أعجب أيّما عجبٍ أن يستنكر بعض قرّاء "الوئام" ما نقله الصّديق أحمد العرفج المشاكس حدّ الصّلافة بحثا في المطمور حقًا أن يُبعث, والمسكوت خوفًا أنْ يُقال بعد أن عنون لمقاله المنشور هنا بعنوان " في جدة يهود" نقلاً عن الرحَّالة بورك هارت حينما قال وفي السَّابق كَان اليهود هُم السَّماسرة والوسطَاء في هذه المَدينة –جُدَّة-، ثُم أُخرجوا منها مُنذ نَحو ثَلاثين سَنة أو أربعين، لأنَّ تصرّفَات البعض منهم كَانت مُسيئة، وانتقلوا إلى اليَمن أو إلى صَنعاء).
وقد وقفت على أشد من ذلك ثبورًا وإثمًا عظيمًا عندما جرني أحد المؤرخين إلى موقع "ذي الخلصة" ذلك الصنم المذكور في الحديث النبويّ الشّريف؛ والمدكوك حد ّالخفاء والضمور بعد أن توحّد بلادنا تحت راية ( ألّا إله إلاّ الله محمّد رسول الله).
تلكم مقدمة تصحّ أن تُقال تساوقا لما قال به الصديق أحمد العرفج في فحوى مقاله.. فهاكم الحكاية:
عندما أدرت محرّك سيارتي قاصدًا « ذو الخلصة»، كانت خواطري تسبق الطريق إليه، محتشدًا بنصوص التاريخ، أقلّبها صورًا مرسومة في الخيال، راسمًا تضاريسها كيفما كانت محصلة قراءتي لتاريخها الذي يقف عند أبرز حدثٍ فيها؛ كونها كانت مستقرًا لصنم «ذو الخلصة» ثم تبدّت أحداث أخرى فبدأ بالظهور حتّى جاءت يدٌ خيّرة فأردته قتيلاً..!!
كانت السيارة تنهب الطريق، فيبدو لي كل حجرٍ فيه سطرًا من سطور التّاريخ ينتظر القراءةَ والتّأمل، وكلما تصاعدت ذرّات الغبار أعادتني إلى سطور التّاريخ، بحثًا عمّا أقصده وأتشوق للوقوف عليه..
اتّجهت إلى محافظة «المندق» التي تبعد بضعة كيلومترات عن مدينة الباحة، مارًا بـ"عمضان»، انحرفْتُ بمركبتي صعودًا إلى «جبل السكران» بعلوّه الشاهق، والأشجار تكسوه مزدانا بها، وكأنّها أرادت أن تخبئ عنّا صفحات ماضٍ ضارب في القدم، ثم انحرفت إلى وادي «ثروق»، فإذا هو ممتد من الشمال إلى الجنوب، هناك ستأنس مع رفقة من قبائل من دوس منظورة في «بني علي»، و»آل عياش»، و»بني منهب»، وهي ساكنة إلى جوار مركز حكومي، محاط ببعض المرافق الحكومية الأخرى.
جبل السكران
أغراني «جبل السكران» بتسلقه، فشرعت في ذلك حتّى وصلت إلى قمّته، كونه الطريق الذي سيوصلني إلى بغيتي «ذو الخلصة».. ولم يكن لي من مناصٍ غير أن أسأل عنه، فسألت بعض من صادفت عن «ذي الخلصة»؛ لكنّني لم أجد جوابًا؛ غير علامات التّعجب التي تتبدّى جليّة في الملامح القرويّة المعروفة، والاستنكار الساكن في السحنات، وكأنّي أبحث عن «محظور!» يجب أن يُطْمر، أو «مجهول!» غير مدركٍ ينبغي يدفن فلا يبعث!! .. وبعد جهد مضنٍ من السؤال تمكنت من الوصول إلى بغيتي، حيث هو قابع في الجهة الغربية الشمالية من وادي «ثروق» المطل على تهامة «الشفا».. فإذا هو ساكن بين شعبين يطلان على تهامة غربًا، وفي جنوبها «ذو الخلصة».
لم يكن ميسورًا لي أن أتابع الرّحلة بسيارتي، إذا لا سبيل إلى ذلك مع وعورة الطريق، فترّجلت أنا ومرافقي المؤرخ قينان الزهراني مشيًا على الأقدام إلى مسافة 600 م تقريبًا.
وقفتُ عند موقع «ذو الخلصة»، مكان الصنم المعروف الذي تحدّث عنه الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وقالتْ عنه كتب التاريخ.. فإذا مكانه أرض منبسطة قد سُوّيت صخوره بالأرض، ولا زالت تلك الصخور على ما هي عليه، تتناثر أشلاءً في مكان لا تتجاوز مساحته 300م تقريباً.
بدا لي بكل وضوح وجلاء أن عملية الهدم تمّت بطرق بدائية، حيث لم أجد أثرًا لأيّ وسيلة حديثة في عمليتي الهدم والتّسوية، وهذا ما يؤكد لي أنَّ الإزالة تمّت منذ بزوغ الدولة السعودية الفتيّة واحتكامها إلى شرع الله، حيث تشير الوقائع وشاهد الحال – مرافقي- إلى أنّها كانت في العام 1341هـ بأمر من الملك عبدالعزيز – رحمه الله – منتدباً فيها الأمير عبدالعزيز آل إبراهيم.
يقول الأستاذ قينان جمعان وهو مؤرخ متخصص ومهتم بالأماكن التاريخيّة: « هذا الموقع الذي نحن عليه والمطل على تهامة من الجهة الغربية والذي يقع إلى الشمال الغربي من وادي «ثروق» هو موقع صنم «ذو الخلصة» الشهير، وما كان يطلق عليه آنذاك الكعبة اليمانيّة».
ويضيف: «زرته مرات سابقة قبل أن تسوى أرضيته وكان مملوءاً بحجارة ضخمة من الصعب زحزحتها إلاَّ باستعمال الآلات الحديثة وأعتقد انّها جرفت إلى الشعب الغربي المنحدر إلى تهامة».
من ذلك الموقع وفي الجهة الشرقية كان يطل جبل «ظهر الغدا»، وهو جبل يمتد من الشمال إلى الجنوب ؛ نزولاً إلى وادي «ثروق»، فاسترجعت ذاكرتي أنه الجبل الذي نزل منه الطفيل بن عمر الدوسي في ليلة ممطرة لا تسمع فيها آنذاك إلاَّ أصوات المزن، وحفيف الأشجار وهي تتلوّى من أهوال الظّلمة التي تسكنها الأرض حتّى أطلّ عليهم النّور الإلهي بقدوم سيد الخلق عليه السلام فأخرجهم من الظّلمات إلى النّور على يد «الطفيل» والنور يشعّ من قلبه قبل طرف العصا التي كان يحملها كعلامة على صدق الدعوة التي نزلها على النبي الأمي عليه السلام.
وحول جبل ثروق يقول الأستاذ قينان:» إنّه يشرف على الوادي الذي كان به رئاسة «دوس» و»أصنامها»؛ والذي تتقاسمه ثلاث قبائل دوسية هي دوس «بني علي»، ودوس «العياش» ودوس «بني منهب»؛ إلاَّ أنّ موقع الصنم يعتبر في «ديرة دوس بني علي».
ومن الناحية التاريخية فيقول:» جبل ثروق هبط منه الصحابي الجليل الطفيل بعد أن منَّ الله عليه بالإسلام و في ليلة مطيرة والنور يضيء له الطريق من طرف عصاه فقال أهالي ثروق نارا أحدثت على ثروق».
أمّا جبل «ظهر الغدا» فيصفه بالقول:» يعتبر أعلى قمّة في جبال المنطقة، وقد حدثني عنه رئيس بلدية المندق فقال في الأوقات التي لا يوجد ضباب تشاهد بالعين المجردة مطار الباحة الذي يبعد أكثر من 100كم إلى الجنوب الشرقي كما يشاهد البحر الأحمر غربا».
الأستاذ /ساري الزهراني
خاص بصحيفة الوئام الإلكترونية
وقد وقفت على أشد من ذلك ثبورًا وإثمًا عظيمًا عندما جرني أحد المؤرخين إلى موقع "ذي الخلصة" ذلك الصنم المذكور في الحديث النبويّ الشّريف؛ والمدكوك حد ّالخفاء والضمور بعد أن توحّد بلادنا تحت راية ( ألّا إله إلاّ الله محمّد رسول الله).
تلكم مقدمة تصحّ أن تُقال تساوقا لما قال به الصديق أحمد العرفج في فحوى مقاله.. فهاكم الحكاية:
عندما أدرت محرّك سيارتي قاصدًا « ذو الخلصة»، كانت خواطري تسبق الطريق إليه، محتشدًا بنصوص التاريخ، أقلّبها صورًا مرسومة في الخيال، راسمًا تضاريسها كيفما كانت محصلة قراءتي لتاريخها الذي يقف عند أبرز حدثٍ فيها؛ كونها كانت مستقرًا لصنم «ذو الخلصة» ثم تبدّت أحداث أخرى فبدأ بالظهور حتّى جاءت يدٌ خيّرة فأردته قتيلاً..!!
كانت السيارة تنهب الطريق، فيبدو لي كل حجرٍ فيه سطرًا من سطور التّاريخ ينتظر القراءةَ والتّأمل، وكلما تصاعدت ذرّات الغبار أعادتني إلى سطور التّاريخ، بحثًا عمّا أقصده وأتشوق للوقوف عليه..
اتّجهت إلى محافظة «المندق» التي تبعد بضعة كيلومترات عن مدينة الباحة، مارًا بـ"عمضان»، انحرفْتُ بمركبتي صعودًا إلى «جبل السكران» بعلوّه الشاهق، والأشجار تكسوه مزدانا بها، وكأنّها أرادت أن تخبئ عنّا صفحات ماضٍ ضارب في القدم، ثم انحرفت إلى وادي «ثروق»، فإذا هو ممتد من الشمال إلى الجنوب، هناك ستأنس مع رفقة من قبائل من دوس منظورة في «بني علي»، و»آل عياش»، و»بني منهب»، وهي ساكنة إلى جوار مركز حكومي، محاط ببعض المرافق الحكومية الأخرى.
جبل السكران
أغراني «جبل السكران» بتسلقه، فشرعت في ذلك حتّى وصلت إلى قمّته، كونه الطريق الذي سيوصلني إلى بغيتي «ذو الخلصة».. ولم يكن لي من مناصٍ غير أن أسأل عنه، فسألت بعض من صادفت عن «ذي الخلصة»؛ لكنّني لم أجد جوابًا؛ غير علامات التّعجب التي تتبدّى جليّة في الملامح القرويّة المعروفة، والاستنكار الساكن في السحنات، وكأنّي أبحث عن «محظور!» يجب أن يُطْمر، أو «مجهول!» غير مدركٍ ينبغي يدفن فلا يبعث!! .. وبعد جهد مضنٍ من السؤال تمكنت من الوصول إلى بغيتي، حيث هو قابع في الجهة الغربية الشمالية من وادي «ثروق» المطل على تهامة «الشفا».. فإذا هو ساكن بين شعبين يطلان على تهامة غربًا، وفي جنوبها «ذو الخلصة».
لم يكن ميسورًا لي أن أتابع الرّحلة بسيارتي، إذا لا سبيل إلى ذلك مع وعورة الطريق، فترّجلت أنا ومرافقي المؤرخ قينان الزهراني مشيًا على الأقدام إلى مسافة 600 م تقريبًا.
وقفتُ عند موقع «ذو الخلصة»، مكان الصنم المعروف الذي تحدّث عنه الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وقالتْ عنه كتب التاريخ.. فإذا مكانه أرض منبسطة قد سُوّيت صخوره بالأرض، ولا زالت تلك الصخور على ما هي عليه، تتناثر أشلاءً في مكان لا تتجاوز مساحته 300م تقريباً.
بدا لي بكل وضوح وجلاء أن عملية الهدم تمّت بطرق بدائية، حيث لم أجد أثرًا لأيّ وسيلة حديثة في عمليتي الهدم والتّسوية، وهذا ما يؤكد لي أنَّ الإزالة تمّت منذ بزوغ الدولة السعودية الفتيّة واحتكامها إلى شرع الله، حيث تشير الوقائع وشاهد الحال – مرافقي- إلى أنّها كانت في العام 1341هـ بأمر من الملك عبدالعزيز – رحمه الله – منتدباً فيها الأمير عبدالعزيز آل إبراهيم.
يقول الأستاذ قينان جمعان وهو مؤرخ متخصص ومهتم بالأماكن التاريخيّة: « هذا الموقع الذي نحن عليه والمطل على تهامة من الجهة الغربية والذي يقع إلى الشمال الغربي من وادي «ثروق» هو موقع صنم «ذو الخلصة» الشهير، وما كان يطلق عليه آنذاك الكعبة اليمانيّة».
ويضيف: «زرته مرات سابقة قبل أن تسوى أرضيته وكان مملوءاً بحجارة ضخمة من الصعب زحزحتها إلاَّ باستعمال الآلات الحديثة وأعتقد انّها جرفت إلى الشعب الغربي المنحدر إلى تهامة».
من ذلك الموقع وفي الجهة الشرقية كان يطل جبل «ظهر الغدا»، وهو جبل يمتد من الشمال إلى الجنوب ؛ نزولاً إلى وادي «ثروق»، فاسترجعت ذاكرتي أنه الجبل الذي نزل منه الطفيل بن عمر الدوسي في ليلة ممطرة لا تسمع فيها آنذاك إلاَّ أصوات المزن، وحفيف الأشجار وهي تتلوّى من أهوال الظّلمة التي تسكنها الأرض حتّى أطلّ عليهم النّور الإلهي بقدوم سيد الخلق عليه السلام فأخرجهم من الظّلمات إلى النّور على يد «الطفيل» والنور يشعّ من قلبه قبل طرف العصا التي كان يحملها كعلامة على صدق الدعوة التي نزلها على النبي الأمي عليه السلام.
وحول جبل ثروق يقول الأستاذ قينان:» إنّه يشرف على الوادي الذي كان به رئاسة «دوس» و»أصنامها»؛ والذي تتقاسمه ثلاث قبائل دوسية هي دوس «بني علي»، ودوس «العياش» ودوس «بني منهب»؛ إلاَّ أنّ موقع الصنم يعتبر في «ديرة دوس بني علي».
ومن الناحية التاريخية فيقول:» جبل ثروق هبط منه الصحابي الجليل الطفيل بعد أن منَّ الله عليه بالإسلام و في ليلة مطيرة والنور يضيء له الطريق من طرف عصاه فقال أهالي ثروق نارا أحدثت على ثروق».
أمّا جبل «ظهر الغدا» فيصفه بالقول:» يعتبر أعلى قمّة في جبال المنطقة، وقد حدثني عنه رئيس بلدية المندق فقال في الأوقات التي لا يوجد ضباب تشاهد بالعين المجردة مطار الباحة الذي يبعد أكثر من 100كم إلى الجنوب الشرقي كما يشاهد البحر الأحمر غربا».
الأستاذ /ساري الزهراني
خاص بصحيفة الوئام الإلكترونية
تعليق