متقاعدون على الرف .. مع الأثاث القديم
بخيت الزهراني
بخيت الزهراني
** كلما تأملت حال المتقاعدين عندنا، اجد نفسي انخرط في حالة من تلبس الكوميديا الممزوجة بالتراجيديا ..او بعبارة اخرى فإنني اضحك وسط بحر من الحزن على هؤلاء الذين افنوا زهرة شبابهم في خدمة المجتمع من خلال المؤسسات الرسمية او الاهلية التي عملوا بها، وكان شغلهم الشاغل ليل نهار ..ثم في نهاية المطاف لا يجد احدهم من يقدرجهده، او يثمن السنوات الطوال من حياته التي امضاها في اداء رسالة خدمة مجتمعه .
** احد المتقاعدين مبكراً من المعلمين روى لي واحدة من حكايات تصلح مشروع حلقة ناجحة ل " طاش ماطاش " او " ناس وناس " يقول : اردت ذات مرة شراء سيارة جديدة بالتقسيط، وعندما اكملت معظم الاوراق المطلوبة ومن ضمنها الراتب الذي كان في حدود ثمانية الاف ريال ..سألني الموظف بشركة السيارات، واين مكان العمل ..فقلت له انني متقاعد ..فما كان منه الا ان كشر وعبس في وجهي وقال لي : كان قلت لنا من الاول انك متقاعد، ثم أخذ يلملم اوراقي التي امامه وسط ذهولي، ويقول في نفسه ومن خلال ايماءات وجهه ..من فضلك ورينا عرض اكتافك؟ وذات مرة التقيت متقاعداً من المعلمين وكان من الذين تقاعدوا مبكراً كذلك ..يقول راجعت البنك الوحيد المخصص لرواتب المتقاعدين، وانا في ثياب عريضة من الامل ..عندما سمعت بمشروع البنك في شراء مساكن عبارة عن فلل ..وعندما علم انني متقاعد مبكراً ..قال لي : آسفين يا سيد ليس لديك فرصة الحصول على خدمات هذا المشروع .. وحاولت ان افهمه انني متقاعد مبكراً، ومازال في العمر سنوات بحول الله .. فقال لي
** ولكن هذا غير ممكن ..ثم اسودت الدنيا في وجهي وخرجت لا ألوي على شيء، ممتعضاً من هذه التعاملات التي تواجه المتقاعدين . والان وقبل اسابيع بدأت تلوح في الافق فرصة أمل جديدة للمتقاعدين بأعدادهم التي تزيد على مئات الألوف عندما تم طرح مشروع " مساكن " الذي كان يمكن له ان يوفر بيوتا لمئات الالاف من لم يحصلوا حتى اللحظة على بيت يملكونه ليكون ملاذا آمنا لهم ولأبنائهم، وليمنحهم فرصة تعويض السنين الطوال من حياتهم . لكن المشروع الجديد جاء - هو الآخر - محبطا لفئة المتقاعدين ..وكأنه حلقة جديدة ضمن مسلسل الاهمال التام لهذه الفئة . ولقد اطلعنا جميعا على صورة ما حدث صباح يوم الأحد 16 جمادى الآخرة 1428 ه ومن خلال الصحف اليومية ..وكيف اجهضت المؤسسة العامة للتقاعد آمال مئات الألوف من المواطنين المتقاعدين بشروطها التعجيزية المحيرة ..وجعلت كل متقاعد كان في الليلة السابقة يحلم بالحصول في يوم الغد على فرصة سكن ملك له، أن يعود بملفه خائبا منكسرا، هذا اذا لم يكن بعضهم قد قذف بالملف على قارعة الطريق، وهو يودع املا جديدا كان يمكن له ان يبتسم في نهاية النفق .
** الذي لا اعرفه بالضبط ..ما هو شعور المؤسسة العامة للتقاعد ازاء ما حدث ويحدث لمنسوبيها ؟ وهل استطاعت فعلا ان تستوعب حجم المعاناة التي يواجهها هؤلاء الألوف من منسوبيها مع رفض الكثير من مؤسسات المجتمع لهم، وكأنهم قد تحولوا الى قطع غيار بالية ليس لها مكان في أفضل الأحوال إلا ان تحفظ على الرف ..وهل جلست المؤسسة مع المتقاعدين، وسمعت صوتهم، وعرفت معاناتهم، وسعت الى تذليلها، والى اي مدى وصل جهدها في هذا الصدد، وهو الجهد الذي نرى أنه من صميم عملها، وأن أي تنازل عنه معناه الاخلال بمسؤولية رعاية منسوبيها.
** الآن لا يوجد إلا بنك واحد فقط طبقاً لما وصل إليّ من معلومات من عدد من المتقاعدين، هو مصدر صرف رواتبهم التقاعدية ..فلماذا هذا البنك بالذات وحده دون سواه، ولماذا لا يكون للمتقاعد حرية ان يجعل راتبه التقاعدي في البنك الذي يرغبه هو، وليس البنك الوحيد الذي تحدده المؤسسة العامة للتقاعد، الأمر الذي أضر بمصالح الكثير من المتقاعدين ..ولماذا عندما يتوجه المتقاعد الى أي مؤسسة اهلية مثل تلك التي تقدم المساكن، أو السيارات بالتقسيط، يتم الاعتذار للمتقاعد، بحجة انه متقاعد فقط. << فهل اكتفى المسؤولون بأن صنعوا للمتقاعدين تلك الحفلات الوداعية المبهرجة، وقدموا لهم تلك الورقة المسماة شهادة توديع وتقدير ومعها هدية متواضعة ..هل تلك الاكليشة البسيطة هي نهاية العلاقة بين المتقاعد والحياة العامة ..انه السؤال الذي حملنا اياه المتقاعدون لنطرحه على مؤسستهم العتيدة لعلها تجيب، وتعمل شيئاً من أجلهم؟ .
bakeet8@hotmail.com
رجوع
رجوع
تعليق