Unconfigured Ad Widget

Collapse

علـى مائدة اللئام.. قصة ذات فصلين

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • الفنار
    عضو مميز
    • Sep 2003
    • 653

    علـى مائدة اللئام.. قصة ذات فصلين

    < على مائدة اللئام >
    تعالى صراخ الصغار فجأة
    أسرعت شريفة تستطلع الخبر، إلى حيث يلعب أبناءها
    كان خالد ممداً على الأرض بلا حراك
    وإخوانه الثلاثة حوله لا يدرون ماذا أصاب أخيهم

    أسرعت تضم ابنها ذي السنوات الست؛؛ وقد غرق في غيبوبةٍ عميقة
    بلهفة الأم.. أخذت تهدهده وتمسح وجهه بالماء البارد
    إلا أن الطفل غائبٌ عن الوجود
    عجزت أساليبها البدائية أن تنتشله من إغمائه

    عندها انطلقت لمنزل جارهم؛
    تحمل ابنها على كتفها؛؛ راجيةً منهم توصيلها بسيارتهم المتهالكة إلى مستشفى البلدة
    وسرعان ما درجت السيارة على الطرق الترابية
    تحمل في جوفها جارهم الطيب وزوجته
    بينما تضم شريفة ابنها إلى صدرها، ودموعها تبدي مقدار خوفها

    زوجها التاجر البسيط قتل أثناء حرب الخليج الثانية
    كانت الطائرات تلقي حممها العشوائية.. تصلى بنارها المدنيين الأبرياء
    ويشاء الله أن يسافر لبغداد في بعض شؤون تجارته
    يومها تبدأ الحرب المسعورة.. فتقصف السيارة التي كان يستقلها راجعاً إلى أهله
    مودعاً زوجه وليس بيدها إلا النزر اليسير من المال
    تعيل به نفسها وأولادها الأربعة

    انتهت الحرب البشعة
    مخلفةً وراءها الدمار والخراب ورائحة الموت والدماء
    وبدأت سنون الحصار الظالم الجائر
    أعوامٌ مرةٌ جائعة.. يهوي في غياهبها شعب العراق المسلم

    بما توفر لديها من مال جمعها لها جيرانها الفقراء بعد وفاة زوجها
    اشترت ماكينة خياطة صغيرة
    لتحرك بها ماكينة حياتهم الزهيدة؛ باذلةً وقتها وجهدها وأيام شبابها


    مع وقوف السيارة عند المستشفى؛ عادت لواقعها الكريه
    نظرت إلى صغيرها السابح في ظلامٍ عميق
    أصغر أبنائها وأحبهم إلى قلبها
    سالت دمعةٌ من خدها لتقع على وجهه
    مسحتها بطرف جلبابها.. وهي تسأل الله أن ينجيه من كل مكروه

    وفي المستشفى
    تلقفته الأيدي وأسلمته للأجهزة والفحوصات والإنعاشات
    ومع نقص الإمكانيات بسبب الحصار؛؛ كان الوضع يزداد سوءاً

    بعد ساعات؛؛ أفاق الصغير من إغمائه
    نظر حوله بخوف؛ أوشك على البكاء
    وعندما وقع طرفه على أمه؛ رفت على فمه الصغير ابتسامةً بريئة
    جاوبتها الأم بابتسامةٍ يخالطها دموع
    وهي تحمد الله على سلامة صغيرها
    لا تدري ما تخبئه لها وله الأيام من آلام

    رأت الطبيب يهمس لجارهم بكلمات
    لم تخطي عيناها ملامح الذهول والألم في وجه جارهم الطيب
    أرادت السؤال عن مرض ابنها
    أرادت معرفة ما تطوي لصغيرها الأيام
    إلا أن الخوف والوجل أخرساها فلم تستطع الكلام


    وفي طريق العودة
    قال جارهم العجوز مدارياً ألمه وتألمه لحال هذه الأم البائسة والصغير المسكين:
    - ابنتي.. إن الصبر على قضاء الله وما يقدره لهو من واجبات ديننا الحنيف،
    والله إذا أحب عبداً ابتلاه لينظر هل يصبر أم...
    قاطعته وقد تبدت عليها اللهفة
    - أخبرني بما عندك يا عم فما نحن عن المصائب غرباء؛؛ إنما هي تعيش وتحل بديارنا..
    - لقد قال لي الطبيب أن ابنك مصاب بـ..بــ ..سـ..رطان الـدم..


    ضمت الأم الصغير لصدرها في حنان،، تاركةً الدموع تنهمر بصمت
    كان وقع الخبر عليها كالصاعقة.. فما تمخض عنه فاق أعنف كوابيسها..
    ألقت نظرةً على هذا الحبيب النائم في هدوء..
    فأحست بحبها له يربو ويزداد..

    بينما أكمل العجوز:
    - إن السرطان الآن في مرحلةٍ مبكرة والأمل في شفاء ابنك كبير إن شاء الله..
    - سأبذل كل ما أملك وأضاعف عملي ليل نهار من اجل توفير مصروفات علاجه..

    نظر إليها العجوز مشفقاً؛ وهو يلقي عليها الخبر الأشد ألما..
    - إن ابنك يحتاج إلى تغيير للدم كل ستة أشهر،، بالإضافه إلى الفحوصات المستمرة والعلاج الدائم؛
    وهذه يا ابنتي تكاليفها مرتفعةً جداً لا نستطيعها نحن الفقراء.. وخاصةً مع هذا الحصار المستمر..

    مع النشيج ارتفعت تساؤلاتها يقطعها النحيب:
    - من أين لي إذن بالمال؟!.. هل اتركه يموت بين يدي دون أن أفعل شيئا؟!..
    أليس يوجد طريقةً نؤمن له فيها العلاج؟!..
    أرجوك يا عم أخبرني ماذا أفعل لصغيري؟!؛؛ أنت لا تعلم كم أحبه!...

    أطلق العجوز زفرةً حارةً والدموع تراود مقلتيه
    كانت الحيرة تعصف به فهو مثلها لا يعرف لمصابها مخرجا..
    سرح بفكره يبحث عن حلٍ لينقذ هذه المسكينة وابنها
    فغرقت السيارة في صمتٍ مريع
    يقطعه شهقات الأم الملتاعة.. وأنفاس الصغير النائم بحضنها..



    يتبع
    " فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"
  • حديث الزمان
    عضوة مميزة
    • Jan 2002
    • 2927

    #2
    في انتظار البقية ..
    دمت بصحة وسلامة

    لكل بداية .. نهاية

    تعليق

    • حنان
      عضو مشارك
      • Jun 2004
      • 276

      #3
      الاستاذ الفنار
      ننتظر البقية في شوق ارجوا الاتتأخر علينا
      ودمت بخير

      تعليق

      • الفنار
        عضو مميز
        • Sep 2003
        • 653

        #4
        الأستاذة الكريمة حديث الزمان

        "سعدت برؤيتك بعد انقطاع"

        نبتت أحرفك على صفحاتي ففاحت عبيرا

        ممنونٌ لمرورك

        * * * * *

        الأستاذة حنان

        أحرفك أعلاه نغماتٌ شادية

        تهيب بي لأجيء فأكمل ما بدأته

        ومناي أن تحوز على رضاك

        عرفاني بعدد ما سطرته أناملك
        " فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"

        تعليق

        • الفنار
          عضو مميز
          • Sep 2003
          • 653

          #5
          على طريق العودة
          درجت السيارة تحت القصر المنيف المطل على القرية
          وهنا برزت برأس العجوز فكرة
          ورغم احتمال نجاحها الضئيل إلا أنه تمسك بها كقشة غريق
          قلبها في ذهنه لدقائق، خاطب الأم بعدها :

          - أظن يا ابنتي إن زوجك - رحمه الله- كان على علاقة بصاحب القصر؟
          لم تفهم ما أراد إلا أنها أجابته:
          - إن مابين زوجي وهذا البعثي كانت معرفة وليست علاقة بالمعنى الصحيح..
          - ما رأيك يا ابنتي أن تذهبي إليه وتعرفيه بنفسك ثم اشرحي له حالك وحاجتك للمال الذي تكتنز به خزانته؛؛ ربما لا يزال به بقية شهامة..
          - كلا.. إن أفعاله مع أهل القرية الفقراء؛ وهيمنته على أراضيهم الصغيرة رغم المساحات الشاسعة التي يمتلكها؛ تشير إلى خلو قلبه من الرحمة..
          تدبر العجوز في كلامها موافقاً عليه.
          فلو كان في قلبه رحمةً لما حظي بهذه المكانة لدى النظام الجائر الحاكم
          لكنه لم يركن لليأس وإنما استحثها:
          - جربي يا ابنتي ولن تخسري شيئا.. لعل الله أن يلين قلبه فيرق لحالك وشكاتك..
          - سأفكر في الأمر..
          قالتها منهيةً الحوار؛؛ ثم غادرت لمنزلها شاكرةً لجارهم فضله وشهامته..



          لم تنم تلك الليلة
          كانت نهباً لأفكارٍ ووساوس تنتابها
          تبحث عن سبيل لبعض المال تكتسبه فلا تجد إلا دروباً مغلقة
          أبعدت عن بالها ما اقترحه عليها العجوز من فكرةٍ اقرب للغباء
          إلا أنها كلما أبصرت بالصغير النائم
          غزتها الفكرة رويداً رويدا

          وفي الصباح
          كان يلوح بسيماء وجهها عزمٌ غريبٌ متردد
          ألقت على ابنها نظرةً أخيرةً مشفقة
          وكأنها تستمد منها القوة على الذهاب

          طرقت باب القصر المهيب
          بعد دقائق؛؛ انفرج عن وجه خادمٍ نظر إليها باستفهام واستثقال
          طلبت مقابلة صاحب القصر
          تطلع إلى ملابسها الرثة ثم ادخلها قاعة فسيحة
          جلست على أحد المقاعد الفخمة المتناثرة
          ريثما يفرغ لها سيده ويسمح لها بمقابلته

          كانت عائلته في المدينة
          لا يحبون العيش في الريف وإنما يأتون على فترات متباعدة ونادرة
          أما الأب فكان يحضر كثيراً للقصر
          يصطحب معه الطباخة العجوز وخادمه فقط
          وهكذا كان السكون يهيمن على القصر الفسيح

          نصف ساعةٍ مضت
          دخل بعدها الخادم ليقودها عبر الممرات إلى مكتب سيده
          طرق الباب ثم أدخلها وأغلق الباب

          رمقت جسده المكتنز وشعره الأشيب بنظرةٍ سريعة
          مكباً كان على أوراقٍ أمامه، ويده تعتصر جبينه
          أغضت طرفها للأرض بينما حدجها هو بعينيه سائلاً:
          - حسناً.. ماذا تريدين؟!..
          لحظات،، وجدت بعدها لسانها لتجيبه:
          - أ أ نا زوجة (فلان) التاجر..
          - آآآه.. أذكره لقد مات في الحرب؛ لكن ماذا تريدين؟!..
          تمثلت في مخيلتها صورة ابنها الحبيب يعاني الآلام؛؛ فأمدها ذلك بالشجاعة لتتدفق بالحديث:
          - إننا يا سيدي كما تعلم فقراء بعد موت زوجي، وقد استطعنا النهوض بأعباء الحياة واكتساب الرزق بما نبذل من عمل،، ولكن ابني الصغير ياسيدي مصابٌ بالمرض الخبيث ونحن لا نستطيع أن نوفر ثمن علاجه..

          قالت كل ذلك باختصار ثم صمتت منتظرةً ما يكون الرد وقد علا وجهها الشحوب..
          أجال السيد فيها عينيه، وفكرةٌ تنمو في رأسه، ثم خاطبها:
          - إذن فابنك مريضٌ وتريدون مني توفير مصاريف علاجه؟!..
          - نعم يا سيدي.. ولولا غلاء المصاريف علينا لما أزعجتك بوجودي وسؤالي..
          - على العكس أنت على الرحب والسعة..
          أحست بالذهول يتملكها والشكر والعرفان لهذا الرجل يتجليان في ملامحها مكبرةً فيه وفاءه وحبه للخير؛ مؤنبةً نفسها على ظنها السيئ به،
          أكمل هو كلامه وعلى شفتيه ابتسامةً مريبة:
          - إنني مستعد أن أغطي نفقات العلاج بنفسي..
          اندفعت عبارات الشكر والدعاء على شفتيها؛؛ إلا انه أسكتها بإشارةٍ من يده مستثنياً:
          - لكن بشرط؟!..
          أحست بالبرودة تسري في أعضائها؛؛ مع النظرة الغريبة التي تبدت في عينيه؛؛
          - ما هو شرطك يا سيدي؟..
          - أريدك أن....................!!!
          لم تجبه وإنما دارت على عقبيها؛؛ مسارعةً إلى الفرار من أمامه..


          بعد لحظات كانت تنطلق من باب القصر
          تجري الدموع على خديها كالمطر
          يتملكها الإحساس بالهوان والعار والحزن
          وعندما وصلت لمنتصف الساحة المحيطة بالقصر أتاها صوته من الشرفة:
          - فكري بالأمر جيداً؛؛ إنها حياة ابنك..
          أرادت أن تلقط حجراً فترمي هذا الوحش الآدمي الداعر
          إلا أنها واصلت طريقها؛؛ والدموع تزداد انهماراً
          نسيت طفلها وألمه، مع الموقف المخزي الذي وقفته أمام هذا المتجبر..
          تعاتب نفسها كيف ظنت أنها تستطيع أن تستدر من قلبه الشفقة..

          على باب المنزل استقبلها أبناؤها
          دهشوا وهم يرون الدموع التي تأبى التوقف
          أسرعت معهم بالدخول
          وعندما ضمت إليها خالد كان سؤالٌ يدور بخلدها:

          أيهم يا ترى أحب إلى ابني؛ أن يعيش تحت ظل أمه الخائنة؟
          أم يموت وأمه طاهرة الذيل، لا تخجل من النظر في وجوه أبنائها؟!..

          حدقت إلى ابنها النظر
          وكأنها تودعه من الآن؛ وتتملى وجهه قبل أن تعصف به رياح الآلام
          هتف الصغير ببراءته:
          - أمي رحتي وين الصباح؟!..
          - كنت أطلب الدواء من الخلق فما وجدته.. لأنه عند الخالق..
          - إذن أمي لا تذهبي للخلق مرة ثانية!..
          ابتسمت على كلمات صغيرها؛؛ قبلته على جبينه مجيبةً:
          - لا يا حبيبي ليس لنا إلا الخالق وحده...


          تـــمــت
          " فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"

          تعليق

          • أبو صخر
            عضو نشيط
            • Feb 2004
            • 413

            #6
            ألم الحاجه عندمن لايقضي الحاجات إلا بشرط ..

            ياصاحب القصر كان الأجدر أن تكون وفياً لصاحبك ..ولكنك لوثت المكارم ولم تجبر عثرات الكرام



            الأستاذ/ الفنار لك مني التحيه ..

            وأين أنت فقد طال غيابك



            ولك شكري
            آخر تعديل تم من قبل أبو صخر; 07-12-2004, 01:30 PM.
            علي أبونواس

            تعليق

            • الفنار
              عضو مميز
              • Sep 2003
              • 653

              #7
              أبو صخر

              أيها الصاحب الكريم
              حبذا والله رؤية أحرفك بعد انقطاع

              وحبذا قراءة كلماتك المتقاطرة كماء سلسبيل


              أحداث أمتنا
              إن روينا بعضها تملانا الكدر والهم
              فما يفرحنا إلا رؤية أحبابٍ مثلك أيها الغالي

              لك أجل تحية
              وأكرم عرفان
              " فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"

              تعليق

              • ألــم
                عضو نشيط
                • Dec 2004
                • 985

                #8
                الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين .. سيدنا محمد بن عبدالله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين .. ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
                الاخ العزيز الفنار
                بارك الله فيك على طرحك..
                قصة تتخللها حكمه .. اعجبتني الام المصون ..

                تعليق

                Working...