هذه المقاله الجميله المعبره... لمن رزق الفطنه...كتبها الاخ العزيز قبيل عيد الفطر الماضي
وعنونها
(لوحة للعيد)
توطئة الصرح الممرد..! اتذكر يا سيدي القارىء وعدي الذي قطعته لك قبل أربعة أشهر وعشر..؟! عندما كتبت مقالا مطرزا عن سيدنا يوسف بعنوان (ريشتنا اليوم ستشدو بقميص يوسف ورداء بلقيس..!) وقلت لك في خاتمة المقال بأني قد نويت الحديث عن سيدنا يوسف وكذلك عن رداء بلقيس ولكن عبق وشذا من ارتدى القميص وعطره الفواح قد اطار من قلبي فؤاده.. وشرب من قلمي كل حبره ومداده.. فلم يترك لي حديثا عن بلقيس عندما همست بذكراه.. ولم يكن لي بعدها أي خيار سوى ان نترك رداء بلقيس معلقا هناك ريثما نعود له من جديد.. وها أنذا اليوم أعود اليه لأضعه بين أيديكم مع اطلالة ذي الفخامة والسمو (عيد الفطر السعيد) فتقبلوا هذا المقال عيدية مني.. كما عودناكم في كل عيد!
? لن يسعنا الوقت ان نحدثكم عن تاريخ فخامة الملكة وصاحبة الجلالة (بلقيس) ملكة سبأ.. ولكننا سنقطع لكم شيئا قليلا من سيرتها لنهذب بها حواشي المقال.. تلك السيرة التي امتلأت شموخا ورفعة.. دع عنك الذكاء والفطنة التي قل ما نسمع عنها فيمن تحمل بين جنباتها انوثة هادرة.
وما يسطره التاريخ في كيدها العظيم قصتها مع الملك عمرو بن ابرهة الملقب بذي الاذعار.. والذي حاصر مملكتها بحشر عظيم من جنده قبل ان يستقر لها أمر الملك كاملا وتقلد صولجان الحكم.. فاشعلت زناد فكرها وأوقدت جذوة فطنتها.. وادركت انها مغلوبة في المواجهة العسكرية، وخصوصا ان جندها الذين يصفهم القرآن بأولي قوة وبأس شديد لم يكونوا تحت سيطرتها وهي في المرحلة الاولى من الملكية.. فلجأت الى كيدها وان كيدهن لعظيم..! فما كان منها الا ان لبست اجمل الثياب وافخمها ثم زينت نحرها بما يبرق لمعانا من انفس الياقوت والزبرجد الاخضر.. ثم طلعت من قصرها واسترسلت بخطوات ملكية بمفردها وخرجت من قلعتها واخذت تشق صفوف الجند الذين حاصروا مملكتها بكل خيلاء منها وزهو.. حتى بلغت الخيمة الملكية للملك عمرو.. فولجتها بانثوة الهيت لك..! فلما رآها.. ايقن انها جاءته مستسلمة، فصفق بيديه ونادي فلتخرج كل الحاشية من بلاطي.. فاقسمت عليه ان تسامره وهي تسقيه من ذلك الخمر المعتق..! وكان كلما اراد حظا منها.. تمنعت عليه وألهته بكأس آخر ثم تتغنج له لتسقيه كأسا جديدا.. وهكذا ظل يراودها عن نفسها وهي تراوده بكأس آخر عن نفسه..! حتى اصابت منه عشرة كؤوس ولم يصب منا سوى قبلة يتيمة! حتى ثمل جلالة الملك المعظم..! وثقل عقله.. وتمايل رأسه.. عندها حانت ثمرة الكيد والدهاء فاستلت سيفه الملكي من غمده، ولكأني أراها الآن وهي تستأذن من ردائها الانثوي الملكي المخملي الفاخر لتخلعه عنها وتستبدله برداء فارس وسيم..! ثم انها انقضت على نحره الملكي فنحرته بشفرة ملساء..! ليفور على الفور دمه المخلوط بالخمر المعتق..! وتنهي بذلك بعدها اسطورة ملك جبار وتخلص مملكتها من الهلاك وتحفظ تاجها.. وتعلي صولجانها.. وفقط.. بعشرة كؤوس ملكية معتقة..! فيا لروعة الكيد..!
? والآن انتقل بك يا سيدي القارىء إلى تحفة أخرى.. ولكن عذرا يا قارئي فهذه المرة سوف تكون التحفة قرآنية..! إذن لاشك ان الالوان التي سنشاهدها معا ستبدو أجمل.. كيف لا.. وقد وصلنا الى ذلك الصرح الممرد من قوارير..؟!
? سنخلف الآن من ورائنا فجوة من قصة ملكتنا بلقيس مع سيدنا سليمان عليه السلام.. وسنسدل الستار عليها لأنتقل معكم الى مشهد أكثر بريقا واثارة من رواية الهدهد عن مملكة بلقيس التي تعبد الشمس وتكفر بالله رب العالمين.. وانتبهوا.. اننا الآن في مشهد القدوم الملكي للملكة بلقيس وحاشيتها بين يدي ملك الجن والانس سيدنا سليمان.. فماذا؟؟ حصل..! لقد سمع سيدنا سليمان بفطنتها وذكائها فأراد ان يختبرها بنفسه فماذا قال (قال نكروا لها عرشها ننظر اتهتدي ام تكون من الذين لا يهتدون) يا الله..! لقد بدأ المشهد يسخن.. انه اختبار بين صولجان وتاج..! لقد كان اختبارا رائعا وفريدا بل هو الاختبار اليتيم في التاريخ ما بين ملكة وملك لكنه نبي! فماذا كانت النتيجة يا ترى عند السؤال؟ (فلما جاءت قيل أهكذا عرشك)؟ انتبه يا قارئي.. فهو لم يقل: أهذا عرشك؟ لكيلا يكون السؤال تلقينا لها فيفوت المقصد من الاختبار.. ولكنه قال «اهكذا؟» فكانت اجابتها تنبي عن كمال رجاحة عقلها الوقاد وفطنتها التي انقذت عرشها من ذي قبل فهي وبمجرد ان شكت.. فلعله ان يكون وهو وقد لا يكون هو.. جعلت جوابها وسطا بين الاجابتين حتى لا تكون خاسرة في اي النتيجتين..! فكان جوابها (كأنه هو)! ولقد جاء التعقيب القرآني على لسان سيدنا سليمان مشيدا بهذا الذكاء والفهم قائلا (وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين)!
? ثم نحن الان امام مشهد الصرح الممرد..! بل نحن الان في مراسم الاستقبال الملكي الذي اعده سيدنا سليمان لملكة سبأ بلقيس! ولكن عذرا يا سادتي ان طلبت منكم ان تصغوا الان لي جيدا! فهذه المراسم الفاخرة لها طعم اخر للغاية! انها مراسم ظاهرها ملكي مخملي لكن باطنها دعوة لتوحيد الله رب العالمين وهداية! وها هو الموكب يتقدم الى ناحية اخرى من القصر الاسطوري.. فماذا كان ينتظر جلالة الملكة وحاشيتها في تلك الناحية؟ (قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال انه صرح ممرد من قوارير).. يا الله اي تألق هذا الذي نحن الآن امامه؟
لقد كانت تظن انها سترى متكأ ملكيا كريما كتكاءات الملوك المعتادة.. ولكنها شاهدت ما لا يخطر على قلب بشر ولا حتى سمع ولا بصر! لقد وجدت نفسها امام قصر ابيض من الزجاج الصافي.. طلاؤه فراشات ذهبية تمازح شقيقات لها فضية! وليس له من بلاط او ارضية سوى ماء رقراق يسبح فيه سمك ملون من اجمل فراشات البحر! وهناك وفي وسط هذه التحفة البلورية كان عرش سليمان في الصدر ومستراحا لضيوفه.! فلم تنتظر بلقيس من شدة هولها بهذا الخيال الحقيقي ان يسبقها الى العرش جلالة الملك سليمان ولكنها تقدمت عن الجميع وهي مشدوهة وناسية حتى انها ملكة! حتى انها لم تطلب ان يوضع لها جسر كي لا تتبلل ولكنها انطلقت كالطفلة تريد ان تخوض هذا الماء الذهبي برجليها! وعند الحافة البلورية رفعت ثوبها الملكي المطرز! ولكن ثوبها كان طويلا ومحتشما يليق بمكانتها كأنثى تقدر انوثتها اولا وكملكة ثانيا.. لكنما وهج البلور الذي ملأ عينياها انساها حتى حشمة السابقين! فجمعت اطراف ردائها بكلا كفيها «وكشفت عن ساقيها»! فهي لا تريد لثوبها ان يتبلل بما تحسبه وتظنه لجة من الماء الجاري! ولكن يا الهي! فلقد كشفت الان ساق امرأة في حضرة نبي مرسل قبل ان يكون ملكا! فأبت النبوة على النبي ان يرفع رداء الحشمة بحضرته فعاجلها سليمان قائلا (انه صرح ممرد من قوارير..) فلا تكشفن ساقك الملكية! وارخي عليها رداء الستر والحشمة.
هنا وفي هذه اللحظة البلورية! توقد عقلها المتوقد ليحسم الامر كله! فإن ما عايشته في هذه اللحظات ليست الا قدرة ربانية الهية.. وتأتي لحظة التجلي ويحين قطف ثمرة هذه المراسم الملكية لتعلن للملأ بيانها الختامي (قالت رب اني ظلمت نفسي واسلمت مع سليمان لله رب العالمين) يا الله الم اقل لكم ان مراسم هذا الاستقبال ظاهر فخامة ملكية وباطنها دعوة للتوحيد والعبودية! يا الله ان نبينا سليمان لم يحدثها بعد عن التوحيد الخالص للخالق.. ولكن عقلها الراجح قد دلها على ان تلك الايات الجمالية والمعجزات البلورية وذلك الصرح الممرد لم يكن ليشيد الا ببركة وتوفيق من الخالق.
? فلم تستطيع ان تصمد امام هذا الجمال كله الا ان تخضع لخالق الحسن والروعة.. وتسلم لله رب العالمين ولكن بسلطان الفخامة!! وسيف البريق!! ومهند اللمعان والبلور! رفعت ريشتي عن هذا الصرح الممرد.. وجفت لوحتي!
الكاتب: محمد يوسف المليفي
mlaifi@maktoob.com
جريدة الوطن الكويتية
وعنونها
(لوحة للعيد)
توطئة الصرح الممرد..! اتذكر يا سيدي القارىء وعدي الذي قطعته لك قبل أربعة أشهر وعشر..؟! عندما كتبت مقالا مطرزا عن سيدنا يوسف بعنوان (ريشتنا اليوم ستشدو بقميص يوسف ورداء بلقيس..!) وقلت لك في خاتمة المقال بأني قد نويت الحديث عن سيدنا يوسف وكذلك عن رداء بلقيس ولكن عبق وشذا من ارتدى القميص وعطره الفواح قد اطار من قلبي فؤاده.. وشرب من قلمي كل حبره ومداده.. فلم يترك لي حديثا عن بلقيس عندما همست بذكراه.. ولم يكن لي بعدها أي خيار سوى ان نترك رداء بلقيس معلقا هناك ريثما نعود له من جديد.. وها أنذا اليوم أعود اليه لأضعه بين أيديكم مع اطلالة ذي الفخامة والسمو (عيد الفطر السعيد) فتقبلوا هذا المقال عيدية مني.. كما عودناكم في كل عيد!
? لن يسعنا الوقت ان نحدثكم عن تاريخ فخامة الملكة وصاحبة الجلالة (بلقيس) ملكة سبأ.. ولكننا سنقطع لكم شيئا قليلا من سيرتها لنهذب بها حواشي المقال.. تلك السيرة التي امتلأت شموخا ورفعة.. دع عنك الذكاء والفطنة التي قل ما نسمع عنها فيمن تحمل بين جنباتها انوثة هادرة.
وما يسطره التاريخ في كيدها العظيم قصتها مع الملك عمرو بن ابرهة الملقب بذي الاذعار.. والذي حاصر مملكتها بحشر عظيم من جنده قبل ان يستقر لها أمر الملك كاملا وتقلد صولجان الحكم.. فاشعلت زناد فكرها وأوقدت جذوة فطنتها.. وادركت انها مغلوبة في المواجهة العسكرية، وخصوصا ان جندها الذين يصفهم القرآن بأولي قوة وبأس شديد لم يكونوا تحت سيطرتها وهي في المرحلة الاولى من الملكية.. فلجأت الى كيدها وان كيدهن لعظيم..! فما كان منها الا ان لبست اجمل الثياب وافخمها ثم زينت نحرها بما يبرق لمعانا من انفس الياقوت والزبرجد الاخضر.. ثم طلعت من قصرها واسترسلت بخطوات ملكية بمفردها وخرجت من قلعتها واخذت تشق صفوف الجند الذين حاصروا مملكتها بكل خيلاء منها وزهو.. حتى بلغت الخيمة الملكية للملك عمرو.. فولجتها بانثوة الهيت لك..! فلما رآها.. ايقن انها جاءته مستسلمة، فصفق بيديه ونادي فلتخرج كل الحاشية من بلاطي.. فاقسمت عليه ان تسامره وهي تسقيه من ذلك الخمر المعتق..! وكان كلما اراد حظا منها.. تمنعت عليه وألهته بكأس آخر ثم تتغنج له لتسقيه كأسا جديدا.. وهكذا ظل يراودها عن نفسها وهي تراوده بكأس آخر عن نفسه..! حتى اصابت منه عشرة كؤوس ولم يصب منا سوى قبلة يتيمة! حتى ثمل جلالة الملك المعظم..! وثقل عقله.. وتمايل رأسه.. عندها حانت ثمرة الكيد والدهاء فاستلت سيفه الملكي من غمده، ولكأني أراها الآن وهي تستأذن من ردائها الانثوي الملكي المخملي الفاخر لتخلعه عنها وتستبدله برداء فارس وسيم..! ثم انها انقضت على نحره الملكي فنحرته بشفرة ملساء..! ليفور على الفور دمه المخلوط بالخمر المعتق..! وتنهي بذلك بعدها اسطورة ملك جبار وتخلص مملكتها من الهلاك وتحفظ تاجها.. وتعلي صولجانها.. وفقط.. بعشرة كؤوس ملكية معتقة..! فيا لروعة الكيد..!
? والآن انتقل بك يا سيدي القارىء إلى تحفة أخرى.. ولكن عذرا يا قارئي فهذه المرة سوف تكون التحفة قرآنية..! إذن لاشك ان الالوان التي سنشاهدها معا ستبدو أجمل.. كيف لا.. وقد وصلنا الى ذلك الصرح الممرد من قوارير..؟!
? سنخلف الآن من ورائنا فجوة من قصة ملكتنا بلقيس مع سيدنا سليمان عليه السلام.. وسنسدل الستار عليها لأنتقل معكم الى مشهد أكثر بريقا واثارة من رواية الهدهد عن مملكة بلقيس التي تعبد الشمس وتكفر بالله رب العالمين.. وانتبهوا.. اننا الآن في مشهد القدوم الملكي للملكة بلقيس وحاشيتها بين يدي ملك الجن والانس سيدنا سليمان.. فماذا؟؟ حصل..! لقد سمع سيدنا سليمان بفطنتها وذكائها فأراد ان يختبرها بنفسه فماذا قال (قال نكروا لها عرشها ننظر اتهتدي ام تكون من الذين لا يهتدون) يا الله..! لقد بدأ المشهد يسخن.. انه اختبار بين صولجان وتاج..! لقد كان اختبارا رائعا وفريدا بل هو الاختبار اليتيم في التاريخ ما بين ملكة وملك لكنه نبي! فماذا كانت النتيجة يا ترى عند السؤال؟ (فلما جاءت قيل أهكذا عرشك)؟ انتبه يا قارئي.. فهو لم يقل: أهذا عرشك؟ لكيلا يكون السؤال تلقينا لها فيفوت المقصد من الاختبار.. ولكنه قال «اهكذا؟» فكانت اجابتها تنبي عن كمال رجاحة عقلها الوقاد وفطنتها التي انقذت عرشها من ذي قبل فهي وبمجرد ان شكت.. فلعله ان يكون وهو وقد لا يكون هو.. جعلت جوابها وسطا بين الاجابتين حتى لا تكون خاسرة في اي النتيجتين..! فكان جوابها (كأنه هو)! ولقد جاء التعقيب القرآني على لسان سيدنا سليمان مشيدا بهذا الذكاء والفهم قائلا (وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين)!
? ثم نحن الان امام مشهد الصرح الممرد..! بل نحن الان في مراسم الاستقبال الملكي الذي اعده سيدنا سليمان لملكة سبأ بلقيس! ولكن عذرا يا سادتي ان طلبت منكم ان تصغوا الان لي جيدا! فهذه المراسم الفاخرة لها طعم اخر للغاية! انها مراسم ظاهرها ملكي مخملي لكن باطنها دعوة لتوحيد الله رب العالمين وهداية! وها هو الموكب يتقدم الى ناحية اخرى من القصر الاسطوري.. فماذا كان ينتظر جلالة الملكة وحاشيتها في تلك الناحية؟ (قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال انه صرح ممرد من قوارير).. يا الله اي تألق هذا الذي نحن الآن امامه؟
لقد كانت تظن انها سترى متكأ ملكيا كريما كتكاءات الملوك المعتادة.. ولكنها شاهدت ما لا يخطر على قلب بشر ولا حتى سمع ولا بصر! لقد وجدت نفسها امام قصر ابيض من الزجاج الصافي.. طلاؤه فراشات ذهبية تمازح شقيقات لها فضية! وليس له من بلاط او ارضية سوى ماء رقراق يسبح فيه سمك ملون من اجمل فراشات البحر! وهناك وفي وسط هذه التحفة البلورية كان عرش سليمان في الصدر ومستراحا لضيوفه.! فلم تنتظر بلقيس من شدة هولها بهذا الخيال الحقيقي ان يسبقها الى العرش جلالة الملك سليمان ولكنها تقدمت عن الجميع وهي مشدوهة وناسية حتى انها ملكة! حتى انها لم تطلب ان يوضع لها جسر كي لا تتبلل ولكنها انطلقت كالطفلة تريد ان تخوض هذا الماء الذهبي برجليها! وعند الحافة البلورية رفعت ثوبها الملكي المطرز! ولكن ثوبها كان طويلا ومحتشما يليق بمكانتها كأنثى تقدر انوثتها اولا وكملكة ثانيا.. لكنما وهج البلور الذي ملأ عينياها انساها حتى حشمة السابقين! فجمعت اطراف ردائها بكلا كفيها «وكشفت عن ساقيها»! فهي لا تريد لثوبها ان يتبلل بما تحسبه وتظنه لجة من الماء الجاري! ولكن يا الهي! فلقد كشفت الان ساق امرأة في حضرة نبي مرسل قبل ان يكون ملكا! فأبت النبوة على النبي ان يرفع رداء الحشمة بحضرته فعاجلها سليمان قائلا (انه صرح ممرد من قوارير..) فلا تكشفن ساقك الملكية! وارخي عليها رداء الستر والحشمة.
هنا وفي هذه اللحظة البلورية! توقد عقلها المتوقد ليحسم الامر كله! فإن ما عايشته في هذه اللحظات ليست الا قدرة ربانية الهية.. وتأتي لحظة التجلي ويحين قطف ثمرة هذه المراسم الملكية لتعلن للملأ بيانها الختامي (قالت رب اني ظلمت نفسي واسلمت مع سليمان لله رب العالمين) يا الله الم اقل لكم ان مراسم هذا الاستقبال ظاهر فخامة ملكية وباطنها دعوة للتوحيد والعبودية! يا الله ان نبينا سليمان لم يحدثها بعد عن التوحيد الخالص للخالق.. ولكن عقلها الراجح قد دلها على ان تلك الايات الجمالية والمعجزات البلورية وذلك الصرح الممرد لم يكن ليشيد الا ببركة وتوفيق من الخالق.
? فلم تستطيع ان تصمد امام هذا الجمال كله الا ان تخضع لخالق الحسن والروعة.. وتسلم لله رب العالمين ولكن بسلطان الفخامة!! وسيف البريق!! ومهند اللمعان والبلور! رفعت ريشتي عن هذا الصرح الممرد.. وجفت لوحتي!
الكاتب: محمد يوسف المليفي
mlaifi@maktoob.com
جريدة الوطن الكويتية