ربما سيستغرب بعض من سيقرأ هذا العنوان من صغار السن عن ماهية ما أتحدث عنه في هذا المقال.. لأنهم لم يشهدوا عهد ظهور البيجر .. ولم يعايشوا أجواء هذا الجهاز التحفة .. فربما ظن البعض أن البيجر اسم لدواء أو لقاح أو آلة ما تعمل بالديزل لإخراج الماء من البئر مثلاً .. وللعلم فإن البيجر جهاز صغير يشبه الجوال أو أصغر منه بقليل .. يقال والعلم عند الله إن أول ظهور له كان قبل ستين سنة تقريباً (طبعاً مو عندنا هناك في الغرب) ولكن لا يمكنك أن تتحدث من خلاله وإنما يستخدم فقط لإرسال نداء إلى الشخص الذي تريد الاتصال به مع إرسال رمز على شكل رقم من الأرقام بالضغط على رقم بيجره من جهاز الهاتف الثابت فيظهر عنده فقط رقم المتصل مع نغمة أحادية أو أي رقم يدخله المتصل ليظهر على شكل رمز وبعدها يقوم صاحب البيجر بركوب تاكسي والذهاب إلى أقرب كابينة اتصالات وإجراء اتصال مع المتصل .
أعرف أن من ولد في عصر الجوال والحداد والمرسل والمستقبل سيضحك من طريقة التعامل مع هذا الجهاز وكيفية استخدام الناس له . . ولكنه رغم محدودية فوائده إلا أنه كان يمثل خدمة لا تقدر بثمن للبعض في ذلك الوقت.. وقد كان هذا الجهاز إبّان ظهوره يعتبر من الإتيكيت في عرف ذلك الجيل .. ولا أنسى ذاك المعلم الذي كان رحمه الله يتباهى بإخراجه أمامنا ونحن في المرحلة المتوسطة .. وكلنا مشدوهون بالنظر إليه والاستمتاع بسماع نغماته حتى إن جميع الطلاب كانوا يصمتون وكأن رؤسهم الطير إذا رنّ هذا البيجر الذي يصدر رنيناً وبه شاشة تُظهر بعض المعلومات .. وكان يرنُّ في الحصة الواحدة أكثر من خمس مرات (كيفك يا أستاذي لو شفت جوال ابن اللذينا الآن وهو يتصفح من خلاله النت ويتكلم مع خويه في فنزويلا) ومن اللباقة في التعامل مع هذا الجهاز تعليقه على الجيب بطريقة فنية وتتوفر منه أحجام ومقاسات وألوان مختلفة (طبعاً ألوان نسائية وأخرى رجالية على طريقة الجوالات هذه الأيام) .
إلى هذه اللحظة لا أدري لماذا تعلق ابن اللذينا في تلك الأيام بهذا الجهاز لدرجة أنه كان يجمع من مصروفه اليومي (الكبير) بعض الريالات يومياً لشراء هذا البيجر حتى حقق لله مراده فاشتراه وعلقه على جيبه الأيسر .. الغريب ليس في هذا الأمر بل الغريب أن ابن اللذينا طوّر جهاز البيجر وحوّله من جهاز عقيم بارد إلى جهاز جوال مبرمج يرسل الأوامر والنواهي ويحدد المواعيد والأماكن !! كيف ذلك ؟؟ خذوا القصة :
منذ تلك الأيام الغابرة والعهود السالفة أعني عهد البيجر رحمه الله كان لابن اللذينا صديق حميم لا يقوى على فراقه وتربطه به علاقة زمالة قوية فكان أن اتفق ابن اللذينا وصديقه على وضع جدول طويل يحتفظ كل واحد منا بنسخة منه في محفظته وهذا الجدول عبارة عن رموز تدل على أوامر أو نواهي أو مواعيد متفق عليها فمثلاً رقم (1) سأتصل بك الآن ورقم (2) أنا في المدرسة ورقم (3) انتظرني عند كوبري كذا ورقم (4) أنا جايك البيت الآن ورقم (5) أنا مشغول اليوم ورقم (6) اتصل علي بعد نصف ساعة .. وهكذا تم وضع جدول مقنن استطعنا من خلاله تحويل البيجر إلى ما يشبه الجوال، هذه القصة لم أسردها للترحم فقط على البيجر وعهده الذي ولّى بل لأقول لكم أيها الكرام أن الحاجة أم الاختراع والحاجة كما يقولون حواجة .. وأنه بإمكاننا أن نطور أنفسنا ونسخّر إمكاناتنا لتخدمنا وتخدم مجتمعنا .. ونسعى للرقي بما وهبنا الله من نعم وملكات بصور كثيرة وطرق متعددة . فالفرص متاحة والعقول متوافرة ولكنها الهمم والتفكير والعمل الجاد .. فطوّروا أنفسكم وعزّزوا مدارككم بالعلم والتدريب .. تغمدك الله بواسع رحمته أيها البيجر الحبيب وقد أبدلنا الله خيراً منك السيد جوال قدس الله سره
شي عجيب أحبتي أمل أن تعيدو الذاكره الى الاوراء ويعجبكم الموضوع مثل ماعجبني
تقبلو تحياتي
تعليق