اليوم, السابع عشر من رمضان, تكتمل بالتمام أهلة عام كامل على "بدر الرياض", تلك الغزوة الميمونة التي استهدفت قلب عاصمة الحرمين لتقلب موائد السحور على سافلها تحت ذريعة نصرة هذا الدين العظيم ولترسل الجنائز إلى عواصم الكنانة واليرموك ولتسلب من الطفلة "أمل" نور عينيها فلن ترى من الدنيا شيئاً بعد ذلك اليوم. والحق, أننا لم نكن بأحوج من مثل ذلك اليوم على الرغم من مآسيه لنكشف عن هذا الجرح وليرتفع الغطاء عن الزيف لأنه كان يوم خروج اللون "الرمادي" من عيون الذين كانوا في شك وليبقى من الألوان ما كان نقيضاً بين الأسود الحالك والأبيض الناصع, ولكل بعد ذلك أن يختار من الألوان ما يراه. اليوم, وبعد عام كامل من الحدث بانت كل حدود الألوان فهل كنا بحاجة إلى عيني تلك الطفلة "الأمل": تلك التي ذهبت مع قطع الزجاج المتناثر فوق سريرها الطفولي البريء, وهل كانت تلك "الزرقة" البريئة في حدقات الأمل الذاهبة منتهى الطموح لكل مفجر ومساند ومتعاطف وساكت عن قول الحق؟ هل كنا بحاجة إلى هذا "البدر" الميمون في التاريخ نفسه بالتمام والكمال كي نسلب "الشوف" من عيني الطفلة الحوراء وهل يحتاج كل متعاطف ومساند وساكت عن كلمة الحق إلى معركة تنتهي بعيني طفلة عربية مسلمة كي يستطيع تمييز الألوان؟
لم تكن بدر الرياض مجرد مسافة من الزمن قطعتها سيارة مفخخة في رحلة امتدت بين تركيب المتفجرات وضغط الإبهام على أزرار البطارية. وهي لم تكن أيضا مجرد اجتهاد فئة من أبنائنا ضلت الطريق ولم تكن مجرد حدث انتهى كما ابتدأ في أفواه المراسلين: باختصار هي لم تكن سوى فورة الجرح الذي ابتدأ في التورم قبلها بسنين كانت بمثابة التهيئة العامة والتعبئة الاجتماعية التي خلطت كل الألوان وأعمت كل البصائر، والغريب أن ألوان الدنيا الاثني عشر الثابتة ستعطي اللون الغالب ذاته الرمادي فيما لو مزجت مع بعضها في خلاطة ألوان وعليكم التجربة. بدر الرياض لم تكن سوى الصدى النهائي لتعبئة شعبية عامة عارمة تمت وفق أسلوب بالغ التنظيم وامتدت بيننا سنوات طويلة كي لا يكون رد الفعل بقدر الجريمة. كي يقف السواد الأعظم في أقل الأحوال على الحياد وفي أوسطها بلا رفض وفي أقلها بالقبول, ولهذا خضع المجتمع من قبلها لسنين إلى عملية هائلة من غسيل الدماغ كي يستقبل مثل هذه الغزوة. أولاً: كانت هناك حملة بالغة التركيز ومكتملة الأركان في الجوانب النظرية والعملية للتشكيك في المسلك الاجتماعي الديني وتصوير وضع المجتمع بالإيغال في الجنح والجريمة والشذوذ عن منهج الحق. لم يكن خطابنا من قبل, ولعقدين من الزمن, يتحدث إلا عن الرذائل التي تسيطر على المجتمع ولم يكن سواده الأعظم يرد في هذا الخطاب إلا في صورة المنحرف المقصر المغموس حتى أخمص قدميه في ملذات المادية المعاصرة. لم يكن يصور الخالق البارئ الرحمن الرحيم الغفور المؤمن إلا في صورة المنتقم الجبار الذي بلغ به الحد من ذنوب الخلق ومعصيتهم. باختصار شديد, لم يكن لهذا المجتمع المؤمن المسلم المحافظ لدى بعض المسيطرين من هذا الخطاب من صورة تختلف عن صورة المجتمع البوذي أو الوجودي أو المادي الدنيوي, فكأنها تهيئة لأرض الفرقة الناجية التي ستأتي لإنقاذ هذا المجتمع وتطهيره والخلاص به حتى لو كانت التكلفة بالرصاص والقنابل. ولأجل هذا تم تحييد كل صورة نبيلة في خطابنا الإسلامي المعتدل الوسطي وتم التشكيك في كل رمز إسلامي أو شيخ يختلف عن فكر هذه الجماعة. خلال عقدين من الزمن ضاع إجلال وتقدير ومهابة الفضلاء من كبار العلماء فتحولوا وفق منهج نظري مبرمج مدروس إلى هيئة أخرى من وعاظ السلاطين ودهاقنة الوالي كي يفقدوا تأثيرهم في الخاصة والعامة من مريديهم وكي لا يلتفت الجيل الصاعد إلى خطابهم المناقض لهذه الأفكار الدخيلة. لم يكن غريباً أن يصل الحال إلى وصم هؤلاء العلماء الأجلاء بكل ما طاب لهم من الألقاب وأن يتجرأ بعضهم على اتهام هؤلاء بما لا يمكن لعقل أن يتصوره. التكفير والدوس على خطبهم وأشرطتهم بالأقدام, وأن يصل هذا التنظيم من القدرة بمكان أن يشتري كل نسخة متاحة في الأسواق لإمام يملأ السمع والبصر كي لا يصل كتابه بأفكاره المعتدلة الوسطية إلى العامة: تبحث عن هذا الكتاب في كل مكان فلا تجده لأن الأرض كلها لا بد أن تكون عطشى لفكر واحد بلا منافس. خلال عقدين من الزمن, وبشكل مبرمج منظم ومنهجي ودروس, تحول كل عالم يرى حرمة الخروج على ولي الأمر إلى "جامي" وتحول كل شيخ ينبذ العنف إلى "سروري" منشق عن الحركة وتحولت سلفية السنة والجماعة إلى "سلفية تقليدية" واتهم كل واعظ وداعية يدعو لصوت العقل إلى ناعق بصوت "المرجئة". خلال عقدين بل أقل تهيأت أرضية اجتماعية واسعة للحد الذي بدا فيه المجتمع على الحياد وهو يسمع فتوى أحدهم بجواز قتل المسلمين إذا تمترس بهم الكفار ويدلل بالمقارنة بين الرياض بملايينها الثلاثة من المسلمين وبين الطائف في زمن الشرك. خلال عقدين من الزمن تم شحن المجتمع لينفجر حتى قبل انفجارات بدر الرياض فقسمت لحمته المسلمة إلى طوائف وملل ونحل وشقت هذه الملل إلى ملل أخرى كي يأتي النصر على يد الفرقة الناجية. خلال عقدين, لاك المجتمع كلمة "العلمانية" ووزعها على بعضه بالأكوام ورددها أكثر مما تقال هذه المفردة في بيئاتها الأصلية التي تسبغها على نفسها بالعين والعلن وخلال عامين وصم قسم آخر بالليبرالية وثالث بالرويغبة ورابع بالمستغربين وآخرين بالعصرانيين والشهوانيين والماديين. وباختصار، خلال عقدين من الزمن استوردنا من الألقاب والأوصاف والطوائف والملل والنحل ما لم نستورده خلال ألف وخمسمئة عام ووزعناها حتى لم يبق بيننا فرد أو طائفة بلا لقب للانحراف والزيغ كي تشرق شمس هذا الفئة الناجية.
كان الهدف هو إسكات كل صوت وتحييد كل رأي يقف في المعسكر المضاد, ولهذا لم تكن أحداث بدر الرياض مجرد رحلة من العنف في ساعتين بقدر ما هي تخطيط مبرمج مدروس لتنظيم بث طروحاته خلال عقدين ظن وهماً أنهما كافيان لمسح عقول أمة تربت مئات السنين على قيم هذا الدين الذي أشهد أنه كان الضحية.
*عن صحيفة الوطن السعودية للكاتب علي سعد الموسى
الإخوة الاعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أعذروني على طول المقال ولكني لم أستطع حذف أي كلمة لأن المقال حساس لذا حببت إيراد هذه المقالة كاملة بلا نقصان رغبة في مشاركتكم بوجهات النظر المختلفة إما بالتأييد أو التفنيد لعلنا نخرج باتفاق محدد عن المحفز للإرهاب أما مبدأ الإرهاب نفسه فأغلبنا متفق على نبذ الإرهاب فكراً وفعلاً لكن ما أردت التعليق عليه منكم هو عن المحفزالحقيقي للإرهاب
آملاً أن أجد تفاعلاً هادئاً بعيداً عن الإنفعالات والتعصب.
ولكم مني خالص التحية.
أبو حسام
لم تكن بدر الرياض مجرد مسافة من الزمن قطعتها سيارة مفخخة في رحلة امتدت بين تركيب المتفجرات وضغط الإبهام على أزرار البطارية. وهي لم تكن أيضا مجرد اجتهاد فئة من أبنائنا ضلت الطريق ولم تكن مجرد حدث انتهى كما ابتدأ في أفواه المراسلين: باختصار هي لم تكن سوى فورة الجرح الذي ابتدأ في التورم قبلها بسنين كانت بمثابة التهيئة العامة والتعبئة الاجتماعية التي خلطت كل الألوان وأعمت كل البصائر، والغريب أن ألوان الدنيا الاثني عشر الثابتة ستعطي اللون الغالب ذاته الرمادي فيما لو مزجت مع بعضها في خلاطة ألوان وعليكم التجربة. بدر الرياض لم تكن سوى الصدى النهائي لتعبئة شعبية عامة عارمة تمت وفق أسلوب بالغ التنظيم وامتدت بيننا سنوات طويلة كي لا يكون رد الفعل بقدر الجريمة. كي يقف السواد الأعظم في أقل الأحوال على الحياد وفي أوسطها بلا رفض وفي أقلها بالقبول, ولهذا خضع المجتمع من قبلها لسنين إلى عملية هائلة من غسيل الدماغ كي يستقبل مثل هذه الغزوة. أولاً: كانت هناك حملة بالغة التركيز ومكتملة الأركان في الجوانب النظرية والعملية للتشكيك في المسلك الاجتماعي الديني وتصوير وضع المجتمع بالإيغال في الجنح والجريمة والشذوذ عن منهج الحق. لم يكن خطابنا من قبل, ولعقدين من الزمن, يتحدث إلا عن الرذائل التي تسيطر على المجتمع ولم يكن سواده الأعظم يرد في هذا الخطاب إلا في صورة المنحرف المقصر المغموس حتى أخمص قدميه في ملذات المادية المعاصرة. لم يكن يصور الخالق البارئ الرحمن الرحيم الغفور المؤمن إلا في صورة المنتقم الجبار الذي بلغ به الحد من ذنوب الخلق ومعصيتهم. باختصار شديد, لم يكن لهذا المجتمع المؤمن المسلم المحافظ لدى بعض المسيطرين من هذا الخطاب من صورة تختلف عن صورة المجتمع البوذي أو الوجودي أو المادي الدنيوي, فكأنها تهيئة لأرض الفرقة الناجية التي ستأتي لإنقاذ هذا المجتمع وتطهيره والخلاص به حتى لو كانت التكلفة بالرصاص والقنابل. ولأجل هذا تم تحييد كل صورة نبيلة في خطابنا الإسلامي المعتدل الوسطي وتم التشكيك في كل رمز إسلامي أو شيخ يختلف عن فكر هذه الجماعة. خلال عقدين من الزمن ضاع إجلال وتقدير ومهابة الفضلاء من كبار العلماء فتحولوا وفق منهج نظري مبرمج مدروس إلى هيئة أخرى من وعاظ السلاطين ودهاقنة الوالي كي يفقدوا تأثيرهم في الخاصة والعامة من مريديهم وكي لا يلتفت الجيل الصاعد إلى خطابهم المناقض لهذه الأفكار الدخيلة. لم يكن غريباً أن يصل الحال إلى وصم هؤلاء العلماء الأجلاء بكل ما طاب لهم من الألقاب وأن يتجرأ بعضهم على اتهام هؤلاء بما لا يمكن لعقل أن يتصوره. التكفير والدوس على خطبهم وأشرطتهم بالأقدام, وأن يصل هذا التنظيم من القدرة بمكان أن يشتري كل نسخة متاحة في الأسواق لإمام يملأ السمع والبصر كي لا يصل كتابه بأفكاره المعتدلة الوسطية إلى العامة: تبحث عن هذا الكتاب في كل مكان فلا تجده لأن الأرض كلها لا بد أن تكون عطشى لفكر واحد بلا منافس. خلال عقدين من الزمن, وبشكل مبرمج منظم ومنهجي ودروس, تحول كل عالم يرى حرمة الخروج على ولي الأمر إلى "جامي" وتحول كل شيخ ينبذ العنف إلى "سروري" منشق عن الحركة وتحولت سلفية السنة والجماعة إلى "سلفية تقليدية" واتهم كل واعظ وداعية يدعو لصوت العقل إلى ناعق بصوت "المرجئة". خلال عقدين بل أقل تهيأت أرضية اجتماعية واسعة للحد الذي بدا فيه المجتمع على الحياد وهو يسمع فتوى أحدهم بجواز قتل المسلمين إذا تمترس بهم الكفار ويدلل بالمقارنة بين الرياض بملايينها الثلاثة من المسلمين وبين الطائف في زمن الشرك. خلال عقدين من الزمن تم شحن المجتمع لينفجر حتى قبل انفجارات بدر الرياض فقسمت لحمته المسلمة إلى طوائف وملل ونحل وشقت هذه الملل إلى ملل أخرى كي يأتي النصر على يد الفرقة الناجية. خلال عقدين, لاك المجتمع كلمة "العلمانية" ووزعها على بعضه بالأكوام ورددها أكثر مما تقال هذه المفردة في بيئاتها الأصلية التي تسبغها على نفسها بالعين والعلن وخلال عامين وصم قسم آخر بالليبرالية وثالث بالرويغبة ورابع بالمستغربين وآخرين بالعصرانيين والشهوانيين والماديين. وباختصار، خلال عقدين من الزمن استوردنا من الألقاب والأوصاف والطوائف والملل والنحل ما لم نستورده خلال ألف وخمسمئة عام ووزعناها حتى لم يبق بيننا فرد أو طائفة بلا لقب للانحراف والزيغ كي تشرق شمس هذا الفئة الناجية.
كان الهدف هو إسكات كل صوت وتحييد كل رأي يقف في المعسكر المضاد, ولهذا لم تكن أحداث بدر الرياض مجرد رحلة من العنف في ساعتين بقدر ما هي تخطيط مبرمج مدروس لتنظيم بث طروحاته خلال عقدين ظن وهماً أنهما كافيان لمسح عقول أمة تربت مئات السنين على قيم هذا الدين الذي أشهد أنه كان الضحية.
*عن صحيفة الوطن السعودية للكاتب علي سعد الموسى
الإخوة الاعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أعذروني على طول المقال ولكني لم أستطع حذف أي كلمة لأن المقال حساس لذا حببت إيراد هذه المقالة كاملة بلا نقصان رغبة في مشاركتكم بوجهات النظر المختلفة إما بالتأييد أو التفنيد لعلنا نخرج باتفاق محدد عن المحفز للإرهاب أما مبدأ الإرهاب نفسه فأغلبنا متفق على نبذ الإرهاب فكراً وفعلاً لكن ما أردت التعليق عليه منكم هو عن المحفزالحقيقي للإرهاب
آملاً أن أجد تفاعلاً هادئاً بعيداً عن الإنفعالات والتعصب.
ولكم مني خالص التحية.
أبو حسام
تعليق