م. عبد الله بن يحيى المعلمي
أكتبُ هذا المقال قبل إجراء الاستفتاء على وحدة السودان بأيام، ولا فرق، فلعلّ هذا الاستفتاء هو الوحيد الذي يكاد يكون الجميع قد عرفوا نتائجه قبل إجرائه. ولقد كان من المضحك المبكي أن نشاهد قادة السودان وهم يتوعدون الجنوب بما يمكن، لو فعلوا كذا وكذا بعد الاستقلال، وهو وعيد لو كانوا أهلاً لإطلاقه لكانوا قد استطاعوا المحافظة على وحدة السودان، خاصة وأن لهم رصيدًا في الحكم يتجاوز العقدين من الزمان. كما كان من المضحك المبكي أن نشاهد من قادة السودان والعرب مَن هرول للقاء زعماء الجنوب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد فوات الأوان، وفي الوقت ذاته كان زعماء الجنوب يتعاملون مع الأحداث بهدوء وصبر وتؤدة، وكأن جنوب السودان قد أصبح تفاحة ناضجة ينتظرون سقوطها بين أيديهم.
انفصال السودان هزيمة لشعب السودان بشماله وجنوبه، فهو هزيمة للشمال الذي لم يتمكن من اجتذاب الجنوب، وإنصاف أهله عبر قرابة ستة عقود من الاستقلال، وهو هزيمة للجنوب الذي آثر الانسحاب، وتشكيل دولة ضعيفة غير ذات شخصية، بدلاً من البقاء ضمن سودان قوي موحد، وانفصال السودان هزيمة لقادة السودان حكامًا ومعارضين، فالحكام أثبتوا أنهم لم يتمكنوا من حسم قضية الوحدة بالحرب، وأنهم فرّطوا في سنوات الاتفاق التي كان يفترض فيها أن تعزز جاذبية خيار الوحدة، وبدلاً عن ذلك راحوا يخوضون المعارك في الداخل والخارج، ولعلهم يخرجون علينا اليوم أو غدًا بمقولة سمعناها من قبل وهي أن السودان قد انتصر؛ لأن النظام قد احتفظ بموقعه في السلطة، وأمّا المعارضون فلقد هُزموا؛ لأنهم بدورهم كانوا يسعون إلى السلطة أكثر من سعيهم إلى الوحدة، ولأنهم أخفقوا في مد الجسور الشعبية نحو أبناء الجنوب، وأخفقوا في إيجاد جذور لحركاتهم السياسية في الجنوب، واكتفوا بالهيكل الإقليمي، بل وحتى المذهبي والعائلي لأحزابهم وتنظيماتهم،
وانفصال السودان هزيمة للعرب الذين وقفوا يتفرجون على السودان، وهو يتقاتل ويتمزق، ولم يعملوا بما فيه الكفاية على إنقاذ السودان من نفسه، ولو عمل العرب منذ وقت مبكر في جنوب السودان على شق الطرق، ونشر التعليم، وإنشاء المستشفيات، وربط اقتصاد الجنوب بمحيطه العربي؛ لأصبح الانفصال خيارًا صعبًا، بل وغير مرغوب فيه، واليوم على العرب أن يتعاملوا مع الدولة الجديدة التي سوف تعلن بعد ستة أشهر، وعلينا أن ننتظر لنرى ما إذا كانت إسرائيل سوف تسبق الجميع إلى الاعتراف بها، واحتضانها، والعمل على تحويلها إلى حليف إستراتيجي يتحكم في منابع النيل، ويمسك مصر والسودان من شريان حياتهما.
انفصال السودان لم يكن حتميًّا، ولكنّ السودانيين فرّطوا في الجنوب، واستحقوا أن نردد أمامهم ما قالته أم عبدالله الأحمر لولدها الذي خرج من الأندلس باكياً حين قالت:
ابكِ مثلَ النساءِ ملكًا مضاعًا
لم تحافظْ عليه مثل الرجالِ
هل يتّعظ السودانيون، ويسعون إلى الحفاظ على وحدة ما تبقى من بلادهم، أم أننا سنقول لهم: كل انفصال وأنتم بخير؟
جريدة المدينة الصادرة
الأثنين 6صفر1432هـ
أكتبُ هذا المقال قبل إجراء الاستفتاء على وحدة السودان بأيام، ولا فرق، فلعلّ هذا الاستفتاء هو الوحيد الذي يكاد يكون الجميع قد عرفوا نتائجه قبل إجرائه. ولقد كان من المضحك المبكي أن نشاهد قادة السودان وهم يتوعدون الجنوب بما يمكن، لو فعلوا كذا وكذا بعد الاستقلال، وهو وعيد لو كانوا أهلاً لإطلاقه لكانوا قد استطاعوا المحافظة على وحدة السودان، خاصة وأن لهم رصيدًا في الحكم يتجاوز العقدين من الزمان. كما كان من المضحك المبكي أن نشاهد من قادة السودان والعرب مَن هرول للقاء زعماء الجنوب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد فوات الأوان، وفي الوقت ذاته كان زعماء الجنوب يتعاملون مع الأحداث بهدوء وصبر وتؤدة، وكأن جنوب السودان قد أصبح تفاحة ناضجة ينتظرون سقوطها بين أيديهم.
انفصال السودان هزيمة لشعب السودان بشماله وجنوبه، فهو هزيمة للشمال الذي لم يتمكن من اجتذاب الجنوب، وإنصاف أهله عبر قرابة ستة عقود من الاستقلال، وهو هزيمة للجنوب الذي آثر الانسحاب، وتشكيل دولة ضعيفة غير ذات شخصية، بدلاً من البقاء ضمن سودان قوي موحد، وانفصال السودان هزيمة لقادة السودان حكامًا ومعارضين، فالحكام أثبتوا أنهم لم يتمكنوا من حسم قضية الوحدة بالحرب، وأنهم فرّطوا في سنوات الاتفاق التي كان يفترض فيها أن تعزز جاذبية خيار الوحدة، وبدلاً عن ذلك راحوا يخوضون المعارك في الداخل والخارج، ولعلهم يخرجون علينا اليوم أو غدًا بمقولة سمعناها من قبل وهي أن السودان قد انتصر؛ لأن النظام قد احتفظ بموقعه في السلطة، وأمّا المعارضون فلقد هُزموا؛ لأنهم بدورهم كانوا يسعون إلى السلطة أكثر من سعيهم إلى الوحدة، ولأنهم أخفقوا في مد الجسور الشعبية نحو أبناء الجنوب، وأخفقوا في إيجاد جذور لحركاتهم السياسية في الجنوب، واكتفوا بالهيكل الإقليمي، بل وحتى المذهبي والعائلي لأحزابهم وتنظيماتهم،
وانفصال السودان هزيمة للعرب الذين وقفوا يتفرجون على السودان، وهو يتقاتل ويتمزق، ولم يعملوا بما فيه الكفاية على إنقاذ السودان من نفسه، ولو عمل العرب منذ وقت مبكر في جنوب السودان على شق الطرق، ونشر التعليم، وإنشاء المستشفيات، وربط اقتصاد الجنوب بمحيطه العربي؛ لأصبح الانفصال خيارًا صعبًا، بل وغير مرغوب فيه، واليوم على العرب أن يتعاملوا مع الدولة الجديدة التي سوف تعلن بعد ستة أشهر، وعلينا أن ننتظر لنرى ما إذا كانت إسرائيل سوف تسبق الجميع إلى الاعتراف بها، واحتضانها، والعمل على تحويلها إلى حليف إستراتيجي يتحكم في منابع النيل، ويمسك مصر والسودان من شريان حياتهما.
انفصال السودان لم يكن حتميًّا، ولكنّ السودانيين فرّطوا في الجنوب، واستحقوا أن نردد أمامهم ما قالته أم عبدالله الأحمر لولدها الذي خرج من الأندلس باكياً حين قالت:
ابكِ مثلَ النساءِ ملكًا مضاعًا
لم تحافظْ عليه مثل الرجالِ
هل يتّعظ السودانيون، ويسعون إلى الحفاظ على وحدة ما تبقى من بلادهم، أم أننا سنقول لهم: كل انفصال وأنتم بخير؟
جريدة المدينة الصادرة
الأثنين 6صفر1432هـ
تعليق