من يوم)) مشاهد القيامه .. للشاعر عبد الرحمن العشماوي ))
وقفت جميع مشاعري تتأمل = وفمي عن النطق المبين معطل
ما كنت في حلم ولا في يقظة = بل كنت بين يديهما أتململ
أرنو إلى الأفق البعيد فماأرى = إلا دخانا تائهـا يتجول
وحشود أسئلة تجر ذيولها = نحوي وباب الذهن عنها مقفل
أحسست أن إرادتي مسلوبة=وشعرت أن مخاوفـي تترهل
وشعرت أني في القيامة واقف = والناس في ساحاتها قد هرولوا
يسعون كالموج العنيف عيونهم = مشدوهـة وعقولهـم لا تعقـل
والكون من حولي ضجيج مرعب = والأرض من حولي امتداد مذهل
قد أخرجت أثقالها وتأهبـت = للحشر وانكسر الرتاج المقفـل
والناس أمثال الفراش تقاطروا = من كل صوب هاهنا وتكتلـوا
كل الجبال تحولت من حولهم = عهنا وكل الشامخـات تزلـزل
وجميع من حولي بما في نفسهم = لاه فلا معـط ولا متفضــل
كل الخلائق في صعيد واحـد = جمعت فسبحـان الذي لايغفـل
وأقيم ميزان العدالـة بينهـم = هـذا بـه يعلـو وذلك يـنزل
وتجمعت كل البهائم بعضهـا = يقتص من بعض وربـك أعـدل
حتى إذا فرغ الحساب وأنصفت = من بعضها نزل القضاء الأمثـل
كوني ترابا يا بهائم .. عندهـا = صاح الطغاة وبالأماني جلجلـوا
يا ليتنا كنـا ترابـا مثلهــا = يا ليتنا عـن أصلنـا نتحـول
هيهات لا تجدي الندامة بعدما = نصب الصراط لكم وقام الفيصل
ومضيت أقرأ في الوجوه حكاية = إجمالهـا عنـد الذكي مفصـل
ورأيت مالا كنت أحلم أن أرى = حولي وقد كشف الستار المسدل
هذا هو النمرود يندب حظـه = والدمع مـن هول المصيبة يهطل
وهناك فرعون المألـه نفسـه = يسعى بغـير بصيرة ويولول
وهناك كسرى تـاه عند إيوانه = مترنـح فـي سـيره متملمـل
وهناك قيصر نفسـه مكسورة = وبقـلبـه ممـا يعانـي مرجـل
وهنا ابو جهل يراجع نفسـه = عينـاه توحـي أنـه يتـوسـل
يارب أرجعنا لنعمـل صالحـا = غير الذي كنـا نقـول ونعمـل
هيهات قد طوي الكتاب ألم يكن = فيكـم نـبي بالهدايـة مرسـل
سبحان ربك هؤلاء جميعهـم = كانـت لهـم دار هنـاك تبجـل
لكنهم كفروا بمن أعطاهــم = ملكـا وعاثوا في البـلاد وقتلـوا
ورموا بشرع الله خلف ظهورهم = عزلوه عن حكم الزمان وعطلـوا
جمع الطغاة هنا وقد هانوا علـى = ربـي وعـد المؤمـن المتبتـل
وقفوا وآلاف الضحايا حولهـم = فاليوم ينظر في الأمور ويبطل
واليوم يسعـد مؤمـن بيقينـه = واليوم يشقى الفاسق المتحلل
واليوم يمتد الصراط فمسـرع = نحو النعيم وزاحف متمهل
ومحمل بالذنب زلـت رجلـه=فهوى ونار جهنم تستقبل
فأجلت طرفي ساعة فرأيت من = أمر القيامة مايروع ويذهل
هذا أب يسعى إلـيه وحيـده = وبمقلته ترقب وتـوسل
أبتاه أرهقني المسـير وحاجـتي = شيء يسير لايمض ويثقل
شيء من الحسنات ينقذني وقـد = خفت موازيني وفيك أؤمل
أنت الذي عودتني فيما مضـى= بذلا ومثلك في المصائب يبذل
وإزور وجه أبيه عنه مـرددا = نفسي أحق بما تقول وأمثـل
ومضى كسيف البال يسأل نفسه = ماذا جرى لأبي .. أهذا يعقل ؟
وبدت له بين الجموع حليلة = كانت تفضله وكـان يفضـل
وغدا يناديها رويدك زوجتي = فأنا الحبيب وليس مثلك يجهل
ريحانتي أنسيت أيام الصبا = أيام كنا من هوانـا ننهـل ؟
أنا من وهبتك في فؤادي منزل = ماكان فيه لغير حبك منزل
شيء من الحسنات ينقذني وقد = خفت موازيني وفيك أؤمـل
قالت له والهـم يشعـل قلبهـا = لهبا وفي أحشائهـا يتغلغـل
عذرا فـأنت رفيق عمري إنمـا = نفسي أحق بما تقول وأمثـل
ومضى كسيف البال حتى لاح في = وسط الزحام خيال من لايبخل
أم رؤوم راح يركـض نحوهـا = جذلا وهل بعد الأمومة موئل ؟
حملته في أحشائهـا وتحملـت = من أجل راحته الذي لايحمـل
أمـاه ياأمـاه مـدي لي يـدا = فلكم بذلت إذا أتيتك أسـأل
شيء من الحسنات ينقذني وقد = خفت موازيني وفيـك أؤمـل
قالت له والدمع يغلب صـبرها = نفسي أحق بما تقـول وأمثـل
ونقلت طرفي لحظة فرأيت مـا = لاتستريح له النفـوس وتقبـل
بشر كأنهم الحوامل قد مشـوا = مشيا ثقيـلا والمصيـبة أثقـل
من هؤلاء ؟ فقال من يدري بهم : = أهل الربا بئس المقام المخجـل
أكلوا الربا جهرا ولم يتورعـوا = عن أكله ومشوا إليه وأرملـوا
ماصدهم عن أكلـه بطلانـه = وكذاك باطل كـل قـوم يبطـل
وأخذت ناحية أفكـر بالـذي = يجري وأرسل ناظـري وأنقـل
ماذا أرى رجل يحيـط برأسـه = طوق وفي رجليه قيـد محجـل
من ذلك الرجل التعيس ؟ فقال لي = من عنده خـبر يقـين ينقـل
هذا الذي خان العهود وعاش في = دنياه يغتصب الحقوق ويأكـل
يسطوا على مال الضعيف وأرضه = واليوم يجـني ماثـراه ويحمـل
الشبر في الدنيـا يقابلـه هنا = سبع من الأرضين بئس المحمـل
ورأيت قومـا يدعسون كأنـهم = نمل وقد ذاقـوا الهوان وجللـوا
من هؤلاء البائسـون أراهـم = هانوا ومن كتب الكرامة أعقلوا
فأجابني : هم كل مختـال لـه = فيما مضى كـبر عليـه يعـول
وذهلت عنهم حين أبصر ناظري = رجل يساق الى الجحيم ويعتــل
ووراءه امرأة يحيـط بجيدهـا = حبل يلف مـن الجحيـم ويفتـل
من ذلك الرجل الشقي وهذه = تجـري علـى أعقابـه وتولـول
هذا أبو لهب وزوجتـه الـتي = كانت تجول على النـبي وتجهـل
وأخذت ناحية فـلاح لناظـري = روض وأزهـار ونـور مقبـل
غرف بطائنهـا الحريـر وتربها = مسك بماء المكرمـات مبلـل
ونساؤهـا حور فوجه مشـرق = كالشمس ساطعة وطرف أكحل
أنهارهـا عسـل وخمـر لـذة = للشاربـين وشربهـا لايثمـل
وبناؤها من فضـة من فوقهـا = ذهب وعند الله ماهو افضـل
أقـل من فيهـا نصيبا حظـه = أضعاف دنيانا وربـك يجـزل
رأيت فيها الساكنين ربوعهـا = نحو الجنان وفي المنازل أنزلـوا
على الأرائك يجلسون حديثهم = مستبشرين بما رأوه وحصلـوا
يتذكرون حوادث الدنيا الـتي = صمدوا لها وعلى الإله توكلـوا
طوبى لكم هذي منازلكم فمـا = خابـت مساعي من يجد ويعمل
أجلت طرفي في الوجوه فـلاح لي = وجه بدا وكأنما هـو مشعـل
وجه الرسول يشع نورا صادقـا = قد جاء في حلل السعادة يغفل
ورأيت أصحاب الرسول وقد مضوا = نحو الجنان وفي المنازل أنزلـوا
ورأيت مؤمن آل فرعون الـذي = نبذوا .. وصفحة وجهه تتهلل
والكوثر الرقراق لاتسـأل فمـا = مثلي يجيب وليس مثلي يُسأل
نهر كأن الـدر يجـري بينـه = أو أنه النور الذي يتسلسـل
سبحـان ربك هاهنا حصل الذي = ماكان لولا فضل ربك يحصل
ورفعت طرفي لحظة فرأيت مـن = لاشيء يشبهـه وليس يمثـل
نور تجلـى للخـلائـق كلهـا = فتواضعـوا لجلالـه وتذللوا
وقعوا سجودا يلهجون بذكـره = والكون بالصمت المهيب مكلل
سجدوا وأما المبطلون فحاولـوا = أن يسجدوا لكنهم لم يفعلـوا
وصحوت من حلمي ونفسي بالذي = شاهدت مؤمنة وعيني تهمـل
وشعرت أن مظاهر الدنيا الـتي = لهوى .. مظاهر نشوة لا تكمـل
وعلمت ان الله يمهـل عبــده = عطفـا عليـه وأنـه لا يهمـل
وهنا وقفت وفي فؤادي دوحـة = تحنـو علي غصونهـا وتظلـل
هي روضة الإيمان يجري نهرها = عذبـا ويشدوا في رباها البلبل
تعليق