الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم . أما بعد :
فهذه مسألة متعلقة بحكم التشاؤم بصفر
ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولاصفر .
قوله صلى الله عليه وسلم : ((ولا صفر )) قال كثير من المتقدمين : الصفر داء في البطن
أولا : يقال : أنه دود فيه كبار كالحيات وهو أعدى من الجرب عند العرب ، فنفى ذلك
النبي صلى الله عليه وسلم ،وقيل : المراد بالصفر : الحية ، لكن المراد بالنفي نفي
ما كانوا يعتقدون أن من أصابه قتله ، فردّ الشارع ذلك بأن الموت لا يكون إلا إذا
فرغ الأجل .وقد جاء هذا التفسير عن جابر وهو أحد رواة حديث : (( ولاصفر)) .
ثانياً : وقالت طائفة : بل المراد بصفر هو شهر صفر . ثم اختلفوا في تفسيره على قولين :
أ- أن المراد نفي ما كان أهل الجاهلية يفعلونه في النسيء فكانوا يحلون المحرم، ويحرمون
صفر مكانه،وهذا قول الإمام مالك
ب- أن المراد أهل الجاهلية كانوا يستشئمون بصفر ويقولون أنه شهر مشئوم
فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك . ورجَّح هذا القول ابن رجب الحنبلي .
ويجوز أن يكون المراد هو الدواب التي في البطن ، والتي هي أعدى من الجرب بزعمهم
وأن يكون المراد تأخير الحرم إلى صفر وهو ما يسمى بالنسيء ، وأن الصفرين جميعاً
باطلان لا أصل لهما ، ولا تصريح على واحد منهما .وكذلك يجوز أن يكون المراد هو نفي
التشاؤم بصفر ؛لأن التشاؤم صفر من الطيرة المنهي عنها
لقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا طيرة )) . لقوله صلى الله عليه وسلم :
((الطيرة شرك ، الطيرة شرك)) . ويكون قوله : (( ولا صفر ))
من باب عطف الخاص على العام ، وخصَّه بالذكر لاشتهاره .
فالنفي- والله أعلم- يشمل جميع المعاني التي فسر العلماء بها قوله صلى الله عليه وسلم
(( لا صفر ))والتي ذكرتها ؛ لأنها جميعاً باطلة لا أصل لها ولا تصريح على واحد منها .
فكثير من الجهال يتشاءم بصفر ، وربما ينهى عن السفر فيه ، وقد قال بعض هؤلاء الجهال :
ذكر بعض العارفين أنه ينزل في كل سنة ثلاثمائة وعشرون ألفاً من البليات ،وكل ذلك في
يوم الأربعاء الأخير من صفر ،فيكون ذلك اليوم أصعب أيام السنة كلها ، فمن صلى في ذلك
اليوم أربع ركعات ، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة ، وسورة الكوثر سبع عشرة مرة
والإخلاص خمس عشرة مرة ، والمعوذتين مرة ، ويدعون بعد السلام بدعاء مخصص
ويعتقدون بأن من قاله حفظه الله بكرمه من جميع البليات التي تنزل في ذلك اليوم
ولم تحم حوله بليةفي تلك السنة وكذلك ما يفعله بعض الناس في اجتماعهم في آخر
أربعاء من شهر صفر بين العشاءينفي بعض المساجد ، ويتحلقون إلى كاتب يرقم لهم
على أوراق آيات السلام السبعة على الأنبياء ؛ كقوله تعالى :
{سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} ثم يضعونها في الأواني،ويشربون من مائها
ويعتقدون أن سر كتابتها في هذا الوقتثم يتهادونها إلى البيوت.ونظير هذا تشاؤم
بعض الناس في بعض الأقطار الإسلاميةمن عيادة المريض يوم الأربعاء وتطيرهم منه .
ولا شك التشاؤم بصفر أو بيوم من أيامه هو من جنس الطيرة المنهي عنها
فقد قال صلى الله عليه وسلم : لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة ، ولاصفر.
وقال صلى الله عليه وسلم : لا عدوى،ولا طيرة ، ويعجبني الفأل.
قالوا :وما الفأل ؟ قال ( كلمة طيبة)) .
وقال عليه الصلاة والسلام: الطيرة شرك ، الطيرة شرك .
وقال صلى الله عليه وسلم : من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك
قالوا : فما كفارة ذلك ؟ قال : أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك
ولا طير إلا طيرك ، ولا إله غيرك .
وتخصيص الشؤم بزمان دون زمان ؛ كشهر صفر وغيره ، غير صحيح
لأن الزمان كله خلق الله تعالى ، وفيه تقع أفعال بني آدم ، فكل زمان شغله
المؤمن بطاعة الله فهو زمان مبارك عليه ، وكل زمان شغله العبد بمعصية الله
فهو مشؤم عليه .
مختصر من صيدالفوائد
تعليق