• آثرت فيما مضى من اجازتي المتناثرة في فضاءات الحياة ..أن أقضيها بين مفاصل قريتي الموغلة في لحظات البهاء وصبوات الليل .
كان الوقت ناصع البياض .. كلحية شيخ طاعنا في البؤس !
وأنا أجوب طرقات القرية القديمة ..حيث روائح الماضي العبقة تفوح غيما ً طاهرا ً.
فمن ( جرين ابن عقدان ) إلى (مسجد الدار ) قصصٌ مخضبة بالأفراح والأتراح .. ومن ( حوزة آل أحمد ) إلى ( راس الفهيرة ) أنفاس تتـزاحم و نفوس تتلاحم .
هكذا كانت قريتي .. عذراء كقصيدة عاشق شاهق الضوء .. قبل أن يبتلعها الأسفلت وتشوهها الحضارة !
كانت تغفو على صوت شاعر بهي .. رافعا عقيرته بغناء فادح مرددا :
( يقول جمعان شفت البندقة فـ يد الاعمى
يقول عندي بصيره للمثل وأني اشوف
يضيق لا قلت هات ايدك وسر ياعميان
يضيق خلقه ويرمي بالحصى في جداره
لو كان يبصر هبا فـ الدار ميّة مصيبه
لكن ربي حمدته ريّحه من عيونه ! )
كان هذا الشاعر .. هو الوحيد الذي يضخ النور في عروق القرية .. فيضيء القلوب بدفقاتقصائده .. وبـ ( ماطور الكهرباء ) الوحيد في القرية أنذاك !
فيغط ساكنيها في نوم شهي .. وأحلام تستشرف غدهم التخم بالأمل والألم !
ويستيقظون على تلاوات سماوية تقطر نورا مقدسا بصوت الشيخ ( سراج بن يحيى ) ، هذا الرجل المتغلغل في أفئدتنا وجوانحنا منذ نعومة أعشابنا وارتعاشات أهدابنا .. بحسّه الديني المعتدل وصوته المشرق الذي يفرج عن الصبح ضوءه ، وشموسه ، وعصافيره الزاهية ، قبل أن تتآمر عليه جحافل الظلام !
• لم يكن بوسع جرحي أن يتمدّد على مساحة مغرية من الوجع .. فقد أصبح الواقع أكثر إحباطاً وحنقا ً ، واستحالت أغصان القرية الخضراء إلى أسلاكا ً اجتماعية شائكة .. و أشجارها إلى أعمدة تشحذ الضوء !
وبساتينها إلى حقول معتمة .. ( وركائبها ) إلى مبان ٍ اسمنتية أنعكست صلابة جدرانها على قلوب قاطنيها !
مازلت أتلمّس بقايا الحنين في نثار الروح .. بينما البوح يفرغ ماتشظى في الأعماق من شجن ٍ متداع ٍ .. ( صاعدا ً ما بين هاويتين ) !
كنت أصرخ بكل ما أوتيت من شعر ٍ وحبر ٍ وصبر ٍ وقهر ٍ :
( خذوا ماتبقى من عمري .. وأعيدوني عشرون سنة إلى الوراء ) !
• أما ( شباب القرية ) فقد طوّقتهم ( المدنية الزائفة ) .. وغرقوا في شكلياتها .. وتقليعاتها .. وخلعوا أسمال القرية البريئة ( وارتدو فوق ثوب الطين طين الثياب ) !
فمنهم من تحوّل بعد الزواج من طير مشتعل إلى سمكة مثلجة ، ومنهم من جرفه تيار المألوف واستكان في نمطيته المملة !
• وبعد أن كانت ( الحوكة ) و ( الصمادة ) هي أجمل أزياء الفتيات .. أضحت القصّات والعلاقي هي البديل الحضاري .. كما يزعمن !
حتى فقدت الأنوثة رائحتها وتماهت الأصالة في شكليات فارغة .. لا محل لها من ( القلب ) !
• هكذا كانت قرية النصباء .. منتصبة كرمح ٍ قروي متسامق .. تجمع بين ( مساريبها ) مزيجا ً من مغامرات الطفولة اليانعة .. ( وغطاريف ) البهجة المورقة .
وعلى رائحة ( الشيح ) المزهر .. و(اللوز ) المثمر .. يتسامر الأهالي رجالا ونساءً .. دونما عقد !
هكذا كانت قريتي .. شهيّة كـ ( قرط عنب ) ، لذيذة ً كـ ( شقفة رمانة ) ،
ساخنة كـ ( شتـفة خبزة مقنـّاة ) !
كان الوقت ناصع البياض .. كلحية شيخ طاعنا في البؤس !
وأنا أجوب طرقات القرية القديمة ..حيث روائح الماضي العبقة تفوح غيما ً طاهرا ً.
فمن ( جرين ابن عقدان ) إلى (مسجد الدار ) قصصٌ مخضبة بالأفراح والأتراح .. ومن ( حوزة آل أحمد ) إلى ( راس الفهيرة ) أنفاس تتـزاحم و نفوس تتلاحم .
هكذا كانت قريتي .. عذراء كقصيدة عاشق شاهق الضوء .. قبل أن يبتلعها الأسفلت وتشوهها الحضارة !
كانت تغفو على صوت شاعر بهي .. رافعا عقيرته بغناء فادح مرددا :
( يقول جمعان شفت البندقة فـ يد الاعمى
يقول عندي بصيره للمثل وأني اشوف
يضيق لا قلت هات ايدك وسر ياعميان
يضيق خلقه ويرمي بالحصى في جداره
لو كان يبصر هبا فـ الدار ميّة مصيبه
لكن ربي حمدته ريّحه من عيونه ! )
كان هذا الشاعر .. هو الوحيد الذي يضخ النور في عروق القرية .. فيضيء القلوب بدفقاتقصائده .. وبـ ( ماطور الكهرباء ) الوحيد في القرية أنذاك !
فيغط ساكنيها في نوم شهي .. وأحلام تستشرف غدهم التخم بالأمل والألم !
ويستيقظون على تلاوات سماوية تقطر نورا مقدسا بصوت الشيخ ( سراج بن يحيى ) ، هذا الرجل المتغلغل في أفئدتنا وجوانحنا منذ نعومة أعشابنا وارتعاشات أهدابنا .. بحسّه الديني المعتدل وصوته المشرق الذي يفرج عن الصبح ضوءه ، وشموسه ، وعصافيره الزاهية ، قبل أن تتآمر عليه جحافل الظلام !
• لم يكن بوسع جرحي أن يتمدّد على مساحة مغرية من الوجع .. فقد أصبح الواقع أكثر إحباطاً وحنقا ً ، واستحالت أغصان القرية الخضراء إلى أسلاكا ً اجتماعية شائكة .. و أشجارها إلى أعمدة تشحذ الضوء !
وبساتينها إلى حقول معتمة .. ( وركائبها ) إلى مبان ٍ اسمنتية أنعكست صلابة جدرانها على قلوب قاطنيها !
مازلت أتلمّس بقايا الحنين في نثار الروح .. بينما البوح يفرغ ماتشظى في الأعماق من شجن ٍ متداع ٍ .. ( صاعدا ً ما بين هاويتين ) !
كنت أصرخ بكل ما أوتيت من شعر ٍ وحبر ٍ وصبر ٍ وقهر ٍ :
( خذوا ماتبقى من عمري .. وأعيدوني عشرون سنة إلى الوراء ) !
• أما ( شباب القرية ) فقد طوّقتهم ( المدنية الزائفة ) .. وغرقوا في شكلياتها .. وتقليعاتها .. وخلعوا أسمال القرية البريئة ( وارتدو فوق ثوب الطين طين الثياب ) !
فمنهم من تحوّل بعد الزواج من طير مشتعل إلى سمكة مثلجة ، ومنهم من جرفه تيار المألوف واستكان في نمطيته المملة !
• وبعد أن كانت ( الحوكة ) و ( الصمادة ) هي أجمل أزياء الفتيات .. أضحت القصّات والعلاقي هي البديل الحضاري .. كما يزعمن !
حتى فقدت الأنوثة رائحتها وتماهت الأصالة في شكليات فارغة .. لا محل لها من ( القلب ) !
• هكذا كانت قرية النصباء .. منتصبة كرمح ٍ قروي متسامق .. تجمع بين ( مساريبها ) مزيجا ً من مغامرات الطفولة اليانعة .. ( وغطاريف ) البهجة المورقة .
وعلى رائحة ( الشيح ) المزهر .. و(اللوز ) المثمر .. يتسامر الأهالي رجالا ونساءً .. دونما عقد !
هكذا كانت قريتي .. شهيّة كـ ( قرط عنب ) ، لذيذة ً كـ ( شقفة رمانة ) ،
ساخنة كـ ( شتـفة خبزة مقنـّاة ) !
تعليق