يقول عالم الفلك المصري الكبير الدكتور مسلم شلتوت الأستاذ بالمعهد القومي للعلوم الفلكية والجيوفيزيقية أن القرآن الكريم يخبرنا بحقائق لم يكشف عنها العلماء إلى يومنا هذا , مثل وجود حياة في السماء تشبه الحياة على الأرض , كما قال تعالى : (( الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً )) (الطلاق:12) إن هذا الأمر الإلهي المشار إليه في الآية الكريمة لابد أن يكون موجهاً إلى كائنات عاقلة موجودة على هذه الكواكب الأخرى خارج مجموعتنا الشمسية , ومما يؤكد هذا التفسير هو قوله تعالى : (( ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذ يشاء قدير )) (الشورى:29) .
والدابة من دب فهو دابة ومشتقة من الدبيب , والدبيب عبارة عن الحركة الجسمانية , ولذلك في تشير لكل حيوان جسماني يتحرك ويدب , والمعنى أن هذه الدواب مبثوثة في السماوات في أكثر من مكان , أي أنها ليست في مكان واحد في السماوات . ويقول تعالى في سورة النور : (( والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء )) (النور:45) ففي هذه الآية تعبير (( من يمشي )) يعني وجود دواب عاقلة في السماوات تمشي على بطنها أو على رجلين مثل الإنسان وربما على أربع أيضاً , والنص عان لأنه يشمل كل الدواب في السماوات والأرض , كما أنه يحتمل هذه المعاني جميعاً , ومعنى ذلك أن هناك كائنات عاقلة وذكية وعابدة , وليست قاصرة على الملائكة بدليل التمييز بينهما في قوله تعالى : (( ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون )) (النحل:49) .
قال الدكتور الغمراوي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية : إن الله هنا ذكر الاسم الموصول مرتين لا مرة واحدة , مرة متعلقة في السماء ومرة متعلقة في الأرض , ليذهب سبحانه بكل شك من أن قوله (( من دابة )) بيان لما في السماء ولما في الأرض , ويكون ذكر الملائكة لأن الملائكة لا يليق أن يعبر عنها بالدواب .
ولعل ما يؤكد ذلك هو قوله تعالى : (( ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وظللهم بالغدو والأصال والأصال )) (الرعد:15) فالغدو هنا تعني غداة وهي صبيحة اليوم التالي , والأصال جمع أصل وهو ما بين العصر والغروب , ومن المعروف أن الغدو والأصال هما كلمتان تعبّران عن حركة المحور حول نفسها أمام الشمس والتي ينتج عنها " ليل ونهار " وتغيير في الأوقات , وهذا يعني أن تلك المخلوقات التي في السماوات إنما تعيش مثلنا على كوكب مثل الأرض , ولها النظام فلكي مثلنا أو ما يشبه نظامنا , لأن ظهور الظلام لا يتم إلا بتحقق شرطين .
الأول : أن تكون تلك المخلوقات مشخصة لنا أي لها طول وعرض وارتفاع " أي لها حجم " .
والثاني : أن تكون تلك المخلوقات في مكان مواجه للشمس , لأنه دون وجود ضوء لا يظهر ظلام لشيء وهذا ما أكده تعالى بقوله : (( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً (الفرقان:45) ومن هنا تكون الآية السابقة في سورة الرعد دليلاً على وجود دواب عاقلة في السماوات , وأن هذه الدواب مشخصة مثلنا ومرئية , ومن هذا يفهم أن تلك المخلوقات التي تسجد لله ببدنها وتسجد معها ظلالها , كذلك ليست ملائكة أو من الجن , لأن الملائكة من نور والجن من نار , وهذان المخلوقان غير مجسمين مثلنا , ولا يخضعان لنفس نظامنا وبالتالي لا يمكن رؤيتهما , إلاّ إذا تخليا عن صورتهما الحقيقة , ومن كانت هذه حاله وتلك صفته لا يمكن أن يكون له ظلال , وعليه يكون المقصود بمن يسجد في هذه الآية ويسجد معهم ظلالهم " دواب " السماوات والأرض .. وصدق الله العظيم إذ يقول (( وربك أعلم بمن في السموات والأرض )) بقلم : عبد الفتاح عناني
تعليق