Unconfigured Ad Widget

Collapse

بيني و بينـَـك

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
مسح الكل
new posts
  • فيصل الزوايدي
    عضو
    • Jan 2008
    • 13

    بيني و بينـَـك

    بيني و بينكَ ..

    هذا الذي بيني و بينكَ فـي العمرِ لـحظَة..
    هذا الذي بيني و بينكَ أغنيةٌ حزينةٌ بصمتٍ حزين..
    و أنا بيني و بيني .. أجلسُ وحيدًا فـي زاويةِ غرفةٍ باردةٍ، أجلــسُ على مقعدٍ قاسية أطرافُه، و تفوحُ رائحةُ الـخَدَرِ ،و أنينٌ حادٌّ بينَ أُذنَـيَّ.. صريرُ خفَقَانِ القلبِ يــطغى على أصواتٍ باهتةٍ تنبعثُ من حيثُ لا أدري.. يسكنُ في النَّفسِ صوتٌ ســألَني يومًا : إلى أين ؟ و هَذي المرافئُ تتجاذَبُني .. و أنا وحيدٌ في زاويةِ الغرفةِ .. يقتربُ رجلٌ في أناقةٍ مبتَذَلَةٍ، ينظرُ إلَـيَّ بعينَينِ ثَقيلَتَيْ الأجفَانِ، و يسألُني بصوتِ حَجَرٍ مُتنَاثِرٍ : أنتَ السَّيد ..؟
    أجبتُ مضطَرِبًـا: أنا هُوَ، لعلِّي أنا ..
    لم يأبَه لاضطِرابي فأَشَارَ إلى مَمَرٍّ مُظلمٍ بعضَ الشَّيء : إنّهم يريدونَ رُؤيتَكَ .. أَزَّ في الرأسِ صوتٌ مُوجِعٌ و اضطربَت دقاتُ القـلبِ بتسارُعِها نحوَ ..آخرِ الـمَمَرِّ.. و تَزاحَـمت الهواجسُ ثقيلةً كالهزيمةِ .. هل وُلَدَ الصبيُّ المنتَظَرُ منذ السِّنين أم ماتَت الأمُّ ؟ كيف اقـترنا تلك اللحظةَ بداخِلي ؟ كيف اقتربَ الموتُ مِنَ الحياةِ ذلك الاقترابَ ؟ هربتُ بـهَواجِسي إلى الوجهِ الباهتِ أمامي ، هَمَمتُ بسُؤالِهِ : ولادةٌ أم موتٌ ؟ لكنَّ الـوجهَ الـباردَ الجاف الذي لا ينبئُ بشيءٍ رَدَّني عنِ السُّؤالِ .. مــلَّ الرجلُ صمتي فأردفَ بصـوتٍ يكـتمُ ثورةً : إنهم بانتظاركَ ، تَفضل من هُنا .. قَرعُ حِذائي على الأرضِ ينهالُ على رأسي و أنا أتبعُ الرجلَ .. تـحركَت أشباحٌ حَولـي و أحسستُ ببعضِ الصدماتِ و كلماتٌ تُقالُ ، لعلّها اعتذارٌ أو سخطٌ .. مَن يهتم ؟ أيُّ معنى لأيِّ قولٍ أمامَ الولادةِ أو الـموتِ ؟؟ باحتدادٍ حدَّثَــــنا الطبيبُ قبلَ أشــهرٍ و هـو يـحذِّرُنا مِن خَطَرِ الحَملِ .. تُرَى هل أرســلَ القدرُ يومَــها ذاكَ الطبيبَ ينذِرُنا بِـما نَخشاه الآن ؟ هل يـمكِنُ أن يغتالَ ذاك الصـــبيُّ أمَّهُ ؟ هل تنطلقُ حياتُه بـمَوتِها ؟ أم يـموتُ لتَحيا...؟ أحسـستُ أنَّ آخرَ المـمرِّ هو آخر الكَونِ .. و أنا لم أَعُد أعلمُ أَيْـني .. لا أدري كيفَ التــقطت عينَاي الكليلتانِ لافتةً تشيرُ إلى غرفَةِ الوِفَياتِ .. حائطٌ بـناه عاملٌ لا يُدرِكُ مــا يفعلُ .. يفصلُ به بينَ الحياةِ و الموتِ .. و أنا لا أزال أسيرُ ، كأنَّ الطريقَ لا تنتَهي و لكن فجأةً وصلنَا أمام بابٍ مُوارَبٍ قليلا .. أشارَ الرجلُ بلامُبالاةٍ إلى الغرفـةِ و قَالَ : إنهم هُنا .. و لكن هل يمكنُ ذلكَ حقًّا : أن يُوجِّـهَكَ رجلٌ لا تعرفُ حتّى اســــمَهُ و لا يهتم بـمعرِفَتِكَ .. أن يُوَجِّهَــك إلى .. حيثُ الـحياة أو الموت .. وقفتُ برهةً أخـشى الدخولَ .. أصَــختُ السمعَ .. ما الذي أصابَ حواسي لــحظَتَها ؟ يرتَفِعُ الوجــيبُ و أخشى من سُؤالٍ جَديدٍ .. سُرعانَ ما زَعزَعَني : هل تُقدِّمُ الممرضةُ إلـيَّ لـفافةً بيضاءَ و تقولُ بحُنُوٍّ مُصطَنَعٍ : أَبشِر إنَّه الصـبي الذي انتظَرتَه .. ها قد جَاءَ .. أم يُوجِّهُني الطبيبُ بنظراتٍ نحوَ لُفافَةٍ بيضاءَ أيضًا و يقولُ بتعاطفٍ لا أُدركُ صِدقَه مِن زَيفه : لقد حذَّرتُكم قبلَ أشهرٍ ، و لـم نستَطِع فِعلَ شيءٍ لها .. خشيتُ أن أدفعَ البابَ .. بابٌ صَنَعَهُ نَـجَّارٌ و هو يتابعُ بِبَصَرِهِ النَّهِمِ فتياتِ الحَيِّ .. صنَعَهُ يومـًا و لم يُدرِك أبدًا ما الذي يُـمكِنُ أن يُخفي وراءَهُ .. أسـمعُ هَمهَماتٍ مِن داخِلِ الغُرفَةِ .. تداخَلت مَعَ صَرخَاتٍ مِن داخِلي .. هل أقتحمُ الغرفةَ ؟ هل أهربُ ؟ إلـى أين ..؟
    أنينُ النَّفسِ الـمُوجِعُ يُطبِقُ على أنفاسي فـأُحِسُّ ضيقًا هائلا .. الـخوفُ أحيانًا يدفَعُنا إلى نَفسِ الفِعلِ الذي نَقومُ به بدافعِ الشَّجاعةِ .. تَمتدُّ يدي نحوَ قبضةِ البابِ فِضيةِ اللَّونِ، يـخترقُ مَسمَـعي صريرٌ حادٌّ لن أنسَاه .. تتخلّى اليدُ عن تلكَ القبضةِ الـمبتعِدَةِ إلـى داخل الغرفةِ .. ينفَتِحُ البابُ كأنَّ غيري قامَ بِفتحِهِ .. لـم تَقَع عينَاي على أحدٍ .. فقـط ظهرت زاويةُ السَّريرِ الـحديديِّ و الـجزءُ السُّفلي مِن سُترةٍ طِبيةٍ بيضاءَ ..أحسـستُ حركاتٍ فـي الأجسادِ تلتفتُ تستطلع مَنِ القادمُ .. بِبَقيـةٍ مِن قُدرَةٍ و عزمٍ تقــدَّمتُ خُطوتَينِ داخلَ الغرفَةِ و تضخُّمٌ مـخيفٌ بصَدري كأنّـي سأنفجرُ .. توسطتُ الـمكانَ و نظرتُ أمامي : أذهَلَني كلُّ ذلكَ البياضُ .. بياضٌ شديدٌ ناصعٌ ، تـمامًا مثلَ السَّوادِ .

    فيصل الزوايدي
  • ابن مرضي
    إداري
    • Dec 2002
    • 6171

    #2
    فيصل

    أسعد الله جميع أوقاتك

    بيني وبينك ... أبدعت !

    شكرا لك .

    ليتك أهملت النجار الذي يتابع بنظراته فيتات الحي . ( وجهة نظر ) !

    أكرر لك شكري على هذا الموضوع الراقي .
    كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

    تعليق

    • فيصل الزوايدي
      عضو
      • Jan 2008
      • 13

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة ابن مرضي
      فيصل

      أسعد الله جميع أوقاتك

      بيني وبينك ... أبدعت !

      شكرا لك .

      ليتك أهملت النجار الذي يتابع بنظراته فيتات الحي . ( وجهة نظر ) !

      أكرر لك شكري على هذا الموضوع الراقي .
      أخي ابن مرضي .. شكرا لانك أسعدتَ النص و صاحبه .. أنا ممتن لاطرائك و لدعمك الراقي و بالنسبة للنجار و حذفه فانا احترم وجهة نظرك كثيرا و اجد لها نصيبا من التفهم ( رغم تمسكي بها )
      دمت في خير
      مع الود

      تعليق

      • قينان
        أدعو له بالرحمه
        • Jan 2001
        • 7093

        #4


        أخي فيصل

        نص جميل يدل علىكاتب ماهر متمرس..

        ولكنني في النهايه قرأت هذه العبارة..

        (و نظرتُ أمامي : أذهَلَني كلُّ ذلكَ البياضُ .. بياضٌ شديدٌ ناصعٌ ، تـمامًا مثلَ السَّوادِ )

        فلم استفيد منها خلاصة القصة .. قد يكون فهمي قاصر الله اعلم..

        ولكني اشدد على يديك واطلب منك المزيد فهي رائعه بحق..

        دمت بصحة وعافية
        sigpic

        تعليق

        • سكون الليل
          عضوة مميزة
          • Apr 2006
          • 1315

          #5
          أشكرك على الموضوع الرائع فجزاك الله خيراااااااا


          .
          أختكم / ســكون الليــــــل

          تعليق

          • ابن خرمان
            عضو مميز
            • Mar 2003
            • 1797

            #6
            بسم الله الرحمن الرحيم

            نص جميل , ممتع ,

            مع ملاحظة أنني أوافق ابن مرضي في ملاحظته ( وأنت صاحب الشأن ) ,

            واصل الابداع ,

            تمنياتي لك بالتوفيق.
            أحرى بذي الصبر أن يظفر بحاجته ..... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
            http://zahrani3li.blogspot.com/

            تعليق

            • فيصل الزوايدي
              عضو
              • Jan 2008
              • 13

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة قينان


              أخي فيصل

              نص جميل يدل علىكاتب ماهر متمرس..

              ولكنني في النهايه قرأت هذه العبارة..

              (و نظرتُ أمامي : أذهَلَني كلُّ ذلكَ البياضُ .. بياضٌ شديدٌ ناصعٌ ، تـمامًا مثلَ السَّوادِ )

              فلم استفيد منها خلاصة القصة .. قد يكون فهمي قاصر الله اعلم..

              ولكني اشدد على يديك واطلب منك المزيد فهي رائعه بحق..

              دمت بصحة وعافية
              أخي قينان أسعدني كثيرا اعجابك بالقصة و اعتز برأيك في كتابتي .. بالنسبة للنهاية هي منفتحة عمدا على قراءات مختلفة بين الحياة و الموت .. ليشارك القارئ في انتاج النص و لا يوجد فهم قاصر لتلك النهاية لانه لا توجد نهاية مثالية ..
              شكرا لدعمك و اعدك بالمزيد ان شاء الله
              دمت في خير
              مع الود

              تعليق

              • فيصل الزوايدي
                عضو
                • Jan 2008
                • 13

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة أمير بكلمتي
                أشكرك على الموضوع الرائع فجزاك الله خيراااااااا


                .
                أخي أمير بكلمتي الشكر لك انت ايضا لهذا الاطراء .. انا ممتن لدعمك
                دمت في خير
                مع الود

                تعليق

                • فيصل الزوايدي
                  عضو
                  • Jan 2008
                  • 13

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة ابن خرمان
                  بسم الله الرحمن الرحيم

                  نص جميل , ممتع ,

                  مع ملاحظة أنني أوافق ابن مرضي في ملاحظته ( وأنت صاحب الشأن ) ,

                  واصل الابداع ,

                  تمنياتي لك بالتوفيق.
                  أخي ابن خرمان أسعدني اعجابك بالقصة و اطراؤك عليها و انا ممتن لدعمك الاخوي الباذخ و اعدك بالمزيد ان شاء الله .. و بالنسبة لملاحظة أخينا ابن مرضي .. فالاتفاق في الادب مستحيل .. و انا احترم هذا الاختلاف
                  دمت في خير
                  مع الود الدائم

                  تعليق

                  • ابن مرضي
                    إداري
                    • Dec 2002
                    • 6171

                    #10
                    عزيزي فيصل

                    أسعد الله جميع أوقاتك .

                    نصك عميق وجميل ، والملاحظة التي أوردتها لا يلزمك الأخذ بها أبدا ، وهي ناتجة من أنني كنت كقاريء مستمتع ومتابع للنص ، إلى أن وجدت النجار ومتابعته لفتيات الحي ، فتشتت انتباهي ! ورأيت أنه لا يخدم الموضوع التراجيدي الذي كنت منهمكا فيه . ومن هنا تمنيت أنك تعرضت للنجار كما قد تعرضت للباني الذي أقام الجدار وهو لايعلم أنه يفصل بين الحياة والموت . وهذه هو جوهر ملاحظتي أرجو معذرتي عليها .
                    كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى = وحنينه أبدا لأول منزل

                    تعليق

                    • فيصل الزوايدي
                      عضو
                      • Jan 2008
                      • 13

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة ابن مرضي
                      عزيزي فيصل

                      أسعد الله جميع أوقاتك .

                      نصك عميق وجميل ، والملاحظة التي أوردتها لا يلزمك الأخذ بها أبدا ، وهي ناتجة من أنني كنت كقاريء مستمتع ومتابع للنص ، إلى أن وجدت النجار ومتابعته لفتيات الحي ، فتشتت انتباهي ! ورأيت أنه لا يخدم الموضوع التراجيدي الذي كنت منهمكا فيه . ومن هنا تمنيت أنك تعرضت للنجار كما قد تعرضت للباني الذي أقام الجدار وهو لايعلم أنه يفصل بين الحياة والموت . وهذه هو جوهر ملاحظتي أرجو معذرتي عليها .
                      أخي ابن مرضي قراءتك هذه إضافة للنص و انا احترمها كثيرا بل و اعتز بها فلا موجب للاعتذار عنها مطلقا ايها الاخ الكريم ..
                      أنا ممتن لهذه المشاعر الطيبة و للتفاعل الراقي و ارجو تواصل التواصل
                      دمت في خير
                      مع الود

                      تعليق

                      Working...