رفاهية الرمق الأخير
الأربعاء, 21 مايو 2008
د.حمود أبو طالب
لقد نكأ العزيز (علي سعد الموسى) جرحًا سرطانيًّا بمقاله (الجنوبي يولد في أبها ويموت بعيدًا) يوم الاثنين 19/5/2008م، وأقول سرطانيًّا لأن هذا الجرح لا يندمل ، ولا يبرأ، ولا ترحم أوجاعه إلاَّ بعلاج المرض الأساسي الخبيث، وإلاَّ فإنه يستمر نازفًا مؤلمًا حتى النفس الأخير.
بحرقة ما بعدها حرقة، وأسى يشتعل بين الحروف، راح علي الموسى يشرح حال المرضى الذين ينتظرون بارقة أمل يحملها طائر فولاذي اسمه (الإخلاء الطبي)، متّخذًا مرضى عسير وجازان مثلاً للمعاناة القاسية المستمرة، وكان علي في ذروة الألم والإيلام وهو يقول: (كتب الله علينا في هاتين المنطقتين أن نختم الحياة بمشوار برجوازي على طائرات خاصة؛ كي نحصل على رفاهية الرمق الأخير فوق سرير تخصصي).
فعلاً، الأمر كذلك يا علي، بل وأبشع، وإذا كنت قد وصفت حال المرضى في هاتين المنطقتين، فلا شك أنك تعرف جيدًا أن الحال هو الحال في كل المناطق البعيدة عن الضوء والبريق وصخب الإعلام الذي يرافق المسؤولين.. اسألني يا علي كي أصف لك شيئًا من الشعور المدمّر الذي ينتابنا، ونحن نلهث من رقم تليفون إلى آخر؛ كي نستنجد بهذا (الإخلاء الطبي)؛ كي يلحق ما تبقى من حياة في جسد محطّم بفعل حادث مروّع، أو مرض شرس كشّر فجأة عن أنيابه، وهاجم شخصًا في مكان ليس فيه مستشفى تخصصي، ولا يحزنون، اسألني عن تفاهة الحياة حين تذوي الأرواح أمامنا ونحن بانتظار الإخلاء، أو أي وسيلة أخرى لإنقاذها، فعلاً يا أبا مازن إنه حين يأتي لا يمنحنا سوى رفاهية الرمق الأخير، وقد تلاشت بقايا الآمال حين تضامنت خطوطنا الجوية لمضاعفة المأساة بإلغاء أكثر رحلاتها من الأطراف إلى حيث العلاج المتخصص، أو مغسلة الأموات في أكثر الأحايين .
نعرف يا عزيزي أن النيّة جادّة لإقامة حزام من المستشفيات التخصصية، ولكن حتى نراها لماذا لا نرى طائرة الإخلاء الطبي تفز بسرعة البرق حين يستدعيها طبيب من أي منطقة؟ ولماذا لا تخصص المستشفيات الكبرى نسبة من الأسرّة تظل شاغرة لمثل هذه الحالات؛ حتى لا يخذلنا السرير بعد مجيء الإخلاء، ولو كان متأخّرًا.
habutalib@hotmail.com
جريدة المدينة 16/5/1429هـ
الأربعاء, 21 مايو 2008
د.حمود أبو طالب
لقد نكأ العزيز (علي سعد الموسى) جرحًا سرطانيًّا بمقاله (الجنوبي يولد في أبها ويموت بعيدًا) يوم الاثنين 19/5/2008م، وأقول سرطانيًّا لأن هذا الجرح لا يندمل ، ولا يبرأ، ولا ترحم أوجاعه إلاَّ بعلاج المرض الأساسي الخبيث، وإلاَّ فإنه يستمر نازفًا مؤلمًا حتى النفس الأخير.
بحرقة ما بعدها حرقة، وأسى يشتعل بين الحروف، راح علي الموسى يشرح حال المرضى الذين ينتظرون بارقة أمل يحملها طائر فولاذي اسمه (الإخلاء الطبي)، متّخذًا مرضى عسير وجازان مثلاً للمعاناة القاسية المستمرة، وكان علي في ذروة الألم والإيلام وهو يقول: (كتب الله علينا في هاتين المنطقتين أن نختم الحياة بمشوار برجوازي على طائرات خاصة؛ كي نحصل على رفاهية الرمق الأخير فوق سرير تخصصي).
فعلاً، الأمر كذلك يا علي، بل وأبشع، وإذا كنت قد وصفت حال المرضى في هاتين المنطقتين، فلا شك أنك تعرف جيدًا أن الحال هو الحال في كل المناطق البعيدة عن الضوء والبريق وصخب الإعلام الذي يرافق المسؤولين.. اسألني يا علي كي أصف لك شيئًا من الشعور المدمّر الذي ينتابنا، ونحن نلهث من رقم تليفون إلى آخر؛ كي نستنجد بهذا (الإخلاء الطبي)؛ كي يلحق ما تبقى من حياة في جسد محطّم بفعل حادث مروّع، أو مرض شرس كشّر فجأة عن أنيابه، وهاجم شخصًا في مكان ليس فيه مستشفى تخصصي، ولا يحزنون، اسألني عن تفاهة الحياة حين تذوي الأرواح أمامنا ونحن بانتظار الإخلاء، أو أي وسيلة أخرى لإنقاذها، فعلاً يا أبا مازن إنه حين يأتي لا يمنحنا سوى رفاهية الرمق الأخير، وقد تلاشت بقايا الآمال حين تضامنت خطوطنا الجوية لمضاعفة المأساة بإلغاء أكثر رحلاتها من الأطراف إلى حيث العلاج المتخصص، أو مغسلة الأموات في أكثر الأحايين .
نعرف يا عزيزي أن النيّة جادّة لإقامة حزام من المستشفيات التخصصية، ولكن حتى نراها لماذا لا نرى طائرة الإخلاء الطبي تفز بسرعة البرق حين يستدعيها طبيب من أي منطقة؟ ولماذا لا تخصص المستشفيات الكبرى نسبة من الأسرّة تظل شاغرة لمثل هذه الحالات؛ حتى لا يخذلنا السرير بعد مجيء الإخلاء، ولو كان متأخّرًا.
habutalib@hotmail.com
جريدة المدينة 16/5/1429هـ
تعليق