السلام عليكم ورحمة الله :
دار حديث لاينقصه الصراحة بين الحفيدة وجدتها اترككم معه لنعيش دقائق مع ذلك الزمن الماضي
ونقارن بين زماننا وزمانهم رحمهم الله
-------------------------------------
دخلت الحفيدة على جدتها في ليلة شاتية تحمل معها دلة القشر وصحن التمر فوضعتها بين يديها
ثم انصرفت إلى غرفتها فنادتها الجدة قبل أن تغلق الباب : اجلسي معي يا بنتي فأنا مللت من الوحدة
الحفيدة :سمعاً وطاعة يا جدتي انتظري أغلق الماس نجر والنت ثم أتيك
جاءت الحفيدة وجلست مع جدتها وأخذت تتأمل جدتها ووجهها الذي ملأته التجاعيد وظهرت عليه أثار
السنين فكرت بما ذا تتحدث مع جدتها ووصل تفكيرها إلى الحديث عن الماضي
الحفيدة: حدثيني يا جدتي عن زمانكم كيف تقضون فراغكم ؟
ضحكت الجدة وتأوهت وقالت : أي فراغ يابنتي كانت حياتنا كد وتعب وعمل من الصباح حتى الليل نسرح
للبلاد نبشر ونقصب ونصرم ونسرح نتحطب ونستقي ونعلف الثيران ونحوق السفول ونمخض الحقينة
ونخلب وحتى بعض المواسم نقوم وسط الليل والله ما كانت الواحدة تقدر تحك رأسها من الشغل طول اليوم .
الحفيدة : علميني يا جده كيف كان زواجك بجدي الله يرحمه ؟
الجدة : لو أقول لك ما تصدقين يا بنتي ما كانوا أول يستشيرون البنت عند الزواج
وبعد ما يتم تحديد المهر وموعد الدخلة يعلمونها ويمنعها الحياء أن ترفض وكان الأب والأم
يبحثون عن زوجة نشيطة في العمل والبلاد والرعي والمطبخ
الحفيدة : طيب كيف و اففتي يا جدتي وما تعرفين أوصاف زوجك ؟
الجدة : أول يا بنتي كان من العيب ترفض البنت الزوج الذي يختاره لها أبوها
ولا تقدر تقول ولا كلمة خاصة إذا كان ابن عمها
الحفيدة : لكن هذا مخالف للشرع يا جدتي !!
الجدة : الله يهديك يا بنتي كانوا يعرفون العادات والتقاليد ويسيرون عليها أما المخالفات الشرعية كثيرة
لوأعدها ما انتهينا إلا الصباح والحمد لله اليوم الناس تعلموا شرع الله وعرفوا الحلال والحرام
الحفيدة : علمينا يا جدة عن ليلة زفافك كيف كانت ؟ وفين قضيتم شهر العسل
ضحكت الجدة وقالت : ما نعرف شهر عسل ولا بصل الشهر الأول من زواجي قضيناه بين الصرام والدياس
ومن اليوم الثاني سرحوني بالقربة استقي من البئر واليوم الثالث سرحت أقصب وأحوق الدمن من السفل
الحفيدة :كيف كا ن مهرك ياجده ؟ وبكم شريتي فستان الفرح ؟وهل كان عندكم كوفيرة تزين العروس ؟
الجدة :المهر أسألي جدك عنه والله ما أدري كم هو وتحسبين زماننا مثل زمانكم تجمعون الهذاميل والفساتين
ما كا نت العروس تلبس إلا ثوب واحد الله أعلم بحاله وشيله فوق رأسها وتتصمد بمنديل وتتزين بالغراز
فيه الكادي والريحان والنفل والبعيثران أحسن من عطر قزاز وقبل الزواج يحنونها ويمشطون شعرها
وما تحمل معها إلا سحارية تضع فيها المكحلة وبعض المفارد والقلائد والملابس
الحفيدة : البعض يتمنى تلك الأيام ويتأسف على حياة البساطة والهدوء
لو خيروك بين الماضي والحاضر أيش تختارين ؟
الجدة : الماضي يا بنتي شقا وتعب وعذاب كانت المرأة تخدم طول عمرها ما تعرف الراحة وليتهم يقدرونها
ويعطونها حقها إذا ذكروا المرأة قالوا أكرمكم الله وإذا نفست ما يأكلون معها وإذا مات زوجها لايمكن تطالب
بميراثها وحقها ويمكن يطلقها قبل ما يموت حتى لا تلحق في الميراث احمدوا ربكم أنتم اليوم في نعمة
عظيمة المرأة مقدرة متعلمة مصونة محجبة محمولة مكفولة تأخذ كل حقوقها لا والله لوخيروني ما اخترت ذاك
الزمن الأغبر والشقا والتعب الحمد لله الذي أراحنا في آخر أعمارنا
الحفيدة : بعض الناس يقول أيامكم أحسن من أيامنا كان العفاف والطهر والشيمة
رغم الاختلاط وكشف الوجه من النساء أمام الرجال ما رأيك ياجدتي بهذا الكلام ؟
الجدة : صحيح كان الرجال والنساء مع بعضهم في البلاد والرعي والحطب حتى ليلة
الزواج يلعبون مع بعضهم بعض ويسمونها الشبكة لكن يقولون كانت قلوبهم نظيفة
وهذا الكلام يردده الذين عاشوا وهم صغار قبل سن البلوغ كانوا يشاهدون الطهر
والعفاف لأن قلوبهم طاهرة لكن إذا تبغين الحقيقة اسألي كبار السن الذين أعمارهم
فوق السبعين والشيطان ما يعرف قلوب نظيفة وطاهرة وسمعنا بعض الأفعال المشبوهة
من الاختلاط ولكنها قليلة ونادره ما تقارن بما نسمعه في زمانكم هذا ولكن يابنتي يبقى
ما أسكر قليله فكثيره حرام وما نهى الشرع عن أمر إلا كان فيه حكمة عظيمة ما تخفى
إلا على أهل العقول الصغيرة والله حرم الاختلاط ونهى الصحابة وهم أطهر قلوب من غيرهم
ونهى الصحابيات وهن أطهر من غيرهن ما نقول إلا الحمد لله على النور والعلم بعد الجهل والظلام
الحفيدة : صحيح الزوجة كانت تقبل أخو زوجها وأولاد عمها ولا تقبل زوجها إذا جاء من السفر ؟
الجدة : صحيح وهذا من العادات التي تخالف ديننا وكانت عن طيبة وقناعة لأنهم كانوا يعيشون في بيت واحد
والذي بينهمكما بين الأخت وأخته لكن هذه مخالفة لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم الذي فيه النهي لأخ
الزوج من الدخول على زوجة أخيه .
الحفيدة : تقصدين الحديث في صحيح البخاري (إياكم والدخول على النساء
فقال رجل من الأنصار : أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت )
الجدة : نعم سمعت هذا الحديث وهو من علامات النبوة يابنتي وما نهى الدين عن شيء إلا لحكمة وديننا لا يقتصر
على زمن ولا بلد معين فهو صالح لكل الأزمان والبلدان والعادات , وتلك حالة فريدة مرت على بيئة تأثرت بعادات
وقيم ربما لن تتكرر ولن نستطيع إيجاد مثلها ولن تصلح في زماننا وربما لن تصلح في زمانهم في بلد أو مكان آخر
تخيلي اليوم لو بقي الأمر كما كان عليه ما الذي سيقع ؟ اليوم نسمع عن زنا المحارم والعياذ بالله فكيف بالحمو
أو ولد العم أو الخال ما نقول إلا الحمد لله على نعمة الدين
الحفيدة : كيف تعلمتي يا جده أمور الدين والصلاة والطهارة وما كان عندكم مدارس ؟
الجدة : كان العلم قليل يابنتي وإذا سمعنا كلام الله أو كلام رسول الله تعترينا هيبة وخشية ومحبه فكان جدك يخرج
من المسجد يوم الجمعة يعلمنا بكل ما قال الإمام ويعلمنا عن الطهارة والصلاة وكان إذا رجع من السوق
يعلمنا بملخص البدوة التي سمعها من الفقيه في السوق وكان ينقصنا الكثير من علوم الشريعة
لكن الفرق بيننا وبينكم في العمل والخشية والتطبيق
الحفيدة : اسمحي لي يا جده عندي مذاكرة واختبار يوم غد في الجامعة
الجدة : الله يوفقك يابنتي وينجحك في دروسك
-------------------------------------------
الشعفي 12/2/1431هـ
تعليق