هذا الموضوع سوف يخصص لسيرة محمد صلى الله علية وسلم
ونبدا بنشأتة صلى الله علية وسلم
اسمه ونسبه:
هو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر. وفهر هذا هو قريش فكل قرشي فهري وهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم مضري أي يرجع نسبه إلى مضر ثمّ إلى عدنان من ولد إسماعيل عليه الصلاة والسلام. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفي قريشاً من كنانة واصطفي من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم، رواه الإمام مسلم في صحيحه. وجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخامس عبد مناف،كان على المشهور له أربعة من الولد وهم هاشم، والمطلب، وعبد شمس ونوفل فرسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرجع نسبه إلى هاشم هو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وهاشم هذا اسمه عمرو ولقب بهاشم لأنه كان يهشم الخبز أي يكسره ويقطعه ويقدمه للحجاج. وهو أول من أطعم الثريد للحجاج، والثريد هو الخبز مع اللحم، وهو كذلك أول من سنّ الرحلتين لقريش رحلة الشتاء والصيف ولذلك قال الشاعر:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف
سُنتْْ إليه الرحلتان كلاهما سفر الشتاء ورحلة الأصياف
وكان لهاشم ولدان أحدهما عبد المطلب والثاني أسد وعبد المطلب لقب (بفتح اللام والقاف) كذلك واسمه شيبة الحمد وإنما لقب بعبد المطلب لأنه كان عند أخواله بني النجار في المدينة لما توفي والده وذلك أن هاشماً كان متزوجاً من بني النجار من أهل المدينة وترك ولده شيبة الحمد عند أخواله ومات هاشم وشيبة الحمد ولده عند أخواله وبعد موته ذهب المطلب أخو هاشم وعم شيبة الحمد إلى المدينة وأتى بابن أخيه ليكون عند أعمامه فلما دخل به مكة ظن أهل مكة أنه عبد اشتراه المطلب فقالوا: هذا عبد المطلب فقال لهم المطلب: لا، إنما هو ابن أخي هاشم ولكن غلب عليه ذلك اللقب وصار لا يسمى إلا بعبد المطلب.
وعبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقعت في زمنه واقعتان لم يغفلهما التاريخ.
الأولى: حفر زمزم، وذلك كما هو معلوم أن الله تبارك وتعالى قد امتن على هاجر أم إسماعيل وولدها إسماعيل عليه الصلاة والسلام بأن أوجد لهما زمزم، ثم مرت السنون تلو السنين حتى خفيت معالم زمزم، وقد ذكر أن عبد المطلب كان نائماً يوماً ما فرأى في المنام أنه يؤمر بحفر زمزم ودلّ على مكانها في النوم فقام إلى المكان الذي أمر في المنام بحفره فحفره ووجد الماء، ثمّ أقام بعد ذلك سقاية الحاج.
الثانية: مجيء أبرهة الحبشي لهدم الكعبة، و قصة أبرهة كما ذكرها أهل العلم هي: وذلك أن أبرهة الحبشي بنى كنيسة عظيمة بصنعاء، لم ير في زمانها مثلها، وكتب إلى النجاشي إني قد بنيت لك كنيسة لم يُبْن (بضم الياء) مثلها لملك قبلك ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب، (يعني يريد أن يضاهي بها مكة) فلما تحدث العرب بكتاب أبرهة إلى النجاشي، غضب رجل من كنانة فخرج حتى دخل الكنيسة في وقت لم يره فيه أحد، فجاء وقعد وأحدث في الكنيسة، تبرز داخل هذه الكنيسة، فلما أخبر (بضم الألف) أبرهة بذلك، قال: من صنع هذا؟ فقيل له: صنعه رجل من أهل هذا البيت الذي تحجه العرب بمكة، لما سمع بقولك إنك تريد أن تصرف حج العرب إلى بيتك هذا فغضب غضباً شديداً. وهنا لابد من التنبيه على نقطة مهمة: لاشك أن هذا الرجل سمع بمنكر وهو أن أبرهة أراد أن يصرف حج العرب من مكة إلى هذه الكنيسة فغضب لأجل هذا الأمر فأنكر ذلك المنكر بأن لطخ الكنيسة بالعذرة. وهذا في مقابله أوجد عند أبرهة غضباً شديداً وهو أنه عزم بعد ذلك على هدم الكعبة. وهذا الذي نص عليه أهل العلم وهو أنه لا يجوز إنكار المنكر بإيقاع منكر أعظم منه، بل لابد أن يكون إنكار المنكر بحيث أن لا يقع بعد ذلك أو على إثره منكر أعظم منه. غضب أبرهة لهذا الفعل وحلف ليسيرنّ إلى البيت حتى يهدمه، ثمّ أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت. ثمّ سار بستين ألف وأخرج معه الفيلة والعرب لا تعرف الفيلة في ذلك الوقت. فخرج بالفيلة ويذكر أن رئيس الفيلة فيل يسمونه محموداً. فلما تجهز وسار سمع العرب بذلك فأعظموه وفظعوا به ورأوا جهاده حقاً عليهم، وذلك أنهم وإن كانوا على الشرك ولكنهم كانوا يعظمون بيت الله تبارك وتعالى. فكان ممن قابله رجل من أهل اليمن يقال له ذو نفر فدعا قومه ومن أجابه من العرب إلى حرب أبرهة ولكن أبرهة هزم ذا نفر وأصحابه وأسره معه ثمّ مرّ بالطائف فخرج إليه مسعود بن معتّب الثقفي فقال له: أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ليس عندنا لك خلاف وليس بيتنا هذا الذي تريد (يعنون اللات) إنما تريد البيت الذي بمكة ونحن نبعث معك من يدلك عليه، فبعثوا معه رجلاً يقال له أبو رغال يدله على الطريق، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال (بضم الراء أو بكسرها) حتى نزل بالمغمّس مكان قريب من مكة فلما أنزله به مات أبو رغال هناك، فبعد ذلك رجم العرب قبر أبي رغال وذلك أنهم يرون أن هذا الرجل كان رجل سوء لأنه كان دليلاً لأبرهة إلى هدم بيت الله الحرام، ولذلك يقول جرير عن الفرزدق لأنهما كانا دائماً يتهاجيان وبينهما نفرة (بضم النون) يقول جرير:
إذا مات الفرزدق فارجموه كرجمكم لقبر أبي رغال
قال ابن إسحاق: فلما نزل أبرهة بالمغمّس بعث رجلاً من الحبشة يقال له الأسود على خيل له حتى أتى مكة فساق إليه أموال تهامة من قريش وغيرهم وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب وهو يومئذ كبير قريش وسيدها فهمّت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم لقتاله ثمّ عرفوا لا طاقة لهم لقتال أبرهة، وبعث أبرهة رجلاً يقال له حناطة إلى مكة وقال: سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفهم ثمّ قل له إن الملك يقول: إني لم آت لحربكم وإنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا لنا دونه فلا حاجة لي بدمائكم فإن هو لم يرد حربي فأتني به. فجاء حناطة وكلّم قريشاً بما قال أبرهة وخرج معه عبد المطلب لأنه سيد قريش في ذلك الزمن فلما دخل عبد المطلب على أبرهة احتار أبرهة ماذا يفعل؟ وذلك أنه أراد أن يكرم عبد المطلب، قال: إن أجلسته معي على عرشي كان في هذا منقصة لي، وإن تركته وأنا على العرش كان في ذلك منقصة له. فنزل عن عرشه وجلس مع عبد المطلب على الأرض. فأول ما كلمه قال لعبد المطلب: ماذا تريد؟ قال: لقد أخذتم مائتين من الإبل لي فأعيدوها، فغضب أبرهة وقال: لقد ظننتك أكبر من هذا وأعظم من هذا ثمّ جئتني تسألني عن إبلك ولا تطلب مني أن أرجع عن البيت وألاّ أهدمه. فقال عبد المطلب قولة كانت في وقتها حساسة جداً وصارت بعد ذلك مضرباً للأمثال قال عبد المطلب: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه. فقال أبرهة: ما كان ليمتنع منّي. قال: أنت وذاك. فقال أبرهة: ردوا عليه إبله. فلما رجع عبد المطلب إلى قريش أخبرهم الخبر وقال لهم: اخرجوا من مكة فلا طاقة لكم لقتال أبرهة. وخرجوا إلى الجبال، ثمّ قام عبد المطلب وأخذ بحلقة الباب (باب الكعبة) وقام معه نفر من قريش يدعون الله، ويستنصرونه على أبرهة وجنده وقال عبد المطلب:
لا همّ إن العبد يمنع رحله ،،،،، فامنع رحالك
لا يغلبنّ صليبهم ومحالهم ،،،،، غدواً محالك
إن كنت تاركهم وقبلتنا ،،،،، فأمر ما بدا لك
ثمّ أرسل عبد المطلب حلقة الباب وانطلق ومن معه إلى الجبال يتحرزون فيها ينتظرون ماذا يفعل أبرهة. فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله وعبأ جيشه فلما وجهوا الفيل إلى مكة برك ولم يمش معهم فقال بعضهم: ما منع الفيل؟ قالوا: لا ندري. قال: اضربوه، فضربوا الفيل فأبى فوجهوه إلى اليمن فقام، ووجهوه إلى الشام فقام، ووجهوه إلى المشرق فقام، فلما وجهوه إلى مكة برك، ثمّ بعد ذلك فوجئوا بأن أرسل الله تبارك وتعالى عليهم الطير الأبابيل كما قال الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم، ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول. نعم هكذا أرسل الله تبارك وتعالى الطير الأبابيل، ورمت أبرهة ومن معه بحجارة من سجيل فأهلكهم الله تبارك وتعالى جميعاً. وقيل إنه بقي بعضهم حتى يخبروا قومهم بما فعل الله تبارك وتعالى بهم. هذه هي الحادثة الثانية التي كانت في زمن عبد المطلب.
أعمامه :
يذكر أن عبد المطلب كان له عشرة من الولد وهم: حمزة والعباس وهذان أسلما رضي الله عنهما وكان له كذلك من الولد أبو طالب و أبو لهب وهذان لم يسلما، وعنده من الولد كذلك الحارث والزبير والغيداق والمقوّم وصفّار وعبد الله وهو والد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهؤلاء لم يدركوا بعثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فأولاد عبد المطلب ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: قسم أدرك الإسلام ودخل فيه، وهما حمزة والعباس. وقسم أدرك الإسلام ولم يدخل فيه، وهما أبو طالب و أبو لهب، وقسم لم يدرك الإسلام وهم بقية أولاد عبد المطلب.
عماته:
البيضاء ويقال لها أم حكيم، وصفية وعاتكة وبرة وأروى وأميمة.
وعلى المشهور أن عبد المطلب كان قد نذر لإن رزقه الله تبارك وتعالى عشرة من الولد ليذبحنّ أحدهم، قربى لله تعالى وذلك انه لما حفر زمزم منعته قريش من أخذها له فلم يكن له ولد يمنعه، فغضب لأجل هذا وقال: لإن رزقني الله عشرة من الولد لأذبحنّ أحدهم، فرزقه الله تبارك وتعالى أولئك الأولاد فأراد أن يوفي بنذره فعمل قرعة فوقعت القرعة على ولده عبدالله والد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلما أراد ذبحه قامت إليه قريش ومنعته، فقال عبد المطلب: فكيف أصنع بنذري؟ فأشاروا عليه بأن يأتي العرافة فيسألها فجاءها وسألها فأمرته أن يقرع بين ولده عبدالله وعشرة من الإبل فقرع فوقعت القرعة على عبد الله فقالت له: زد عشرة، فزاد عشرة من الإبل فوقعت القرعة على عبد الله فقالت له: زد عشرة، وهكذا كلما زاد عشرة من الإبل كانت تقع القرعة على ولده عبد الله حتى بلغت الإبل مائة، فعمل القرعة فوقعت القرعة على الإبل. عند ذلك قام عبد المطلب فنحر الإبل ثمّ تركها لا يرد عنها أحداً من البشر أو السباع. وكانت الدية عند العرب في ذلك الوقت عشراً من الإبل فبعد هذه الحادثة صارت الدية عند العرب مائة من الإبل، والإسلام أقرها. فالدية الآن في دين الله تبارك وتعالى مائة من الإبل.
ولادة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ثبت عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنه قال: يوم الاثنين يوم ولدت فيه. في شهر ربيع الأول على المشهور امتن الله تبارك وتعالى على البشرية بولادة سيد المرسلين وإمام المتقين وقائد الغر المحجّلين، وذلك بعد حادثة الفيل بأشهر في مكة المكرمة، وولد يتيم الأب وذلك أن أباه مات وأمه حامل به، وكانت ولادته صلوات الله وسلامه عليه ولادة معتادة لم يتمكن المؤرخون كما يذكر أهل العلم من تحديد يوم مولده وشهره على وجه الدقة، أما يوم المولد من أيام الأسبوع فهو يوم الاثنين كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ولكن في أي اثنين الله أعلم. قيل في التاسع من ربيع الأول، وقيل في الثاني عشر وقيل غير ذلك وقيل في رمضان ولكن المشهور أنه في الثاني عشر من ربيع الأول. وتحديد يوم ميلاده صلوات الله وسلامه عليه لا يرتبط فيه شيء من الناحية الشرعية وأما ما يقوم به كثير من الناس في كثير من بلاد المسلمين من الاحتفال بيوم مولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه عمل غير صالح، وذلك لأمور منها:
أولاً: إنه لا يعرف مولده على الدقة صلوات الله وسلامه عليه.
ثانياً: لم يحتفل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيوم مولده في حياته أبداً مع أنه عاش ثلاثاً وستين سنة صلوات الله وسلامه عليه.
ثالثاً: لم يحتفل الصحابة ولا التابعون ولا الأئمة المتبوعون وغيرهم من العلماء بيوم مولده ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
رابعاً: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأمرنا بذلك مع أنه قال: ما تركت خيراً يقربكم إلى الله والجنة إلا وقد أمرتكم به. فما لم يأمرنا به صلوات الله وسلامه عليه فليس بخير فالخير كل الخير في الاتباع والشر كل الشر في الابتداع ولذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد أي مردود على صاحبه.
مرضعته:
لما ولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرضعته أول ما أرضعته ثويبة وهي مولاة عمه أبي لهب وكانت قد أرضعت قبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عمه حمزة ولذلك حمزة رضي الله عنه يكون أخاً للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الرضاعة أمهما جميعاً ثويبة مولاة أبي لهب. ولم يدم هذا الأمر طويلاً وذلك أنه كان من عادة العرب أنهم يلتمسون المراضع لأولادهم أي المرضعات فكان العرب يحبون أن تأتي المرضعة من خارج مكة فتأخذ الوليد فترضعه لمدة سنتين ثمّ تفطمه وتعيده إلى أمه. ونترك حليمة السعدية تذكر لنا قصتها مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، تقول حليمة السعدية إنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر تلتمس الرضعاء، وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شيئاً، (والشهباء يعني لا زرع ولا ماء)، فخرجت على أتان لي قمراء، (الأتان هو الحمار والقمراء يعني بيضاء)، معنا شارف لنا، (والشارف هي الناقة) والله ما تبض بقطرة، (يعني ما فيها حليب أبداً)، وما ننام ليلنا أجمع من صبيّنا الذي معنا من بكائه من الجوع، والله ما في ثديي ما يغنيه وما في شارفنا ما يغذيه، ولكن كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتاني تلك حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منّا امرأة إلاّ وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتأباه وذلك إذا قيل لها إنه يتيم وذلك أن كنا نرجو المعروف من أبي الصبي فكنّا نقول يتيم وما عسى أن تصنع أمه وجدّه فكنّا نكرهه لذلك. فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعاً غيري فلمّا أجمعنا الانطلاق (يعني عزمنا على الرجوع) قلت لصاحبي أي زوجها والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعاً والله لأذهبنّ إلى ذلك اليتيم فلآخذنه قال: لا عليك أن تفعلي عسى الله أن يجعل فيه بركة. سبحان الله، (هذه المسكينة حليمة السعدية لا تدري أن الخير والبركة كلها عند هذا اليتيم صلوات الله وسلامه عليه ). فرجعت إليه فأخذته وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره فلمّا أخذته رجعت به إلى رحلي فلمّا وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي وشرب معه أخوه (أي ولدها) حتى روي ثمّ ناما، وما كنّا ننام معه قبل ذلك من بكاء الولد، وقام زوجي إلى شارفنا تلك (أي الناقة) فإذا هي حافل أي مملوءة لبنا، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا رياً وشبعاً، فبتنا بخير ليلة، فقال لي صاحبي (أي زوجها) حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة. فقلت: والله إني لأرجو ذلك. ثمّ خرجنا وركبت أنا أتاني وحملته عليها معي، (أي حملت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شيء من حمرهم (أي سبقتهم في المسير) حتى إن صواحبي ليقلن لي يا ابنة أبي ذؤيب ويحك أربعي علينا، (أي لا تسرعي)، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن بلى والله إنها لهي هي فيقلن والله إن لها شأناً، ثمّ قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضاً من أرض الله أجدب منها، (يعني قاحلة ليس فيها زرع ولا ماء)، فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا بها معنا شباعاً لبنا، فنحلب ونشرب وما يحلب إنساناً قطرة لبن لأن الأرض جدباء ، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب فتروح أغنامهم جياعاً ما تبض بقطرة لبن وتروح غنمي شباعاً لبنا، فلم نزل نتعرف من الله زيادة والخير حتى مضت سنة وفصلته، (أي فطمته)، وكان يشب شباباً لا يشبه الغلمان فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاماً جفراً ، (يعني قوياً)، فقدمنا به على أمه (لأن بينهم وبين أمه وعداً بعد سنتين يعيدان إليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فقدمنا به على أمه ونحن أحرص على مكثه فينا، لما كنا نرى من بركته فكلمنا أمه وقلت لها لو تركت ابني عندي حتى يغلظ فإني أخشى عليه وباء مكة، فلم نزل بها حتى ردته معنا. (فهي لا تخشى عليه الوباء ولكنها تريده لما رأت من الخير عند مجيئه صلوات الله وسلامه عليه)، فما زلت بها حتى ردته معنا.
طفولته:
وهكذا بقي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بني سعد حتى إذا كانت السنة الرابعة من عمره أو الخامسة وقع حادث عجيب. وذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب واستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك ثمّ غسله أي القلب في طست من ذهب بماء زمزم ثمّ لأمه (أي أعاده إلى مكانه) وجاء الغلمان يسعون إلى أمّه ، أي حليمة، فقالوا إن محمداً قد قتل، لأنهم رأوا الملك جاء إليه وشق صدره وأخرج قلبه، فخرجت حليمة مع زوجها ينظرون إلى مقتل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوجدوه قائماً صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكنه ممتقع اللون لأن هذا الأمر غريب بالنسبة إليه صلوات الله وسلامه عليه، وهذه آية من آيات الله تبارك وتعالى، والله جلّ وعلا على كل شيء قدير سبحانه وتعالى، عند ذلك خافت حليمة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فردته إلى أمه.
وفاة أمّه:
لما بلغ السادسة من عمره خرجت أمه به لتزور قبر والده في طريق المدينة فزارت قبر أبيه وكان معها في سفرها هذا جده عبد المطلب وخادمتها أم أيمن فبعد أن زارت قبر والده ورجعت إلى مكة وهم في الطريق إلى مكة ماتت أمّه صلوات الله وسلامه عليه في مكان بين مكة والمدينة يقال له الأبواء. فبعد أن كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتيم الأب صار صلوات الله وسلامه عليه في السادسة من عمره يتيم الأب والأم بأبي هو وأمي.
وفاة جدّه:
كفله جدّه ورباه ولما بلغ الثامنة من عمره مات جدّه عبد المطلب.
احتضان عمّه له:
عند ذلك احتضنه عمه أبو طالب ورباه بعد ذلك حتى بلغ سن الرجال صلوات الله وسلامه عليه وقد قام أبو طالب بحق سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم خير قيام، وكان ربما قدّمه على ولده.
حادثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع الراهب بحيرى:
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم اثنتي عشرة سنة خرج مع عمه أبي طالب إلى الشام في التجارة ووقعت له هناك حادثة غريبة وهذه الحادثة تتمثل في أن أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرّ على راهب يقال له بحيرى في مكان يقال له بصرى وهذا الراهب اسمه جرجيس ولما نزل به أبو طالب ومن معه أكرم ضيافتهم ثمّ قال: من معكم؟ قالوا: نحن قال: ما معكم أحد آخر؟ قالوا: معنا صبي عند متاعنا قال: ائتوني به فلما جاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورآه بحيرى الراهب نظر في وجهه وكان يعرف أن هذا الوقت وقت خروج نبي ثمّ بحث فوجد خاتم النبوة. وخاتم النبوة هذا عبارة عن ورمة في كتف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من خلف في قدر البيضة فقال بحيرى لأبي طالب: إنكم حينما أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا وخرّ ساجداً للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا تسجد هذه إلا لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل غضروف كتفه، مثل التفاحة إن وجدناه في كتبنا ارجع به فإني أخاف عليه اليهود (أي في الشام)، فرجع به إلى مكة.
حلف الفضول:
وحضر صلوات الله وسلامه عليه حلف الفضول وذلك حين بلغ الخامسة عشرة من عمره. وهذا الحلف تداعت إليه بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد وبنو زهرة وبنو تيم، اجتمعوا في دار عبدالله بن جدعان التيمي وذلك لسنه وشرفه وتعاقدوا على ألاّ يجدوا مظلوماً بمكة سواءً كان من أهلها أو من غيرهم إلا نصروه وأخذوا له حقه. وكان النبي صلوات الله وسلامه عليه يقول بعد ذلك حضرت حلف الفضول ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت وما أحب أن لي به حمر النعم، (هي الإبل الحمراء التي تشتاق إليها نفوس العرب وتحبها).
قبل البعثة:
كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تلك الفترة يرعى الغنم مقابل قراريط أي أموال قليلة لأهل مكة عن جابر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمر الظهران، مكان قريب من مكة، ونحن نجني الكباث، (الكباث ثمر الأراك وهو السواك)، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: عليكم بالأسود منه قال: فقلنا يا رسول الله كأنك رعيت الغنم، قال: نعم، رواه الإمام مسلم في صحيحه. وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم فقال أصحابه: وأنت قال: نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة، رواه الإمام البخاري في صحيحه. قال أهل العلم لعل الحكمة من إلهام الأنبياء من رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يتلقونه من القيام بأمر أمتهم في مخالطتها ، (أي الغنم)، ما يحصل لهم الحلم والشفقة لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى ودفع عدوها عنها ألفوا من ذلك الصبر على الأمة وخصّ الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر. وبعد رعي الغنم اشتغل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالتجارة.
زواجه:
بلغ خديجة بنت خويلد ما وصف به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كريم الأخلاق والأمانة فبعثت إليه وعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام. وخديجة من أشراف قومها من بني مخزوم وأرسلت معه غلاماً لها يقال له ميسرة فوافق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخرج بمالها وتاجر لها ولما رجع إلى مكة أخبرها ميسرة بما وقع من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كريم خلقه وحسن تعامله وما كانت من بركة وقعت له صلوات الله وسلامه عليه كل هذا جعلها تعجب به فتحدثت عن إعجابها به مع صديقاتها وكان ممن تحدثت معها صديقة لها يقال لها نفيسة فذهبت نفيسة إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعرضت عليه أن يتزوج خديجة فقبل صلوات الله وسلامه عليه وذهب مع أعمامه إلى عم خديجة وتمّ الزواج. وكانت سنها على المشهور أربعين سنة وكان سن النبي صلوات الله وسلامه عليه الخامسة والعشرين. وقد أحبها النبي صلوات الله وسلامه عليه حباً شديداً ولم يتزوج عليها في حياتها أبداً.
أولاده من خديجة:
رزقه الله تبارك وتعالى من خديجة الولد فولدت له عبدالله والقاسم وفاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم رضي الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين.
إعادة بناء الكعبة:
لما بلغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخامسة والثلاثين من عمره وقع أمر مهم وهو أن قريشاً قررت إعادة بناء الكعبة وذلك أن الكعبة قد تساقطت بعض حجارتها وكان قد جاءها سيل شديد أثر في بنيانها كثيراً، واختلفوا هل يرممون البيت أو يهدمونه من جديد؟ فمن قائل يهدم ويبنى من جديد ومن قائل بل يرمم وذلك أنهم خشوا إذا هدموا البيت أن يصابوا بأذى وذلك أن ما حدث لأبرهة قريب جداً وكثير منهم قد عاصروا ونظروا ما وقع لأبرهة وجيشه حين أردوا ذلك البيت المقدس عند الله تبارك وتعالى. فقام الوليد بن المغيرة وقال: والله لنهدمنّه ولنبنينّه من جديد فقالوا: إنّا نخاف أن نصاب بأذى فقال: وأي أذى وأنتم إنما أردتم الخير قالوا: فابدأ أنت قال: نعم فجاء الوليد إلى الكعبة ورفع الفأس وقال: اللهم لن ترع (يعني لا تخف يا رب لا نريـد إيذاءك وإنما نريد الخير وهذا لا شك يدل على جهلهم بالله تبارك وتعالى). فضرب ثمّ انتظر فلم يصب بأذى فقال: أيها الناس اهدموا فقالوا: لا، حتى تصبح وأنت سليم. قال: نعم فلما أصبح وإذ لم يصب بأذى فقاموا جميعاً فهدموا بيت الله الحرام. ولكنهم لما هدموا البيت وأرادوا إعادة بنائه قالوا: لا يدخل في بنائه إلا مال طيب فلا يقبل مال ربا ولا ميسر ولا مهر بغي ولا مال مسروق وهذا شيء عجيب هم على كفرهم يعرفون المال الحلال من المال الحرام . وقدّر الله أن المال الحلال الذي جمعوه كان قليلاً لم يكف لبناء الكعبة فبنوا الكعبة على ما هي عليه الآن ثمّ جعلوا هذا السور أو هذا القوس الذي نراه والذي يسميه كثير من الناس حجر (بكسر الحاء وتسكين الجيم) إسماعيل وليس لإسماعيل عليه الصلاة والسلام حجر. بل هو الحجر أو الجدر (بفتح الجيم وتسكين الدال) كما كان يسميه أهل مكة، وهذا الحجر ستة أذرع منه تعتبر من الكعبة (يعني نصفه تقريباً) ولذلك إذا أردنا أن نطوف حول الكعبة لا يجوز لنا أن نطوف من داخل الحجر لأننا مطالبون أن نطوف من حول الكعبة لا أن نطوف في الكعبة. وكان للكعبة بابان فجعلوا لها باباً واحداً وكان الباب ملاصقاً للأرض فرفعوه حتى يدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا وقد سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الجدر أمن البيت هو؟ قال: نعم. قالت: فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: إنّ قومك قصّرت بهم النفقة، قالت: فما شأن بابه مرتفعاً؟ قال: فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ولولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت وأن ألصق بابه بالأرض، رواه الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما. وذلك من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عين الحكمة إذ أن قريشاً ستقول انظروا إلى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدّعي أنه مرسل من الله أول ما فتح مكة هدم بيت الله ولذا رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الحكمة أن يؤخر هذا الأمر.
ولكن هل تأخر هذا الأمر كثيراً؟ إنه لم يتأخر كثيرا وذلك أنهم في خلافة أمير المؤمنين عبدالله بن الزبير رضي الله تبارك وتعالى عنه سنة خمس وستين من هجرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو سنة أربع وستين قام عبدالله بن الزبير فأدخل الحجر في الكعبة ووسع الكعبة وأطال بنيانها وأنزل الباب إلى الأرض وجعل للكعبة بابين كل ذلك كما أراده النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رواه الإمام مسلم في صحيحه. قال عطاء: إن عبدالله بن الزبير جمع الناس فقال: يا أيها الناس أشيروا عليّ في الكعبة أنقضها ثمّ ابني بناءها أو أصلح ما وهي (بفتح الواو وكسر الهاء) منها فقال ابن عباس: فإني قد فرق ( بضم الفاء) لي رأي فيها أرى أن تصلح ما وهي منها، وتدع بيتاً أسلم الناس عليه وأحجاراً أسلم الناس عليها وبعث عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . فابن عباس كان رأيه أن تترك الكعبة ولا يدخل الحجر فيها وأن ترمم فقط فقال ابن الزبير: لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجدّه أي يجدده من جديد فكيف بيت ربكم إني مستخير ربي ثلاثاً ثمّ عازم على أمري فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها فتحاماه الناس أن ينزل بأول الناس يصعد إليها أمر من السماء أيضاً خشوا أن يقع أمر من السماء إذا أراد أحد أن يهدم الكعبة. فصعد رجل وألقى من البيت حجارة فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوا فنقضوا البيت حتى بلغوا به الأرض فجعل ابن الزبير أعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه وقال ابن الزبير: إني سمعت عائشة رضي الله عنها تقول إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر وليس عندي من النفقة ما يقوى على بنائه لكنت أدخلت فيه من الحجر خمسة أذرع ولجعلت لها باباً يدخل الناس منه وباباً يخرجون منه قال عبدالله بن الزبير: فأنا اليوم أجد ما أنفق ولست أخاف الناس قال: فزاد فيه خمسة أذرع كما أراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الحجر حتى أبدى أسّاً (بضم الألف) نظر الناس إليه (يعني الأساس) أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام فبنى عليه البناء وكان طول الكعبة ثماني عشر ذراعاً فلما زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشرة أذرع فابن الزبير زادها طولاً وعرضاً رضي الله عنه وأرضاه وجعل للكعبة بابين أحدهما يدخل منه والآخر يخرج منه فلما قتل (بضم القاف) ابن الزبير وذلك سنة ثلاث وسبعين من الهجرة على يد الحجاج بن يوسف الثقفي كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك (أي بما فعل ابن الزبير ببيت الله تبارك وتعالى) ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أس (أي على أساس) نظر إليه العدول من أهل مكة فكتب إليه عبد الملك إنّا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء أما ما زاد من طوله فأقره (أي من ارتفاع الكعبة) وأما ما زاد فيه من الحجر فردّه إلى بنائه وسد الباب الذي فتحه. فنقضه وأعاده إلى بنائه. وهذا أمر عجيب عبدالله بن الزبير رضي الله عنه نفذ وصية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. عبدالملك بن مروان لما استخلف ظن أن عبدالله بن الزبير إنما زاد هذا من عند نفسه فأمر بنقضه وأعاد الكعبة كما كانت زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
ونبدا بنشأتة صلى الله علية وسلم
اسمه ونسبه:
هو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر. وفهر هذا هو قريش فكل قرشي فهري وهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم مضري أي يرجع نسبه إلى مضر ثمّ إلى عدنان من ولد إسماعيل عليه الصلاة والسلام. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفي قريشاً من كنانة واصطفي من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم، رواه الإمام مسلم في صحيحه. وجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخامس عبد مناف،كان على المشهور له أربعة من الولد وهم هاشم، والمطلب، وعبد شمس ونوفل فرسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرجع نسبه إلى هاشم هو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وهاشم هذا اسمه عمرو ولقب بهاشم لأنه كان يهشم الخبز أي يكسره ويقطعه ويقدمه للحجاج. وهو أول من أطعم الثريد للحجاج، والثريد هو الخبز مع اللحم، وهو كذلك أول من سنّ الرحلتين لقريش رحلة الشتاء والصيف ولذلك قال الشاعر:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف
سُنتْْ إليه الرحلتان كلاهما سفر الشتاء ورحلة الأصياف
وكان لهاشم ولدان أحدهما عبد المطلب والثاني أسد وعبد المطلب لقب (بفتح اللام والقاف) كذلك واسمه شيبة الحمد وإنما لقب بعبد المطلب لأنه كان عند أخواله بني النجار في المدينة لما توفي والده وذلك أن هاشماً كان متزوجاً من بني النجار من أهل المدينة وترك ولده شيبة الحمد عند أخواله ومات هاشم وشيبة الحمد ولده عند أخواله وبعد موته ذهب المطلب أخو هاشم وعم شيبة الحمد إلى المدينة وأتى بابن أخيه ليكون عند أعمامه فلما دخل به مكة ظن أهل مكة أنه عبد اشتراه المطلب فقالوا: هذا عبد المطلب فقال لهم المطلب: لا، إنما هو ابن أخي هاشم ولكن غلب عليه ذلك اللقب وصار لا يسمى إلا بعبد المطلب.
وعبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقعت في زمنه واقعتان لم يغفلهما التاريخ.
الأولى: حفر زمزم، وذلك كما هو معلوم أن الله تبارك وتعالى قد امتن على هاجر أم إسماعيل وولدها إسماعيل عليه الصلاة والسلام بأن أوجد لهما زمزم، ثم مرت السنون تلو السنين حتى خفيت معالم زمزم، وقد ذكر أن عبد المطلب كان نائماً يوماً ما فرأى في المنام أنه يؤمر بحفر زمزم ودلّ على مكانها في النوم فقام إلى المكان الذي أمر في المنام بحفره فحفره ووجد الماء، ثمّ أقام بعد ذلك سقاية الحاج.
الثانية: مجيء أبرهة الحبشي لهدم الكعبة، و قصة أبرهة كما ذكرها أهل العلم هي: وذلك أن أبرهة الحبشي بنى كنيسة عظيمة بصنعاء، لم ير في زمانها مثلها، وكتب إلى النجاشي إني قد بنيت لك كنيسة لم يُبْن (بضم الياء) مثلها لملك قبلك ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب، (يعني يريد أن يضاهي بها مكة) فلما تحدث العرب بكتاب أبرهة إلى النجاشي، غضب رجل من كنانة فخرج حتى دخل الكنيسة في وقت لم يره فيه أحد، فجاء وقعد وأحدث في الكنيسة، تبرز داخل هذه الكنيسة، فلما أخبر (بضم الألف) أبرهة بذلك، قال: من صنع هذا؟ فقيل له: صنعه رجل من أهل هذا البيت الذي تحجه العرب بمكة، لما سمع بقولك إنك تريد أن تصرف حج العرب إلى بيتك هذا فغضب غضباً شديداً. وهنا لابد من التنبيه على نقطة مهمة: لاشك أن هذا الرجل سمع بمنكر وهو أن أبرهة أراد أن يصرف حج العرب من مكة إلى هذه الكنيسة فغضب لأجل هذا الأمر فأنكر ذلك المنكر بأن لطخ الكنيسة بالعذرة. وهذا في مقابله أوجد عند أبرهة غضباً شديداً وهو أنه عزم بعد ذلك على هدم الكعبة. وهذا الذي نص عليه أهل العلم وهو أنه لا يجوز إنكار المنكر بإيقاع منكر أعظم منه، بل لابد أن يكون إنكار المنكر بحيث أن لا يقع بعد ذلك أو على إثره منكر أعظم منه. غضب أبرهة لهذا الفعل وحلف ليسيرنّ إلى البيت حتى يهدمه، ثمّ أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت. ثمّ سار بستين ألف وأخرج معه الفيلة والعرب لا تعرف الفيلة في ذلك الوقت. فخرج بالفيلة ويذكر أن رئيس الفيلة فيل يسمونه محموداً. فلما تجهز وسار سمع العرب بذلك فأعظموه وفظعوا به ورأوا جهاده حقاً عليهم، وذلك أنهم وإن كانوا على الشرك ولكنهم كانوا يعظمون بيت الله تبارك وتعالى. فكان ممن قابله رجل من أهل اليمن يقال له ذو نفر فدعا قومه ومن أجابه من العرب إلى حرب أبرهة ولكن أبرهة هزم ذا نفر وأصحابه وأسره معه ثمّ مرّ بالطائف فخرج إليه مسعود بن معتّب الثقفي فقال له: أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ليس عندنا لك خلاف وليس بيتنا هذا الذي تريد (يعنون اللات) إنما تريد البيت الذي بمكة ونحن نبعث معك من يدلك عليه، فبعثوا معه رجلاً يقال له أبو رغال يدله على الطريق، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال (بضم الراء أو بكسرها) حتى نزل بالمغمّس مكان قريب من مكة فلما أنزله به مات أبو رغال هناك، فبعد ذلك رجم العرب قبر أبي رغال وذلك أنهم يرون أن هذا الرجل كان رجل سوء لأنه كان دليلاً لأبرهة إلى هدم بيت الله الحرام، ولذلك يقول جرير عن الفرزدق لأنهما كانا دائماً يتهاجيان وبينهما نفرة (بضم النون) يقول جرير:
إذا مات الفرزدق فارجموه كرجمكم لقبر أبي رغال
قال ابن إسحاق: فلما نزل أبرهة بالمغمّس بعث رجلاً من الحبشة يقال له الأسود على خيل له حتى أتى مكة فساق إليه أموال تهامة من قريش وغيرهم وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب وهو يومئذ كبير قريش وسيدها فهمّت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم لقتاله ثمّ عرفوا لا طاقة لهم لقتال أبرهة، وبعث أبرهة رجلاً يقال له حناطة إلى مكة وقال: سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفهم ثمّ قل له إن الملك يقول: إني لم آت لحربكم وإنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا لنا دونه فلا حاجة لي بدمائكم فإن هو لم يرد حربي فأتني به. فجاء حناطة وكلّم قريشاً بما قال أبرهة وخرج معه عبد المطلب لأنه سيد قريش في ذلك الزمن فلما دخل عبد المطلب على أبرهة احتار أبرهة ماذا يفعل؟ وذلك أنه أراد أن يكرم عبد المطلب، قال: إن أجلسته معي على عرشي كان في هذا منقصة لي، وإن تركته وأنا على العرش كان في ذلك منقصة له. فنزل عن عرشه وجلس مع عبد المطلب على الأرض. فأول ما كلمه قال لعبد المطلب: ماذا تريد؟ قال: لقد أخذتم مائتين من الإبل لي فأعيدوها، فغضب أبرهة وقال: لقد ظننتك أكبر من هذا وأعظم من هذا ثمّ جئتني تسألني عن إبلك ولا تطلب مني أن أرجع عن البيت وألاّ أهدمه. فقال عبد المطلب قولة كانت في وقتها حساسة جداً وصارت بعد ذلك مضرباً للأمثال قال عبد المطلب: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه. فقال أبرهة: ما كان ليمتنع منّي. قال: أنت وذاك. فقال أبرهة: ردوا عليه إبله. فلما رجع عبد المطلب إلى قريش أخبرهم الخبر وقال لهم: اخرجوا من مكة فلا طاقة لكم لقتال أبرهة. وخرجوا إلى الجبال، ثمّ قام عبد المطلب وأخذ بحلقة الباب (باب الكعبة) وقام معه نفر من قريش يدعون الله، ويستنصرونه على أبرهة وجنده وقال عبد المطلب:
لا همّ إن العبد يمنع رحله ،،،،، فامنع رحالك
لا يغلبنّ صليبهم ومحالهم ،،،،، غدواً محالك
إن كنت تاركهم وقبلتنا ،،،،، فأمر ما بدا لك
ثمّ أرسل عبد المطلب حلقة الباب وانطلق ومن معه إلى الجبال يتحرزون فيها ينتظرون ماذا يفعل أبرهة. فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله وعبأ جيشه فلما وجهوا الفيل إلى مكة برك ولم يمش معهم فقال بعضهم: ما منع الفيل؟ قالوا: لا ندري. قال: اضربوه، فضربوا الفيل فأبى فوجهوه إلى اليمن فقام، ووجهوه إلى الشام فقام، ووجهوه إلى المشرق فقام، فلما وجهوه إلى مكة برك، ثمّ بعد ذلك فوجئوا بأن أرسل الله تبارك وتعالى عليهم الطير الأبابيل كما قال الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم، ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول. نعم هكذا أرسل الله تبارك وتعالى الطير الأبابيل، ورمت أبرهة ومن معه بحجارة من سجيل فأهلكهم الله تبارك وتعالى جميعاً. وقيل إنه بقي بعضهم حتى يخبروا قومهم بما فعل الله تبارك وتعالى بهم. هذه هي الحادثة الثانية التي كانت في زمن عبد المطلب.
أعمامه :
يذكر أن عبد المطلب كان له عشرة من الولد وهم: حمزة والعباس وهذان أسلما رضي الله عنهما وكان له كذلك من الولد أبو طالب و أبو لهب وهذان لم يسلما، وعنده من الولد كذلك الحارث والزبير والغيداق والمقوّم وصفّار وعبد الله وهو والد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهؤلاء لم يدركوا بعثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فأولاد عبد المطلب ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: قسم أدرك الإسلام ودخل فيه، وهما حمزة والعباس. وقسم أدرك الإسلام ولم يدخل فيه، وهما أبو طالب و أبو لهب، وقسم لم يدرك الإسلام وهم بقية أولاد عبد المطلب.
عماته:
البيضاء ويقال لها أم حكيم، وصفية وعاتكة وبرة وأروى وأميمة.
وعلى المشهور أن عبد المطلب كان قد نذر لإن رزقه الله تبارك وتعالى عشرة من الولد ليذبحنّ أحدهم، قربى لله تعالى وذلك انه لما حفر زمزم منعته قريش من أخذها له فلم يكن له ولد يمنعه، فغضب لأجل هذا وقال: لإن رزقني الله عشرة من الولد لأذبحنّ أحدهم، فرزقه الله تبارك وتعالى أولئك الأولاد فأراد أن يوفي بنذره فعمل قرعة فوقعت القرعة على ولده عبدالله والد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلما أراد ذبحه قامت إليه قريش ومنعته، فقال عبد المطلب: فكيف أصنع بنذري؟ فأشاروا عليه بأن يأتي العرافة فيسألها فجاءها وسألها فأمرته أن يقرع بين ولده عبدالله وعشرة من الإبل فقرع فوقعت القرعة على عبد الله فقالت له: زد عشرة، فزاد عشرة من الإبل فوقعت القرعة على عبد الله فقالت له: زد عشرة، وهكذا كلما زاد عشرة من الإبل كانت تقع القرعة على ولده عبد الله حتى بلغت الإبل مائة، فعمل القرعة فوقعت القرعة على الإبل. عند ذلك قام عبد المطلب فنحر الإبل ثمّ تركها لا يرد عنها أحداً من البشر أو السباع. وكانت الدية عند العرب في ذلك الوقت عشراً من الإبل فبعد هذه الحادثة صارت الدية عند العرب مائة من الإبل، والإسلام أقرها. فالدية الآن في دين الله تبارك وتعالى مائة من الإبل.
ولادة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ثبت عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنه قال: يوم الاثنين يوم ولدت فيه. في شهر ربيع الأول على المشهور امتن الله تبارك وتعالى على البشرية بولادة سيد المرسلين وإمام المتقين وقائد الغر المحجّلين، وذلك بعد حادثة الفيل بأشهر في مكة المكرمة، وولد يتيم الأب وذلك أن أباه مات وأمه حامل به، وكانت ولادته صلوات الله وسلامه عليه ولادة معتادة لم يتمكن المؤرخون كما يذكر أهل العلم من تحديد يوم مولده وشهره على وجه الدقة، أما يوم المولد من أيام الأسبوع فهو يوم الاثنين كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ولكن في أي اثنين الله أعلم. قيل في التاسع من ربيع الأول، وقيل في الثاني عشر وقيل غير ذلك وقيل في رمضان ولكن المشهور أنه في الثاني عشر من ربيع الأول. وتحديد يوم ميلاده صلوات الله وسلامه عليه لا يرتبط فيه شيء من الناحية الشرعية وأما ما يقوم به كثير من الناس في كثير من بلاد المسلمين من الاحتفال بيوم مولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه عمل غير صالح، وذلك لأمور منها:
أولاً: إنه لا يعرف مولده على الدقة صلوات الله وسلامه عليه.
ثانياً: لم يحتفل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيوم مولده في حياته أبداً مع أنه عاش ثلاثاً وستين سنة صلوات الله وسلامه عليه.
ثالثاً: لم يحتفل الصحابة ولا التابعون ولا الأئمة المتبوعون وغيرهم من العلماء بيوم مولده ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
رابعاً: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأمرنا بذلك مع أنه قال: ما تركت خيراً يقربكم إلى الله والجنة إلا وقد أمرتكم به. فما لم يأمرنا به صلوات الله وسلامه عليه فليس بخير فالخير كل الخير في الاتباع والشر كل الشر في الابتداع ولذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد أي مردود على صاحبه.
مرضعته:
لما ولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرضعته أول ما أرضعته ثويبة وهي مولاة عمه أبي لهب وكانت قد أرضعت قبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عمه حمزة ولذلك حمزة رضي الله عنه يكون أخاً للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الرضاعة أمهما جميعاً ثويبة مولاة أبي لهب. ولم يدم هذا الأمر طويلاً وذلك أنه كان من عادة العرب أنهم يلتمسون المراضع لأولادهم أي المرضعات فكان العرب يحبون أن تأتي المرضعة من خارج مكة فتأخذ الوليد فترضعه لمدة سنتين ثمّ تفطمه وتعيده إلى أمه. ونترك حليمة السعدية تذكر لنا قصتها مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، تقول حليمة السعدية إنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر تلتمس الرضعاء، وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شيئاً، (والشهباء يعني لا زرع ولا ماء)، فخرجت على أتان لي قمراء، (الأتان هو الحمار والقمراء يعني بيضاء)، معنا شارف لنا، (والشارف هي الناقة) والله ما تبض بقطرة، (يعني ما فيها حليب أبداً)، وما ننام ليلنا أجمع من صبيّنا الذي معنا من بكائه من الجوع، والله ما في ثديي ما يغنيه وما في شارفنا ما يغذيه، ولكن كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتاني تلك حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منّا امرأة إلاّ وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتأباه وذلك إذا قيل لها إنه يتيم وذلك أن كنا نرجو المعروف من أبي الصبي فكنّا نقول يتيم وما عسى أن تصنع أمه وجدّه فكنّا نكرهه لذلك. فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعاً غيري فلمّا أجمعنا الانطلاق (يعني عزمنا على الرجوع) قلت لصاحبي أي زوجها والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعاً والله لأذهبنّ إلى ذلك اليتيم فلآخذنه قال: لا عليك أن تفعلي عسى الله أن يجعل فيه بركة. سبحان الله، (هذه المسكينة حليمة السعدية لا تدري أن الخير والبركة كلها عند هذا اليتيم صلوات الله وسلامه عليه ). فرجعت إليه فأخذته وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره فلمّا أخذته رجعت به إلى رحلي فلمّا وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي وشرب معه أخوه (أي ولدها) حتى روي ثمّ ناما، وما كنّا ننام معه قبل ذلك من بكاء الولد، وقام زوجي إلى شارفنا تلك (أي الناقة) فإذا هي حافل أي مملوءة لبنا، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا رياً وشبعاً، فبتنا بخير ليلة، فقال لي صاحبي (أي زوجها) حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة. فقلت: والله إني لأرجو ذلك. ثمّ خرجنا وركبت أنا أتاني وحملته عليها معي، (أي حملت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شيء من حمرهم (أي سبقتهم في المسير) حتى إن صواحبي ليقلن لي يا ابنة أبي ذؤيب ويحك أربعي علينا، (أي لا تسرعي)، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن بلى والله إنها لهي هي فيقلن والله إن لها شأناً، ثمّ قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضاً من أرض الله أجدب منها، (يعني قاحلة ليس فيها زرع ولا ماء)، فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا بها معنا شباعاً لبنا، فنحلب ونشرب وما يحلب إنساناً قطرة لبن لأن الأرض جدباء ، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب فتروح أغنامهم جياعاً ما تبض بقطرة لبن وتروح غنمي شباعاً لبنا، فلم نزل نتعرف من الله زيادة والخير حتى مضت سنة وفصلته، (أي فطمته)، وكان يشب شباباً لا يشبه الغلمان فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاماً جفراً ، (يعني قوياً)، فقدمنا به على أمه (لأن بينهم وبين أمه وعداً بعد سنتين يعيدان إليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فقدمنا به على أمه ونحن أحرص على مكثه فينا، لما كنا نرى من بركته فكلمنا أمه وقلت لها لو تركت ابني عندي حتى يغلظ فإني أخشى عليه وباء مكة، فلم نزل بها حتى ردته معنا. (فهي لا تخشى عليه الوباء ولكنها تريده لما رأت من الخير عند مجيئه صلوات الله وسلامه عليه)، فما زلت بها حتى ردته معنا.
طفولته:
وهكذا بقي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بني سعد حتى إذا كانت السنة الرابعة من عمره أو الخامسة وقع حادث عجيب. وذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب واستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك ثمّ غسله أي القلب في طست من ذهب بماء زمزم ثمّ لأمه (أي أعاده إلى مكانه) وجاء الغلمان يسعون إلى أمّه ، أي حليمة، فقالوا إن محمداً قد قتل، لأنهم رأوا الملك جاء إليه وشق صدره وأخرج قلبه، فخرجت حليمة مع زوجها ينظرون إلى مقتل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوجدوه قائماً صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكنه ممتقع اللون لأن هذا الأمر غريب بالنسبة إليه صلوات الله وسلامه عليه، وهذه آية من آيات الله تبارك وتعالى، والله جلّ وعلا على كل شيء قدير سبحانه وتعالى، عند ذلك خافت حليمة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فردته إلى أمه.
وفاة أمّه:
لما بلغ السادسة من عمره خرجت أمه به لتزور قبر والده في طريق المدينة فزارت قبر أبيه وكان معها في سفرها هذا جده عبد المطلب وخادمتها أم أيمن فبعد أن زارت قبر والده ورجعت إلى مكة وهم في الطريق إلى مكة ماتت أمّه صلوات الله وسلامه عليه في مكان بين مكة والمدينة يقال له الأبواء. فبعد أن كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتيم الأب صار صلوات الله وسلامه عليه في السادسة من عمره يتيم الأب والأم بأبي هو وأمي.
وفاة جدّه:
كفله جدّه ورباه ولما بلغ الثامنة من عمره مات جدّه عبد المطلب.
احتضان عمّه له:
عند ذلك احتضنه عمه أبو طالب ورباه بعد ذلك حتى بلغ سن الرجال صلوات الله وسلامه عليه وقد قام أبو طالب بحق سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم خير قيام، وكان ربما قدّمه على ولده.
حادثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع الراهب بحيرى:
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم اثنتي عشرة سنة خرج مع عمه أبي طالب إلى الشام في التجارة ووقعت له هناك حادثة غريبة وهذه الحادثة تتمثل في أن أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرّ على راهب يقال له بحيرى في مكان يقال له بصرى وهذا الراهب اسمه جرجيس ولما نزل به أبو طالب ومن معه أكرم ضيافتهم ثمّ قال: من معكم؟ قالوا: نحن قال: ما معكم أحد آخر؟ قالوا: معنا صبي عند متاعنا قال: ائتوني به فلما جاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورآه بحيرى الراهب نظر في وجهه وكان يعرف أن هذا الوقت وقت خروج نبي ثمّ بحث فوجد خاتم النبوة. وخاتم النبوة هذا عبارة عن ورمة في كتف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من خلف في قدر البيضة فقال بحيرى لأبي طالب: إنكم حينما أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا وخرّ ساجداً للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا تسجد هذه إلا لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل غضروف كتفه، مثل التفاحة إن وجدناه في كتبنا ارجع به فإني أخاف عليه اليهود (أي في الشام)، فرجع به إلى مكة.
حلف الفضول:
وحضر صلوات الله وسلامه عليه حلف الفضول وذلك حين بلغ الخامسة عشرة من عمره. وهذا الحلف تداعت إليه بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد وبنو زهرة وبنو تيم، اجتمعوا في دار عبدالله بن جدعان التيمي وذلك لسنه وشرفه وتعاقدوا على ألاّ يجدوا مظلوماً بمكة سواءً كان من أهلها أو من غيرهم إلا نصروه وأخذوا له حقه. وكان النبي صلوات الله وسلامه عليه يقول بعد ذلك حضرت حلف الفضول ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت وما أحب أن لي به حمر النعم، (هي الإبل الحمراء التي تشتاق إليها نفوس العرب وتحبها).
قبل البعثة:
كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تلك الفترة يرعى الغنم مقابل قراريط أي أموال قليلة لأهل مكة عن جابر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمر الظهران، مكان قريب من مكة، ونحن نجني الكباث، (الكباث ثمر الأراك وهو السواك)، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: عليكم بالأسود منه قال: فقلنا يا رسول الله كأنك رعيت الغنم، قال: نعم، رواه الإمام مسلم في صحيحه. وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم فقال أصحابه: وأنت قال: نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة، رواه الإمام البخاري في صحيحه. قال أهل العلم لعل الحكمة من إلهام الأنبياء من رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يتلقونه من القيام بأمر أمتهم في مخالطتها ، (أي الغنم)، ما يحصل لهم الحلم والشفقة لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى ودفع عدوها عنها ألفوا من ذلك الصبر على الأمة وخصّ الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر. وبعد رعي الغنم اشتغل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالتجارة.
زواجه:
بلغ خديجة بنت خويلد ما وصف به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كريم الأخلاق والأمانة فبعثت إليه وعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام. وخديجة من أشراف قومها من بني مخزوم وأرسلت معه غلاماً لها يقال له ميسرة فوافق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخرج بمالها وتاجر لها ولما رجع إلى مكة أخبرها ميسرة بما وقع من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كريم خلقه وحسن تعامله وما كانت من بركة وقعت له صلوات الله وسلامه عليه كل هذا جعلها تعجب به فتحدثت عن إعجابها به مع صديقاتها وكان ممن تحدثت معها صديقة لها يقال لها نفيسة فذهبت نفيسة إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعرضت عليه أن يتزوج خديجة فقبل صلوات الله وسلامه عليه وذهب مع أعمامه إلى عم خديجة وتمّ الزواج. وكانت سنها على المشهور أربعين سنة وكان سن النبي صلوات الله وسلامه عليه الخامسة والعشرين. وقد أحبها النبي صلوات الله وسلامه عليه حباً شديداً ولم يتزوج عليها في حياتها أبداً.
أولاده من خديجة:
رزقه الله تبارك وتعالى من خديجة الولد فولدت له عبدالله والقاسم وفاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم رضي الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين.
إعادة بناء الكعبة:
لما بلغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخامسة والثلاثين من عمره وقع أمر مهم وهو أن قريشاً قررت إعادة بناء الكعبة وذلك أن الكعبة قد تساقطت بعض حجارتها وكان قد جاءها سيل شديد أثر في بنيانها كثيراً، واختلفوا هل يرممون البيت أو يهدمونه من جديد؟ فمن قائل يهدم ويبنى من جديد ومن قائل بل يرمم وذلك أنهم خشوا إذا هدموا البيت أن يصابوا بأذى وذلك أن ما حدث لأبرهة قريب جداً وكثير منهم قد عاصروا ونظروا ما وقع لأبرهة وجيشه حين أردوا ذلك البيت المقدس عند الله تبارك وتعالى. فقام الوليد بن المغيرة وقال: والله لنهدمنّه ولنبنينّه من جديد فقالوا: إنّا نخاف أن نصاب بأذى فقال: وأي أذى وأنتم إنما أردتم الخير قالوا: فابدأ أنت قال: نعم فجاء الوليد إلى الكعبة ورفع الفأس وقال: اللهم لن ترع (يعني لا تخف يا رب لا نريـد إيذاءك وإنما نريد الخير وهذا لا شك يدل على جهلهم بالله تبارك وتعالى). فضرب ثمّ انتظر فلم يصب بأذى فقال: أيها الناس اهدموا فقالوا: لا، حتى تصبح وأنت سليم. قال: نعم فلما أصبح وإذ لم يصب بأذى فقاموا جميعاً فهدموا بيت الله الحرام. ولكنهم لما هدموا البيت وأرادوا إعادة بنائه قالوا: لا يدخل في بنائه إلا مال طيب فلا يقبل مال ربا ولا ميسر ولا مهر بغي ولا مال مسروق وهذا شيء عجيب هم على كفرهم يعرفون المال الحلال من المال الحرام . وقدّر الله أن المال الحلال الذي جمعوه كان قليلاً لم يكف لبناء الكعبة فبنوا الكعبة على ما هي عليه الآن ثمّ جعلوا هذا السور أو هذا القوس الذي نراه والذي يسميه كثير من الناس حجر (بكسر الحاء وتسكين الجيم) إسماعيل وليس لإسماعيل عليه الصلاة والسلام حجر. بل هو الحجر أو الجدر (بفتح الجيم وتسكين الدال) كما كان يسميه أهل مكة، وهذا الحجر ستة أذرع منه تعتبر من الكعبة (يعني نصفه تقريباً) ولذلك إذا أردنا أن نطوف حول الكعبة لا يجوز لنا أن نطوف من داخل الحجر لأننا مطالبون أن نطوف من حول الكعبة لا أن نطوف في الكعبة. وكان للكعبة بابان فجعلوا لها باباً واحداً وكان الباب ملاصقاً للأرض فرفعوه حتى يدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا وقد سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الجدر أمن البيت هو؟ قال: نعم. قالت: فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: إنّ قومك قصّرت بهم النفقة، قالت: فما شأن بابه مرتفعاً؟ قال: فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ولولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت وأن ألصق بابه بالأرض، رواه الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما. وذلك من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عين الحكمة إذ أن قريشاً ستقول انظروا إلى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدّعي أنه مرسل من الله أول ما فتح مكة هدم بيت الله ولذا رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الحكمة أن يؤخر هذا الأمر.
ولكن هل تأخر هذا الأمر كثيراً؟ إنه لم يتأخر كثيرا وذلك أنهم في خلافة أمير المؤمنين عبدالله بن الزبير رضي الله تبارك وتعالى عنه سنة خمس وستين من هجرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو سنة أربع وستين قام عبدالله بن الزبير فأدخل الحجر في الكعبة ووسع الكعبة وأطال بنيانها وأنزل الباب إلى الأرض وجعل للكعبة بابين كل ذلك كما أراده النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رواه الإمام مسلم في صحيحه. قال عطاء: إن عبدالله بن الزبير جمع الناس فقال: يا أيها الناس أشيروا عليّ في الكعبة أنقضها ثمّ ابني بناءها أو أصلح ما وهي (بفتح الواو وكسر الهاء) منها فقال ابن عباس: فإني قد فرق ( بضم الفاء) لي رأي فيها أرى أن تصلح ما وهي منها، وتدع بيتاً أسلم الناس عليه وأحجاراً أسلم الناس عليها وبعث عليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . فابن عباس كان رأيه أن تترك الكعبة ولا يدخل الحجر فيها وأن ترمم فقط فقال ابن الزبير: لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجدّه أي يجدده من جديد فكيف بيت ربكم إني مستخير ربي ثلاثاً ثمّ عازم على أمري فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها فتحاماه الناس أن ينزل بأول الناس يصعد إليها أمر من السماء أيضاً خشوا أن يقع أمر من السماء إذا أراد أحد أن يهدم الكعبة. فصعد رجل وألقى من البيت حجارة فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوا فنقضوا البيت حتى بلغوا به الأرض فجعل ابن الزبير أعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه وقال ابن الزبير: إني سمعت عائشة رضي الله عنها تقول إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر وليس عندي من النفقة ما يقوى على بنائه لكنت أدخلت فيه من الحجر خمسة أذرع ولجعلت لها باباً يدخل الناس منه وباباً يخرجون منه قال عبدالله بن الزبير: فأنا اليوم أجد ما أنفق ولست أخاف الناس قال: فزاد فيه خمسة أذرع كما أراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الحجر حتى أبدى أسّاً (بضم الألف) نظر الناس إليه (يعني الأساس) أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام فبنى عليه البناء وكان طول الكعبة ثماني عشر ذراعاً فلما زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشرة أذرع فابن الزبير زادها طولاً وعرضاً رضي الله عنه وأرضاه وجعل للكعبة بابين أحدهما يدخل منه والآخر يخرج منه فلما قتل (بضم القاف) ابن الزبير وذلك سنة ثلاث وسبعين من الهجرة على يد الحجاج بن يوسف الثقفي كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك (أي بما فعل ابن الزبير ببيت الله تبارك وتعالى) ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أس (أي على أساس) نظر إليه العدول من أهل مكة فكتب إليه عبد الملك إنّا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء أما ما زاد من طوله فأقره (أي من ارتفاع الكعبة) وأما ما زاد فيه من الحجر فردّه إلى بنائه وسد الباب الذي فتحه. فنقضه وأعاده إلى بنائه. وهذا أمر عجيب عبدالله بن الزبير رضي الله عنه نفذ وصية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. عبدالملك بن مروان لما استخلف ظن أن عبدالله بن الزبير إنما زاد هذا من عند نفسه فأمر بنقضه وأعاد الكعبة كما كانت زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
تعليق