أسألكم بالله أن تقرأواها الى النهاية ، لتتمتعوا بأجمل ماقيل من كلام ، ولتعلموا أفضل بشارة في الكون .
...........قصة سيف بن ذي يزن الحميري وبشارته بالنبي الأمي
إنه لما ظهر سيف بن ذي يزن واسمه النعمان بن قيس على الحبشة وذلك بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين أتته وفود العرب وشعراؤها تهنئه وتمدحه ، وتذكر ما كان من حسن بلائه ، وأتاه فيمن أتاه وفود قريش فيهم عبد المطلب بن هاشم ، و أمية بن عبد شمس أبي عبد الله وعبد الله بن جدعان ، وخويلد بن أسد في أناس من وجوه قريش ، فقدموا عليه في صنعاء ، فإذا هو في رأس غمدان ،
فدخل عليه الآذن ، فأخبره بمكانهم فأذن لهم ، فدنا عبد المطلب فاستأذنه في الكلام فقال له : إن كنت ممن يتكلم بين يدي فقد أذنا لك ، فقال عبد المطلب إن الله قد أحلك أيها الملك محلاً رفيعاً صعباً منيعاً شامخاً باذخاً ، وانبتك منبتاً طابت أرومته ، وعذيت جرثومته ، وثبت أصله ، وبسق فرعه في أكرم موطن ، وأطيب معدن فأنت أبيت اللعن ملك العرب وربيعها الذي تخصب به البلاد ، ورأس العرب الذي له تنقاد ، وعمودها الذي عليه العماد ، ومعلقها الذي يلجأ إليه العباد ، وسلفك خير سلف ، وأنت لنا منهم خير خلف . فلن يخمد من هم سلفه ولن يهلك من أنت خلفه ، ونحن أيها الملك أهل حرم الله وسدنة بيته ، أشخصنا إليك الذي أبهجك من كشف الكرب الذي قد فدحنا ، وفد التهنئة لا وفد المرزئة .
قال : وأيهم أنت أيها المتكلم ؟ قال : أنا عبد المطلب بن هاشم . قال : ابن أختنا ؟ قال نعم ، قال ادن فأدناه ، ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال مرحباً وأهلاً وناقة ورحلاً ومستناخاً سهلاً ، وملكاً ربحلا يعطي جزلاً . قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم ، وقبل وسيلتكم ، فأنتم أهل الليل والنهار ، ولكم الكرامة ما أقمتم والحباء إذا ظعنتم ، ثم نهضوا غلى دار الكرامة والوفود ، فأقاموا شهراً لا يصلون إليه ولا يأذن لهم بالإنصراف ، ثم انتبه لهم انتباهة فأرسل إلى عبد المطلب فأدنى مجلسه وأخلاه ثم قال : يا عبد المطلب إني مفض إليك من سر علمي ما لو يكون غيرك لم أبح به . ولكني رأيتك معدنه فأطلعتك طليعه فليكن عندك مطوياً حتى يأذن الله فيه ، فإن الله بالغ أمره ، إني أجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون الذي اخترناه لأنفسنا ، واحتجناه دون غيرنا خبراً عظيماً ، وخطراً جسيماً فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة للناس عامة ، ولرهطك كافة ولك خاصة . فقال عبد المطلب : أيها الملك مثلك سر وبر ، فما هو فداؤك أهل الوبر زمراً بعد زمر ؟ قال إذا ولد بتهامة ، غلام به علامة ، بين كتفيه شامة كانت له الإمامة ، ولكم به الزعامة إلى يوم القيامة . قال عبد المطلب ـ أبيت اللعن ـ لقد أبت بخير ما آب به وافد ، ولولا هيبة الملك وإجلاله وإعظامه لسألته من بشارته إياي ما ازداد به سروراً . قال ابن ذي يزن هذا حينه الذي يولد فيه أو قد ولد اسمه محمد . يموت أبوه وأمه ويكلفه جده وعمه . ولدناه مراراً والله باعثه جهاراً ، وجاعل له منا أنصاراً يعز بهم أولياءه ويذل بهم أعداءه ، ويضرب بهم الناس عن عرض ، ويستبيح بهم كرائم الأرض ، يكسر الأوثان ويخمد النيران ، يعبد الرحمن ويدحر الشيطان ، قوله فصل ، وحكمه عدل ، يأمر بالمعروف ويفعله ، وينهى عن المنكر ـ وببطله . فقال عبد المطلب ، أيها الملك ـ عز جدك وعلا كعبك ، ودام ملكك ، وطال عمرك . فهذا نجاري فهل الملك سار بإفصاح فقد أوضح لي بعض الإيضاح . فقال ابن ذي يزن : والبيت ذي الحجب والعلامات على النقب إنك يا عبد المطلب لجده غير كذب ، فخر عبد المطلب ساجداً ، فقال : ارفع رأسك ثلج صدرك وعلا أمرك فهل أحسست شيئاً مما ذكرت لك . فقال : أيها الملك كان لي ابن وكنت به معجباً ، وعليه رفيقاً ، فزوجته كريمة من كرائم قومه آمنة بنت وهب ، فجاءت بغلام سميته محمداً فمات أبوه وأمه وكلفته أنا وعمه . قال ابن ذي يزن إن الذي قلت لك كما قلت فاحتفظ بابنك واحذرعليه اليهود فإنهم له أعداء ولن يجعل الله لهم عليه سبيلاً ، واطو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك فإني لست آمن أن تدخل لهم النفاسة من أن تكون لكم الرياسة فيطلبون له الغوائل وينصبون له الحبائل ، فهم فاعلون أو ابناؤهم ولولا أني أعلم أن الموت مجتاحي قبل مبعثه ، لسرت بخيلي ورجلي حتى أصير بيثرب دار مملكته ، فإني أجد في الكتاب الناطق والعلم السابق أن بيثرب استحكام أمره وأهل نصرته ، وموضع قبره ، ولولا أني أقيه الآفات ، وأحذر عليه العاهات ، لأعلنت على حداثة سنه أمره ولأوطأت أسنان العرب عقبة ، ولكني صارف ذلك إليك عن غير تقصير بمن معك . قال ثم أمر لكل رجل منهم بعشرة أعبد وعشرة إماء وبمائة من الإبل ، وحلتين من البرود ، بخمسة أرطال من الذهب ، وعشرة أرطال فضة ، وكرش مملوء عنبراً ، وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك ، وقال له : إذا حال الحول فأتني . فمات ابن ذي يزن قبل أن يحول الحول ، فكان عبد المطلب كثيراً ما يقول لا يغبطني رجل منكم بجزيل عطاء الملك ، فإنه إلى نفاذ ولكن ليغبطني بما يبقى لي ولعقبي من بعدي ، ذكره وفخره وشرفه ، فإذا قيل له : متى ذلك قال سيعلم ولو بعد حين . انتهى والله الموفق .
تعليق