بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تبدو الأرقام التي تمطرنا بها وسائل الإعلام كما لو انها حقائق مطلقة لا تقبل الشك، خصوصاً عندما تصدر هذه الأرقام من جهات أجنبية غربية.. ومن بلدان متقدمة مثل أمريكا!! لكن الحقيقة هي أن الأرقام لا تكون صحيحة بشكل مطلق عندما يتعلق الأمر بقياس الظواهر الاجتماعية.. فالأرقام تحاول أن تقترب من الحقيقة، ولكن يصعب أن تكون مطابقة للحقيقة وللواقع!
وقد تعودنا، في البلدان النامية، أن نعزو عدم دقة الأرقام إلى «المؤامرات» التي يدبرها من يريدون إخفاء الحقائق وتزوير الواقع.. لكنك لو سألت أي متخصص في علم الإحصاء لأخبرك ان من واجب الإحصائي أن يجتهد في «الاقتراب» من الواقع لأنه لا يستطيع «تصوير» الواقع.. أو ما يطلق عليه approximation of reality not depicting it. وعندما نتحدث عن بعض الظواهر الاجتماعية بلغة الأرقام، مثل نسبة الطلاق أو العنوسة في المجتمع أو معدل نمو السكان أو حتى المتغيرات الاقتصادية مثل الدخل القومي أو الناتج المحلي الاجمالي أو معدل التضخم نتصور أن هذه الأرقام حقائق رياضية مثل قياس نتائج تجربة كيميائية تتم في المختبر بدقة متناهية بينما هامش الخطأ كبير للغاية.. وأقصى ما يطمح إليه المتخصصون في علم الإحصاء هو تقليل هامش الخطأ إلى أدنى مستوى ممكن لا إلغاؤه بالكامل!.
مناسبة هذا الكلام هو بعض الأرقام التي يتم تداولها لدينا عن بعض الظواهر الاجتماعية المعقدة.. فما أن يتم نشر تقديرات احصائية عن بعض هذه الظواهر حتى تصبح لدى البعض مثل الحقائق المقدسة.. وقد لا يعرف بعض المولعين بالمقارنات الرقمية ان بعض المؤسسات الإحصائية الكبرى في الولايات المتحدة لا زالت غير متفقة على تقدير نسبة الطلبة الذين يكملون دراسة المرحلة الثانوية العامة في أمريكا إلى اجمالي عدد من يدخلون هذه المرحلة!!.
أحياناً قد تتدخل التوجهات الفكرية في تقديرات الأرقام.. فإذا كان الباحث يحمل توجهات ليبرالية، مثلاً ربما يميل إلى انتقاء أرقام تدعم توجهه وإذا كان ذا ميول محافظة قد ينتقي أرقاماً أخرى.. وهذا لا يعني بالضرورة أن أياً منهما يتعمد الكذب بقدر ما يعني أن قياس الظواهر الاجتماعية ليس مثل قياس الظواهر الطبيعية، وأن «تعليب» المتغيرات الاجتماعية المتشابكة ووضعها في إناء رقمي بسيط هو اختزال للحقيقة.
إننا نتحدث أحياناً بمنتهى السذاجة عن قضايا اجتماعية بالغة التعقيد متسلحين باحصائيات قديمة أو ناقصة أو مأخوذة من خارج سياقها أو من خارج الفرضيات التي أقيمت عليها.. وبذلك تصبح الأرقام مضرة أكثر مما هي نافعة!.
لهذه الأسباب ربما يكون المتخصصون في علم الإحصاء أكثر تواضعاً من غيرهم عندما يدور الحديث عن الظواهر الاجتماعية بلغة الأرقام.. وهذا، بلا شك، هو تواضع العلماء.. فالذين يعلمون ليسوا كمن لا يعلمون {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}! علينا أن نجتهد في رفع دقة وجودة البيانات الرقمية إلى أقصى درجة ممكنة.. ولكن حذارِ من السقوط في وهم المقولة التي تزعم أن الأرقام لا تكذب.. لأنها ربما تكذب وببراءة تامة!
منقول
تعليق