يتحسس خديه النديتين وكأنه يتمسك بالحياة ينفث بقايا طفولته من خلال شفتيه الجميلتين التي فــُطمت من أحلى كلمة قد يقولها طفل.
.. أووف ... أوووف كان يردد وهو ينظر إلى السماء يعاين نجمة هناك مالبثت أن حجبتها الغيوم يبتسم لحظه العاثر فالغيوم تأتي لتقول له ستطول الأيام السوداء في حياتك ...
انقبض قلبه وبصوت مبحوح مجروح خاطب السماء وحنجرته مشدودة أراد أن يقول : لماذا اخترت هذه الأكتاف لتلقي عليها حمل اليتم ...
تحتبس دموعه بين أجفان طفولته وخد رجولته ....حتى مع نفسه يشعر أن الناس يرقبونه لا يريد شفقتهم ولا يحب تلك الأيدي الخشنة التي تمسح رأسه ..لم يكن يستطيع منحهم شرف الشفقة عليه...
في الصباح ينحني ليرتب خيوط جزمته .. ينحني ليصبح ظهره علامة استفهام كبيرة تصرخ لتقول : لماذا اخترت هذا الظهر لتلقي عليه حمل اليتم ...
الطريق إلى المدرسة كان أسودا ً كالح السواد .. حينما اقترب من بيت جيرانه سمع صديقه ينادي أمه ... أخذ نفسا عميقا ً ًثم استدار إلى جدار بيت الجيران وبكى بكاءاً مريرا ً...
رآه جارهم وامسك بيده وذهب به إلى أبيه وقال : ضم ابنك فإنه حزين !!!
لم يرفرف قلبه لصدر أبيه يشعر أن أضلاع ذاك الصدر مجموعة سياط تلهب حنينه لصدر أمه .. وتلك الذراعان التي تلفه من الجنب إلى الجنب عبارة عن شاهدي قبر ..دفنت فيه المشاعر ..
تختلط الغصة بالحلم ... أحلم أيها المسكين فليس هناك من يمنعك
يخرجه أبوه من حضنه ..
يمضي تائها ً في فناء مدرسته ثم يسقط .. يصرخ فيه المعلم .. ما هذا الصوت ما هذه الضجة قال الطفل المسكين هذا ليس صوتي هذا صوت جثتي تهوي على الأرض رد المعلم : مت بهدؤ إذا سمحت !!!!!!!!!!
تعليق