يتمنى رعاية أخيه من قبل الشؤون الاجتماعية
مليونيــر يختــار أن يعيش في خرابة مع شقيقه المعوق
المحرر يتسلق وصولاً للمنزل!مليونيــر يختــار أن يعيش في خرابة مع شقيقه المعوق
الباحة - تحقيق - إبراهيم الزهراني
يكتنف بين أطلال أبنية قرية أثرية متهاوية على عروشها لا يطرقها إنسان، ولا يدب في جحورها وسراديبها المظلمة سوى الثعابين والقوارض، والهوام، بعد أن هجرها سكانها منذ عشرات السنين، حتى أصبحت أطلالاً تعكس قسوة الحياة التي كان يعيشها القدماء سر قديم لا يفهمه إلا شقيقان يسكنان أحد هذه المنازل الأثرية ويتقاسمان لقمة العيش ويستشعران الغبطة والسعادة والحزن والشقاء معاً تحت سقف متهالك، في غرفة صغيرة لا تستوعب أكثر من شخصين وكأنهما في قبر عدا أن ذلك القبر يأوي جسدين حيين، يعيشان على رائحة الأبوين اللذين فقداهما منذ زمن بعيد.
يكتنف بين أطلال أبنية قرية أثرية متهاوية على عروشها لا يطرقها إنسان، ولا يدب في جحورها وسراديبها المظلمة سوى الثعابين والقوارض، والهوام، بعد أن هجرها سكانها منذ عشرات السنين، حتى أصبحت أطلالاً تعكس قسوة الحياة التي كان يعيشها القدماء سر قديم لا يفهمه إلا شقيقان يسكنان أحد هذه المنازل الأثرية ويتقاسمان لقمة العيش ويستشعران الغبطة والسعادة والحزن والشقاء معاً تحت سقف متهالك، في غرفة صغيرة لا تستوعب أكثر من شخصين وكأنهما في قبر عدا أن ذلك القبر يأوي جسدين حيين، يعيشان على رائحة الأبوين اللذين فقداهما منذ زمن بعيد.
وقد قامت الـ "الرياض" بزيارة خاصة لهما عبر طرق ومسالك وعرة تحفها المخاطر والأحراش من كل جانب وتعيق الأقدام شجيراتها الشائكة، لعدم وجود طريق واضح يصل إلى هذه القرية.
وبعد أن أوقفنا السيارة في سفح الجبل المطل على القرية بمسافة أربعة أكيال تقريباً لنستأنف الرحلة مشياً على الأقدام، فتارة نزحف، وتارة نتسلق الجدران، وأخرى نتوغل في دهاليز مظلمة، حتى شارفنا على القرية الموحشة التي يسكنها الأخوان عيضة بن مساعد الزهراني ( 49عاماً) والذي أمضى في خدمته التربوية ( 23عاماً) في مجال التعليم للصفوف الأولية بالمرحلة الابتدائية، حتى أحيل للتقاعد المبكر بناء على طلبه، وشقيقه صالح الذي يعاني من الإعاقة الذهنية.
وكان الهدف من الزيارة هو بحث ما يخفيه مثل ذلك الوضع الاجتماعي الذي يعد أمراً غريباً على المعوزين والفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم، فكيف بمن يملكون الأموال ورصيدهم بالملايين فإن ذلك الأمر يعد خرقاً للمألوف!!
إضافة إلى بحث أسباب التشبث على البقاء في تلك الخرابة التي تحيطها المباني الحجرية المهدمة من كل الجوانب، ولنقل ما يحمله الشقيقان من هموم، وعرضها لأهل الخير في بلد الخير والإنسانية، ولذلك قمنا بزيارة هؤلاء لمحاولة استطلاع رأيهما والسر الذي يمنعهما من الزواج وبناء مسكن حديث واقتناء سيارة والعيش كما يعيش الأغنياء كونهما من ميسوري الحال!!
وفور وصولنا بالقرب من عتبة باب المنزل العتيق استقبلنا بالبشر وارتسمت ابتسامة عريضة على محيا الرجل المعوق صالح بن مساعد، ولشدة فرحته بقدومنا ليستأنس بنا عاد مهرولاً للمنزل وأحضر علبة عصير لنتقاسمها أنا ورفيقي، ثم أحضر طمرة بالية وممزقة وقام بفرشها في فناء المنزل الذي يرتج سقفه أثناء السير عليه ويكاد يهوي بناء إلى الدور السفلي، ثم مكثنا ننتظر المواطن عيضة حتى أتم صلاة العصر.
محاولة للتكيف
وبعد أن قوبلنا بالترحيب من الشقيقين بدأ الحوار الساخن حيث يقول عيضة ما تردد إلى أسماعكم صحيح فأنا املك المال الوفير ولله الحمد، ولكني لا أملك نفسي!! فأنا أشعر أنني ملكاً لشقيقي المعوق وأرى أنه جزء مني، وأنا جزء منه، وكأننا جسد واحد وروح واحدة، وقد حاولت التغيير، وقمت باستئجار شقة فاخرة مفروشة ومؤثثة بأفخم الأثاث في مدينة الباحة، ودفعت أجرتها كاملة مقدماً لمدة شهر كتجربة مبدئية لمحاولة التكيف، ولكننا لم نذق طعم النوم لمدة يومين حتى أصابنا الهوس ولم نتمكن من البقاء في الشقة خصوصاً أخي الذي لم يتمالك أعصابه حيث قام بتهشيم كل شيء في المنزل مطالباً بالعودة لهذا المنزل القديم، وكذلك شعوري أنا حيث أشعر بضيق شديد عندما أترك هذا المنزل علماً أنني أتمنى أن أعيش في مكة المكرمة أو المدينة المنورة ولكن دلني كيف أفعل ذلك، وكذلك أخي فهو أيضاً لا يريد الخروج من هنا، سوى أنه يهوى التجول ونذهب أنا وهو مشياً على الأقدام، ونجد من يتوقف ويقوم بإيصالنا للباحة بمسافة 35كيلو متراً ونعطيه أجرة نقلنا ولا نسمح لأحد أن يقوم بإيصالنا بدون مقابل، وبعد ان نتناول وجبة العشاء في أحد مطاعم الباحة نعود مجدداً للمنزل ونمشي على الأقدام بصفة يومية من الخط العام حتى المنزل.
تشبثه بالمنزل
ومن أسباب تشبثه بالبقاء في المنزل المتهالك القديم يقول: إنها تَقّرُ فيه أعيننا، وتهدأ فيه نفوسنا، وتزورنا فيه أجمل الأحلام، وتغمرنا فيه الفرحة والغبطة والسرور، ونشعر ببساطة الحياة، وأننا نستطيع قهر زينة الحياة الدنيا، وإذا سألتني عن سر ذلك فو الله لا أعلم!! وتستطيع أن تسمي ذلك زُهداً أو خرقاً للمألوف أو حالة نفسية ولك أن تسمي ذلك بما شئت عدا البخل!!
ولا أستطيع امتلاك سيارة، ليس لعدم وجود قيمتها بل أنني أستطيع ولله الحمد اقتناء عشر سيارات، ولكن الرغبة مقيدة لأسباب نفسية لا أعلم عنها!
الزواج
وبعد سؤالنا لضيفنا الأستاذ الزهراني حول عدم رغبته في الزواج، قال: أنا أعاني من مرض نفسي في هذه الناحية بالذات، وكذلك لي محاولات، بذلت فيها الكثير من المال لمحاولة الشفاء، ولم أتمكن لأنها إرادة الخالق سبحانه وتعالى، يا أخي لا أستطيع ولا أريد أن أسمع مثل تلك الأسئلة الثقيلة التي تضيق الصدر، فطالما وأن السعادة تغمرني في هذا المكان فلن أبالي بالمال، فأنا راضٍ بقضاء الله وقدره.
ضربة موجعة
وفيما يتعلق بإصابة شقيقه المريض صالح ( 45عاماً)، والذي قال إنه يعاني من إصابة مزمنة أفقدته النطق والبصر وتسببت في تخلفه الفكري يقول عيضة: إن الإصابة كانت بسبب تعرض أخيه للضرب المبرح من والده في سن التاسعة من عمره، ويقول: إن شقيقه كان ذكياً متفوقاً على أقرانه في الدراسة وقد درس حتى السنة الثالثة
ابتدائي. وهنا سكت ضيفنا عن الكلام، فبعد أن تنهد قليلاً قال: بل ان أخي هذا كان أكثر ذكاءً مني وكان فصيحاً لدرجة تفوق الوصف ولكن شقاء الأطفال وهو شيء طبيعي، فقد كان أخي صالح يعبث في المزرعة التي كانت هي مصدر الرزق الوحيد الذي نقتات منه حيث كنا نعيش على محصولها كوجبة غذاء رئيسية وكان والدي يعاني الفقر الشديد ولا يكاد يستطيع تأمين قوت اليوم الواحد، وكان رحمه الله شديد الغضب ولم يتمالك نفسه بعد أن زجر أخي وكان ينهاه كثيراً عن العبث وإيذاء المواشي التي تخص الجيران ولكن شقاء الطفولة لم يجعله ينتهي، فأراد أن يؤدبه، وضربه ضرباً موجعاً بعصا غليظة وجاءت إحدى الضربات غير المقصودة بمؤخرة الرأس فسقط أخي مغشياً وأفقدته تلك الضربة جارحة البصر وعدم القدرة على النطق، وتسببت في إعاقته الذهنية!! وبعد وفاة والدي الذي عانى كثيراً واشتد حزنه وأسفه على ما حل بأخي بعد أن يئس من شفائه وقد توفي والدي وهو يتألم ويردد اسم أخي ويلوم نفسه على ما حدث وكان يقبّله حتى فارق الحياة رحمه الله وذلك بعد سنوات من مرض أخي.
ميئوس منه
ويقول: بعد وفاة والدي قمنا بعمل رقية شرعية على أيدي متفقهين في الدين فعاد له البصر ولله الحمد، إلا أن بصره ضعيف ولا يرى الأشياء بدقة، ثم أنه يحاول النطق
وكما تراه فهو يبلبل بكلام غير مفهوم عدا كلمات قليلة مثل لفظ الجلالة "الله"، وقوله الذي يردده دائماً ويفهم بوضوح جملة (عند الله خير). ويضيف الزهراني أن فاعل خير ساعده في المراجعة بأخيه في مستشفى الملك فيصل التخصصي واتضح أنه ميئوس تماماً من شفائه وأن أجزاء من الدماغ تضررت ولونها يميل للأسود الداكن..
وفي النهاية يناشد المواطن عيضة الزهراني المسئولين للسماح له (باستقدام خادمة) تعينه على رعاية أخيه، بشرط أن تقبل العيش معه في نفس هذا المنزل. ويتمنى أن تتم رعاية شقيقه من قبل متخصصين في الشئون الاجتماعية.
وفي الواقع أن المواطن عيضة بحاجة للمساعدة لبحث أسباب عدم تمكنه من الخروج من المنزل الآيل للسقوط في أي لحظة فهو كما يقول حاول ولم يتمكن، ويحاول التحكم في أمواله ويشعر كما يقول إنه مقيد لأسباب نفسية!
الرابط
http://www.alriyadh.com/2008/08/28/article370455.htm
الرابط
http://www.alriyadh.com/2008/08/28/article370455.htm
تعليق