قال سيد قطب رحمه الله:"يجب أن يعرف أصحاب هذا الدين جيدًا أنه كما أن هذا الدين رباني، فإن منهجه في العمل منهج رباني كذلك، متوافقٍ في طبيعته، وإنه لا يمكن فصل حقيقة هذا الدين عن منهجه في العمل". فالدعاة حين يدعون الناس إلى الله بالخروج من طاعة غير الله إلى طاعته وحده، ورفض شرائع العبد والتزام شرعه وحده، يشعرون بتناقض ـ حين يكون إحساسهم مرهفًا ـ بين ما يدعون الناس إليه وما يبتدعونه لأنفسهم من وسائل الوصول، إذ يكون الهدف ربانيًا والطريقة بشرية ! أما حين تكون الطريقة أيضًا ربانية؛ فإن الانسجام بينها وبين الغاية يصبح حقيقة واقعة.
كذلك يشعر الدعاة ـ حين يكون فهمهم ربانيًا ـ أنهم موصولون وأنهم سائرون على قدم الرهط الكريم من الأنبياء والرسل ـ عليهم صلوات الله وسلامه ـ فتمتلئ أرواحهم بالأنس، ونفوسهم بالبهجة، ويستهينون بالصعاب حين يرون في الأفق البعيد موكب السادة العظماء عليهم الصلاة والسلام.
إذاً:إذا أردنا معرفة المنهج فإننا لا نستطيع معرفته إلا من خلال الأسلوب النبوي في تربية ذلك الجيل السامق الفريد، وأسلوب الصحابة والتابعين بإحسان، ومن التجارب، فالحكمة ضالة المؤمن يأخذها من أي وعاء خرجت، أما كيفية الاستقاء فالمرجع فيها هو القرآن، والسيرة الكريمة في مكة والمدينة، والسنة عمومًا. فتؤخذ النصوص بجملتها وتكون أساسًا لمنهج تربوي تفصيلي، دون طمس لأي جانب، ودون إبراز لجانب على حساب جانب، فلا نريد أن نعلي من شأن الجانب الروحي على حساب الجانب الفكري، والعملي، والحركي الجهادي، ولا هذا على ذاك بل خطوط متوازية متكاملة تكوّن تلك الشخصية المتكاملة.
أوليات التربية التكاملية :
وحين تدفع بأخيك الراغب الراهب إلى العمل التجميعي، فاحرص أن تصوغه الصياغة التي تراعي التكامل والانسجام وتوفير جميع الصفات التي يحتاجها الداعية:
وفّر له قسطًا إيمانيًا كافيًا، ووعيًا عقائديًا يستقيم به على دروب السلف وعقيدة من يحرص على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجماعة الآخذين بها من الأوائل، ويعصمه من محدثات الأمور، ويخلصه من الشبهات . ويكون هذا بإفهامه وتركيز كليات العقيدة الإسلامية، بتعريفه بخالقه، وقدرته، ورحمته، وفضله، ونعمه، وجميع صفاته العليا وأسمائه الحسنى، وبتعريفه بالرسل، وفضل من خط طريقه ورائهم، واهتدى بهديهم، ودعا بدعوتهم. وببيان مشتملات اليوم الآخر، وعلامات الساعة الكبرى، والجنة والنار، والملائكة والجن .. الخ (فصفاء العبادات لا ينال إلا بصفاء التوحيد).
وفّر له علمًا شرعيًا أوليًا يعصمه من المزالق والأخطاء .. ووعيًا فقهيًا مبدئيًا يحمله على تتبع النص الصحيح أنَّى وجده، من غير سلاطة لسان على المقلدين ولا خشونة .. ولا تحاول التفرع في المسائل الفقهية، أو تلجأ إلى المصطلحات الغامضة، ولا تلجأ إلى الأمور الخلافية ولكن بيّن له أن دين الله أوسع وأيسر من أن يتحكم فيه عقل فرد، أو جماعة، وإنما مرد كل شيء إلى الله ورسوله وجماعة المسلمين.
حَبّب إليه الاتصال الوثيق بالله تعالى، والحرص على العبادة وشحن "بطارية القلب" بالذكر والدعاء والاستغفار والخلوة في الأسحار .. والصيام، حتى يفتح له باب حلاوة العبادة، بحيث لايكاد يشبع منها، ويجد فيها من اللذة أضعاف ما كان يجده في اللهو ونيل الشهوات، ولتكن الصلاة قرّة عين له، وراحة بعد عناء وجهد.
الاهتمام بجانبي فقه فنون الدعوة، وقضايا العمل الإسلامي، والأمور العاصمة من الفتن. ودراسة الناس وكيفية تخيّر العناصر الصالحة .. والاتصال المباشر بهم، والتدرج ومراعاة الحكمة في الدعوة والتربية لهم، والنشاط الدائم والعمل الدائب، وإلا فإن الصياغة الجزئية المضطربة الناقصة توقعه في الأخطاء.. أخطاء في اختياره للعناصر، وأخطاء في تبليغ معاني الدعوة حسب أهميتها، وأخطاء في معاملته اليومية لهم، فإن لم تسارع أنت إلى صياغته، فإنه سيصوغ نفسه باجتهاده، فاحترس من الشطط الذي سيؤدي إليه به اجتهاده، إلا من رحم ربك.
وفّـر لديه الوعي الذي يبعده عن الكمين الذي ينصبه له العدو، ويبصر به لوائح الخطر وإشاراته من بعد، ودله على أماكن الفرص وأوقاتها ليستغلها. أنبئه بما حل بالأمة الإسلامية من ضعف في العقيدة، والعاطفة، والأخلاق، والاجتماع، والإرادة والعزم، وما جلبته المدنية الغربية المادية الماجنة من فساد وانحلال، وبيّن له أثر التعليم العصري اللاديني الفاسد. وخفوت صوت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، زد على ذلك كله نشاط دعاة الفساد والهدم، والخلاعة والمجون، والإلحاد والزندقة، وتزعم الصحف والمجلات واسعة الانتشار قوية التأثير للدعوات المفسدة، والحركات الهدامة، والاستخفاف بالدين وقيمه، والفساد الشامل الذي حل بأجهزة الإعلام.
حبب إليه مجالس الأتقياء؛ ليدوم حبه لهم ويتعظ بمظهرهم وسمتهم، فيعيش معهم في حسّه وشعوره وكينونته وجسمه، فالتربية هي التأثر بكل شيء مسموع أو منظور. وسترى نفوره من مجالس الذين يخوضون في آيات الله ورسله، ويعرض عنهم.
أساليب حكيمة في التربية :
التجاوب الروحي والمشاركة العاطفية بين الداعية والتلميذ؛ أثر بالغ وعميق في نفس المدعو، فبهذا تجده يحبك حبًا جمًا رغم ما قد تكلفه به من أعمال، وستكون بعد هذا التجاوب الروحي أخاه المحبب إلى نفسه، وستترك في نفسه أجمل الآثار .
ما أحوجك أخي الداعية إلى قوة التأثير في نفوس الناس: فأظهر اهتمامًا بالمدعو حينما تقابله أول مرة؛ تكن موضع ترحيبه وحبه لك، فأعرب له عن تقديرك له، وأبرز محاسنه، وغض الطرف عن هفواته التي قد تبدو لأول مرة، ولا تحكم عليه من الآن دون معرفته حق المعرفة، وكلما كثر تقديرك للناس قدروك. وتعرف على ما يحبه، وتكلم فيه معه، واسأله عن عمله ودراسته، وكيف كانت نتيجته وما إلى ذلك .
تبسمك في وجه أخيك صدقة: فاحرص على البشاشة والبساطة والاعتدال عند مقابلة المدعو، فالتبسم يترك أثرًا طيبًا فيمن تقابله لأول مرة مهما طال عنك غيابه .. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أطلق الناس وجهًا، وأحسنهم بشرًا. فلابد أن يشمل القلوب ويغلفها ذلك الحب الشفيف الذي يطلق البسمة من القلب، فينشرح لها الصدر وتنفرج منها القسمات.
احرص على حفظ اسم المدعو وسمّه بأسماء جميلة تحبها النفس: فهو من المفاتيح الهامة لقلبه، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينادي أصحابه بأسمائهم ويكنيهم.
لتكن محدثًا لبقًا تؤثر في نفوس السامعين: واجنح إلى النقاش العلمي الهادئ، وتكلم بإيجاز، ولا تحاول تكرار ما قلته إلا في الأمور التي تحتاج إلى تكرار، واترك الجدل في الجزئيات، وقرر رأيك بما ترى من الأدلة، وقيل أن تتكلم احرص أخي الداعية على التفكير والأناة فيما تقول، وزن الأقوال وزنًا دقيقًا، وراع الصراحة التامة في إبداء الرأي. وإياك أن تتعرض لتجريح، أو تعريض بأشخاص، أو هيئات، ولا تتناول عيوب المدعو التي هو عاكف عليها باللوم والتعنيف، ولكن الفت النظر إلى الأخطاء من طرف خفي.
وتحرَّ الأسلوب الجميل بالقصص والأمثال والحكايات القصيرة جدًا، وتحايل دائمًا لجذب نفس المدعو باعثًا فيه الرغبة والشوق إلى ما تقول، ولا تطل حتى لا يمل، مع الحرص التام على أن توفي في هذا الوقت معنى خاصًا تقصده، وأن تتركه وافيًا واضحًا في نفس المدعو، واستشهد بالآيات، والأحاديث، وتخيرها تخيرًا مناسبًا، واقرأ الآيات قراءة خاشعة، واستشهد بالمقصود، واشرحه، ولا تجعل النقاش يتجاوز الإدلاء بالحجة، والتعرف على الحق.
ليحبك المدعو اسبغ عليه تقديرك المخلص والصادق له: فاسلك معه مسلك الصداقة والتوقير، والإجلال والاحترام، واحرص على الكلمة الطيبة؛ لتظفر منه بمثلها. ولا تقف في طريق رغباته وآرائه وتدحضها مباشرة وتخطئها، ولكن احرص على الثناء والتقدير لآرائه، واجعله يشعر بأهميته.
والرفق يقود إلى التدرج معه، وتحمل أخطائه وعيوبه، فالمربي الناجح لا يكثر من الأوامر ومظهر الصرامة فليس في الدعوة ميدان إظهار أستاذية، بل أخوة وعطف ولطف وحنان، وإن النفوس حساسة فاحذر، ولا تضجر من بطء السير، ولا تيأس من إصلاح ذوي العيوب بل افتح لتلميذك القلب الواسع وأطل له الصبر، وتدرج في التهذيب، فإن المربي الذي ينفد صبره بسرعة ولا يصمد أمام تسويف التلميذ؛ لا يسمى مربيًا.
إن الرجل ذا التقوى والصلاح يترك أثرًا طيبًا في كل مكان ينزل به: ونحن نأمل أن تكون كذلك.
إن الله جميل يحب الجمال: فليكن مظهرك ولباسك حسنًا أمام الناس، ورائحتك طيبة، فقد يترك شكلك أثرًا طيبًا، فقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام من أطيب الناس رائحة، مرجلاً شعره، لابسًا أجمل الثياب، فاحرص على ذلك أخي الداعية.
انتهز الفرص: فاستغلال الحوادث التي تمر علينا، مهمة كبيرة من مهام التربية، ينطبع أثرها في نفس التلميذ، فلا يزول أثرها بسهولة. فالمربي الفطن لا يترك الأحداث تذهب سدى بغير عبرة وبغير توجيه، وإنما يستغلها لتربية النفوس وصقلها وتهذيبها. واعلم أن القرآن كان ينزل مع الأحداث، فيؤثر في النفوس أبلغ التأثير.
إنما هو ترغيب وترهيب: ومن تمام مهارة المربي في إسباغ رفقه على تلاميذه أن يمهر في ترغيبهم وترهيبهم، فقد أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مخاطبة الناس بذلك. وكيفية ذلك في أن تقلد القرآن في صورة عرضه، فيعرض صورًا نموذجية عالية من أفعال الخير الإيمانية، كي يعيش التلميذ نفسه بها دائمًا، يفتضح ما بدا منه من التقصير، فترهبه منزلته المتدنية، فيشمّر للارتقاء، ويعرض المربي صورًا من الإفراط في السوء والشر والغفلة وتحكيم الهوى، وتفضيل حظوظ النفس؛ ليشعر التلميذ بنفسه أنه على بقية من خير، فيحمد الله بأنه أنجاه من التردي والنكوص؛ فتأخذه عزة إيمانية ترغبه برحمة الله، وبهذا التردد بين الرغبة والرهبة تدوم استقامته.
لا تجادل فـ :[مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ]رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني . فالمربي الحكيم لا يسمح لمن معه بالإكثار من الجدل في الخلافيات والمشتبهات من الأمور، ولا يردد كلام الملاحدة والمبشرين والزنادقة أمام من هم في أول الطريق، ويتحدث أمامهم بالمعاني المؤثرة العملية التي توجههم إلى طاعة الله، فقد تعلق في نفس أحدهم الشبهة، ولا يفهم الرد؛ فيتشوش اعتقاده بلا سبب وتكون أنت السبب في ذلك. فليكون الغرض دائمًا معرفة الحق لا الانتصار للرأي وليحتفظ كل برأيه في حال الاختلاف، ولتكن معاني الحب والأخوة سائدة والتسامح واحترام الآراء إيثارًا للحسنى، وسدًا للذريعة فإن المراء لا يأتي بخير قط .. واعلم أن الله سيسألك عن أوقات هؤلاء الذين اجتمعت بهم هل أفدتهم فيها؟! فيكون لهم الثواب ولك مثله، أم انصرفت هباء فيؤاخذون وتؤاخذ أنت، واعلم قول عمر بن الخطاب(ما جادلت قومًا إلا وددت أن يكون الحق معهم).
دع من معك يتولى دفة الحديث وكن مستمعًا طيبًا: ودعه يحسب أن الفكرة فكرته هو فأنصت بإصغاء، واستمع في شوق ولا تصرف بصرك، وأكثر من عبارات النصح، والتشجيع، والثناء، والإعجاب، فإن هذا يدفع إلى نقص من الخطأ، ومزيد من الصواب، وأعرض عن هفواته غير المقصودة .
حبب إليه القراءة: فحسن الابتداء يؤدي إلى توفيق ونجاح فيما بعد.
أشغل الناس عن الفكرة الباطلة بالفكرة الصحيحة .
ألفت النظر إلى الأخطاء من طرف خفي، وإن كنت مخطئًا فسلِّم بخطئك، فلا تواجه من معك بأخطائه باللوم والتعنيف، فإنَّ ذلك يضر ولا يجدي، والداعية لا يستنكف عن مجاهدة نفسه فيما يحب ويكره، فإن كنت مخطئًا فقل: "إني أرى هذا الرأي فقد أكون مخطئًا" أو أرجو منك أن تصحح خطئي إن كنت مخطئًا، فكثيرًا ما أخطئ، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:"رحم الله امرءًا أهدى إليَّ عيوبي" وإياك والنصح في مكان عام بين الناس، ولكن اجعل نصيحتك سرًا، فإنها أبلغ في التأثير.
تكلم بالرفق واللين، ودع الغضب والعنف، فإنما بُعثنا ميسّرين لا مُعسّرين، فالداعية الموفق لا يطلق لنفسه العنان، فيثور لأتفه الأمور وأدقها. وتدبّر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:[ إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ]رواه مسلم . وفي قوله:[ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ]رواه البخاري ومسلم وأحمد .
لا تهمل اللفتات البسيطة: ككلمة "طَيّب" و"جميل" و"يا أخي" .. إلخ. ولا تنس أن تضع في جيبك مفكرة لملاحظاتك، ولكتابة أسماء من تتعرف عليهم لأول مرة؛ لئلا تنساها.
اجعل العمل الذي تريد أن ينجز سهلاً، والغلطة التي تريد تصحيحها ميسورة، وحبب إلى من معك العمل الذي تقترحه عليه: وامتدح أقل الإجابة، وكن مخلصًا في تقديرك .. [نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ]رواه البخاري ومسلم وابن ماجه والدارمي وأحمد.
وأشعره بأن وعد الله حق، وسيتم وعده لا محالة- وإن طال الجهاد- وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمعاذ بن جبل عندما سأله عن أمر عظيم: [لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ] رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد . وقال تعالى:}فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10){ [سورة الليل] .
أخي الداعية، قد يكون البرنامج التربوي في نظرك ضربًا من المحال، ولكن ثق بنفسك، واستعن بالله، فإنما هو يسير على من يسّره الله عليه، فإن التربية التكاملية التي أهّلت بها تلميذك ستجعله إذا دعا فيما بعد، وشارك في العملية التجميعية بهذه الصياغة المتينة سينقلب من نصر إلى نصر بإذن الله، ومن توفيق إلى توفيق، ومن نجاح إلى نجاح. رابط الجأش لا يذهب بصبره نكوص الناكصين ممن يدعوهم، سالم العقيدة لا يحار ولا يعدم جوابًا أمام من خدعه المتطرفون، آسرًا للمقابل بظرفه، ودماثته، وفتوته، وحلمه، وجميل خلقه ومعاملته، فهو الداعية الموفق الذي إذا عزم تقدم، وإذا بشر نجح، وإذا استجيب له ربّى، وإذا ربّي عصم، يغدو في الدعوة، ويروح إلى الدعوة. }وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ(24){ [سورة السجدة] .
فلعل القارئ فهم مقصدنا، فيشمر عن سواعد الجد، ويجتهد في الطاعة، وليكن داعية مؤثرًا، أو مدعوًا مستجيبًا، وفي كلٍ خير، والله أسأل أن يعم النفع، وأن نعرف الأعداء، وأن نقضي على الداء وأن يكون عملنا حسن الابتداء، حسن الانتهاء، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
كذلك يشعر الدعاة ـ حين يكون فهمهم ربانيًا ـ أنهم موصولون وأنهم سائرون على قدم الرهط الكريم من الأنبياء والرسل ـ عليهم صلوات الله وسلامه ـ فتمتلئ أرواحهم بالأنس، ونفوسهم بالبهجة، ويستهينون بالصعاب حين يرون في الأفق البعيد موكب السادة العظماء عليهم الصلاة والسلام.
إذاً:إذا أردنا معرفة المنهج فإننا لا نستطيع معرفته إلا من خلال الأسلوب النبوي في تربية ذلك الجيل السامق الفريد، وأسلوب الصحابة والتابعين بإحسان، ومن التجارب، فالحكمة ضالة المؤمن يأخذها من أي وعاء خرجت، أما كيفية الاستقاء فالمرجع فيها هو القرآن، والسيرة الكريمة في مكة والمدينة، والسنة عمومًا. فتؤخذ النصوص بجملتها وتكون أساسًا لمنهج تربوي تفصيلي، دون طمس لأي جانب، ودون إبراز لجانب على حساب جانب، فلا نريد أن نعلي من شأن الجانب الروحي على حساب الجانب الفكري، والعملي، والحركي الجهادي، ولا هذا على ذاك بل خطوط متوازية متكاملة تكوّن تلك الشخصية المتكاملة.
أوليات التربية التكاملية :
وحين تدفع بأخيك الراغب الراهب إلى العمل التجميعي، فاحرص أن تصوغه الصياغة التي تراعي التكامل والانسجام وتوفير جميع الصفات التي يحتاجها الداعية:
وفّر له قسطًا إيمانيًا كافيًا، ووعيًا عقائديًا يستقيم به على دروب السلف وعقيدة من يحرص على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجماعة الآخذين بها من الأوائل، ويعصمه من محدثات الأمور، ويخلصه من الشبهات . ويكون هذا بإفهامه وتركيز كليات العقيدة الإسلامية، بتعريفه بخالقه، وقدرته، ورحمته، وفضله، ونعمه، وجميع صفاته العليا وأسمائه الحسنى، وبتعريفه بالرسل، وفضل من خط طريقه ورائهم، واهتدى بهديهم، ودعا بدعوتهم. وببيان مشتملات اليوم الآخر، وعلامات الساعة الكبرى، والجنة والنار، والملائكة والجن .. الخ (فصفاء العبادات لا ينال إلا بصفاء التوحيد).
وفّر له علمًا شرعيًا أوليًا يعصمه من المزالق والأخطاء .. ووعيًا فقهيًا مبدئيًا يحمله على تتبع النص الصحيح أنَّى وجده، من غير سلاطة لسان على المقلدين ولا خشونة .. ولا تحاول التفرع في المسائل الفقهية، أو تلجأ إلى المصطلحات الغامضة، ولا تلجأ إلى الأمور الخلافية ولكن بيّن له أن دين الله أوسع وأيسر من أن يتحكم فيه عقل فرد، أو جماعة، وإنما مرد كل شيء إلى الله ورسوله وجماعة المسلمين.
حَبّب إليه الاتصال الوثيق بالله تعالى، والحرص على العبادة وشحن "بطارية القلب" بالذكر والدعاء والاستغفار والخلوة في الأسحار .. والصيام، حتى يفتح له باب حلاوة العبادة، بحيث لايكاد يشبع منها، ويجد فيها من اللذة أضعاف ما كان يجده في اللهو ونيل الشهوات، ولتكن الصلاة قرّة عين له، وراحة بعد عناء وجهد.
الاهتمام بجانبي فقه فنون الدعوة، وقضايا العمل الإسلامي، والأمور العاصمة من الفتن. ودراسة الناس وكيفية تخيّر العناصر الصالحة .. والاتصال المباشر بهم، والتدرج ومراعاة الحكمة في الدعوة والتربية لهم، والنشاط الدائم والعمل الدائب، وإلا فإن الصياغة الجزئية المضطربة الناقصة توقعه في الأخطاء.. أخطاء في اختياره للعناصر، وأخطاء في تبليغ معاني الدعوة حسب أهميتها، وأخطاء في معاملته اليومية لهم، فإن لم تسارع أنت إلى صياغته، فإنه سيصوغ نفسه باجتهاده، فاحترس من الشطط الذي سيؤدي إليه به اجتهاده، إلا من رحم ربك.
وفّـر لديه الوعي الذي يبعده عن الكمين الذي ينصبه له العدو، ويبصر به لوائح الخطر وإشاراته من بعد، ودله على أماكن الفرص وأوقاتها ليستغلها. أنبئه بما حل بالأمة الإسلامية من ضعف في العقيدة، والعاطفة، والأخلاق، والاجتماع، والإرادة والعزم، وما جلبته المدنية الغربية المادية الماجنة من فساد وانحلال، وبيّن له أثر التعليم العصري اللاديني الفاسد. وخفوت صوت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، زد على ذلك كله نشاط دعاة الفساد والهدم، والخلاعة والمجون، والإلحاد والزندقة، وتزعم الصحف والمجلات واسعة الانتشار قوية التأثير للدعوات المفسدة، والحركات الهدامة، والاستخفاف بالدين وقيمه، والفساد الشامل الذي حل بأجهزة الإعلام.
حبب إليه مجالس الأتقياء؛ ليدوم حبه لهم ويتعظ بمظهرهم وسمتهم، فيعيش معهم في حسّه وشعوره وكينونته وجسمه، فالتربية هي التأثر بكل شيء مسموع أو منظور. وسترى نفوره من مجالس الذين يخوضون في آيات الله ورسله، ويعرض عنهم.
أساليب حكيمة في التربية :
التجاوب الروحي والمشاركة العاطفية بين الداعية والتلميذ؛ أثر بالغ وعميق في نفس المدعو، فبهذا تجده يحبك حبًا جمًا رغم ما قد تكلفه به من أعمال، وستكون بعد هذا التجاوب الروحي أخاه المحبب إلى نفسه، وستترك في نفسه أجمل الآثار .
ما أحوجك أخي الداعية إلى قوة التأثير في نفوس الناس: فأظهر اهتمامًا بالمدعو حينما تقابله أول مرة؛ تكن موضع ترحيبه وحبه لك، فأعرب له عن تقديرك له، وأبرز محاسنه، وغض الطرف عن هفواته التي قد تبدو لأول مرة، ولا تحكم عليه من الآن دون معرفته حق المعرفة، وكلما كثر تقديرك للناس قدروك. وتعرف على ما يحبه، وتكلم فيه معه، واسأله عن عمله ودراسته، وكيف كانت نتيجته وما إلى ذلك .
تبسمك في وجه أخيك صدقة: فاحرص على البشاشة والبساطة والاعتدال عند مقابلة المدعو، فالتبسم يترك أثرًا طيبًا فيمن تقابله لأول مرة مهما طال عنك غيابه .. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أطلق الناس وجهًا، وأحسنهم بشرًا. فلابد أن يشمل القلوب ويغلفها ذلك الحب الشفيف الذي يطلق البسمة من القلب، فينشرح لها الصدر وتنفرج منها القسمات.
احرص على حفظ اسم المدعو وسمّه بأسماء جميلة تحبها النفس: فهو من المفاتيح الهامة لقلبه، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينادي أصحابه بأسمائهم ويكنيهم.
لتكن محدثًا لبقًا تؤثر في نفوس السامعين: واجنح إلى النقاش العلمي الهادئ، وتكلم بإيجاز، ولا تحاول تكرار ما قلته إلا في الأمور التي تحتاج إلى تكرار، واترك الجدل في الجزئيات، وقرر رأيك بما ترى من الأدلة، وقيل أن تتكلم احرص أخي الداعية على التفكير والأناة فيما تقول، وزن الأقوال وزنًا دقيقًا، وراع الصراحة التامة في إبداء الرأي. وإياك أن تتعرض لتجريح، أو تعريض بأشخاص، أو هيئات، ولا تتناول عيوب المدعو التي هو عاكف عليها باللوم والتعنيف، ولكن الفت النظر إلى الأخطاء من طرف خفي.
وتحرَّ الأسلوب الجميل بالقصص والأمثال والحكايات القصيرة جدًا، وتحايل دائمًا لجذب نفس المدعو باعثًا فيه الرغبة والشوق إلى ما تقول، ولا تطل حتى لا يمل، مع الحرص التام على أن توفي في هذا الوقت معنى خاصًا تقصده، وأن تتركه وافيًا واضحًا في نفس المدعو، واستشهد بالآيات، والأحاديث، وتخيرها تخيرًا مناسبًا، واقرأ الآيات قراءة خاشعة، واستشهد بالمقصود، واشرحه، ولا تجعل النقاش يتجاوز الإدلاء بالحجة، والتعرف على الحق.
ليحبك المدعو اسبغ عليه تقديرك المخلص والصادق له: فاسلك معه مسلك الصداقة والتوقير، والإجلال والاحترام، واحرص على الكلمة الطيبة؛ لتظفر منه بمثلها. ولا تقف في طريق رغباته وآرائه وتدحضها مباشرة وتخطئها، ولكن احرص على الثناء والتقدير لآرائه، واجعله يشعر بأهميته.
والرفق يقود إلى التدرج معه، وتحمل أخطائه وعيوبه، فالمربي الناجح لا يكثر من الأوامر ومظهر الصرامة فليس في الدعوة ميدان إظهار أستاذية، بل أخوة وعطف ولطف وحنان، وإن النفوس حساسة فاحذر، ولا تضجر من بطء السير، ولا تيأس من إصلاح ذوي العيوب بل افتح لتلميذك القلب الواسع وأطل له الصبر، وتدرج في التهذيب، فإن المربي الذي ينفد صبره بسرعة ولا يصمد أمام تسويف التلميذ؛ لا يسمى مربيًا.
إن الرجل ذا التقوى والصلاح يترك أثرًا طيبًا في كل مكان ينزل به: ونحن نأمل أن تكون كذلك.
إن الله جميل يحب الجمال: فليكن مظهرك ولباسك حسنًا أمام الناس، ورائحتك طيبة، فقد يترك شكلك أثرًا طيبًا، فقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام من أطيب الناس رائحة، مرجلاً شعره، لابسًا أجمل الثياب، فاحرص على ذلك أخي الداعية.
انتهز الفرص: فاستغلال الحوادث التي تمر علينا، مهمة كبيرة من مهام التربية، ينطبع أثرها في نفس التلميذ، فلا يزول أثرها بسهولة. فالمربي الفطن لا يترك الأحداث تذهب سدى بغير عبرة وبغير توجيه، وإنما يستغلها لتربية النفوس وصقلها وتهذيبها. واعلم أن القرآن كان ينزل مع الأحداث، فيؤثر في النفوس أبلغ التأثير.
إنما هو ترغيب وترهيب: ومن تمام مهارة المربي في إسباغ رفقه على تلاميذه أن يمهر في ترغيبهم وترهيبهم، فقد أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مخاطبة الناس بذلك. وكيفية ذلك في أن تقلد القرآن في صورة عرضه، فيعرض صورًا نموذجية عالية من أفعال الخير الإيمانية، كي يعيش التلميذ نفسه بها دائمًا، يفتضح ما بدا منه من التقصير، فترهبه منزلته المتدنية، فيشمّر للارتقاء، ويعرض المربي صورًا من الإفراط في السوء والشر والغفلة وتحكيم الهوى، وتفضيل حظوظ النفس؛ ليشعر التلميذ بنفسه أنه على بقية من خير، فيحمد الله بأنه أنجاه من التردي والنكوص؛ فتأخذه عزة إيمانية ترغبه برحمة الله، وبهذا التردد بين الرغبة والرهبة تدوم استقامته.
لا تجادل فـ :[مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ]رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني . فالمربي الحكيم لا يسمح لمن معه بالإكثار من الجدل في الخلافيات والمشتبهات من الأمور، ولا يردد كلام الملاحدة والمبشرين والزنادقة أمام من هم في أول الطريق، ويتحدث أمامهم بالمعاني المؤثرة العملية التي توجههم إلى طاعة الله، فقد تعلق في نفس أحدهم الشبهة، ولا يفهم الرد؛ فيتشوش اعتقاده بلا سبب وتكون أنت السبب في ذلك. فليكون الغرض دائمًا معرفة الحق لا الانتصار للرأي وليحتفظ كل برأيه في حال الاختلاف، ولتكن معاني الحب والأخوة سائدة والتسامح واحترام الآراء إيثارًا للحسنى، وسدًا للذريعة فإن المراء لا يأتي بخير قط .. واعلم أن الله سيسألك عن أوقات هؤلاء الذين اجتمعت بهم هل أفدتهم فيها؟! فيكون لهم الثواب ولك مثله، أم انصرفت هباء فيؤاخذون وتؤاخذ أنت، واعلم قول عمر بن الخطاب(ما جادلت قومًا إلا وددت أن يكون الحق معهم).
دع من معك يتولى دفة الحديث وكن مستمعًا طيبًا: ودعه يحسب أن الفكرة فكرته هو فأنصت بإصغاء، واستمع في شوق ولا تصرف بصرك، وأكثر من عبارات النصح، والتشجيع، والثناء، والإعجاب، فإن هذا يدفع إلى نقص من الخطأ، ومزيد من الصواب، وأعرض عن هفواته غير المقصودة .
حبب إليه القراءة: فحسن الابتداء يؤدي إلى توفيق ونجاح فيما بعد.
أشغل الناس عن الفكرة الباطلة بالفكرة الصحيحة .
ألفت النظر إلى الأخطاء من طرف خفي، وإن كنت مخطئًا فسلِّم بخطئك، فلا تواجه من معك بأخطائه باللوم والتعنيف، فإنَّ ذلك يضر ولا يجدي، والداعية لا يستنكف عن مجاهدة نفسه فيما يحب ويكره، فإن كنت مخطئًا فقل: "إني أرى هذا الرأي فقد أكون مخطئًا" أو أرجو منك أن تصحح خطئي إن كنت مخطئًا، فكثيرًا ما أخطئ، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:"رحم الله امرءًا أهدى إليَّ عيوبي" وإياك والنصح في مكان عام بين الناس، ولكن اجعل نصيحتك سرًا، فإنها أبلغ في التأثير.
تكلم بالرفق واللين، ودع الغضب والعنف، فإنما بُعثنا ميسّرين لا مُعسّرين، فالداعية الموفق لا يطلق لنفسه العنان، فيثور لأتفه الأمور وأدقها. وتدبّر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:[ إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ]رواه مسلم . وفي قوله:[ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ]رواه البخاري ومسلم وأحمد .
لا تهمل اللفتات البسيطة: ككلمة "طَيّب" و"جميل" و"يا أخي" .. إلخ. ولا تنس أن تضع في جيبك مفكرة لملاحظاتك، ولكتابة أسماء من تتعرف عليهم لأول مرة؛ لئلا تنساها.
اجعل العمل الذي تريد أن ينجز سهلاً، والغلطة التي تريد تصحيحها ميسورة، وحبب إلى من معك العمل الذي تقترحه عليه: وامتدح أقل الإجابة، وكن مخلصًا في تقديرك .. [نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ]رواه البخاري ومسلم وابن ماجه والدارمي وأحمد.
وأشعره بأن وعد الله حق، وسيتم وعده لا محالة- وإن طال الجهاد- وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمعاذ بن جبل عندما سأله عن أمر عظيم: [لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ] رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد . وقال تعالى:}فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10){ [سورة الليل] .
أخي الداعية، قد يكون البرنامج التربوي في نظرك ضربًا من المحال، ولكن ثق بنفسك، واستعن بالله، فإنما هو يسير على من يسّره الله عليه، فإن التربية التكاملية التي أهّلت بها تلميذك ستجعله إذا دعا فيما بعد، وشارك في العملية التجميعية بهذه الصياغة المتينة سينقلب من نصر إلى نصر بإذن الله، ومن توفيق إلى توفيق، ومن نجاح إلى نجاح. رابط الجأش لا يذهب بصبره نكوص الناكصين ممن يدعوهم، سالم العقيدة لا يحار ولا يعدم جوابًا أمام من خدعه المتطرفون، آسرًا للمقابل بظرفه، ودماثته، وفتوته، وحلمه، وجميل خلقه ومعاملته، فهو الداعية الموفق الذي إذا عزم تقدم، وإذا بشر نجح، وإذا استجيب له ربّى، وإذا ربّي عصم، يغدو في الدعوة، ويروح إلى الدعوة. }وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ(24){ [سورة السجدة] .
فلعل القارئ فهم مقصدنا، فيشمر عن سواعد الجد، ويجتهد في الطاعة، وليكن داعية مؤثرًا، أو مدعوًا مستجيبًا، وفي كلٍ خير، والله أسأل أن يعم النفع، وأن نعرف الأعداء، وأن نقضي على الداء وأن يكون عملنا حسن الابتداء، حسن الانتهاء، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
تعليق