ما من مجتمع إلا وتظهر فيه بعض المظاهر السيئة، من طعن في الأعراض، أو وقوع في الفاحشة، فهذا مجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم قد ظهر فيه مثل هذا، ولكن جاء الشرع ووضع حلولاً لهذه المظاهر، وقام بمعالجتها معالجة سليمة..
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ . وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *
معاني الرمي
يقول الله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) الرمي في لغة العرب يطلق على معنيين: الرمي الحسي: كرمي الحجر وهو قذفه، ومنه قوله تبارك وتعالى: تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ [الفيل:4]. والرمي المعنوي: وهو السب والنقيصة والتهمة بالسوء والعياذ بالله، فيقال: رمى الرجلُ الرجلَ إذا اتهمه بالسوء والعياذ بالله وانتقصه في عرضه، فالرمي بهذا المعنى يستعمل فيما يُسْتَبْشَع والعياذ بالله من الألفاظ الخبيثة، ومنه قول الشاعر: رماني بأمر كنت منه ووالدي بريئاً ومن أجل الطوي رماني أي: رماني بتهمة سوء قد كنتُ منها ووالدي بريئين، فمعنى الرمي انتقاص الشخص الذي يُتَّهم. يقول الله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ) أي: يقذفون، والمراد بهذه الآية اشتراط شيءٍ معين، وهو أن يحصل لفظ معين من الإنسان، وهذا اللفظ يتضمن تهمة الإنسان بالزنا والعياذ بالله، سواءً كان المتهم رجلاً أو كان امرأة، صالحاً كان أو فاسداً ما دام أنه من المسلمين.
صور القذف
اللفظ الصريح : بم يتحقق القذف؟ يتحقق القذف باللفظ الصريح الدال عليه، وذلك بأن يتهم الإنسانُ غيرَه رجلاً كان أو امرأةً من المسلمين بالزنا، فيقول له -والعياذ بالله-: يا زانٍ، أو يقول للمرأة: يا زانية، أو يتهم أبا المقذوف، فيقول له: يا ابن الزاني، أو يتهم أم المقذوف -والعياذ بالله- فيقول: يا ابن الزانية، فهذا لفظ صريح يدل على التهمة بالزنا، أو يتهمه بفاحشة في حكم الزنا على خلاف بين العلماء، كأن يقول له: يا لوطي، أو يا ابن اللوطي والعياذ بالله. فكل هذه الألفاظ توجب ثبوت القذف أي: التهمة، وتعتبر من الألفاظ الدالة على ثبوت لفظ القذف، أي: الألفاظ الصريحة. ......
اللفظ غير الصريح
هناك نوع ثانٍ من الألفاظ: وهي الألفاظ المحتَمِلة التي يُقْذَف بها تعريضاً، ولا يُقْذَف بها تصريحاً، مثال ذلك: أن يقول الرجل للرجل -في حال الخصومة وفي حال المنازعة- إني لستُ بابن زانٍ، أو لستُ أنا بزانٍ، أو لستُ مِن أهل الزنا، كأنه يقول له: أنت من أهل الزنا، فهذا يسميه العلماء: القذف بالتعريض، أي: أنه لم يباشره بلفظ يدل صراحة، وإنما أعطاه لفظاً يحتمل المعنى الذي هو ظاهره، ويحتمل المعنى الآخر.
حكم القذف وما يترتب على فعله من الوعيد الشديد:
بعد أن عرفنا بما يثبت القذف، فما حكم القذف؟
أجمع العلماء رحمهم الله على أنه يحرم على المسلم أن يتهم غيره بالزنا من المسلمين، سواءً كان ذكراً أو كان أنثى، وأجمع العلماء رحمهم الله على أن قذف المحصنات الغافلات المؤمنات يعتبر من كبائر الذنوب -والعياذ بالله- الموجبة لسخط الله عز وجل وغضبه. ولذلك توعد الله عزَّ وجلَّ مَن فَعَلَ ذلك باللعنة في الدنيا والآخرة، والعذاب العظيم في الآخرة، والفضيحة على رءوس الأشهاد -والعياذ بالله- يوم يقوم الأولون والآخرون، فيقيمهم الله عز وجل، فتشهد الألسن التي تكلمت بأنها افترت على عباد الله، وكذبت على عباد الله، ويكون في ذلك جمع بين عقوبة المعنى وعقوبة الحس والعياذ بالله، كما آذى إخوانه المؤمنين بسبهم وتهمتهم في أعراضهم توعده الله عز وجل بشديد العذاب وعظيم النكال. ......
الطعن في أعراض المسلمين
وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على حرمة عرض المسلم، وأنه لا يجوز للمسلم إذا أراد أن يخاطب أخاه المسلم، أن يستطيل في عرضه بدون حق، فإذا اتهمه بالزنا كان ذلك من الاستطالة في العرض، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، والسحر، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)، فمن أشد وأقبح ما يكون من الإنسان من أن يتسلط على امرأة مؤمنة غافلة وتوعد الله عز وجل مَن فَعَلَ ذلك بما سبق من العقوبة ..ينبغي للمسلم أن يصون لسانه من الوقيعة في عرض أخيه المسلم، بل قال العلماء: لو أن شخصاً رأى رجلاً أو امرأة فظن بهما ظن السَّوء ولم يتحقق فعلهما للسُّوء، فإنه يعتبر مرتكباً للجريمة -والعياذ بالله- على قدر ظنه، ويلقى الله -والعياذ بالله- بإثمهما، كما بين الله تبارك وتعالى ذلك بقوله
: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ).
(إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)
توبة القاذف وأقوال أهل العلم في هذه المسألة
وأما قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:5]: بعد أن بين الله -تبارك وتعالى- حُكْم مَن وقع في هذه الكبيرة وهذا الذنب العظيم، فتح الباب للتائبين، ورغَّب في الرجوع إليه لعباده المنيبين، فقال سبحانه وهو أرحم الراحمين: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). قوله: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا): (إلاَّ) حرف استثناء، والاستثناء إخراج بعض ما يتناوله اللفظ، فأراد الله عز وجل بهذه الآية الكريمة أن يستثني شيئاً مما سبق ذكرُه مما ترتب على القذف من العقوبة، فقال سبحانه: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا). التوبة من القذف للعلماء فيها قولان: الأول: أن التائب من القذف لابد أن يعترف أنه كان كاذباً في القذف، وأن فلاناً ليس بزانٍ، وفلانة ليست بزانية، وأصحاب هذا القول هم الجمهور، يقولون: إن الذي يقذف غيره فيتهمه بالزنا لا يعتبر تائباً إلا إذا كذب نفسه، فقال: فلان الذي اتهمته بالزنا ليس بزان، ويرجع عن قوله وتهمته، هذا هو قول جمهور العلماء، يقولون: لو تاب وأناب وأصلح، وكان من خيار عباد الله، وبقي على التهمة بالقذف؛ فإنه لا يزال -والعياذ بالله- قاذفاً، وهذا القول هو مذهب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، ولذلك لما وقعت حادثة المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وشهد عليه الشهود ورجع بعضهم، قال عمر لـأبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه: تب أقبل شهادتك، أي: ارجع عن قذفك للمغيرة حتى أقبل الشهادة منك، فهذا يدل على أن التوبة من القذف أن يكذب القاذف نفسه ويقول: فلان الذي اتهمته بالزنا ليس بزانٍ وفلانة التي اتهمتها بالزنا ليست بزانية. القول الثاني: إن التائب من القذف لابد أن يُصْلِحَ حاله، وأن يستقيم في ظاهره وباطنه، ولا يشترط عند أصحاب هذا القول أن يكذِّب القاذف نفسه، بل قالوا: إنه إذا تاب وأناب ورجع إلى الطاعة واستمر وداوم عليها فإنه يعتبر تائباً منيباً إلى الله عز وجل يشمله الاستثناء في هذه الآية الكريمة، وهذا القول هو مذهب الإمام أبي عبد الله مالك بن أنس رحمه الله، يقول: إن التوبة بصلاح الحال. وأصح القولين -والعلم عند الله-: أنه لا توبة للقاذف إلا إذا كذب لفظه، فقال: فلان الذي اتهمته بالزنا ليس بزانٍ، وفلانة التي اتهمتها بالزنا ليست بزانية، فإذا فعل ذلك كان تائباً وإلا فلا. وقوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ) أي من بعد قذفهم. (وَأَصْلَحُوا): أي أصلحوا بالقول الطيب فقالوا قولاً طيباً بعد أن قالوا القول الخبيث والفحش الذي لا يرضي الله. ......
منقول بتصرف ..
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ . وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *
معاني الرمي
يقول الله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) الرمي في لغة العرب يطلق على معنيين: الرمي الحسي: كرمي الحجر وهو قذفه، ومنه قوله تبارك وتعالى: تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ [الفيل:4]. والرمي المعنوي: وهو السب والنقيصة والتهمة بالسوء والعياذ بالله، فيقال: رمى الرجلُ الرجلَ إذا اتهمه بالسوء والعياذ بالله وانتقصه في عرضه، فالرمي بهذا المعنى يستعمل فيما يُسْتَبْشَع والعياذ بالله من الألفاظ الخبيثة، ومنه قول الشاعر: رماني بأمر كنت منه ووالدي بريئاً ومن أجل الطوي رماني أي: رماني بتهمة سوء قد كنتُ منها ووالدي بريئين، فمعنى الرمي انتقاص الشخص الذي يُتَّهم. يقول الله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ) أي: يقذفون، والمراد بهذه الآية اشتراط شيءٍ معين، وهو أن يحصل لفظ معين من الإنسان، وهذا اللفظ يتضمن تهمة الإنسان بالزنا والعياذ بالله، سواءً كان المتهم رجلاً أو كان امرأة، صالحاً كان أو فاسداً ما دام أنه من المسلمين.
صور القذف
اللفظ الصريح : بم يتحقق القذف؟ يتحقق القذف باللفظ الصريح الدال عليه، وذلك بأن يتهم الإنسانُ غيرَه رجلاً كان أو امرأةً من المسلمين بالزنا، فيقول له -والعياذ بالله-: يا زانٍ، أو يقول للمرأة: يا زانية، أو يتهم أبا المقذوف، فيقول له: يا ابن الزاني، أو يتهم أم المقذوف -والعياذ بالله- فيقول: يا ابن الزانية، فهذا لفظ صريح يدل على التهمة بالزنا، أو يتهمه بفاحشة في حكم الزنا على خلاف بين العلماء، كأن يقول له: يا لوطي، أو يا ابن اللوطي والعياذ بالله. فكل هذه الألفاظ توجب ثبوت القذف أي: التهمة، وتعتبر من الألفاظ الدالة على ثبوت لفظ القذف، أي: الألفاظ الصريحة. ......
اللفظ غير الصريح
هناك نوع ثانٍ من الألفاظ: وهي الألفاظ المحتَمِلة التي يُقْذَف بها تعريضاً، ولا يُقْذَف بها تصريحاً، مثال ذلك: أن يقول الرجل للرجل -في حال الخصومة وفي حال المنازعة- إني لستُ بابن زانٍ، أو لستُ أنا بزانٍ، أو لستُ مِن أهل الزنا، كأنه يقول له: أنت من أهل الزنا، فهذا يسميه العلماء: القذف بالتعريض، أي: أنه لم يباشره بلفظ يدل صراحة، وإنما أعطاه لفظاً يحتمل المعنى الذي هو ظاهره، ويحتمل المعنى الآخر.
حكم القذف وما يترتب على فعله من الوعيد الشديد:
بعد أن عرفنا بما يثبت القذف، فما حكم القذف؟
أجمع العلماء رحمهم الله على أنه يحرم على المسلم أن يتهم غيره بالزنا من المسلمين، سواءً كان ذكراً أو كان أنثى، وأجمع العلماء رحمهم الله على أن قذف المحصنات الغافلات المؤمنات يعتبر من كبائر الذنوب -والعياذ بالله- الموجبة لسخط الله عز وجل وغضبه. ولذلك توعد الله عزَّ وجلَّ مَن فَعَلَ ذلك باللعنة في الدنيا والآخرة، والعذاب العظيم في الآخرة، والفضيحة على رءوس الأشهاد -والعياذ بالله- يوم يقوم الأولون والآخرون، فيقيمهم الله عز وجل، فتشهد الألسن التي تكلمت بأنها افترت على عباد الله، وكذبت على عباد الله، ويكون في ذلك جمع بين عقوبة المعنى وعقوبة الحس والعياذ بالله، كما آذى إخوانه المؤمنين بسبهم وتهمتهم في أعراضهم توعده الله عز وجل بشديد العذاب وعظيم النكال. ......
الطعن في أعراض المسلمين
وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على حرمة عرض المسلم، وأنه لا يجوز للمسلم إذا أراد أن يخاطب أخاه المسلم، أن يستطيل في عرضه بدون حق، فإذا اتهمه بالزنا كان ذلك من الاستطالة في العرض، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، والسحر، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)، فمن أشد وأقبح ما يكون من الإنسان من أن يتسلط على امرأة مؤمنة غافلة وتوعد الله عز وجل مَن فَعَلَ ذلك بما سبق من العقوبة ..ينبغي للمسلم أن يصون لسانه من الوقيعة في عرض أخيه المسلم، بل قال العلماء: لو أن شخصاً رأى رجلاً أو امرأة فظن بهما ظن السَّوء ولم يتحقق فعلهما للسُّوء، فإنه يعتبر مرتكباً للجريمة -والعياذ بالله- على قدر ظنه، ويلقى الله -والعياذ بالله- بإثمهما، كما بين الله تبارك وتعالى ذلك بقوله
: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ).
(إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)
توبة القاذف وأقوال أهل العلم في هذه المسألة
وأما قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:5]: بعد أن بين الله -تبارك وتعالى- حُكْم مَن وقع في هذه الكبيرة وهذا الذنب العظيم، فتح الباب للتائبين، ورغَّب في الرجوع إليه لعباده المنيبين، فقال سبحانه وهو أرحم الراحمين: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). قوله: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا): (إلاَّ) حرف استثناء، والاستثناء إخراج بعض ما يتناوله اللفظ، فأراد الله عز وجل بهذه الآية الكريمة أن يستثني شيئاً مما سبق ذكرُه مما ترتب على القذف من العقوبة، فقال سبحانه: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا). التوبة من القذف للعلماء فيها قولان: الأول: أن التائب من القذف لابد أن يعترف أنه كان كاذباً في القذف، وأن فلاناً ليس بزانٍ، وفلانة ليست بزانية، وأصحاب هذا القول هم الجمهور، يقولون: إن الذي يقذف غيره فيتهمه بالزنا لا يعتبر تائباً إلا إذا كذب نفسه، فقال: فلان الذي اتهمته بالزنا ليس بزان، ويرجع عن قوله وتهمته، هذا هو قول جمهور العلماء، يقولون: لو تاب وأناب وأصلح، وكان من خيار عباد الله، وبقي على التهمة بالقذف؛ فإنه لا يزال -والعياذ بالله- قاذفاً، وهذا القول هو مذهب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، ولذلك لما وقعت حادثة المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وشهد عليه الشهود ورجع بعضهم، قال عمر لـأبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه: تب أقبل شهادتك، أي: ارجع عن قذفك للمغيرة حتى أقبل الشهادة منك، فهذا يدل على أن التوبة من القذف أن يكذب القاذف نفسه ويقول: فلان الذي اتهمته بالزنا ليس بزانٍ وفلانة التي اتهمتها بالزنا ليست بزانية. القول الثاني: إن التائب من القذف لابد أن يُصْلِحَ حاله، وأن يستقيم في ظاهره وباطنه، ولا يشترط عند أصحاب هذا القول أن يكذِّب القاذف نفسه، بل قالوا: إنه إذا تاب وأناب ورجع إلى الطاعة واستمر وداوم عليها فإنه يعتبر تائباً منيباً إلى الله عز وجل يشمله الاستثناء في هذه الآية الكريمة، وهذا القول هو مذهب الإمام أبي عبد الله مالك بن أنس رحمه الله، يقول: إن التوبة بصلاح الحال. وأصح القولين -والعلم عند الله-: أنه لا توبة للقاذف إلا إذا كذب لفظه، فقال: فلان الذي اتهمته بالزنا ليس بزانٍ، وفلانة التي اتهمتها بالزنا ليست بزانية، فإذا فعل ذلك كان تائباً وإلا فلا. وقوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ) أي من بعد قذفهم. (وَأَصْلَحُوا): أي أصلحوا بالقول الطيب فقالوا قولاً طيباً بعد أن قالوا القول الخبيث والفحش الذي لا يرضي الله. ......
منقول بتصرف ..
تعليق