أضعف الإيمان - البحث عن ديك جدة
الثلاثاء, 01 ديسيمبر 2009
داود الشريان
(ألا يوجد فاسد واحد في هذا البلد يستحق أن يُشهّر به ويحاكم علناً نظير ما فعله بالبلاد والعباد؟ كل فاسد صغير يحميه فاسد كبير. والواقع الذي لا يحاكم الاثنين هو واقع فاسد. قيل لأحدهم: أنت متهم باختلاس مئات الملايين، قال: أنا لم آخذ من الجَمَل سوى أذنه، ولم يخبرنا من الذي أخذ بقية الجَمَل بما حمل. التاريخ سيكشف سارق الجَمَل، ويلعن سارق الأُذن. التاريخ لن يرحمكم، ونحن لن نسامحكم. ما حدث في جدة يجعلنا أمام أمرين: إما أن نبدأ حرباً حقيقية على الفساد، يقودها ملك صالح هو عبدالله بن عبدالعزيز، ونستحدث هيئة حقيقية وذات سلطة، تتابع المال العام، وأين ومتى يُصرف، ولها الصلاحية التي تجعلها تحاكم كل متجاوز، الكبير قبل الصغير، وإما أن نطأطئ رؤوسنا قليلاً، ونسمح بالصراخ، إلى أن تمضي هذه العاصفة، و «يا دار ما دخلك شر»).
الفقرة السابقة من مقال كتبه أبرز كتّاب جريدة «الوطن» السعودية وأكثرهم جرأة، محمد الرطيان، ونُشر الأحد الماضي. وهو واحد من مقالات نشرت ولا تزال، تفاعلاً مع كارثة سيول مدينة جدة والتي ذهب ضحيتها، حتى الآن، 106 مواطنين. وعلى رغم ان كل المقالات التي تنشر هذه الأيام، تتسم بجرأة باذخة لا تدوم طويلاً، إلا أن مقال الرطيان كان مختلفاً، فهو لم يكتفِ بالسؤال عن «رجل الديك»، بل طالب بالبحث عن الديك بشحمه ولحمه، وقال: «كل فاسد صغير يحميه فاسد كبير».
مأساة جدة أعادت الى الأذهان قضية النوبات التي تصيب الصحافة المحلية بين فترة وأخرى. فالصحافة السعودية تعمل على طريقة كفيلتها الحكومة، تنشط في الأزمات القاتلة، عملاً بنظرية « الإدارة بالأزمات « التي تجيدها الأجهزة الحكومية على نحو مبدع. وحين تنتهي الأزمة تعود الصحف السعودية الى أنشودة «استقبل وودع» وترسم صورة وردية عن أحوال البلد، وتغص أعمدتها بصور الموظفين وتجاملهم، كأن البلد ليس فيه شعب، وتجعل من روتين المؤسسات الحكومية إنجازات وسبقاً صحافياً.
على حد علمي، الحكومة في صدد فتح ملف الفساد في بلدية جدة، والأيام المقبلة ستشهد مساءلة جدية وصارمة عن التجاوزات التي أوصلت عروس البحر الأحمر الى الكارثة. وأتمنى أن تتحول هذه الكارثة الى مناسبة لفك الارتباط بين الصحافة والحكومة، وإطلاق يد الأولى في ممارسة دورها كسلطة رابعة، ونقلها من تدليس الدعاية وكتابة «المعاريض» الى صدق الإعلام، ورفع يد وزارة الإعلام عنها. فالصحافة هي عين المسؤول وضمير الأمة، ومن دون صحافة مستقلة ستتكرر الكوارث، ويستبد الموظفون، وتضيع الطاسة.
الثلاثاء, 01 ديسيمبر 2009
داود الشريان
(ألا يوجد فاسد واحد في هذا البلد يستحق أن يُشهّر به ويحاكم علناً نظير ما فعله بالبلاد والعباد؟ كل فاسد صغير يحميه فاسد كبير. والواقع الذي لا يحاكم الاثنين هو واقع فاسد. قيل لأحدهم: أنت متهم باختلاس مئات الملايين، قال: أنا لم آخذ من الجَمَل سوى أذنه، ولم يخبرنا من الذي أخذ بقية الجَمَل بما حمل. التاريخ سيكشف سارق الجَمَل، ويلعن سارق الأُذن. التاريخ لن يرحمكم، ونحن لن نسامحكم. ما حدث في جدة يجعلنا أمام أمرين: إما أن نبدأ حرباً حقيقية على الفساد، يقودها ملك صالح هو عبدالله بن عبدالعزيز، ونستحدث هيئة حقيقية وذات سلطة، تتابع المال العام، وأين ومتى يُصرف، ولها الصلاحية التي تجعلها تحاكم كل متجاوز، الكبير قبل الصغير، وإما أن نطأطئ رؤوسنا قليلاً، ونسمح بالصراخ، إلى أن تمضي هذه العاصفة، و «يا دار ما دخلك شر»).
الفقرة السابقة من مقال كتبه أبرز كتّاب جريدة «الوطن» السعودية وأكثرهم جرأة، محمد الرطيان، ونُشر الأحد الماضي. وهو واحد من مقالات نشرت ولا تزال، تفاعلاً مع كارثة سيول مدينة جدة والتي ذهب ضحيتها، حتى الآن، 106 مواطنين. وعلى رغم ان كل المقالات التي تنشر هذه الأيام، تتسم بجرأة باذخة لا تدوم طويلاً، إلا أن مقال الرطيان كان مختلفاً، فهو لم يكتفِ بالسؤال عن «رجل الديك»، بل طالب بالبحث عن الديك بشحمه ولحمه، وقال: «كل فاسد صغير يحميه فاسد كبير».
مأساة جدة أعادت الى الأذهان قضية النوبات التي تصيب الصحافة المحلية بين فترة وأخرى. فالصحافة السعودية تعمل على طريقة كفيلتها الحكومة، تنشط في الأزمات القاتلة، عملاً بنظرية « الإدارة بالأزمات « التي تجيدها الأجهزة الحكومية على نحو مبدع. وحين تنتهي الأزمة تعود الصحف السعودية الى أنشودة «استقبل وودع» وترسم صورة وردية عن أحوال البلد، وتغص أعمدتها بصور الموظفين وتجاملهم، كأن البلد ليس فيه شعب، وتجعل من روتين المؤسسات الحكومية إنجازات وسبقاً صحافياً.
على حد علمي، الحكومة في صدد فتح ملف الفساد في بلدية جدة، والأيام المقبلة ستشهد مساءلة جدية وصارمة عن التجاوزات التي أوصلت عروس البحر الأحمر الى الكارثة. وأتمنى أن تتحول هذه الكارثة الى مناسبة لفك الارتباط بين الصحافة والحكومة، وإطلاق يد الأولى في ممارسة دورها كسلطة رابعة، ونقلها من تدليس الدعاية وكتابة «المعاريض» الى صدق الإعلام، ورفع يد وزارة الإعلام عنها. فالصحافة هي عين المسؤول وضمير الأمة، ومن دون صحافة مستقلة ستتكرر الكوارث، ويستبد الموظفون، وتضيع الطاسة.
تعليق