ الإمام ِ : محمّدِ بن ِ محمّدٍ المختار ِ الشنقيطيِّ – حفظهُ اللهُ - ، وكنتُ – لمكانتي من شيخي – أقومُ بخدمةِ وضيافةِ من يزورهُ .
وإذ بشابٍّ يدخلُ علينا ، لاحتِ الشمسُ بشرتهُ فغيّرتهُ ، وظهرَ لي من آثار ِ التقشّفِ عليهِ ، ما جعلني أرتابُ منهُ ، ولهُ ثوبٌ لم تعرفِ الكاوية ُ إليهِ طريقاً ، وشماغ ٌ اتخذهُ منديلاً ولحافاً ، وقد فتحَ أزرارَ قميصهِ ، وهدّل شعرهُ ، ولم أشكَّ قطُّ أنَّ لهُ بعيراً ، أو ناقة ً أناخها خارجَ بيتِ الشيخ ِ ودخلَ !! .
فسلّمَ علينا سلامَ من أوجسَ منّا خيفة ً ، وجلسَ بناحيةٍ ، وأخذَ ينظرُ إلينا نظرة ً مملوءة ً ترفّعاً ، وكان قد اتّكأ على أحدِ جانبيهِ ، ولم يُعرْ أحداً اهتماماً ، ثمّ سرحَ في أوديةِ الدنيا ، وماجتْ بهِ وماجَ بها .
ولم يرعني إلا والرّجلُ متكلّماً !! .
فقلتُ : واللهُ إذاً ضاعَ مجلسنا ، فرجلٌ هذا ملبسهُ ومنظرهُ ، وذلكَ ازدراءهُ وترفّعهُ ، فكيفَ يكونُ أذاً منطقهُ ؟! ، وأي حلاوةِ بيان ٍ ، وعذوبةِ منطق ٍ ترجى من جافٍ غال ٍ ؟! ولن تجدَ عندهُ إلا أحاديث الأعرابِ !! .
فإذ بهُ يسألُ ويغربُ في أسئلته ، ويتكلّمُ كلامَ حضريٍّ تخلّق بأخلاق ِ البدوِ ، فمنطقهُ لا يشاكلُ منظرهُ !! .
وسحنتهُ لا توافقُ لكنتهُ .
ثمّ انقضى المجلسُ ، فما إن خرجتُ حتّى بادرني بالسلام ِ ، ثمّ عرّفني بنفسهِ قائلاً : أنا أخوكَ مشاري الذايدي !! .
قالَ صاحبي : ومرّتِ الأيّامُ ، فالتقيتهُ مرة ً مصادفة ً في منزل ٍ صديق ٍ ، وإذ بيدهِ جرحٌ من أثر ِ حرق ٍ ، فسألتهُ ، فقالَ منكرُ أنكرتهُ وتسبّبَ لي في أثر هذا الحرق ِ ، فقلتُ : وأيُّ منكر ٍ يقتضي إزالتهُ الإحراقَ ؟ فقال : أحرقنا محلاّتِ فيديو !! .
قالَ صاحبي : وكان صديقنا صاحبُ المنزل ِ يفاخرُ بهم جلاّسهُ ، ويقولُ هؤلاءِ شبابٌ لا يحملونَ البطائقَ ، ولا رخصَ لديهم ، ويحرّمونَ المدارسَ ، وينكرونَ الوظائفَ ، وليستْ عندهم جوازتُ سفر ٍ ، ولا يقيمونَ للأنظمة وزناً ، وهم أحلاسُ بيوتهم ، ولا يخالطونَ ولا يخَالطونَ ، إلا من كانَ من جنس ِ ما هم عليهم ، أو إذا اضطروا لذلكَ .
قالَ صاحبي : فواللهِ لقد هبتهم .
قالَ صاحبي : وما ذلك لما عندهم من الحقِّ ، وإنّما لما جرى عليهم من الجفاءِ في المنطق ِ ، والجرأةِ في الكلام ِ ، والمسارعةِ في الإغلاظِ ، والقسوةِ على العلماءِ ، والنكير ِ عليهم بلا هوادةٍ .
قالَ صاحبي : ومن خبر ِ أحدَ أصحابهم في تلكَ الفترة ِ ، أنّي ركبتُ معهُ السيّارة َ ، فقال لي في الطريق ِ : الألبانيُّ كافرٌ ! ، فقلتُ : ويحكَ ولمَ تكفّرهُ ؟! ، فقالَ لي : وهل تشكُّ أنتَ في كُفر ِ الألبانيِّ ؟! واللهِ – والكلامُ موصولٌ لهُ – لو جرى قتالٌ في هذه البلادِ ، لنقاتلنَّ أوّل من نقاتلُ ابنَ بازٍ وابنَ عثيمين ٍ والألبانيَّ !! ، ثمَّ قال لي : وأنتَ إن شككتَ في كفر ِ الألبانيِّ فأنتَ كافرٌ مثلهُ !!.
قالَ صاحبي : فكفّرني صاحبُ الذايدي في تلكَ الرّحلةِ ، فواللهِ لقد خشيتُ أن يستحلَّ مالي ، ويطردني من سيارتي !! والحمدُ للهِ أنّي لم أكن ذا زوجةٍ ، حتى لا تقعَ فريسة ويستحلَّ سبيها !! .
قالَ صاحبي : ومرة ً زارني الذايدي في مسجدي ، ومعهُ عبدالله بن بجاد العتيبي ، ورغبوا إليَّ في أن يجمعوا التبرعاتِ للجزائريين الثوّار ِ ، وذلك إبّانَ وقوع ِ الجزائر ِ في الحربِ الأهليّةِ ، وقد كانَ عبدُاللهِ العتيبي قد قالَ فيهم قصيدة ً ، يمدحُ فيها نهجهم ، ويتمنّى المسيرَ إليهم !! .
قلتُ لصاحبي : أكلُّ هذا فعلهُ الذايدي ورهطهُ ؟ .
قالَ وما خفيَ أعظمُ .
سبحانَ مقلّبِ القلوبِ !! .
من أقصى درجاتِ الغلوِّ والشدّةِ ، إلى أحطِّ درجاتِ التساهل ِ والتحرّريّةِ !! .
أهؤلاءِ الذينَ كانوا قديماً يعيشونَ في أوكار ٍ ومخابيءَ ، ولا يُخالطونَ النّاسَ إلا كما يُخالطُ أحدنا المريضَ ؟ ، ثم في فترةٍ مُريبةٍ يتحوّلونَ إلى منفتحينَ على العالم بشراهةٍ لا متناهيّةٍ ، منقطعةِ النظير ِ .
ماذا دهى هذا الرجلَ ! حتّى يمتطيَ الصعبَ والذلولَ ، ليكونَ علماً في العداءِ للدولةِ ، والخروج ِ على أنظمةِ النّاس ِ العامّةِ ، ليقعَ فيما بعدُ في قمّةِ التمييع ِ ، ويتمادى في أنواع ٍ من الباطل ِ ، ويُسارعَ في الوقوع ِ في المعاصي ، ويسوّغها لكلِّ راغبٍ ، في قالبٍ من المكر ِ والخديعةِ ، ويسهّلَ على النّاس ِ أسبابِ الفجور ِ والرذيلةِ ، ويصوّر الفضائلَ والمناقبَ بأنّها ستارٌ دونَ الحرّياتِ !!.
هل عرفَ الذايدي ورهطهُ سماحة َ الدين ِ ، وسهولتهُ ويسرهُ ؟ ، وهل عايشوا روحهُ ومعانيهِ السّاميّةِ الراقيّةِ ؟ .
أم أنّهم من التشرذم ِ والتكفير ِ ، إلى التمعقل ِ والتحرير والتنوير ِ ؟ .
لا شكَّ عندي ولا ريبَ أنّ هذا الرّجلَ ورهطهُ ، أدركتهم الصبوة ُ المتأخرة ُ ، و ذبحهم حبُّ الظهور ِ والشرفِ ، فلم يتركوا باباً يدني من الظهور ِ إلا وطرقوهُ ، ولا سبيلاً يقرّبُ من الشهرةِ إلا سلكوهُ .
وهم لشدّةِ نفورهم قديماً من النّاس ِ ، ولفرطِ مغالاتهم ، أحسّوا – حينَ مخالطتهم للنّاس ِ – بلذّةِ المخالطةِ ، وجمال ِ المعاشرةِ ، فانكبّوا عليها انكباباً ، ورموا ماضيَهم وتنكّروا لهُ ، وابتهجوا باكتنافِ مرضى القلوبِ والعقول ِ لهم ، فما طلبوهُ سنيناً وسنيناً ، وجدوهُ في لحظاتٍ .
من الذي يرضى ويثقُ في دعاةِ الرذيلةِ ! .
وهل يكرهُ القانونَ إلا لصٌّ وسارقٌ ؟ .
وهل يُبغضُ العدلَ إلا ظالمٌ ومرتش ٍ ؟ .
وهل يتلظّى بنار ِ الفضيلةِ إلا فاجرٌ خسيسٌ ؟ .
وهل يكرهُ المكارمَ إلا عربيدٌ سكّيرٌ ؟ .
إنّ من مُليء قلبهُ مرضاً وشهوة ً ، وارتوى عقلهُ شبهة ً وجهلاً ، ستراهُ – لا مناصَ - مسارعاً في هدم ٍ كلِّ فضيلةٍ ، ومجاهراً ببغض ِ كلِّ خصلةٍ نبيلةٍ .
إنَّ هذا الذايدي ورهطهُ يمقتونَ دعاة َ الفضيلةِ والعفّةِ ، كما يمقتُ السارقُ واللّصُّ القانونَ والعدلَ ، وذلكَ لأنّ الفضيلة َ والعفّة َ ، والتمسّكَ بشرع ِ اللهِ الكامل ِ غضّاً طريّاً ، يثقلُ على غرائزهم المنحطّةِ ، وينوءون بحملهِ والتمسّكِ بهِ ، لما أشربوا في قلوبهم من حبِّ الملذّاتِ ، والتنظير ِ لجوازها ، وفتح ِ أبوابها على مصارعها ، لكلِّ راغبٍ في أن ينهلَ منها ويعُبَّ !! .
ألا ترونَ – أيّها الأكارمُ – كيف يشمئزون من روحانيّةِ الأمّةِ ، وعفّتها ، وفضائلها !! ، ويُسارعونَ في وأدِ هذه المحامدِ والفضائل ِ ، وفتح ِ بابِ الحرّياتِ والعقل ِ ، والدعوةِ للسفور ِ وتحرير ِ المرأةِ ، والعودةِ لكنيفِ البهائم ِ ، والتمرّدِ على القيم ِ ، بحجةِ : القضاءِ على التطرّفِ الفكريِّ ، والغلوِّ العقديِّ ، وبحجّةِ عدم كبتِ الحرّياتِ ، وعدم ِ تضييق ِ معايش ِ النّاس ِ ! .
كم من طاغيةٍ وجاهل ٍ ومريض ٍ قبلهم ، حاولَ هدمَ تراثِ الأمّةِ وقيمها ، ومكرَ بدينِها ، ورفعَ راياتِ الحربِ على عفةِ والكرامةِ ، وتنادى – في حماقةٍ فاضحةٍ – بنشر ِ العقلنةِ والعصرنةِ ، وفتح ِ بابِ الوصل ِ مع العدوِّ ، وتحرير ِ المُسلم ِ من قيمهِ ومثالياتهِ ، ليكونَ شخصاً متحضّراً ، وناعقاً بكل قيم ِ ورذائل ِ عدوّهِ !! .
أحبّتي في اللهِ : هل تثقّونَ في أخلاق ِ دعاةِ السفور ِ ؟ ، وهل ترضونَ في بيع ِ دينكم على أناس ٍ يتلاعبونَ في المناهج ِ كتلاعبِ الطفل ِ بالكرةِ ؟ فما عرفوا قراراً ولا استقراراً ، ولا ثباتاً ولا نباتاً ، وإنّما هو متابعة ُ الهوى ، وما يشتهي النّاسُ .
فصارَ الدينُ بالتشهّي فقط .
ألا شاهتِ الوجوهُ ، وتعساً لهم من شبابٍ طائش ٍ ، وبئستِ الطائفة ُ المكتنفة ُ لهم .
دمتم بخير ٍ .
منقول
--------------------------------------------------------------------------------
كنتُ في منزل ٍ صديق ٍ لي ، أضافني في جلسةٍ شاي ، في عصريّةٍ أدبيةٍ ، نتجاذبُ فيها أخبارَ الأدبِ ، ونتبادلُ فيها النكاتَ الحسانَ ، والفوائدَ الظَرافَ ، فما راعني إلا وصاحبي قد فزّ من كرسيهِ ، وانتصبَ قائماً ، وأخذَ يُشيرُ إلى شاشةِ التلفاز ِ – وقد كان الصوتُ مطفئاً – قائلاً : إنّه هوَ ! إنّه هو ! .
قلتُ من هوَ يا رجلُ ؟! ، وماذا عراكَ ودهاكَ ، حتى أفقدكَ السكينة َ والوقارَ ، وقمتُ تنطُّ في حالةٍ من الذهول ِ والاستغرابِ ؟ .
قال : إنّهُ مشاري الذايدي ! .
نعم ! إنّهُ هوَ بلحمهِ وشحمهِ ، هو بسحنتهِ المعروفةِ ، وبقايا جلافتهِ الماضيةِ ، وانحباس ِ الكلام ِ في لسانهِ ، ومعالجتهِ له ! .
كانَ هذا في وقتٍ كانَ الأستاذُ : حسين شبكشي ، يناقشهُ في برنامج ِ : تقرير ، على قناةِ العربيّةِ .
قلتُ لصاحبي : ما شأنهُ ؟! ، وما قصّتهُ ؟! ، فواللهِ إنّي لخبرهِ بالأشواق ِ ، ولمعرفةِ سيرته مشتاقٌ ، فعجّل علي ، فما ذمّتِ العربُ شيئاً مثلَ الانتظار ِ ! .
قال صاحبي : كنتُ في سنةٍ من السنين ، في ثاني أيّام ِ عيدِ الفطر ِ فيها ، في زيارةٍ لشيخيَ الإمام ِ : محمّدِ بن ِ محمّدٍ المختار ِ الشنقيطيِّ – حفظهُ اللهُ - ، وكنتُ – لمكانتي من شيخي – أقومُ بخدمةِ وضيافةِ من يزورهُ .
وإذ بشابٍّ يدخلُ علينا ، لاحتِ الشمسُ بشرتهُ فغيّرتهُ ، وظهرَ لي من آثار ِ التقشّفِ عليهِ ، ما جعلني أرتابُ منهُ ، ولهُ ثوبٌ لم تعرفِ الكاوية ُ إليهِ طريقاً ، وشماغ ٌ اتخذهُ منديلاً ولحافاً ، وقد فتحَ أزرارَ قميصهِ ، وهدّل شعرهُ ، ولم أشكَّ قطُّ أنَّ لهُ بعيراً ، أو ناقة ً أناخها خارجَ بيتِ الشيخ ِ ودخلَ !! .
فسلّمَ علينا سلامَ من أوجسَ منّا خيفة ً ، وجلسَ بناحيةٍ ، وأخذَ ينظرُ إلينا نظرة ً مملوءة ً ترفّعاً ، وكان قد اتّكأ على أحدِ جانبيهِ ، ولم يُعرْ أحداً اهتماماً ، ثمّ سرحَ في أوديةِ الدنيا ، وماجتْ بهِ وماجَ بها .
ولم يرعني إلا والرّجلُ متكلّماً !! .
فقلتُ : واللهُ إذاً ضاعَ مجلسنا ، فرجلٌ هذا ملبسهُ ومنظرهُ ، وذلكَ ازدراءهُ وترفّعهُ ، فكيفَ يكونُ أذاً منطقهُ ؟! ، وأي حلاوةِ بيان ٍ ، وعذوبةِ منطق ٍ ترجى من جافٍ غال ٍ ؟! ولن تجدَ عندهُ إلا أحاديث الأعرابِ !! .
فإذ بهُ يسألُ ويغربُ في أسئلته ، ويتكلّمُ كلامَ حضريٍّ تخلّق بأخلاق ِ البدوِ ، فمنطقهُ لا يشاكلُ منظرهُ !! .
وسحنتهُ لا توافقُ لكنتهُ .
ثمّ انقضى المجلسُ ، فما إن خرجتُ حتّى بادرني بالسلام ِ ، ثمّ عرّفني بنفسهِ قائلاً : أنا أخوكَ مشاري الذايدي !! .
قالَ صاحبي : ومرّتِ الأيّامُ ، فالتقيتهُ مرة ً مصادفة ً في منزل ٍ صديق ٍ ، وإذ بيدهِ جرحٌ من أثر ِ حرق ٍ ، فسألتهُ ، فقالَ منكرُ أنكرتهُ وتسبّبَ لي في أثر هذا الحرق ِ ، فقلتُ : وأيُّ منكر ٍ يقتضي إزالتهُ الإحراقَ ؟ فقال : أحرقنا محلاّتِ فيديو !! .
قالَ صاحبي : وكان صديقنا صاحبُ المنزل ِ يفاخرُ بهم جلاّسهُ ، ويقولُ هؤلاءِ شبابٌ لا يحملونَ البطائقَ ، ولا رخصَ لديهم ، ويحرّمونَ المدارسَ ، وينكرونَ الوظائفَ ، وليستْ عندهم جوازتُ سفر ٍ ، ولا يقيمونَ للأنظمة وزناً ، وهم أحلاسُ بيوتهم ، ولا يخالطونَ ولا يخَالطونَ ، إلا من كانَ من جنس ِ ما هم عليهم ، أو إذا اضطروا لذلكَ .
قالَ صاحبي : فواللهِ لقد هبتهم .
قالَ صاحبي : وما ذلك لما عندهم من الحقِّ ، وإنّما لما جرى عليهم من الجفاءِ في المنطق ِ ، والجرأةِ في الكلام ِ ، والمسارعةِ في الإغلاظِ ، والقسوةِ على العلماءِ ، والنكير ِ عليهم بلا هوادةٍ .
قالَ صاحبي : ومن خبر ِ أحدَ أصحابهم في تلكَ الفترة ِ ، أنّي ركبتُ معهُ السيّارة َ ، فقال لي في الطريق ِ : الألبانيُّ كافرٌ ! ، فقلتُ : ويحكَ ولمَ تكفّرهُ ؟! ، فقالَ لي : وهل تشكُّ أنتَ في كُفر ِ الألبانيِّ ؟! واللهِ – والكلامُ موصولٌ لهُ – لو جرى قتالٌ في هذه البلادِ ، لنقاتلنَّ أوّل من نقاتلُ ابنَ بازٍ وابنَ عثيمين ٍ والألبانيَّ !! ، ثمَّ قال لي : وأنتَ إن شككتَ في كفر ِ الألبانيِّ فأنتَ كافرٌ مثلهُ !!.
قالَ صاحبي : فكفّرني صاحبُ الذايدي في تلكَ الرّحلةِ ، فواللهِ لقد خشيتُ أن يستحلَّ مالي ، ويطردني من سيارتي !! والحمدُ للهِ أنّي لم أكن ذا زوجةٍ ، حتى لا تقعَ فريسة ويستحلَّ سبيها !! .
قالَ صاحبي : ومرة ً زارني الذايدي في مسجدي ، ومعهُ عبدالله بن بجاد العتيبي ، ورغبوا إليَّ في أن يجمعوا التبرعاتِ للجزائريين الثوّار ِ ، وذلك إبّانَ وقوع ِ الجزائر ِ في الحربِ الأهليّةِ ، وقد كانَ عبدُاللهِ العتيبي قد قالَ فيهم قصيدة ً ، يمدحُ فيها نهجهم ، ويتمنّى المسيرَ إليهم !! .
قلتُ لصاحبي : أكلُّ هذا فعلهُ الذايدي ورهطهُ ؟ .
قالَ وما خفيَ أعظمُ .
سبحانَ مقلّبِ القلوبِ !! .
من أقصى درجاتِ الغلوِّ والشدّةِ ، إلى أحطِّ درجاتِ التساهل ِ والتحرّريّةِ !! .
أهؤلاءِ الذينَ كانوا قديماً يعيشونَ في أوكار ٍ ومخابيءَ ، ولا يُخالطونَ النّاسَ إلا كما يُخالطُ أحدنا المريضَ ؟ ، ثم في فترةٍ مُريبةٍ يتحوّلونَ إلى منفتحينَ على العالم بشراهةٍ لا متناهيّةٍ ، منقطعةِ النظير ِ .
ماذا دهى هذا الرجلَ ! حتّى يمتطيَ الصعبَ والذلولَ ، ليكونَ علماً في العداءِ للدولةِ ، والخروج ِ على أنظمةِ النّاس ِ العامّةِ ، ليقعَ فيما بعدُ في قمّةِ التمييع ِ ، ويتمادى في أنواع ٍ من الباطل ِ ، ويُسارعَ في الوقوع ِ في المعاصي ، ويسوّغها لكلِّ راغبٍ ، في قالبٍ من المكر ِ والخديعةِ ، ويسهّلَ على النّاس ِ أسبابِ الفجور ِ والرذيلةِ ، ويصوّر الفضائلَ والمناقبَ بأنّها ستارٌ دونَ الحرّياتِ !!.
هل عرفَ الذايدي ورهطهُ سماحة َ الدين ِ ، وسهولتهُ ويسرهُ ؟ ، وهل عايشوا روحهُ ومعانيهِ السّاميّةِ الراقيّةِ ؟ .
أم أنّهم من التشرذم ِ والتكفير ِ ، إلى التمعقل ِ والتحرير والتنوير ِ ؟ .
لا شكَّ عندي ولا ريبَ أنّ هذا الرّجلَ ورهطهُ ، أدركتهم الصبوة ُ المتأخرة ُ ، و ذبحهم حبُّ الظهور ِ والشرفِ ، فلم يتركوا باباً يدني من الظهور ِ إلا وطرقوهُ ، ولا سبيلاً يقرّبُ من الشهرةِ إلا سلكوهُ .
وهم لشدّةِ نفورهم قديماً من النّاس ِ ، ولفرطِ مغالاتهم ، أحسّوا – حينَ مخالطتهم للنّاس ِ – بلذّةِ المخالطةِ ، وجمال ِ المعاشرةِ ، فانكبّوا عليها انكباباً ، ورموا ماضيَهم وتنكّروا لهُ ، وابتهجوا باكتنافِ مرضى القلوبِ والعقول ِ لهم ، فما طلبوهُ سنيناً وسنيناً ، وجدوهُ في لحظاتٍ .
من الذي يرضى ويثقُ في دعاةِ الرذيلةِ ! .
وهل يكرهُ القانونَ إلا لصٌّ وسارقٌ ؟ .
وهل يُبغضُ العدلَ إلا ظالمٌ ومرتش ٍ ؟ .
وهل يتلظّى بنار ِ الفضيلةِ إلا فاجرٌ خسيسٌ ؟ .
وهل يكرهُ المكارمَ إلا عربيدٌ سكّيرٌ ؟ .
إنّ من مُليء قلبهُ مرضاً وشهوة ً ، وارتوى عقلهُ شبهة ً وجهلاً ، ستراهُ – لا مناصَ - مسارعاً في هدم ٍ كلِّ فضيلةٍ ، ومجاهراً ببغض ِ كلِّ خصلةٍ نبيلةٍ .
إنَّ هذا الذايدي ورهطهُ يمقتونَ دعاة َ الفضيلةِ والعفّةِ ، كما يمقتُ السارقُ واللّصُّ القانونَ والعدلَ ، وذلكَ لأنّ الفضيلة َ والعفّة َ ، والتمسّكَ بشرع ِ اللهِ الكامل ِ غضّاً طريّاً ، يثقلُ على غرائزهم المنحطّةِ ، وينوءون بحملهِ والتمسّكِ بهِ ، لما أشربوا في قلوبهم من حبِّ الملذّاتِ ، والتنظير ِ لجوازها ، وفتح ِ أبوابها على مصارعها ، لكلِّ راغبٍ في أن ينهلَ منها ويعُبَّ !! .
ألا ترونَ – أيّها الأكارمُ – كيف يشمئزون من روحانيّةِ الأمّةِ ، وعفّتها ، وفضائلها !! ، ويُسارعونَ في وأدِ هذه المحامدِ والفضائل ِ ، وفتح ِ بابِ الحرّياتِ والعقل ِ ، والدعوةِ للسفور ِ وتحرير ِ المرأةِ ، والعودةِ لكنيفِ البهائم ِ ، والتمرّدِ على القيم ِ ، بحجةِ : القضاءِ على التطرّفِ الفكريِّ ، والغلوِّ العقديِّ ، وبحجّةِ عدم كبتِ الحرّياتِ ، وعدم ِ تضييق ِ معايش ِ النّاس ِ ! .
كم من طاغيةٍ وجاهل ٍ ومريض ٍ قبلهم ، حاولَ هدمَ تراثِ الأمّةِ وقيمها ، ومكرَ بدينِها ، ورفعَ راياتِ الحربِ على عفةِ والكرامةِ ، وتنادى – في حماقةٍ فاضحةٍ – بنشر ِ العقلنةِ والعصرنةِ ، وفتح ِ بابِ الوصل ِ مع العدوِّ ، وتحرير ِ المُسلم ِ من قيمهِ ومثالياتهِ ، ليكونَ شخصاً متحضّراً ، وناعقاً بكل قيم ِ ورذائل ِ عدوّهِ !! .
أحبّتي في اللهِ : هل تثقّونَ في أخلاق ِ دعاةِ السفور ِ ؟ ، وهل ترضونَ في بيع ِ دينكم على أناس ٍ يتلاعبونَ في المناهج ِ كتلاعبِ الطفل ِ بالكرةِ ؟ فما عرفوا قراراً ولا استقراراً ، ولا ثباتاً ولا نباتاً ، وإنّما هو متابعة ُ الهوى ، وما يشتهي النّاسُ .
فصارَ الدينُ بالتشهّي فقط .
ألا شاهتِ الوجوهُ ، وتعساً لهم من شبابٍ طائش ٍ ، وبئستِ الطائفة ُ المكتنفة ُ لهم .
دمتم بخير ٍ .
منقول
تعليق