السرّ.. في غياب الطلاب قبل الاختبارات
بخيت الزهراني
بخيت الزهراني
** خلال هذا الأسبوع - وهو الأخير من عامنا الدراسي - الذي ستكون اختباراته النهائية صباح غد السبت، ارتفع نواح عدد من إدارات التربية والتعليم ومديري المدارس نتيجة غياب الكثير من الطلاب والطالبات عن الحضور للمدارس، أو الغياب الواسع كما وصفته "الوطن" يوم الأحد الماضي.. وشاركت في زفة الحسرة هذه بعض الصحف، التي لم تنقل الحدث كخبر، لنقول عند ذاك إنه عملها، بل شاركت كمن يقف في صف المؤسسة التعليمية ضد الطلاب الغائبين، وهنا تكون المشكلة ، أن تنحاز إلى قضية وأنت لا تعرف أسرارها ودواعيها وحيثياتها.
** وباختصار نقول إن الطلاب والطالبات قد غابوا - يا وزارة التربية - لأن البيئة المدرسية ليست جاذبة، وقد وصل العديد من ابنائنا وبناتنا - بصراحة- إلى درجة القرف، من نظام روتيني ممل إلى أقصى درجات الملل، ولم يصدقوا أن يلوح العام الدراسي بيديه مودعاً، حتى بدأوا يتسربون من مدارسهم غير آسفين على أجوائها، التي لم تشدهم ، ولم يجدوا فيها ما يحرضهم بقوة على التواصل معها حتى آخر قطرة، أقصد حتى آخر حصة !!
** أحد الأكاديميين ممن درس في بريطانيا.. قال لي ذات مرة: إن ولي امر الطالب هناك إذا أراد أن يعاقب ابنه على خطأ معين فإنه يهدده بحرمانه من الذهاب للمدرسة غداً.. وعندها يظل ابنه حزيناً بل وقد يبكي، ولا يكرر الخطأ، خوفا من حرمانه من يوم جميل وشيق سيضيع عليه في مدرسته.. فهل يمكن أن يحدث هذا عندنا هنا.. وأترك الجواب لفطنة القارئ، هذه من ناحية، ومن ناحية أخرى أقول هل ذهب واحد أو أكثر من اركان وزارة التربية إلى بريطانيا مثلاً، ووقف على ا لسر، ولماذا الطلاب هناك متعلقون بمدارسهم إلى حد قد لا نصدقه بينما هنا يلوذون بالباب الخارجي عند توفر أدنى فرصة.
** الغريب أن هذه الاشكالية تحدث عندنا سنوياً، وتكون معالجاتنا ورؤيتنا وتعاملنا معها هي نفسها، وكأننا نجتر صورتنا وقراراتنا ونظرتنا لها.. ولم يحدث من جديد إلاّ التهديد بلائحة المواظبة والسلوك التي تم انتاجها مؤخراً، والاستنجاد بأولياء أمور الطلاب.. وكأن وزارة التربية لم تجد من حل لهذه المعضلة سوى التلويح بالعقوبات، والتهديد بخصم الدرجات على الغائبين، وهذا في رأيي - كتربوي سابق- أنه اسلوب عقيم في هذه الجزئية بالذات، ولن يكون بحال من الأحوال ناجحاً والأيام بيننا !!
** الأسلوب الناجح، والذي لا يحتاج إلى عبقرية واسعة، أن تحول المدرسة إلى بيئة جاذبة، وبمناشط طلابية غير كل هذه الموجودة الآن، والتي لا تزيد عن كونها ممارسات باهتة لا تجذب أحداً، ولا تقدم نتائج، ولا تحقق أهدافاً.. وكنت أتمنى لو أن وزارة التربية قد عالجت هذه المسألة من خلال محورين هامين، الأول تأمل برامج الدول المتقدمة في هذا الجانب وبالتالي الافادة من التجارب الناجحة لمن سبقونا.. والمحور الثاني استطلاع رأي التربويين المميزين في الميادين من مديري المدارس والمرشدين والمعلمين، وليس كبار الموظفين الذين يجلسون في حجرات مكيفة بعيداً عن معترك الميدان، فربما جاءت فكرة ناجحة من مدير مدرسة في قرية نائية، تكون ذات أثر ابداعي أفضل مئة مرة من تنظيرات اداري صاحب شهادة كبيرة لم يعركه الميدان.
** إن نشر صورة لفصل دراسي خال من الطلاب قرب أيام الاختبارات، ولا تكاد ترى فيه سوى الماصات والكراسي، ليس إدانة للطلاب، بل هو رسالة قوية إلى خلل كبير في عدم قدرة القائمين على التعليم في خلق مناخ جاذب لطلابنا وطالباتنا، وكان يمكن كأمر طبيعي أن يكون هذا مؤشرا على الحاجة إلى تبني مشروع تعليمي تربوي مدروس يعالج هذه الاشكالية، بدلاً من مسلسل التهديد بلائحة السلوك والمواظبة !!
تعليق