الولد يذبح أباه ..من المجرم؟
أحد زملائنا في " البلاد " قدم لي قبل ايام خبراً، ارسله لنا احد زملائنا من شرقي المملكة، قدمه له وهو متأثر للغاية، وتكسو محياه علامات الأسى والحسرة، وعندما قرأت الخبر وجدته واحداً من سلسلة الأخبار المؤلمة، التي صارت في السنوات الأخيرة تصعقنا كمجتمع، بدءاً بنا نحن في الصحف، ثم القراء الأعزاء ثانياً وقبل ذلك رجال الأمن، وقد كان الخبر عن شاب قام بقتل والده، بعد ان طعنه بالسكين وهو على كنبة داره، في وقت كان ينتظر ذلك الأب قبلة برّ ووفاء من ابنه، الذي رباه وانتظره حتى كبر، واذا به يمنحه سكيناً غادرة، تستقر في صدره، وصدر من؟ ..انه صدرالذي تعب وسهر وربى، وجاهد على ذلك الشاب منذ كان رضيعاً، وظل يرى آماله واحلامه فيه، الى ان كبر، وبلغ مبلغ الرجال، ثم قابل كل ذلك الاحسان بذلكم العقوق الذي ليس وراءه عقوق .
٭٭الحالة ليست واحدة ولا اثنتين ولا عشراً، ولكنها بدأت تتزايد واصبحت تتفاقم سنة بعد سنة، حيث تحول برّ عدد من الابناء وربما البنات، الى هذه الصور المؤلمة جداً من العقوق، الذي يشيب له الولدان، نتيجة عوامل ومتغيرات كثيرة نشأت على ساحتنا الاجتماعية المحلية، فحولت حفنة غير قليلة من ابنائنا الى مجرمين ومنحرفين وقتلة، وفي أبشع صورة، وهذا في الواقع ما كان غير موجود قبل عقود من الزمن، فما هي حكاية شباب هذه الأيام، وما هي حيثيات هذه الفواجع؟
٭٭لقد كنت في الواقع مثل غيري أتمنى لو تنادى عدد من المختصين في القطاعات ذات الاختصاص الى دراسة هذه الحالة المؤسفة، واشباعها بالبحث والتقصي والمعالجة، ومن ثم وضع التصورات المقترحة لعلاجها عبر توصيات، يتم تنفيذها من قبل عدد من مؤسسات المجتمع ..واظن في هذا السياق ان الجهات الامنية مع الجامعات وحقوق الانسان والهيئات التوعوية الرسمية مسؤولة تماماً، وعليها مسؤولية الجلوس حول مائدة بحث هذه الحالة المؤسفة، بعد ان تزايدت ووصل لظاها الى معظم المناطق والقرى والبوادي، واصبح للاسف الشديد من السهل على الابن، ان يتهجم ويتطاول على والده او والدته في غمضة عين وبدم بارد، دون استشعار للمسؤولية الفادحة وراء هذا الفعل الشنيع، الذي تتبرأ منه كل الاعراف والديانات والثقافات .
٭٭و للبحث عن الأسباب التي تؤول الى هذه الكوارث الخلقية والانسانية، فإن التفكك الاسري يظل واحداً من الاعمدة المهمة المسؤولة ..فقد تباعدت عناصر الاسرة الواحدة عن بعضها اكثر من ذي قبل، فانشغل الاب وتلهت الام، وتفرق الاخوة في مستوى التفكير والاهتمامات والرؤى، حتى ان المائدة التي كان يمكن ان يجتمعوا حولها قد غابت هي الاخرى، ولم يعد قائماً الآن سوى جدران المسكن الذي يجمع هؤلاء داخل اطار واحد من الخارج، بينما كل واحد منزوٍ في ركنه ..وغابت مبادرات الاسرة في الخروج الجماعي لرحلة او نزهة جماعية، وصار في يد كل واحد من أفراد البيت نسخة من مفتاح بابه الرئيسي، بحيث عندما يدخل هذا يخرج ذاك، فضاعت معظم اسباب التلاقي، واكثر مقومات الالتفاف والتحلق حول بعضهم البعض، وامتد هذا الافتراق والشعب الى المجتمع، فصار كل احد غارقاً في دنياه لوحده .
٭٭ومن الاسباب كذلك سيل الاحباطات الحياتية التراكمية، والذي صار يزيد عاماً بعد اخر .
ًًًً ٭٭ويظل من الاسباب كذلك غياب الجرعات التوعوية الدينية اولا، والتي لم تصل بعد الى الاساليب العلمية الصحيحة، بل ظلت تراوح في مكانها في صورة من الخطاب الديني التقليدي، وغير المؤثر، والذي لم يعد يباشر القلوب للاسف، ولا يؤثر في السلوك، وانما هو في جانب كبير منه مجرد صراخ وحديث فضفاض يفتقر الى بديهيات التوعية ذات المخرجات الجيدة ..واضافة الى ذلك غابت الدروس التربوية العميقة في المدرسة والجامعة والمسجد والمنتديات الفكرية، وتحولت الى اتجاهات غير مجدية، بدليل انها لم تؤطر السلوكيات كما ينبغي، فكانت هذه الجرائم وغيرها تتكاثر ..وفوق كل ذلك زيادة عدد حالات تعاطي المخدرات والتي جاءت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فاختطفت من المجتمع عدداً من زهرات الشباب، وحولتهم الى مدمنين، ومشاريع مجرمين داخل البيوت وفي عرض الشارع، وقتلت كل نوازع البر والخلق والشيم في نفوس كل من أدمن عليها، وباع نفسه لها، إمَّا طائعاً مختاراً، او مغرراً به، فلا حول ولا قوة الا بالله .
بخيت الزهراني
أحد زملائنا في " البلاد " قدم لي قبل ايام خبراً، ارسله لنا احد زملائنا من شرقي المملكة، قدمه له وهو متأثر للغاية، وتكسو محياه علامات الأسى والحسرة، وعندما قرأت الخبر وجدته واحداً من سلسلة الأخبار المؤلمة، التي صارت في السنوات الأخيرة تصعقنا كمجتمع، بدءاً بنا نحن في الصحف، ثم القراء الأعزاء ثانياً وقبل ذلك رجال الأمن، وقد كان الخبر عن شاب قام بقتل والده، بعد ان طعنه بالسكين وهو على كنبة داره، في وقت كان ينتظر ذلك الأب قبلة برّ ووفاء من ابنه، الذي رباه وانتظره حتى كبر، واذا به يمنحه سكيناً غادرة، تستقر في صدره، وصدر من؟ ..انه صدرالذي تعب وسهر وربى، وجاهد على ذلك الشاب منذ كان رضيعاً، وظل يرى آماله واحلامه فيه، الى ان كبر، وبلغ مبلغ الرجال، ثم قابل كل ذلك الاحسان بذلكم العقوق الذي ليس وراءه عقوق .
٭٭الحالة ليست واحدة ولا اثنتين ولا عشراً، ولكنها بدأت تتزايد واصبحت تتفاقم سنة بعد سنة، حيث تحول برّ عدد من الابناء وربما البنات، الى هذه الصور المؤلمة جداً من العقوق، الذي يشيب له الولدان، نتيجة عوامل ومتغيرات كثيرة نشأت على ساحتنا الاجتماعية المحلية، فحولت حفنة غير قليلة من ابنائنا الى مجرمين ومنحرفين وقتلة، وفي أبشع صورة، وهذا في الواقع ما كان غير موجود قبل عقود من الزمن، فما هي حكاية شباب هذه الأيام، وما هي حيثيات هذه الفواجع؟
٭٭لقد كنت في الواقع مثل غيري أتمنى لو تنادى عدد من المختصين في القطاعات ذات الاختصاص الى دراسة هذه الحالة المؤسفة، واشباعها بالبحث والتقصي والمعالجة، ومن ثم وضع التصورات المقترحة لعلاجها عبر توصيات، يتم تنفيذها من قبل عدد من مؤسسات المجتمع ..واظن في هذا السياق ان الجهات الامنية مع الجامعات وحقوق الانسان والهيئات التوعوية الرسمية مسؤولة تماماً، وعليها مسؤولية الجلوس حول مائدة بحث هذه الحالة المؤسفة، بعد ان تزايدت ووصل لظاها الى معظم المناطق والقرى والبوادي، واصبح للاسف الشديد من السهل على الابن، ان يتهجم ويتطاول على والده او والدته في غمضة عين وبدم بارد، دون استشعار للمسؤولية الفادحة وراء هذا الفعل الشنيع، الذي تتبرأ منه كل الاعراف والديانات والثقافات .
٭٭و للبحث عن الأسباب التي تؤول الى هذه الكوارث الخلقية والانسانية، فإن التفكك الاسري يظل واحداً من الاعمدة المهمة المسؤولة ..فقد تباعدت عناصر الاسرة الواحدة عن بعضها اكثر من ذي قبل، فانشغل الاب وتلهت الام، وتفرق الاخوة في مستوى التفكير والاهتمامات والرؤى، حتى ان المائدة التي كان يمكن ان يجتمعوا حولها قد غابت هي الاخرى، ولم يعد قائماً الآن سوى جدران المسكن الذي يجمع هؤلاء داخل اطار واحد من الخارج، بينما كل واحد منزوٍ في ركنه ..وغابت مبادرات الاسرة في الخروج الجماعي لرحلة او نزهة جماعية، وصار في يد كل واحد من أفراد البيت نسخة من مفتاح بابه الرئيسي، بحيث عندما يدخل هذا يخرج ذاك، فضاعت معظم اسباب التلاقي، واكثر مقومات الالتفاف والتحلق حول بعضهم البعض، وامتد هذا الافتراق والشعب الى المجتمع، فصار كل احد غارقاً في دنياه لوحده .
٭٭ومن الاسباب كذلك سيل الاحباطات الحياتية التراكمية، والذي صار يزيد عاماً بعد اخر .
ًًًً ٭٭ويظل من الاسباب كذلك غياب الجرعات التوعوية الدينية اولا، والتي لم تصل بعد الى الاساليب العلمية الصحيحة، بل ظلت تراوح في مكانها في صورة من الخطاب الديني التقليدي، وغير المؤثر، والذي لم يعد يباشر القلوب للاسف، ولا يؤثر في السلوك، وانما هو في جانب كبير منه مجرد صراخ وحديث فضفاض يفتقر الى بديهيات التوعية ذات المخرجات الجيدة ..واضافة الى ذلك غابت الدروس التربوية العميقة في المدرسة والجامعة والمسجد والمنتديات الفكرية، وتحولت الى اتجاهات غير مجدية، بدليل انها لم تؤطر السلوكيات كما ينبغي، فكانت هذه الجرائم وغيرها تتكاثر ..وفوق كل ذلك زيادة عدد حالات تعاطي المخدرات والتي جاءت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فاختطفت من المجتمع عدداً من زهرات الشباب، وحولتهم الى مدمنين، ومشاريع مجرمين داخل البيوت وفي عرض الشارع، وقتلت كل نوازع البر والخلق والشيم في نفوس كل من أدمن عليها، وباع نفسه لها، إمَّا طائعاً مختاراً، او مغرراً به، فلا حول ولا قوة الا بالله .
تعليق