بسم الله الرحمن الرحيم
( الخطبة الأولى )
الحمد لله الذي خلق السموات والأرضين السبع في ستة أيام وكان عرشه على الماء ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين .. خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق ما يشاء ويفعل مايريد وهو الولي الحميد خلق آدم من طين وجعل نسله من سلالة من ماء مهين أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا وجعل لنا السمع والأبصار والأفئدة لنكون من الشاكرين له على نعمه والحامدين له عليها وحده لا شريك له القائل (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك وأنزل عليه كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ))
(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءً واتقوا الله الذي تساءَلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ))
سلاماً أيها الأحباب عن قرب وعن بعد
سلاماً إن لي قلبا يناجيكم بلا حد
وروحا لا تفارقكم ولا تهدا من الوجد
سلاما يا شظايا الروح يا أغنية الخلد
تطير على جناحيها وتبني عشها عندي
(( عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إنها ستكون فتنة قلت وما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله هو حبل الله المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا تشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه هو الذي لم تنته الجن بعد إذ سمعته حتى قالوا (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً) (الجـن:1-2) من قال به صدق ومن عمل به أجر , ومن حكم به عدل , ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ) واحمدوا الله كثيرا واشكروه إذ بعث لنا رسولا من أنفسنا فقال جل وعلى (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)
عباد الله :
من يستطيع منا أن يقرأ المرثية الباكية وهو يضحك ؟ ومن يستطيع أن يصف الفاجعة القاصمة وهو يبتسم إلا أن يكون جاهلا لا يدري بم يتحرك لسانه ولا يفهم معناه أو أن يكون مجنونا فر من مشفاه ..أفليس معنى هذا أن هذا القارئ لا يفهم معاني الكلمات التي يقرؤها ولا يدري ما موضوعها أو هو لا يحاول أن يفهمها وأن السامعين هم مثله لا يفهمون المعنى ولا يدرون ما الموضوع... وهذه هي والله المصيبة التي ليس فيما أصاب المسلمين أكبر منها لأن فيها تعطيل لكتاب الله وتحويله من دستور شامل ومنهج كامل يتدبر ويفهم ويحفظ ويعمل به إلى مجرد كلمات تردد ترديد الببغاوات.. نقرأ القرءان ونحرك به ألسنتنا بألفاظ كلماته وتجويد تلاوته ولكنا لا نفكر في وجوب تحريك عقولنا لفهم تلك المعاني ونرى أن هذا هو في الأصل قراءة القران كأن القران ليس إلا كلاما أعد للتلحين ولا يطلب منا إلا التسابق إلى حسن تلحينه ومعرفة تلاوته .. أو صار البر كل البر بالقرآن أن نقرأه في انتظار الصلوات لنقطع به الوقت أو صار البر به أن نبدأ به برامجنا ونختتم به محطاتنا ونبدأ بآيات منه في كل حفلة وفي كل اجتماع أو أن نضع اللوحات الثمينة فيها الآيات منه في صدور مجالسنا وغرفنا هل هذا هو كل برنا بالقرآن وعنايتنا به يقرؤه بعضنا فيلوكه ويعجنه وكأن يطالع صحيفة أو ينظر بمجلة ترحل مشاعره بمجرد إغلاق دفتيه ووضعه في مكانه .
القرآن الذي أنزله الله أمرا ونهيا ومنهجا كاملا للمسلم في حياته الخاصة وحياته الاجتماعية أيكتفى منه بالتغني بألفاظه وتجويد تلاوته هل ينفع القاضي يا أيها الاحباب أن يقرأ القانون مجودا ثم لا يفهمه ولا يحكم به بل لو رأيتم رجلا قعد يقرأ جريدة حتى أتمها كلها من عناوينها لآخر إعلان فيها فسألتموه ما أخبارها فقال والله ما أدري لم أحاول أن أتفهم معناها فماذا تقولون فيه أما تنكرونه وتنكرون عليه فكيف لا ننكر على من يعكف على المصحف حتى يختمه وقد يخرج منه بمثل ما دخل فيه ما فهم من معانيه شيئا ولا حرك في نفسه حسا ولا ترك على جوارحه أثرا فمن أين جاءت لنا هذه المصيبة وأي عدو من أعداء الله استطاع أن يلعب هذه اللعبة فيحرم المسلمين من قرآنهم وهو بين أيديهم و ملء أنظارهم وأسماعهم إنها مسألة عجيبة وغريبة فلا إله إلا الله كيف بنا حين نلقى الله وقد حشرنا مع من قال فيهم (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) ولا إله إلا الله خيره إلينا نازل وشرنا إليه صاعد تعلقت قلوبنا بغيره فافتقرنا وأعطانا فشكرنا غيره فابتلانا فما أعظمه من إله
يا أيها الأحبة ...
إن للقرآن فضائل لا يمكن حصرها في خطبة أو خطبيتين ولعلي أوجزها بجملة أو جملتين ولمن يريد الزيادة ثني الركب ومطالعة الكتب .
أولها : أنه كتاب عالمي أنزل على الناس كافة كما قال تعالى ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا *ماكثين فيه أبدا* وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ) إذا فهو للمسلم والكافر والبر والفاجر .. والذكر والأنثى
ثانيا: أنه كتاب هداية :
أ-فهداية توفيق وعمل وهي للمؤمنين وحدهم كقوله تعالى ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) .
ب-وهداية دلالة وإشاد وتوجيه وهذه عامة للناس أجمعين كقوله تعالى ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس )
ثالثها : أنه روح للقلوب تحيا به وتكسب سلامتها وزكاتها منه يقول الحق سبحانه مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم : ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) فكما أن الروح إذا دخلت في الأبدان حركتها وأحيتها كذلك القرآن فإنه يحييها ويحركها لخشية الله ومحبته أما إذا خلت القلوب من القرآن فإنها تموت كما أن الجسم إذا خلى من الروح يموت )
رابعها : أنه الفصل ليس بالهزل أو ليس قد فصل الله به بين الحق والباطل وبين الكفر والإيمان وسماه فرقانا يفرق به قال سبحانه ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا)
خامسها : أن هذا القرآن ذكرى وموعظة لأولي العقول والأبصار للبشر لا للحيوان لأن العقل صفة بشرية ميز الله بها هذا الإنسان عن الحيوان وسائر المخلوقات قال تعالى ( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) وقال تعالى ( تبصرة وذكرى لكل عبد منيب .
سادسها : أنه شفاء للأبدان والصدور ففيه الشفاء الحسي والمعنوي قال تعالى ( وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين ) وقال سبحانه( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) وقال سبحانه ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء)
سابعها : أنه شفيع لأصحابه يوم القيامة يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام:أي ربي منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان ) رواه أحمد وصححه الألباني .
ثامنها : أن أهل القرآن هم أهل الله الذين شرفهم بالإنتساب إليه وكفى بذلك شرفاً فعن أنس رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن لله أهلين من الناس قيل ومن أهل الله منهم قال (أهل القرآن هم أهل الله وخاصته ) رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني
تاسعها : أنه يرفع أصحابه الذين تعاهدوه بالتلاوة والحفظ والتدبر والعمل فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ) رواه مسلم .
فيا أيها الناس :
ما للعباد عليه حق واجب *** كلا ولا سعي لديه ضائع
إن عذبوا فبعدله أو نعموا *** فبفضله وهو الكريم الواسع
فعظموه فهو أحق بالتعظيم , وتقربوا إليه بالرجوع لكتابه تلاوة وتدبرا وفهما فهو الأحق بالتقرب وأرغموا النفوس على التذلل ببابه ففضله واسع ولا يغرنكم طول الأمل فهو الشديد العقاب ذي الطول واسغفروه إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا أقول ما سمعتم وأستغفره لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وفروا إليه إنه هو الغفور الرحيم ....
@@@@@@@@@@@@@@@
(الخطبة الثانية )
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :
فيا أيها الأحباب..
إن المطلوب في تلاوة القرآن هو التريث والتمهل وإبانة الحروف والكلمات وتحسين الصوت فيه وإظهار الخشوع .. فنقرأه قراءة نفهم معانيه ونتفهم مقاصده ونلخص قواعده ولا أريد أن يفهم كل قارئ للقرآن بعقله وحده من غير رجوع للمعاجم ولا نظر في التفسير ولا استقراء لأثر بل ليكشف أولا عن معاني الكلمات من التفسيرات المختصرة أو المعاجم فيفهم الآيات مستعينا بأسباب نزولها والمأثور من تفسيرها وأنا واثق أنه سينكشف لنا ألف أفق لم يرها المتقدمون لأن العقول اليوم أقوى على الفهم .. هكذا يا أيها الأحباب يكون الرجوع إلى القرآن وألا نعد الرجل قارئا للقران حتى يكون ممن يخش الله ويخشع قلبه لذكر الله وأن ندرك أن هذا القرآن دستورا ألهيا لا نهتدي ولا نسود ولا تعود لنا مكانتنا بهذا الوجود إلا بفهمه والعمل به والوقوف عند أمره ونهيه
وإني أدعوكم من هذا المنبر دعوة أرجوا بها النجاة وأبتغي بها الخير لي ولكم بالتحرك وبداية التغيير الجذري في حياتنا ومنهجنا وسلوكنا بالاهتمام بهذا القرآن فلقد بدأ البعد عنه صريحا في وضح النهار فانتبهوا وقوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة وابتغوا جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتيقن فتنازلوا وانزلوا من عروشكم فالرب يدعوكم للظل يوم لا ظل إلا ظله فهلموا نجمع شتاتنا ونلملم أوراقنا لنتلوا كتاب ربنا في هذا المسجد وغيره كبارا وصغارا شيبا وشبانا وإني أدعوا النساء للاهتمام بهذا القرآن فوالله لن ينفعنا بعد الله سوى ما معنا من كتاب ربنا وسنة نبينا والعمل الصالح ..
عباد الله :
صلوا وسلموا كثيرا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ومن تبعه إلى يوم الدين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وأبرم لهذه الأمة أمرا رشدا يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك يؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلنا وذرياتنا وردنا إليك ردا جميلا اللهم خذ بنواصينا للبر والتقوى وزك أنفسنا أنت خير من زكى اللهم أعنا يا معين واجعلنا من أوليائك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين .
اللهم أصلح ولاة أمرنا لمافيه خير لهم ولشعوبهم اللهم وفقهم لتحيكم كتابك وسنة نبيك اللهم وارزقم البطانة الصالحة الناصحة التي تعينهم على الخير وتدلهم عليه
اللهم إنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت خلقتنا ونحن عبيدك بنوا عبيدك نواصينا بيدك ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك نسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وذهاب أحزاننا.. اللهم علمنا منه ما جهلنا وفقنا فيه وارزقنا تلاوته على الوجه الذي يرضيك عنا آناء الليل وأطراف النهار اللهم اهدنا به سبل الرشاد وأبعدنا به عن طرق الغي والظلال والفساد اللهم ردنا إليك ردا جميلا اللهم أصلح قلوبنا ولا تجعلنا ممن علا قلوبهم الران ولم يعد يعظهم ويذكرهم حديث ولا قرآن .. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
@@@@@@@@@@@@
( الخطبة الأولى )
الحمد لله الذي خلق السموات والأرضين السبع في ستة أيام وكان عرشه على الماء ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين .. خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق ما يشاء ويفعل مايريد وهو الولي الحميد خلق آدم من طين وجعل نسله من سلالة من ماء مهين أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا وجعل لنا السمع والأبصار والأفئدة لنكون من الشاكرين له على نعمه والحامدين له عليها وحده لا شريك له القائل (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك وأنزل عليه كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد
(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ))
(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءً واتقوا الله الذي تساءَلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ))
سلاماً أيها الأحباب عن قرب وعن بعد
سلاماً إن لي قلبا يناجيكم بلا حد
وروحا لا تفارقكم ولا تهدا من الوجد
سلاما يا شظايا الروح يا أغنية الخلد
تطير على جناحيها وتبني عشها عندي
(( عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إنها ستكون فتنة قلت وما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله هو حبل الله المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا تشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه هو الذي لم تنته الجن بعد إذ سمعته حتى قالوا (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً) (الجـن:1-2) من قال به صدق ومن عمل به أجر , ومن حكم به عدل , ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ) واحمدوا الله كثيرا واشكروه إذ بعث لنا رسولا من أنفسنا فقال جل وعلى (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)
عباد الله :
من يستطيع منا أن يقرأ المرثية الباكية وهو يضحك ؟ ومن يستطيع أن يصف الفاجعة القاصمة وهو يبتسم إلا أن يكون جاهلا لا يدري بم يتحرك لسانه ولا يفهم معناه أو أن يكون مجنونا فر من مشفاه ..أفليس معنى هذا أن هذا القارئ لا يفهم معاني الكلمات التي يقرؤها ولا يدري ما موضوعها أو هو لا يحاول أن يفهمها وأن السامعين هم مثله لا يفهمون المعنى ولا يدرون ما الموضوع... وهذه هي والله المصيبة التي ليس فيما أصاب المسلمين أكبر منها لأن فيها تعطيل لكتاب الله وتحويله من دستور شامل ومنهج كامل يتدبر ويفهم ويحفظ ويعمل به إلى مجرد كلمات تردد ترديد الببغاوات.. نقرأ القرءان ونحرك به ألسنتنا بألفاظ كلماته وتجويد تلاوته ولكنا لا نفكر في وجوب تحريك عقولنا لفهم تلك المعاني ونرى أن هذا هو في الأصل قراءة القران كأن القران ليس إلا كلاما أعد للتلحين ولا يطلب منا إلا التسابق إلى حسن تلحينه ومعرفة تلاوته .. أو صار البر كل البر بالقرآن أن نقرأه في انتظار الصلوات لنقطع به الوقت أو صار البر به أن نبدأ به برامجنا ونختتم به محطاتنا ونبدأ بآيات منه في كل حفلة وفي كل اجتماع أو أن نضع اللوحات الثمينة فيها الآيات منه في صدور مجالسنا وغرفنا هل هذا هو كل برنا بالقرآن وعنايتنا به يقرؤه بعضنا فيلوكه ويعجنه وكأن يطالع صحيفة أو ينظر بمجلة ترحل مشاعره بمجرد إغلاق دفتيه ووضعه في مكانه .
القرآن الذي أنزله الله أمرا ونهيا ومنهجا كاملا للمسلم في حياته الخاصة وحياته الاجتماعية أيكتفى منه بالتغني بألفاظه وتجويد تلاوته هل ينفع القاضي يا أيها الاحباب أن يقرأ القانون مجودا ثم لا يفهمه ولا يحكم به بل لو رأيتم رجلا قعد يقرأ جريدة حتى أتمها كلها من عناوينها لآخر إعلان فيها فسألتموه ما أخبارها فقال والله ما أدري لم أحاول أن أتفهم معناها فماذا تقولون فيه أما تنكرونه وتنكرون عليه فكيف لا ننكر على من يعكف على المصحف حتى يختمه وقد يخرج منه بمثل ما دخل فيه ما فهم من معانيه شيئا ولا حرك في نفسه حسا ولا ترك على جوارحه أثرا فمن أين جاءت لنا هذه المصيبة وأي عدو من أعداء الله استطاع أن يلعب هذه اللعبة فيحرم المسلمين من قرآنهم وهو بين أيديهم و ملء أنظارهم وأسماعهم إنها مسألة عجيبة وغريبة فلا إله إلا الله كيف بنا حين نلقى الله وقد حشرنا مع من قال فيهم (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) ولا إله إلا الله خيره إلينا نازل وشرنا إليه صاعد تعلقت قلوبنا بغيره فافتقرنا وأعطانا فشكرنا غيره فابتلانا فما أعظمه من إله
يا أيها الأحبة ...
إن للقرآن فضائل لا يمكن حصرها في خطبة أو خطبيتين ولعلي أوجزها بجملة أو جملتين ولمن يريد الزيادة ثني الركب ومطالعة الكتب .
أولها : أنه كتاب عالمي أنزل على الناس كافة كما قال تعالى ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا *ماكثين فيه أبدا* وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ) إذا فهو للمسلم والكافر والبر والفاجر .. والذكر والأنثى
ثانيا: أنه كتاب هداية :
أ-فهداية توفيق وعمل وهي للمؤمنين وحدهم كقوله تعالى ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) .
ب-وهداية دلالة وإشاد وتوجيه وهذه عامة للناس أجمعين كقوله تعالى ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس )
ثالثها : أنه روح للقلوب تحيا به وتكسب سلامتها وزكاتها منه يقول الحق سبحانه مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم : ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) فكما أن الروح إذا دخلت في الأبدان حركتها وأحيتها كذلك القرآن فإنه يحييها ويحركها لخشية الله ومحبته أما إذا خلت القلوب من القرآن فإنها تموت كما أن الجسم إذا خلى من الروح يموت )
رابعها : أنه الفصل ليس بالهزل أو ليس قد فصل الله به بين الحق والباطل وبين الكفر والإيمان وسماه فرقانا يفرق به قال سبحانه ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا)
خامسها : أن هذا القرآن ذكرى وموعظة لأولي العقول والأبصار للبشر لا للحيوان لأن العقل صفة بشرية ميز الله بها هذا الإنسان عن الحيوان وسائر المخلوقات قال تعالى ( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) وقال تعالى ( تبصرة وذكرى لكل عبد منيب .
سادسها : أنه شفاء للأبدان والصدور ففيه الشفاء الحسي والمعنوي قال تعالى ( وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين ) وقال سبحانه( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) وقال سبحانه ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء)
سابعها : أنه شفيع لأصحابه يوم القيامة يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام:أي ربي منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان ) رواه أحمد وصححه الألباني .
ثامنها : أن أهل القرآن هم أهل الله الذين شرفهم بالإنتساب إليه وكفى بذلك شرفاً فعن أنس رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن لله أهلين من الناس قيل ومن أهل الله منهم قال (أهل القرآن هم أهل الله وخاصته ) رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني
تاسعها : أنه يرفع أصحابه الذين تعاهدوه بالتلاوة والحفظ والتدبر والعمل فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ) رواه مسلم .
فيا أيها الناس :
ما للعباد عليه حق واجب *** كلا ولا سعي لديه ضائع
إن عذبوا فبعدله أو نعموا *** فبفضله وهو الكريم الواسع
فعظموه فهو أحق بالتعظيم , وتقربوا إليه بالرجوع لكتابه تلاوة وتدبرا وفهما فهو الأحق بالتقرب وأرغموا النفوس على التذلل ببابه ففضله واسع ولا يغرنكم طول الأمل فهو الشديد العقاب ذي الطول واسغفروه إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا أقول ما سمعتم وأستغفره لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وفروا إليه إنه هو الغفور الرحيم ....
@@@@@@@@@@@@@@@
(الخطبة الثانية )
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :
فيا أيها الأحباب..
إن المطلوب في تلاوة القرآن هو التريث والتمهل وإبانة الحروف والكلمات وتحسين الصوت فيه وإظهار الخشوع .. فنقرأه قراءة نفهم معانيه ونتفهم مقاصده ونلخص قواعده ولا أريد أن يفهم كل قارئ للقرآن بعقله وحده من غير رجوع للمعاجم ولا نظر في التفسير ولا استقراء لأثر بل ليكشف أولا عن معاني الكلمات من التفسيرات المختصرة أو المعاجم فيفهم الآيات مستعينا بأسباب نزولها والمأثور من تفسيرها وأنا واثق أنه سينكشف لنا ألف أفق لم يرها المتقدمون لأن العقول اليوم أقوى على الفهم .. هكذا يا أيها الأحباب يكون الرجوع إلى القرآن وألا نعد الرجل قارئا للقران حتى يكون ممن يخش الله ويخشع قلبه لذكر الله وأن ندرك أن هذا القرآن دستورا ألهيا لا نهتدي ولا نسود ولا تعود لنا مكانتنا بهذا الوجود إلا بفهمه والعمل به والوقوف عند أمره ونهيه
وإني أدعوكم من هذا المنبر دعوة أرجوا بها النجاة وأبتغي بها الخير لي ولكم بالتحرك وبداية التغيير الجذري في حياتنا ومنهجنا وسلوكنا بالاهتمام بهذا القرآن فلقد بدأ البعد عنه صريحا في وضح النهار فانتبهوا وقوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة وابتغوا جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتيقن فتنازلوا وانزلوا من عروشكم فالرب يدعوكم للظل يوم لا ظل إلا ظله فهلموا نجمع شتاتنا ونلملم أوراقنا لنتلوا كتاب ربنا في هذا المسجد وغيره كبارا وصغارا شيبا وشبانا وإني أدعوا النساء للاهتمام بهذا القرآن فوالله لن ينفعنا بعد الله سوى ما معنا من كتاب ربنا وسنة نبينا والعمل الصالح ..
عباد الله :
صلوا وسلموا كثيرا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ومن تبعه إلى يوم الدين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وأبرم لهذه الأمة أمرا رشدا يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك يؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلنا وذرياتنا وردنا إليك ردا جميلا اللهم خذ بنواصينا للبر والتقوى وزك أنفسنا أنت خير من زكى اللهم أعنا يا معين واجعلنا من أوليائك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين .
اللهم أصلح ولاة أمرنا لمافيه خير لهم ولشعوبهم اللهم وفقهم لتحيكم كتابك وسنة نبيك اللهم وارزقم البطانة الصالحة الناصحة التي تعينهم على الخير وتدلهم عليه
اللهم إنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت خلقتنا ونحن عبيدك بنوا عبيدك نواصينا بيدك ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك نسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وذهاب أحزاننا.. اللهم علمنا منه ما جهلنا وفقنا فيه وارزقنا تلاوته على الوجه الذي يرضيك عنا آناء الليل وأطراف النهار اللهم اهدنا به سبل الرشاد وأبعدنا به عن طرق الغي والظلال والفساد اللهم ردنا إليك ردا جميلا اللهم أصلح قلوبنا ولا تجعلنا ممن علا قلوبهم الران ولم يعد يعظهم ويذكرهم حديث ولا قرآن .. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
@@@@@@@@@@@@
تعليق