من يكتب تاريخ القبيلة ؟
والنصر لا ينحصر على الميدان فقط ، بل في المعرفة والمعلومة . والذي يكتب التاريخ وبالذات تاريخ القبائل وهو ليس منتصرا ولا عارفا فإنه يجني على نفسه وعلى القبيلة وعلى التاريخ ، بل أنني أشبهه بتلك التي تنجب إبناً من غير أبيه فتنسبه إليه فيبقى إثمه وعاره إلى أن تقوم الساعة . وللأسف الشديد فإننا نلاحظ هذه الأيام خلطا في الأسماء والأنساب والأماكن ومردّه إلى أن بعض الذين يحاولون التوثيق لا يكلفون أنفسهم إلا بطريقة النسخ والنقل فقط . برنامج (على خطى العرب ) من أنجح البرامج العربية هذه الأيام ، ومع ذلك فإنه مليء بالأخطاء التي لا تغتفر ، ومن أمثلة ذلك ما جاء عن الشاعر ( الشنفرى ) حيث ورد أنه قتل في ( بيدة ) ودفن في (سلامان) . وذكر أن قرية (سلامان) في دوس . وهذا ملا يمكن تصديقه ، فقرية سلامان ليست في دوس ، و(بيدة) بعيدة جدا عن (سلامان) ، ولا يمكن حمله من وادي بيدة إلى قرية سلامان بعد أن قتل . لعظم المشقّة آنذاك . والشاعر الشنفرى لم يتأكد أحد عن مكان إقامته ووفاته ، فهناك في رجال الحجر قبيلة كبيرة جدا تدعي ( بني سلامان ) و (بني مفرّج) الذين وردت فيهم أبيات كثيرة من ضمن قصائده ، ووادي (حضوة ) الذي كان يختبئ فيه ، والشهير بكثرة غاباته وكثافة أشجاره هو أيضا موجود هناك .. وهناك كتب ألّفها رجال من رجال الحجر عن هذا الشاعر . ومع أنني كنت من أكثر المتحمسين لانتساب هذا الشاعر إلى قبيلتي ، وكتبت عن هذا رسالة إلى علامة الجزيرة العربية قبل ثلاثين عاما فأجاب عليها بصفحة كاملة في صحيفة الجزيرة ، أورد فيها إجابات على ملاحظاتي ، وذكر الشاعر الشنفرى وعلاقته ببني سلامان ، وتمنى على أهل المنطقة أن يوثقوا تاريخهم بطريقة علمية صحيحة ، وأكد أنه وجد اختلافات كثيرة في هذا المجال عند زيارته للمنطقة . إذا فالمعلومة التي وثقت من قبل معدّ البرنامج ، على أهميتها واهتمام الناس بها ، وانتشارها ، ليست أكيدة . وهذا له من التأثير على الأجيال القادمة ماله . وقد وجدت في الكتب التي أُلِّفت عن تاريخ بعض القبائل في زهران أخطاء كثيرة ، ومردّها كما أسلفت إلى أنها نقل من شخص إلى آخر . ولم يقفوا أصحاب تلك المؤلفات في المكان المعني ويأخذون المعلومة الأكيدة من أصحاب تلك الأماكن . وقد نسمع الآن في الإذاعة أخطاء واضحة تدلّ على جهل أصحابها ، فهناك من يقول فلان بن فلان الحَرَيري ، بفتح الحاء . مع أنه لا يوجد في زهران قبيلة بهذا الاسم ، بل الموجود هو (بني حُرير) بضم الحاء ، والصحيح هو الحُريري . بضم الحاء أيضاً . أما الحريري ، بفتح الحاء ، فإنها عائلة لبنانية كانت تبيع الحرير ومنها رفيق الحريري . ولكن الناس تأثروا بالإِعلام ولم يكلفوا أنفسهم البحث عن الأَعْلام ! المكان له اسمه الذي له من الدلالة ما له ، لكن لا يمكن أن ينسب الشخص إلى المكان في كل حال ، فمثلا قرية (النصباء) بقبيلة بني كنانة بزهران من أكبر القرى ، لكن لا يمكن أن نقول فلان بن فلان ( النصباني ) ، وقرية (رمس) أيضا من أكبر قرى دوس ، لكن لا يمكن أن تجد شخصا يسمى بالرّمسي ، بل ينسب أهلها إلى القبيلة ، فيقال عَلوي نسبة إلى بني علي ، وهكذا ، لكن الذي نراه ونسمعه هذه الأيام هو خلطا كبيرا في مثل هذه الأشياء . الرجوع إلى الأصل في كل شيء هو الصحيح ، فمثلا اليمن اليوم معروفة بأنها دولة اليمن ، ولكن المعروف أيضاً أن ما كان يقع إلى جنوب الكعبة هو يمن ، وأكبر دليل على ذلك هو الركن اليماني ، ونجم سهيل سمّي باليماني لأنه جهة الجنوب وليس لأنه لأهل اليمن ، كما يقول البعض . فهذا شيء لا يمكن تصديقه . إذا فالذي يكتب التاريخ خاصة تاريخ القبيلة يجب أن يكون مهتما وهاويا وعارفا وليس مجرد ناقلا لغرض بحث أو ظهور في صحيفة أو أي وسيلة . فقد يكون عليه من الإثم الشيء الكثير .
عبد الله بن مرضي الطفيلي السُّلمي الزهراني .
تعليق