عوامل الانحراف عند الشباب
(الشبكة الإسلامية)تحرير: أحمد الشاهد
لا يخفى على أحد أن شريحة الشباب تمثل العمود الفقري لأي تقدم وتطور في حياة الشعوب والأمم ، وذلك لأن مرحلة الشباب تعد أزهى وأقوى مراحل العمر في حياة الإنسان ، كما أنها فترة التألق والظهور في مسرح الحياة ، وهي كذلك فترة العمل والعطاء ، فترة الحيوية والنشاط ، فترة القوة والصحة ، فترة الإنتاج والإبداع ، فترة السعي والكدح والحركة.
وبصلاح الشباب يكون صلاح الأمة ، والمجتمع معـًا ، وإذا فسد الشباب وانحرف كان لذلك أثره الخطير على تقدم الأمة وازدهارها ، وفي ظل الواقع الذي نعيشه اليوم هناك معوقات تنال من سيرة الشباب وتقدمهم ، وهذه المعوقات ما هي إلا عوامل الانحراف عند الشباب ، وسوف نتحدث عن هذه العوامل التي تسببت ، ومازالت تسبب الانحراف عند الشباب .
ولن نذكر العوامل كلها ، ولكننا سنكتفي بأعظمها خطرًا وأكثرها تفشيـًا وانتشارًا .
1- الفراغ وأثره في انحراف الشباب :
إن العمر الذي يملكه الإنسان نعمة كبرى يحمد الله عليها ، والحياة أمامه فرصة للنجاح ، ولذلك امتن الله بالشروق والغروب على عباده ، فقال تعالى : (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (غافر:61) .
وأقسم سبحانه بالزمن في آيات كثيرة من القرآن ، فعُلم من ذلك أن حياة الإنسان أنفاس تتردد وتتعدد ، وأمال تضيع إن لم تتجدد ، ودقات قلب المرء في صدره تشعره في كل لحظة بأن الحياة دقائق وثوان تمر به متوالية متتابعة ، ولذلك قيل : المؤمن وليد وقته ؛ لأنه يسير في حياته على خطى ونظام ، ويستغل من خلالها كل مقدار من وقته دون تسويف أو إبطاء ، ودون تخبط أو اضطراب، يلوح له في الأفق طيف حكيم يقول له : الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ، بل الوقت هو الحياة .
والمسلم الحق يغالي بالوقت مغالاة شديدة ؛ لأن الوقت عمره ، فإذا سمح بضياعه وترك العوادي تنهبه فهو ينتحر بهذا المسلك الطائش . يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) (أخرجه البخاري) ؛ لأن الناس إذا توافرت لهم الصحة وامتد أمامهم حبل الفراغ ولم يحسنوا استخدام ذلك في العمل المبرور والسعي المشكور ، فقد باؤوا بالفشل الذريع والخسران المبين . ويقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أيضـًا : (اغتنم خمسـًا قبل خمس …فراغك قبل شغلك … ) (رواه الحاكم) .
ويقول الشاعر :
إن الشباب والفراغ والجدة....... مفسدة للمرء أي مفسدة
إن الشباب حياة والحياة شباب ، والشباب للذكور والإناث واحة فريدة في صحراء الحياة ، وهو الربيع في سنة العمر ، ليس المقصود الشباب الغض الناعم الذي ترق له الحياة فتسحره بالنظرات المغرية ، إنما المقصود هو الشباب الحي العامل الذي وضع له غاية في العيش أبعد من مجرد العيش ، فهو في جهاد مع وقته ونفسه ، والهوى والشيطان ، فإذا مات قلبه وأضاع وقته وجهده فهو شيخ ولو كان في العشرين من عمره .
والشباب مرحلة من أخطر المراحل في حياة الإنسان ؛ لأنها مرحلة قوة بين ضعفين ، ضعف الطفولة ، وضعف الشيخوخة ، وعليه فإن بقاء الشباب والفتيان والفتيات من الإجازات العامة دون استغلال ولا أشغال ينشئ مشاكل متوالية على الأسرة والمجتمع .
إن إحساس الفتى أو الفتاة بالفراغ مع كمال الصحة أمر طبيعي معقول ، ولكن الذي لا يكون أبدًا طبيعيـًا ولا معقولاً ، أن يحس الشاب أو الشابة بهذا كله، ثم يضطرون إلى أن يملؤوا فراغهم باللهو والزلات والغفلات .
الفراغ إن لم يغتنمه الشاب تحول إلى نقمة ، ويصبح شبحـًا مخيفـًا يحول الشاب إلى ألعوبة بيد شياطين الجن والإنس ، وإن من أكبر أسباب الجرائم في البلاد المتقدمة والغنية هو الفراغ ، والفراغ مدعاة للأفكار الحالمة والهواجس الشيطانية ، وهذا ما يقرره علماء النفس والتربية : أن الشباب إذا اختلى بنفسه أوقات فراغه وردت عليه الأفكار الحالمة والهواجس السارحة والأهواء الآثمة والتخيلات الجنسية المثيرة ، فلا يجد نفسه الأمارة إلا وقد تحركت وهاجت أمام هذه الموجة من التخيلات والأهواء والهواجس ، وربما وقع فيما هو محظور .
يقول عبد الله بن مسعود ، صاحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إني لأمقت الرجل أن أراه فارغـًا ، ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة " .
والفراغ يولد إحباطات نفسية عند الشاب ، يجد نفسه قويـًا قادرًا على فعل أشياء كثيرة ، ولكنه لا يجد ما يفعله ، لا يجد ما يفرغ طاقته فيه من عمل فلذلك يلجأ إلى العبث .
إن مستقبل المسلمين وسير حياتهم يجب أن يُصنع على أرضهم وفي بلادهم بكدحهم وأخلاقهم بشغل أوقاتهم في كل ما من شأنه خدمة الإسلام والمسلمين .
2- الصحبة السيئة :
يقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أأن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحـًا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد ريحـًا خبيثة) . فمن حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتضح لنا أن الناس صنفان : صنف صالح وصنف فاسد ، والإنسان في هذه الحياة لا يستغني عن غيره ، فهو يحتاج إلى غيره من أبناء المجتمع ، كي يعينه ويواسيه في أحزانه ويشاركه في أفراحه ، ولذا يجب أن نتأنى وندقق في اختيار الرفيق لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل) .
وقرين السوء يعد سببـًا من أسباب الانحراف ، فهو شخص ابتعد عن المنهج الإسلامي في الحياة الذي جاء في كتاب الله وسنة نبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلا يستقر لهذا الفرد بال إلا ويتعدى حدود الله ويرتكب المعاصي ، فهو بارتكابه المعاصي قد ظلم نفسه وساقها إلى الطريق المظلم طريق الهاوية والنار ، طريق الذلة والعار ، وبالتالي فهو ينفث سمومه في كل مكان ، فيكون سببـًا في انحراف الشباب الذين يغرهم بمظهره ويسبيهم بكلماته ، فإذا وقعوا في شركه أغرقهم بالمعاصي والمنكرات ، فيقضي على أخلاقهم وصفاتهم الطيبة ، ويدمر عقيدتهم السليمة ، فكم من صديق جر الويلات على صديقه .
فإذا صلحت الرفقة صلح الإنسان، وإذا حدث العكس فسد الإنسان ، فالرفيق والصاحب يؤثر على عقيدة الإنسان وقناعاته الفكرية ، وهذا من أعمق المؤثرات التي يهملها كثير من المربين كالأباء والأمهات .
وأبرز أنواع الانحراف التي يتسبب فيها رفقاء السوء هو إدمان المخدرات، بالإضافة إلى العادات السيئة الأخرى ، واعتراف الكثير من المؤمنين يكون رفيق السوء هو الذي قاده إلى الانحراف في كثير من الأحيان ، ويكون تأثير شيطان الإنس أشد وأنكى من تأثير شيطان الجن ، وما أكثر من يزينون المعصية ويصورونها على أنها نوع من الرجولة والبطولة حتى يقع الشاب في منزلق الرذائل ولا يجد من يأخذ بيده ، وربما قاده ذلك إلى الهلاك .
3- التفكك الأسري :
الأسرة هي التربة التي ينبت فيها الشاب ويترعرع في كنفها، ولتأثيرها وضوح في صقل شخصية الشاب واكتمال شخصيته ، وتمثل الأسرة المجتمع الصغير بالنسبة للأبناء ، ومن خلالها ينطلقون إلى المجتمع الكبير حاملين معهم ما اكتسبوه من المجتمع الأول ، والأسرة تلعب الدور الرئيسي في تنشئة الأبناء ورعايتهم وحمايتهم من مخاطر الانحراف ، كما تعمل الأسرة أيضـًا على تدريبهم وتنمية العلاقات الاجتماعية لديهم ونقل القيم الروحية والدينية والأخلاقية إليهم .
فعندما تعاني الأسرة من التصدع وما يترتب عليه من صراعات وانفصال داخل الأسرة ، فإن انحراف الأبناء هو أول نتائج هذا التفكك ، فالطفل في مرحلة الطفولة يكون خاضعـًا لتأثير الأسرة ، وهو إلى ذلك سهل التأثر وشديد الحساسية، وشديد القابلية للاستهواء ، عنيف الانفعال ، قليل الخبرة ، ضعيف الإرادة ، والوالدان يعتبران القدوة الفعالة في نفس الابن ، فكما يعودانه يعتاد ، وكما يعلمانه يتعلم ، إن كانا صالحين نشأ صالحـًا ، وإن كانا فاسدين نشأ فاسدًا.
والتفكك الأسري من الأسباب التي تدفع إلى انحراف الشاب ، فإذا وجد الشاب والفتاة أن الأبوين دائمي الخلافات ، فالأم في ناحية والأب في ناحية أخرى، أو أن الأب لا يأبه للبيت ولتربية أولاده ، فكل هذه الأمور تتسبب في القلق النفسي عند الطفل ، ويشب على هذا القلق ، ثم يتجه إلى الانحراف من شرب للخمور ، أو المخدرات لينسى مجتمعه الصغير " الأسرة " ويحيا مجتمعـًا آخر لعله يجد ما لم يجده في أسرته وهذا يخلق شبابـًا منحرفـًا ، وبالتالي مجتمعـًا منحرفـًا .
4- وسائل الإعلام وتأثيرها على الشباب :
يذكر الاستشاري النفسي " مروان المطوع " أن الإعلام قد يكون أداة للتنشئة الإيجابية للطفل ، وحماية له من أية انحرافات سلوكية أو قيمية ، إلا إنه قد يكون ذا تأثير سلبي خطير على الأطفال والشباب ، والإعلام عندما يتضمن أسسـًا علمية ومنهجية ذات مضمون ديني ونفسي وتربوي واجتماعي ، فإنه يساهم في تنمية معلومات الطفل وخبراته الحياتية في عدة مجالات ، ولكن هذا لا يحدث ، فالتليفزيون الذي يعد أقوى وسائل الإعلام تأثيرًا يشجع على السلبية لدى الطفل ؛ حيث يقدم له الأفكار الجاهزة فيشعر الطفل بالكسل لأنه لا يفكر ، ويؤدي التليفزيون إلى فقدان الدافع إلى العمل والحركة ، ويعمل على تنمية السلوك الفردي، ويشجع على الانسحاب من عالم الواقع ، والإدمان على مشاهدته .
والإعلام كما ذكرنا بشكل عام سلاح ذو حدين ، ومن الممكن أن يكون نافعـًا للشباب، ولكن عندما نتأمل المادة التي يعرضها التليفزيون ـ مثلاً ـ كالأفلام الكرتون ، والأفلام البوليسية ، والرعب ، والإثارة ، والعنف ، والمخدرات ، والدعارة ، فهل يمكن لمثل هذه البرامج والأفلام أن تنشئ شبابـًا يتمتع بقدرات عقلية وخبرات اجتماعية تعينه على التفاعل الصحيح مع المجتمع والقيام بالدور المناسب في بناء الأمة ؟ بالطبع الإدمان على مشاهدة تلك المواد المسمومة تخلق شبابـًا منحرفـًا مغيبـًا عن مجتمعه وأمته ، وبدلاً من أن يكون الشاب أداة بناء يصبح معول هدم.
وبالطبع فإن الإعلام لا يقتصر على التلفاز لكن باعتباره الوسيلة المرئية يكون له أثر أكبر ، هناك أيضـًا بعض المجلات والكتب التي تعمل على نشر أفكار هدامة لا تمت إلى ديننا أو قيمنا بصلة ، وكل ذلك يؤثر في شخصية الشاب ؛ لأن توجه الشاب وميوله تتأثر بالمصادر التي يتلقها منها ثقافته ومعارفه .
والإعلام المسموع أيضـًا والممثل في المحطات الإذاعية وأشرطة الكاسيت له دور هام في التأثير على الأطفال والشباب ، وعند الحديث عن الإعلام المسموع حدث ولا حرج ، خاصة عند الحديث عن أشرطة الكاسيت والأغنيات التي تبثها المحطات الإذاعية .
وكل هذه الأمور مجتمعة أو منفصلة تؤدي وبلا شك إلى انحراف الشباب وخروجهم عن المسار الذي ينشده المجتمع والمربون ، وهناك الكثير من العوامل الأخرى ، ولكننا آثرنا ذكر أبرزها لما تحتاجه هذه القضية من شرح وتفصيل .
عن الشبكة الإسلامية http://islamweb.net/pls/iweb/misc1.A...3170&thelang=A
(الشبكة الإسلامية)تحرير: أحمد الشاهد
لا يخفى على أحد أن شريحة الشباب تمثل العمود الفقري لأي تقدم وتطور في حياة الشعوب والأمم ، وذلك لأن مرحلة الشباب تعد أزهى وأقوى مراحل العمر في حياة الإنسان ، كما أنها فترة التألق والظهور في مسرح الحياة ، وهي كذلك فترة العمل والعطاء ، فترة الحيوية والنشاط ، فترة القوة والصحة ، فترة الإنتاج والإبداع ، فترة السعي والكدح والحركة.
وبصلاح الشباب يكون صلاح الأمة ، والمجتمع معـًا ، وإذا فسد الشباب وانحرف كان لذلك أثره الخطير على تقدم الأمة وازدهارها ، وفي ظل الواقع الذي نعيشه اليوم هناك معوقات تنال من سيرة الشباب وتقدمهم ، وهذه المعوقات ما هي إلا عوامل الانحراف عند الشباب ، وسوف نتحدث عن هذه العوامل التي تسببت ، ومازالت تسبب الانحراف عند الشباب .
ولن نذكر العوامل كلها ، ولكننا سنكتفي بأعظمها خطرًا وأكثرها تفشيـًا وانتشارًا .
1- الفراغ وأثره في انحراف الشباب :
إن العمر الذي يملكه الإنسان نعمة كبرى يحمد الله عليها ، والحياة أمامه فرصة للنجاح ، ولذلك امتن الله بالشروق والغروب على عباده ، فقال تعالى : (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (غافر:61) .
وأقسم سبحانه بالزمن في آيات كثيرة من القرآن ، فعُلم من ذلك أن حياة الإنسان أنفاس تتردد وتتعدد ، وأمال تضيع إن لم تتجدد ، ودقات قلب المرء في صدره تشعره في كل لحظة بأن الحياة دقائق وثوان تمر به متوالية متتابعة ، ولذلك قيل : المؤمن وليد وقته ؛ لأنه يسير في حياته على خطى ونظام ، ويستغل من خلالها كل مقدار من وقته دون تسويف أو إبطاء ، ودون تخبط أو اضطراب، يلوح له في الأفق طيف حكيم يقول له : الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ، بل الوقت هو الحياة .
والمسلم الحق يغالي بالوقت مغالاة شديدة ؛ لأن الوقت عمره ، فإذا سمح بضياعه وترك العوادي تنهبه فهو ينتحر بهذا المسلك الطائش . يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) (أخرجه البخاري) ؛ لأن الناس إذا توافرت لهم الصحة وامتد أمامهم حبل الفراغ ولم يحسنوا استخدام ذلك في العمل المبرور والسعي المشكور ، فقد باؤوا بالفشل الذريع والخسران المبين . ويقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أيضـًا : (اغتنم خمسـًا قبل خمس …فراغك قبل شغلك … ) (رواه الحاكم) .
ويقول الشاعر :
إن الشباب والفراغ والجدة....... مفسدة للمرء أي مفسدة
إن الشباب حياة والحياة شباب ، والشباب للذكور والإناث واحة فريدة في صحراء الحياة ، وهو الربيع في سنة العمر ، ليس المقصود الشباب الغض الناعم الذي ترق له الحياة فتسحره بالنظرات المغرية ، إنما المقصود هو الشباب الحي العامل الذي وضع له غاية في العيش أبعد من مجرد العيش ، فهو في جهاد مع وقته ونفسه ، والهوى والشيطان ، فإذا مات قلبه وأضاع وقته وجهده فهو شيخ ولو كان في العشرين من عمره .
والشباب مرحلة من أخطر المراحل في حياة الإنسان ؛ لأنها مرحلة قوة بين ضعفين ، ضعف الطفولة ، وضعف الشيخوخة ، وعليه فإن بقاء الشباب والفتيان والفتيات من الإجازات العامة دون استغلال ولا أشغال ينشئ مشاكل متوالية على الأسرة والمجتمع .
إن إحساس الفتى أو الفتاة بالفراغ مع كمال الصحة أمر طبيعي معقول ، ولكن الذي لا يكون أبدًا طبيعيـًا ولا معقولاً ، أن يحس الشاب أو الشابة بهذا كله، ثم يضطرون إلى أن يملؤوا فراغهم باللهو والزلات والغفلات .
الفراغ إن لم يغتنمه الشاب تحول إلى نقمة ، ويصبح شبحـًا مخيفـًا يحول الشاب إلى ألعوبة بيد شياطين الجن والإنس ، وإن من أكبر أسباب الجرائم في البلاد المتقدمة والغنية هو الفراغ ، والفراغ مدعاة للأفكار الحالمة والهواجس الشيطانية ، وهذا ما يقرره علماء النفس والتربية : أن الشباب إذا اختلى بنفسه أوقات فراغه وردت عليه الأفكار الحالمة والهواجس السارحة والأهواء الآثمة والتخيلات الجنسية المثيرة ، فلا يجد نفسه الأمارة إلا وقد تحركت وهاجت أمام هذه الموجة من التخيلات والأهواء والهواجس ، وربما وقع فيما هو محظور .
يقول عبد الله بن مسعود ، صاحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إني لأمقت الرجل أن أراه فارغـًا ، ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة " .
والفراغ يولد إحباطات نفسية عند الشاب ، يجد نفسه قويـًا قادرًا على فعل أشياء كثيرة ، ولكنه لا يجد ما يفعله ، لا يجد ما يفرغ طاقته فيه من عمل فلذلك يلجأ إلى العبث .
إن مستقبل المسلمين وسير حياتهم يجب أن يُصنع على أرضهم وفي بلادهم بكدحهم وأخلاقهم بشغل أوقاتهم في كل ما من شأنه خدمة الإسلام والمسلمين .
2- الصحبة السيئة :
يقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أأن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحـًا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد ريحـًا خبيثة) . فمن حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتضح لنا أن الناس صنفان : صنف صالح وصنف فاسد ، والإنسان في هذه الحياة لا يستغني عن غيره ، فهو يحتاج إلى غيره من أبناء المجتمع ، كي يعينه ويواسيه في أحزانه ويشاركه في أفراحه ، ولذا يجب أن نتأنى وندقق في اختيار الرفيق لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل) .
وقرين السوء يعد سببـًا من أسباب الانحراف ، فهو شخص ابتعد عن المنهج الإسلامي في الحياة الذي جاء في كتاب الله وسنة نبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلا يستقر لهذا الفرد بال إلا ويتعدى حدود الله ويرتكب المعاصي ، فهو بارتكابه المعاصي قد ظلم نفسه وساقها إلى الطريق المظلم طريق الهاوية والنار ، طريق الذلة والعار ، وبالتالي فهو ينفث سمومه في كل مكان ، فيكون سببـًا في انحراف الشباب الذين يغرهم بمظهره ويسبيهم بكلماته ، فإذا وقعوا في شركه أغرقهم بالمعاصي والمنكرات ، فيقضي على أخلاقهم وصفاتهم الطيبة ، ويدمر عقيدتهم السليمة ، فكم من صديق جر الويلات على صديقه .
فإذا صلحت الرفقة صلح الإنسان، وإذا حدث العكس فسد الإنسان ، فالرفيق والصاحب يؤثر على عقيدة الإنسان وقناعاته الفكرية ، وهذا من أعمق المؤثرات التي يهملها كثير من المربين كالأباء والأمهات .
وأبرز أنواع الانحراف التي يتسبب فيها رفقاء السوء هو إدمان المخدرات، بالإضافة إلى العادات السيئة الأخرى ، واعتراف الكثير من المؤمنين يكون رفيق السوء هو الذي قاده إلى الانحراف في كثير من الأحيان ، ويكون تأثير شيطان الإنس أشد وأنكى من تأثير شيطان الجن ، وما أكثر من يزينون المعصية ويصورونها على أنها نوع من الرجولة والبطولة حتى يقع الشاب في منزلق الرذائل ولا يجد من يأخذ بيده ، وربما قاده ذلك إلى الهلاك .
3- التفكك الأسري :
الأسرة هي التربة التي ينبت فيها الشاب ويترعرع في كنفها، ولتأثيرها وضوح في صقل شخصية الشاب واكتمال شخصيته ، وتمثل الأسرة المجتمع الصغير بالنسبة للأبناء ، ومن خلالها ينطلقون إلى المجتمع الكبير حاملين معهم ما اكتسبوه من المجتمع الأول ، والأسرة تلعب الدور الرئيسي في تنشئة الأبناء ورعايتهم وحمايتهم من مخاطر الانحراف ، كما تعمل الأسرة أيضـًا على تدريبهم وتنمية العلاقات الاجتماعية لديهم ونقل القيم الروحية والدينية والأخلاقية إليهم .
فعندما تعاني الأسرة من التصدع وما يترتب عليه من صراعات وانفصال داخل الأسرة ، فإن انحراف الأبناء هو أول نتائج هذا التفكك ، فالطفل في مرحلة الطفولة يكون خاضعـًا لتأثير الأسرة ، وهو إلى ذلك سهل التأثر وشديد الحساسية، وشديد القابلية للاستهواء ، عنيف الانفعال ، قليل الخبرة ، ضعيف الإرادة ، والوالدان يعتبران القدوة الفعالة في نفس الابن ، فكما يعودانه يعتاد ، وكما يعلمانه يتعلم ، إن كانا صالحين نشأ صالحـًا ، وإن كانا فاسدين نشأ فاسدًا.
والتفكك الأسري من الأسباب التي تدفع إلى انحراف الشاب ، فإذا وجد الشاب والفتاة أن الأبوين دائمي الخلافات ، فالأم في ناحية والأب في ناحية أخرى، أو أن الأب لا يأبه للبيت ولتربية أولاده ، فكل هذه الأمور تتسبب في القلق النفسي عند الطفل ، ويشب على هذا القلق ، ثم يتجه إلى الانحراف من شرب للخمور ، أو المخدرات لينسى مجتمعه الصغير " الأسرة " ويحيا مجتمعـًا آخر لعله يجد ما لم يجده في أسرته وهذا يخلق شبابـًا منحرفـًا ، وبالتالي مجتمعـًا منحرفـًا .
4- وسائل الإعلام وتأثيرها على الشباب :
يذكر الاستشاري النفسي " مروان المطوع " أن الإعلام قد يكون أداة للتنشئة الإيجابية للطفل ، وحماية له من أية انحرافات سلوكية أو قيمية ، إلا إنه قد يكون ذا تأثير سلبي خطير على الأطفال والشباب ، والإعلام عندما يتضمن أسسـًا علمية ومنهجية ذات مضمون ديني ونفسي وتربوي واجتماعي ، فإنه يساهم في تنمية معلومات الطفل وخبراته الحياتية في عدة مجالات ، ولكن هذا لا يحدث ، فالتليفزيون الذي يعد أقوى وسائل الإعلام تأثيرًا يشجع على السلبية لدى الطفل ؛ حيث يقدم له الأفكار الجاهزة فيشعر الطفل بالكسل لأنه لا يفكر ، ويؤدي التليفزيون إلى فقدان الدافع إلى العمل والحركة ، ويعمل على تنمية السلوك الفردي، ويشجع على الانسحاب من عالم الواقع ، والإدمان على مشاهدته .
والإعلام كما ذكرنا بشكل عام سلاح ذو حدين ، ومن الممكن أن يكون نافعـًا للشباب، ولكن عندما نتأمل المادة التي يعرضها التليفزيون ـ مثلاً ـ كالأفلام الكرتون ، والأفلام البوليسية ، والرعب ، والإثارة ، والعنف ، والمخدرات ، والدعارة ، فهل يمكن لمثل هذه البرامج والأفلام أن تنشئ شبابـًا يتمتع بقدرات عقلية وخبرات اجتماعية تعينه على التفاعل الصحيح مع المجتمع والقيام بالدور المناسب في بناء الأمة ؟ بالطبع الإدمان على مشاهدة تلك المواد المسمومة تخلق شبابـًا منحرفـًا مغيبـًا عن مجتمعه وأمته ، وبدلاً من أن يكون الشاب أداة بناء يصبح معول هدم.
وبالطبع فإن الإعلام لا يقتصر على التلفاز لكن باعتباره الوسيلة المرئية يكون له أثر أكبر ، هناك أيضـًا بعض المجلات والكتب التي تعمل على نشر أفكار هدامة لا تمت إلى ديننا أو قيمنا بصلة ، وكل ذلك يؤثر في شخصية الشاب ؛ لأن توجه الشاب وميوله تتأثر بالمصادر التي يتلقها منها ثقافته ومعارفه .
والإعلام المسموع أيضـًا والممثل في المحطات الإذاعية وأشرطة الكاسيت له دور هام في التأثير على الأطفال والشباب ، وعند الحديث عن الإعلام المسموع حدث ولا حرج ، خاصة عند الحديث عن أشرطة الكاسيت والأغنيات التي تبثها المحطات الإذاعية .
وكل هذه الأمور مجتمعة أو منفصلة تؤدي وبلا شك إلى انحراف الشباب وخروجهم عن المسار الذي ينشده المجتمع والمربون ، وهناك الكثير من العوامل الأخرى ، ولكننا آثرنا ذكر أبرزها لما تحتاجه هذه القضية من شرح وتفصيل .
عن الشبكة الإسلامية http://islamweb.net/pls/iweb/misc1.A...3170&thelang=A
تعليق