طالب بريء يثير مشكلة مياه جدة
بخيت الزهراني
بخيت الزهراني
** يروى أن أحدالمعلمين بإحدى مدارس جدة قد سأل طلابه في آخر أيام الأسبوع الذي سبق الاختبارات حيث تكون الحصص الدراسية غالباً مخصصة للمراجعة العامة، المعلم سأل الطلاب: بماذا تشتهر مدينة جدة؟.. وعندها رفع الطلاب باكمل أيديهم، وأصابع السبابة لديهم تحلق في أجواء الصف.. ودهش المعلم لأن طلابه قد تحمسوا كثيراً لذلك السؤال أكثر من غيره.. فاختار أحدهم اصراراً على التلويح بيده، قائلاً: أنت.. تفضل يا شاطر، فقال الطالب في ثقة واعتداد: إنها تشتهر بنقص المياه، وطوابير الوقوف أمام نوافذ بيع الوايتات!!.
** المعلم اسقط في يده للوهلة الأولى، ثم ما لبث الفصل أن ضج بالضحك، الذي شاركهم فيه أستاذهم بالتبسم فقط، وطبعاً شر البلية ما يضحك.. ثم راح المعلم يحك رأسه، ولمعت في ذهنه فكرة لم تكن حاضرة لولا سؤاله، واجابة الطالب التي كانت قادمة من الواقع والمعاناة والمشاهدات اليومية، وأكثر من ذلك أنها اجابة بريئة، وتحمل في طياتها صدقاً من ناحية، واستنطاقاً ذكياً للعقل الباطن، وتدل على ما يعرف في الشأن التعليمي بالاستنتاج والتفكير.
** المعلم فكر في أن يحول الحصة إلى مادة انشاء أو تعبير، فطلب من الطلاب اخراج أوراق بيضاء، وكتابة موضوع عن مشكلة نقص المياه في جدة، من واقع ما يعيشونه يومياً مع أسرهم، من نكد ليس بعده نكد، جراء تفاقم مشكلة شح المياه في مدينتهم، وكيف يتعاملون مع المياه من حيث الترشيد أولاً، ثم من حيث الانطلاق كل أربعة أو خمسة أيام إلى شبابيك بيع المياه بالوايت، وكيف يعيش أحدهم إذا تصادف أن رافق والده حياة الطابور العجيب المذهل للناس وهم متراصون تحت الشمس إن في حي الفيصلية، أو شرقي قويزة أو غيرهما.
** هذه الحكاية التي رواها لي أحد الذين اتصلوا بي قبل أيام على هاتفي ب"البلاد" وقفت أمامها مبهوراً، ومشدوداً ومذهولاً.. وفي ذات اللحظة كنت اقرأ في صحف ذلك اليوم أخبار التغطية الصحفية لزملائنا الصحفيين بالصحف، الذين رافقوا معالي محافظ المؤسسة العامة لتحلية المياه إلى منطقة الشعيبة، ليكونوا شهود وصول البارجة الأولى، لتقطير المياه الحلوة من عرض البحر، وبالتالي اسعاف المحطة الأم بكميات إضافية من المياه، لعلها تكون قادرة على تغطية ما يمكن تغطيته من عجز هائل في المياه التي يحتاجها قرابة الثلاثة ملايين نسمة هم سكان جدة اليوم.
** البارجة الجديدة وصلت والحمد لله بعد رحلة سفر سلحفائية، استقرت أولاً في الدمام لتهيئتها، ثم مخرت عباب البحار حتى وصلت جدة ترافقها السلامة والدعوات بأن تكون شيئاً من المخرج لهذه الأزمة الخانقة في شح المياه، وإن كان انتاجها لا يزيد في أقصى طاقة لها عن 25 ألف متر مكعب يومياً من المياه، وهو رقم ضئيل بكل المقاييس إذا ما قارناه بالانتاج الحالي للمحطة الأم الثابتة والتي تولد حوالى 650 ألف متر مكعب يومياً من المياه، فأين هذه عن تلك، وما هي الآمال التي يمكن أن نعقدها نحن سكان جدة عليها، أو على اختها التي قيل انها ستصل بعد شهرين وبانتاج يومي مماثل.
** الذي كنت أتمناه حقيقة أن يكون انتاج البارجة لا يقل عن 150 ألف متر مكعب على الأقل، لأن مثل هذه الكمية يمكن أن يعول عليها، خصوصاً إذا ما وقفت بجانبها اختها البارجة الأخرى.. لكن على أية حال هذا ما حدث وريحة أبو علي ولا عدمه.. والواقع أن أحدنا نحن سكان جدة لابد وأن يستغرب حقيقة هذه المعالجات غير الكافية من وزارة المياه لمشكلة شح المياه في جدة، وهي المشكلة التي تتكرر، وتكاد تكون شبه دائمة منذ سنوات.. ويبقى السؤال الوجيه في ظني: أين خطط وزارة المياه الاستراتيجية، والتي كان ينبغي ان تكون قائمة منذ سنوات مضت، ليس في جدة ولكن في كل المدن والقرى، فهذا من صميم عمل الوزارة، ومن بديهيات المطلوب من أركانها أن يتم عمل برامج استباقية تتوقع أسوأ الظروف.. فإذا كان هذا هو فكرنا نحن الناس العاديين، فما هو فكر الوزارة.. اجيبونا اثابكم الله؟
تعليق