ثلاثاء 24 ربيع الأول 1429هـ الموافق 1 أبريل 2008م العدد (2741) السنة الثامنة
كتاب اليوم
تركي عبدالعزيز الثنيان
كشف الحسابات البنكية لكل كتاب العدل؟
نشرت صحيفة الحياة في 26/3/2008 خبرا ذا دلالة خطيرة جدا. يقول الخبر إن هناك تحقيقاً قائماً مع أربعة كتاب عدل، أحدهم في حسابه الخاص 250 مليون ريال. 250 مليوناً!! يمضي خبر الصحيفة فيذكر أن كتاب العدل متورطون في ترتيب مسرحية اختلاس وتعويض بقدر أربعة مليارات على أرض، لم يستطيعوا طهيها بالحرارة المناسبة، فاحترقت الطبخة... ماذا يحدث؟ أيعقل أن هذا يحدث على أرض المملكة العربية السعودية، بلاد الحرمين، وبمساعدة ذات الأشخاص المسؤولين عن توثيق حقوق الناس وأملاكهم، والأدهى، أنه تحت مظلة وزارة العدل؟ إن الوضع مأساوي جدا ويستلزم التحرك الفوري لقمع هذا الفايروس المميت، ولن يحدث أي شيء ذو قيمة إلا بعد الكشف على الحسابات البنكية لكتاب العدل.
كيف يمكن لموظفين صغار جدا كالسوس - لا يرى إلا بالعين الخبيرة - أن يقوموا بتمرير ملكيات أراض وكأنهم يمررون مكالمات للهند وبنغلاديش؟ لو أن الأمر معادلات كيميائية لأوجدت لهم العذر، ولكن الشأن يخص أقدم أشكال الملكية على المعمورة، وهي الأراضي، المدعومة بإرث حقوقي قديم في كل أصقاع الكرة الأرضية والذي ينظم سبل التملك والانتفاع والاستخدام، وبالتالي فالموضوع يفترض أن تنظيمه أمر ميسور، معروف منذ أزمان. مع الأسف لا يبدو أن هذا ما يحدث. كما أن تزايد الإيحاءات يشير إلى أن هناك مشكلة لن يقمعها إلا الضرب بيد من حديد على مصدر البلاء، وما تكاثر اللوحات المغروسة في الأراضي والتي تقول إن "الأرض مملوكة لفلان بالصك الشرعي رقم كذا وكذا" إلا إشارة رمزية بسيطة تدل على قمة الجبل الجليدي وإلا ما الذي يدعو الناس لهذا ... أتفهم الاضطراب في الأملاك القديمة وتداخل الحدود البدائية، ولكن وفي ظل هذه الثروة الضخمة، وهذه الإدارة السياسية الصادقة، لا يمكن ابتلاع مثل هذا، ولا مثل معشاره. ولو أن الاضطراب في كيفية تسجيل ملكيات الأراضي محدود النطاق لأمكن ابتلاع وجوده، والتعايش معه، ولكنه متداعي الأطراف منسكب الآثار- فهو يثير الضغينة بين الأفراد لأنه يخل بميزان توزيع الثروات إخلالا ضخما بدون روافد موضوعية عادلة، ويزيد من السخط على المجتمع، ويضعف الموثوقية في الجهاز العدلي.. إلخ. وسببه ليس أن الأراضي تمشي تائهة في الصحراء لم تجد لها راعيا فأخذها أحدهم، بل لأن هناك من يمرر الاحتيال ويدمغه بغطاء الرسمية. مشكلة لن يتم القضاء عليها إلا بسن العقوبات الرادعة المعلنة على الملأ وليشهد عذابهم طائفة من الناس.
بتقديري، الخطوة الأولية الوحيدة للمعالجة -و لا ثاني لها- هي إلزامية الكشف على الحسابات البنكية لكل كتاب العدل حتى يمكن الحد والقضاء على أية بادرة إساءة استغلال وتدنيس لهذا الكرسي الرفيع. النظيف لن يخشى شيئا بل سيتمناه. اللص تتسارع نبضات قلبه وتتخبط "مصارين" بطنه منذ اليوم الأول لمعرفتهم بما حدث للأربعة الموقوفين تحت ذمة التحقيق. اللص سيقوم من اليوم تحسباً - إن لم يكن قام بهذا بعد - بعمليات وحوالات مالية مكثفة متعددة لتشتيت الأموال والأصول المكدسة حتى يضيع أثر جرائمه. فليحاولوا فلن ينجيهم من سيف عدالة الشرع الذي يشهره بكل حزم عبدالله بن عبدالعزيز -- إلا أن يسكنوا القمر. كشف الحسابات البنكية في كل بنوك المملكة لآخر عشر سنوات مضت وحتى اليوم سيظهر وبالأشعة المغناطيسية وبأقصى درجات الشفافية كل الأورام المتسرطنة والأوبئة المعدية، حساباتهم وحسابات أبنائهم وبناتهم وزوجاتهم يمكن الحصول عليها بثوان وهي من سينطق الحكم... الرواتب معلومة، والموارد الاستثنائية لا يمكن أن تستمر في التدفق فهي استثنائية، ومهما كان الهامش واسعا جدا، سيتجاوز الاختبار -بتصوري- كل أحد إلا المحترفين مالكي الـ250 مليون ريال. ابسط أبجديات العدالة أن ينتزع منهم كل ما أخذوه بلا حق مهما طال الزمن، إن لم تقطع الأيدي في الصفاة.
تساؤلي الأخير هو البحث عن دور وزارة العدل الغريب في هذه المعادلة. كيف لوزارة العدل أن تقبل بهذه الأحوال التي لا يمكن استغرابها لو حدثت في أحد أيام سنة 700 هجري، ولكن في أيامنا هذه في 1429 هجري، وفي ظل عهد مليك ينقض كالصقر لتحقيق العدل، فهو أمر محير. إن لم نضرب بيد من حديد، وإن سلكنا طريق المجاملات والاعتبارات الأخرى، فيعني بكل بساطة أن وظيفة كاتب عدل ستكون الوظيفة الأغلى في بلدي برقم 250 مليوناً، وسيكون دعاء الأمهات للبررة من أبنائهم أن يكونوا كتاب عدل مهرة... فنلندا دائما يستشكل علي فهم طبيعتها، فهي خالية من الأخبار التي تحدث لدينا - أهناك بشر مثلنا؟
* كاتب سعودي
تعليق