لم يعد الواحد قادراً على الاعتقاد بأن ثمة أزمنة ملائمة للرواية واخرى للشعر او للقصة او غيرها، يجعلني ذلك اتصور وكأن الأشكال الفنية خاضعة، شأن المحاصيل الزراعية، لدورات من الفصول التي يصلح الفصل فيها لزراعة محصول دون آخر. مايبدو مقنعاً أكثر هو تصور ان الامر مرهون بمستوى الكتابة ذاتها. اي ان زمناً يتصادف فيه وجود وفرة من روائيين أو شعراء أو كتاب للقصة هو ما يعطي لهذا الزمن صبغته الغالبة، لأتحدث هنا عن الكتاب الكبار وليس عن وفرة ما يكتب، فالوفرة في نتاج ما ليست معياراً حقيقياً لقيمته، صحيح ان الرواية من انسب الاشكال الفنية قدرة على التعبير عن تعقد الواقع الذي نعيشه الا انه من الصحيح ايضاً ان القصة القصيرة من اكثرها قدرة على امتلاك تلك اللحظات الحية من تجربتنا الانسانية، وهي اللحظات التي لاغنى عنها حيال كل ما تهددنا به مفردات ذلك الواقع نفسه الذي تنشغل به الرواية. وبما اننا لم نفقد قدرتنا تماماً على الاحساس بتلك التفاصيل الحية لتلك التجربة الانسانية فان الامر يبدو غريباً بالفعل. ولعل المقارنة المدهشة تكمن في انه مع انحسار توزيع الكتب وتراجع الجلد على القراءة وضيق وقت الخلق، كان المتصور ان تكون القصة القصيرة هي الأكثر حضوراً وتأثيراً لو ان الصحافة الادبية اهتمت بها اكثر باعتبارها مادة ملائمة جداً وعملت، ليس على مجرد اتاحة نشرها القصة بشكل دائم، ولكن على نشر النماذج الجيدة فقط من هذه القصص، حتى لو ندرت، بذلك فقط ترتقي بالمعيار الذي يتم النشر على اساسه فترتقي بالقصة وتنمي ذائقة قارئها وتستعيده. لدينا هنا جرائد ومجلات، التزمت منذ سنوات بنشر قصة قصيرة او اكثر في كل اسبوع. هذا الالتزام جعلها تنشر في اكثر الأوقات قصصاً رديئة بكل المقاييس، المسئولون انفسهم يقولون ذلك. ولكنه الالتزام بالنشر والسلام، الامر الذي ترتب عليه عزوف القارئ الحصيف من ناحية، وفساد ذوق القارئ المحتمل، من الناحية الاخرى.
ابراهيم اصلان
ابراهيم اصلان