( 5 - باب الاستلام في الطواف )
780 - مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا قضى طوافه بالبيت وركع الركعتين وأراد أن يخرج إلى الصفا والمروة استلم الركن الأسود قبل أن يخرج
قال أبو عمر وهو محفوظ من حديث جابر الحديث الطويل في الحج رواه جماعة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بتمامه
وفيه أن النبي صلى الله عليه و سلم طاف بالبيت سبعا ثم رجع فاستلم الحجر ثم خرج من الباب إلى الصفا ويأتي ذكر الركعتين في الباب بعد هذا إن شاء الله
ذكر عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أنه طاف بالبيت ثم صلى ركعتين عند المقام ثم عاد إلى الحجر فاستلمه ثم خرج إلى الصفا
وهو معمول به مستحب عند جماعة الفقهاء
781 - مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعبد الرحمن بن عوف كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الركن فقال عبد الرحمن استلمت وتركت فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أصبت قال أبو عمر كان بن وضاح يقول في موطأ يحيى إنما الحديث كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الركن الأسود وزعم أن يحيى سقط له من كتابه الأسود وأمر بن وضاح بإلحاق الأسود في كتاب يحيى
قال أبو عمر رواه عن مالك كما قال بن وضاح - الركن الأسود - بن القاسم وبن وهب والقعنبي وجماعة
وقد رواه أبو المصعب وغيره كما رواه يحيى لم يذكر الأسود
وكذلك رواه بن عيينة وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه لم يذكروا الأسود كما روى يحيى
وهو أمر محتمل جائز في الوجهين جميعا
ورواه الثوري عن هشام عن أبيه فقال فيه كيف صنعت في استلامك الحجر
فقد روي عن هشام في ذلك مثل رواية الثوري
ذكره بن أبي عمر قال حدثني سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعبد الرحمن كيف فعلت يا أبا محمد في استلام الحجر وكان استأذنه في العمرة فقال كيف صنعت حين طفت فقال استلمت وتركت قال أصبت
وقد ذكرنا في التمهيد الأحاديث في استلام الركنين دون غيرهما وأوضحنا ذلك كله بالأسانيد
ولا خلاف بين العلماء أن الركنين جميعا يستلمان الأسود واليماني وإنما الفرق بينهما أن الأسود يقبل واليماني لا يقبل
وقد روى عبد الله بن مسلم بن هرمز عن مجاهد عن بن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا استلم الركن اليماني قبله ووضع خده عليه
وهذا غير معروف ولم يتابع عليه وإنما المعروف قبل يده وإنما يعرف تقبيل الحجر الأسود ووضع الوجه عليه وما أعرف أحدا من أهل الفتوى يقول بتقبيل غير الأسود
وقد ذكرت في التمهيد بإسناده أن عبد الرحمن بن عوف كان إذا أتى الركن فوجدهم يزدحمون عليه استقبله فكبر ودعا ثم طاف فإذا وجد خلوة استلمه
وفي قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لعبد الرحمن بن عوف - إذ قال استلمت وتركت فقال أصبت - دليل على أن الاستلام ليس بواجب وأنه حسن لا حرج على من تركه في بعض طوافه عامدا وإن غلبه بالزحام لم يضره ذلك
أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثني أحمد بن إبراهيم بن محمد بن جامع السكري قراءة عليه وأنا أسمع سنة أربع وأربعين وثلاثمائة قال حدثني علي بن عبد العزيز قال حدثني أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثني سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن عوف قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف صنعت في استلام الحجر قلت استلمت وتركت قال أصبت
وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم طاف حجة الوداع حول البيت يستلم الركن بمحجن كراهية أن يصرف الناس عنه
وروى بن عيينة عن أبي يعفور عن رجل من خزاعة عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له يا أبا حفص إنك رجل قوي فلا تزاحم الناس على الركن فإنك تؤذي الضعيف ولكن إذا وجدت خلوة فاستلم ولا تكر وامض
وقال الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم عن إبراهيم بن نافع قال طفت مع طاوس فلم يستلم شيئا من الأركان حتى فرغ من طوافه
قال أبو عمر الاستلام للرجال دون النساء عن عائشة وعطاء وغيرهما وعليه جماعة الفقهاء فإذا وجدت المرأة الحجر خاليا واليماني استلمت إن شاءت
وكانت عائشة ( رضي الله عنها ) تقول للنساء إذا وجدتن فرجة فاستلمن وإلا فكبرن وامضين
782 - مالك عن هشام بن عروة إن أباه كان إذا طاف بالبيت يستلم الأركان كلها وكان لا يدع اليماني إلا أن يغلب عليه
قال أبو عمر قد مضى في حديث مالك عن سعيد المقبري عن عبيد بن جريج عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يكن يستلم من الأركان إلا اليمانيين ما فيه كفاية في استلام الأركان
وقد كان عبد الله بن الزبير ومعاوية يفعلان ما كان يفعله عروة من استلام الأركان كلها وقالا ليس من البيت شيء مهجور
وقال معاوية لابن عباس فقال له بن عباس ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) الأحزاب 21
وقد بان في بناء الكعبة معنى ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم استلام الركنين اللذين يليان الحجر
وقال الشافعي ليس قول من قال محتجا لاستلام الأركان كلها ليس من البيت شيء مهجور بصحيح لأنه ليس في ترك استلامهما هجر لهما ومن طاف من ورائهما لم يهجرهما والحيطان كلها من البيت لا يستلم منها غير الأركان وليس ذلك بهجر للبيت وحكم ذلك الركنين حكم سائر الحائط
أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل بن العباس قال حدثني محمد بن جرير الطبري قال حدثني محمد بن المثنى وأبو معمر قالا حدثني أبو عامر قال حدثنا رباح بن أبي معروف عن يوسف بن ماهك قال كان بن عمر إذا مر بالركن اليماني والحجر الأسود استلمهما لا يدعهما فقلت يا أبا عبد الرحمن تمر بهذين الركنين فتستلمهما لا يدعهما قال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يستلمهما لا يدعهما قلنا له أتمر بهذين وتمر بهذين الركنين فلا تستلمهما قال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يمر بهما فلا يستلمهما
قال الطبري واحتج من رأى الاستلام في الأركان كلها بما
حدثناه بن حميد قال حدثني يحيى بن وضاح قال حدثني الحسين بن واقد عن أبي الزبير عن جابر قال كنا نؤمر إذا طفنا أن نستلم الأركان كلها
قال أبو الزبير ورأيت عبد الله بن الزبير يفعله
قال أبو عمر قول أبي الزبير أنه رأى عبد الله بن الزبير يفعله وهو مكي يرى الجماعات من الصحابة وكبار التابعين يحجون فلو رآهم يفعلون ذلك لم يخص بذلك بن الزبير
وهذا يعضده حديث عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر رأيتك تفعل أربعا لم أر أحدا يفعلهن غيرك فذكر منهن أنه كان لا يستلم إلا الركنين فقط
قال أبو عمر هو مباح لمن فعله لا حرج عليه والسنة استلام الركنين الأسود واليماني
وعليه جماعة الفقهاء بالأمصار أهل الفتوى والحمد لله
وقد كان جماعة من السلف لا يستلمون الركن إلا في الوتر من الطواف منهم مجاهد وطاوس واستحبته طائفة من الفقهاء
قال الشافعي أحب الاستلام في كل وتر أكثر مما احبه في كل شفع وإذا لم يكن الازدحام أحببت الاستلام في كل طواف
( 36 - باب تقبيل الركن الأسود في الاستلام )
873 - مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال وهو يطوف بالبيت للركن الأسود إنما أنت حجر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قبلك ما قبلتك ثم قبله
قال مالك سمعت بعض أهل العلم يستحب إذا رفع الذي يطوف بالبيت يده عن الركن اليماني أن يضعها على فيه
قال أبو عمر هذا الحديث مرسل لأن عروة لم يسمع من عمر وقد روي متصلا مسندا من وجوه منها ما رواه بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث ويونس بن يزيد عن بن شهاب عن سالم عن أبيه أنه حدثه قال قبل عمر بن الخطاب الحجر ثم قال والله لقد علمت أنك حجر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك
قال عمرو بن الحارث وحدثني بمثلها زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر
قال أبو عمر زعم أبو بكر البزار أن هذا الحديث رواه عن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم مسندا أربعة عشر رجلا
وقد ذكرنا بعض تلك الطرق في التمهيد
ولا يختلف العلماء أن تقبيل الحجر الأسود في الطواف من سنن الحج لمن قدر عليه ومن لم يقدر عليه وضع يده على فيه ثم وضعها عليه مستلما ورفعها إلى فيه فإن لم يقدر أيضا على ذلك كبر إذا قابله وحاذاه فإن لم يفعل فلا أعلم أحدا أوجب عليه دما ولا فدية
روى بن جريج عن محمد بن جعفر قال رأيت بن عباس قبل الركن ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثلاث مرات
وروى الشافعي قال حدثني سعيد عن سالم عن حنظلة بن أبي سفيان عن طاوس أنه كان لا يستلم الحجر إلا أن يراه خاليا وكان إذا استلمه قبله ثلاث مرات ثم سجد عليه على إثر كل تقبيلة
قال أبو عمر وروي في الحجر الأسود آثار عن السلف منها عن بن عباس وعبد الله بن عمر ووهب بن منبه وكعب الأحبار وغيرهم أن الحجر الأسود من الجنة وأنه كان أشد بياضا من الثلج حتى سوده لمس أهل الشرك وعبدة الأصنام له وأنه لولا مسه من أرجاس أهل الجاهلية وأنجاسها ما مسه ذو عاهة إلا برأ
وعن بن عباس وسلمان الفارسي أنه من حجارة الجنة وأنه يبعث يوم القيامة وله لسان وشفتان وعينان يشهد لمن استلمه بالوفاء والحق وهو يمين الله في الأرض وهو يصافح بها عبادة
وعن السدي قال هبط آدم بالهند وأنزل معه الحجر الأسود وأنزل معه قبضة من ورق الجنة فنثرها آدم بالهند فأنبتت شجر الطيب فأجل ما يؤتى به من الطيب الهندي من ذلك الورق وإنما قبض آدم القبضة أسفا على الجنة حيث أخرج منها
وروى بن وهب عن عمرو بن الحارث أن قتادة حدثه أن أنس بن مالك
حدثه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال الحجر الأسود من حجارة الجنة وإني قد رضيت بما قسم
قال وحدثني يونس بن يزيد عن بن شهاب أنه سمع سعيد بن المسيب يقول الركن حجر من حجارة الجنة
أخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أبو إسماعيل الترمذي قال حدثني شاذ بن الفياض قال حدثني عمر بن إبراهيم العبدي البزار عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال الحجر الأسود من حجارة الجنة
قال أبو عمر كل ما ذكرنا في الحجر الأسود قد جاء عن السلف على حسب ما وصفنا وهو الصواب عندنا وأولى من قول من شذ فقال إنه من حجارة الوادي وبالله التوفيق
قال الشافعي السجود على الحجر سجود لله تعالى وأنا أحب ما صنع بن عباس وطاوس
قال وأخبرنا سعيد بن سالم عن بن جريج قال قلت لعطاء هل رأيت أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا استلموا قبلوا أيديهم قال نعم رأيت جابر بن عبد الله وبن عمر وأبا سعيد الخدري وأبا هريرة إذا استلموا قبلوا أيديهم
قلت وبن عباس قال نعم حسبت كثيرا قلت هل تدع أنت إذا استلمت أن تقبل يديك قال فلم أستلمه إذن !
قال بن جريج قلت لعطاء تقبيل الركن الأسود قال حسن
قال أبو عمر إذا كان موجودا عن السلف في الركن الأسود فما ذكره مالك عن بعض أهل العلم في الركن اليماني لأن الركنين السنة فيهما استلامهما وتقبيل اليد وتقبيل الحجر الأسود خاصة لمن قدر عليه وبالله التوفيق ،، نقلا من كتاب الأسيعاب لابن عبد البر
780 - مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا قضى طوافه بالبيت وركع الركعتين وأراد أن يخرج إلى الصفا والمروة استلم الركن الأسود قبل أن يخرج
قال أبو عمر وهو محفوظ من حديث جابر الحديث الطويل في الحج رواه جماعة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بتمامه
وفيه أن النبي صلى الله عليه و سلم طاف بالبيت سبعا ثم رجع فاستلم الحجر ثم خرج من الباب إلى الصفا ويأتي ذكر الركعتين في الباب بعد هذا إن شاء الله
ذكر عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أنه طاف بالبيت ثم صلى ركعتين عند المقام ثم عاد إلى الحجر فاستلمه ثم خرج إلى الصفا
وهو معمول به مستحب عند جماعة الفقهاء
781 - مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعبد الرحمن بن عوف كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الركن فقال عبد الرحمن استلمت وتركت فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أصبت قال أبو عمر كان بن وضاح يقول في موطأ يحيى إنما الحديث كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الركن الأسود وزعم أن يحيى سقط له من كتابه الأسود وأمر بن وضاح بإلحاق الأسود في كتاب يحيى
قال أبو عمر رواه عن مالك كما قال بن وضاح - الركن الأسود - بن القاسم وبن وهب والقعنبي وجماعة
وقد رواه أبو المصعب وغيره كما رواه يحيى لم يذكر الأسود
وكذلك رواه بن عيينة وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه لم يذكروا الأسود كما روى يحيى
وهو أمر محتمل جائز في الوجهين جميعا
ورواه الثوري عن هشام عن أبيه فقال فيه كيف صنعت في استلامك الحجر
فقد روي عن هشام في ذلك مثل رواية الثوري
ذكره بن أبي عمر قال حدثني سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعبد الرحمن كيف فعلت يا أبا محمد في استلام الحجر وكان استأذنه في العمرة فقال كيف صنعت حين طفت فقال استلمت وتركت قال أصبت
وقد ذكرنا في التمهيد الأحاديث في استلام الركنين دون غيرهما وأوضحنا ذلك كله بالأسانيد
ولا خلاف بين العلماء أن الركنين جميعا يستلمان الأسود واليماني وإنما الفرق بينهما أن الأسود يقبل واليماني لا يقبل
وقد روى عبد الله بن مسلم بن هرمز عن مجاهد عن بن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا استلم الركن اليماني قبله ووضع خده عليه
وهذا غير معروف ولم يتابع عليه وإنما المعروف قبل يده وإنما يعرف تقبيل الحجر الأسود ووضع الوجه عليه وما أعرف أحدا من أهل الفتوى يقول بتقبيل غير الأسود
وقد ذكرت في التمهيد بإسناده أن عبد الرحمن بن عوف كان إذا أتى الركن فوجدهم يزدحمون عليه استقبله فكبر ودعا ثم طاف فإذا وجد خلوة استلمه
وفي قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لعبد الرحمن بن عوف - إذ قال استلمت وتركت فقال أصبت - دليل على أن الاستلام ليس بواجب وأنه حسن لا حرج على من تركه في بعض طوافه عامدا وإن غلبه بالزحام لم يضره ذلك
أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثني أحمد بن إبراهيم بن محمد بن جامع السكري قراءة عليه وأنا أسمع سنة أربع وأربعين وثلاثمائة قال حدثني علي بن عبد العزيز قال حدثني أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثني سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن عوف قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف صنعت في استلام الحجر قلت استلمت وتركت قال أصبت
وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم طاف حجة الوداع حول البيت يستلم الركن بمحجن كراهية أن يصرف الناس عنه
وروى بن عيينة عن أبي يعفور عن رجل من خزاعة عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له يا أبا حفص إنك رجل قوي فلا تزاحم الناس على الركن فإنك تؤذي الضعيف ولكن إذا وجدت خلوة فاستلم ولا تكر وامض
وقال الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم عن إبراهيم بن نافع قال طفت مع طاوس فلم يستلم شيئا من الأركان حتى فرغ من طوافه
قال أبو عمر الاستلام للرجال دون النساء عن عائشة وعطاء وغيرهما وعليه جماعة الفقهاء فإذا وجدت المرأة الحجر خاليا واليماني استلمت إن شاءت
وكانت عائشة ( رضي الله عنها ) تقول للنساء إذا وجدتن فرجة فاستلمن وإلا فكبرن وامضين
782 - مالك عن هشام بن عروة إن أباه كان إذا طاف بالبيت يستلم الأركان كلها وكان لا يدع اليماني إلا أن يغلب عليه
قال أبو عمر قد مضى في حديث مالك عن سعيد المقبري عن عبيد بن جريج عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يكن يستلم من الأركان إلا اليمانيين ما فيه كفاية في استلام الأركان
وقد كان عبد الله بن الزبير ومعاوية يفعلان ما كان يفعله عروة من استلام الأركان كلها وقالا ليس من البيت شيء مهجور
وقال معاوية لابن عباس فقال له بن عباس ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) الأحزاب 21
وقد بان في بناء الكعبة معنى ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم استلام الركنين اللذين يليان الحجر
وقال الشافعي ليس قول من قال محتجا لاستلام الأركان كلها ليس من البيت شيء مهجور بصحيح لأنه ليس في ترك استلامهما هجر لهما ومن طاف من ورائهما لم يهجرهما والحيطان كلها من البيت لا يستلم منها غير الأركان وليس ذلك بهجر للبيت وحكم ذلك الركنين حكم سائر الحائط
أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل بن العباس قال حدثني محمد بن جرير الطبري قال حدثني محمد بن المثنى وأبو معمر قالا حدثني أبو عامر قال حدثنا رباح بن أبي معروف عن يوسف بن ماهك قال كان بن عمر إذا مر بالركن اليماني والحجر الأسود استلمهما لا يدعهما فقلت يا أبا عبد الرحمن تمر بهذين الركنين فتستلمهما لا يدعهما قال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يستلمهما لا يدعهما قلنا له أتمر بهذين وتمر بهذين الركنين فلا تستلمهما قال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يمر بهما فلا يستلمهما
قال الطبري واحتج من رأى الاستلام في الأركان كلها بما
حدثناه بن حميد قال حدثني يحيى بن وضاح قال حدثني الحسين بن واقد عن أبي الزبير عن جابر قال كنا نؤمر إذا طفنا أن نستلم الأركان كلها
قال أبو الزبير ورأيت عبد الله بن الزبير يفعله
قال أبو عمر قول أبي الزبير أنه رأى عبد الله بن الزبير يفعله وهو مكي يرى الجماعات من الصحابة وكبار التابعين يحجون فلو رآهم يفعلون ذلك لم يخص بذلك بن الزبير
وهذا يعضده حديث عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر رأيتك تفعل أربعا لم أر أحدا يفعلهن غيرك فذكر منهن أنه كان لا يستلم إلا الركنين فقط
قال أبو عمر هو مباح لمن فعله لا حرج عليه والسنة استلام الركنين الأسود واليماني
وعليه جماعة الفقهاء بالأمصار أهل الفتوى والحمد لله
وقد كان جماعة من السلف لا يستلمون الركن إلا في الوتر من الطواف منهم مجاهد وطاوس واستحبته طائفة من الفقهاء
قال الشافعي أحب الاستلام في كل وتر أكثر مما احبه في كل شفع وإذا لم يكن الازدحام أحببت الاستلام في كل طواف
( 36 - باب تقبيل الركن الأسود في الاستلام )
873 - مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال وهو يطوف بالبيت للركن الأسود إنما أنت حجر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قبلك ما قبلتك ثم قبله
قال مالك سمعت بعض أهل العلم يستحب إذا رفع الذي يطوف بالبيت يده عن الركن اليماني أن يضعها على فيه
قال أبو عمر هذا الحديث مرسل لأن عروة لم يسمع من عمر وقد روي متصلا مسندا من وجوه منها ما رواه بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث ويونس بن يزيد عن بن شهاب عن سالم عن أبيه أنه حدثه قال قبل عمر بن الخطاب الحجر ثم قال والله لقد علمت أنك حجر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك
قال عمرو بن الحارث وحدثني بمثلها زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر
قال أبو عمر زعم أبو بكر البزار أن هذا الحديث رواه عن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم مسندا أربعة عشر رجلا
وقد ذكرنا بعض تلك الطرق في التمهيد
ولا يختلف العلماء أن تقبيل الحجر الأسود في الطواف من سنن الحج لمن قدر عليه ومن لم يقدر عليه وضع يده على فيه ثم وضعها عليه مستلما ورفعها إلى فيه فإن لم يقدر أيضا على ذلك كبر إذا قابله وحاذاه فإن لم يفعل فلا أعلم أحدا أوجب عليه دما ولا فدية
روى بن جريج عن محمد بن جعفر قال رأيت بن عباس قبل الركن ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثلاث مرات
وروى الشافعي قال حدثني سعيد عن سالم عن حنظلة بن أبي سفيان عن طاوس أنه كان لا يستلم الحجر إلا أن يراه خاليا وكان إذا استلمه قبله ثلاث مرات ثم سجد عليه على إثر كل تقبيلة
قال أبو عمر وروي في الحجر الأسود آثار عن السلف منها عن بن عباس وعبد الله بن عمر ووهب بن منبه وكعب الأحبار وغيرهم أن الحجر الأسود من الجنة وأنه كان أشد بياضا من الثلج حتى سوده لمس أهل الشرك وعبدة الأصنام له وأنه لولا مسه من أرجاس أهل الجاهلية وأنجاسها ما مسه ذو عاهة إلا برأ
وعن بن عباس وسلمان الفارسي أنه من حجارة الجنة وأنه يبعث يوم القيامة وله لسان وشفتان وعينان يشهد لمن استلمه بالوفاء والحق وهو يمين الله في الأرض وهو يصافح بها عبادة
وعن السدي قال هبط آدم بالهند وأنزل معه الحجر الأسود وأنزل معه قبضة من ورق الجنة فنثرها آدم بالهند فأنبتت شجر الطيب فأجل ما يؤتى به من الطيب الهندي من ذلك الورق وإنما قبض آدم القبضة أسفا على الجنة حيث أخرج منها
وروى بن وهب عن عمرو بن الحارث أن قتادة حدثه أن أنس بن مالك
حدثه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال الحجر الأسود من حجارة الجنة وإني قد رضيت بما قسم
قال وحدثني يونس بن يزيد عن بن شهاب أنه سمع سعيد بن المسيب يقول الركن حجر من حجارة الجنة
أخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أبو إسماعيل الترمذي قال حدثني شاذ بن الفياض قال حدثني عمر بن إبراهيم العبدي البزار عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال الحجر الأسود من حجارة الجنة
قال أبو عمر كل ما ذكرنا في الحجر الأسود قد جاء عن السلف على حسب ما وصفنا وهو الصواب عندنا وأولى من قول من شذ فقال إنه من حجارة الوادي وبالله التوفيق
قال الشافعي السجود على الحجر سجود لله تعالى وأنا أحب ما صنع بن عباس وطاوس
قال وأخبرنا سعيد بن سالم عن بن جريج قال قلت لعطاء هل رأيت أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا استلموا قبلوا أيديهم قال نعم رأيت جابر بن عبد الله وبن عمر وأبا سعيد الخدري وأبا هريرة إذا استلموا قبلوا أيديهم
قلت وبن عباس قال نعم حسبت كثيرا قلت هل تدع أنت إذا استلمت أن تقبل يديك قال فلم أستلمه إذن !
قال بن جريج قلت لعطاء تقبيل الركن الأسود قال حسن
قال أبو عمر إذا كان موجودا عن السلف في الركن الأسود فما ذكره مالك عن بعض أهل العلم في الركن اليماني لأن الركنين السنة فيهما استلامهما وتقبيل اليد وتقبيل الحجر الأسود خاصة لمن قدر عليه وبالله التوفيق ،، نقلا من كتاب الأسيعاب لابن عبد البر