محمد بشير علي كردي
يوم الجمعة، ثالث أيام عيد الأضحى، تعودت في مثل هذه الأيام أن أصلي الجمعة في مسجد قباء، موفرا لضيوف حرم رسول الله مكانا للصلاة في مسجده الشريف، شأني في ذلك شأن معظم أهالي مدينتنا المنورة. أفاض فضيلة الخطيب بالتحدث عن نعم الله تعالى على عباده ومنها نعمة الطعام والشراب، ووصف طعام وشراب أهل الجنة، وفي الخطبة الثانية حث المصلين على اختيار أطايب الطعام والشراب، تبع ذلك بالدعاء ومنه : اللهم ارفع عنا الغلاء، اللهم أرفع عنا الغلاء، اللهم ارفع عناالغلاء، كررها ثلاث مرات، وأمن على دعائه من بعده ب: "آمين مجلجلة" جموع المصلين وبنبرة فيها الكثير من التوسل والرجاء.
بجانبي شيخ طاعن في السن، أمسك بيدي بعد الصلاة ليحدثني بقوله إن الغلاء أصبح هاجس المجتمع في هذه السنوات رغم ما يقال عن الدخل الوفير وميزانية الخير والعطاء، ذكر لي بأنه لم يتمكن من توفير ثمن الأضحية التي تعود القيام بها كل عيد أضحى، كما أن تبادل الجيران بقطع من لحوم أضاحيهم جاءه أقل من كل عام، راتبه التقاعدي يسد بالكادأجرة الخادمة والسائق، وثلاثة من أولاده الخمسة بدون عمل رغم مؤهلهم الجامعي، وإجمالي دخل الأسرة بدأ يعجز شهرا بعد شهر عن تحمل تكاليف المعيشة الآخذة بالارتفاع يوما بعد يوم، ولا يدري ما سيكون عليه الحال في المستقبل، وأخذ يترحم على أيام زمان، خمسون سنة مضت، وقتها كان راتبه بحدود الستمائه ريال، يعيش في منزل مستقل على بعد دقائق من المسجد النبوي الشريف، لا في شقة من شقق علب الكبريت المسلح المنتشرة هذه الأيام، كانت مقاضي الأسبوع كلها من لحم وخضار وفاكهة وزيت وسمن وسكر وشاي لا تتجاوز الخمسين ريالا كل أسبوع، لا يعرف الكماليات التي أصبحت من الضروريات كالسيارة والسائق والخادمة وجوال لكل فرد من أفراد الأسرة وتلفزيون وفيديو في كل غرفة نوم، قال لي إنه يحتفظ بتقويم الجيب لكل سنوات خدمته الحكومية حيث دأب على تسجيل ما يصرفه يوما بيوم من لوازم المعيشة ، بدأ بمائة وعشرين ريالا إيجاراً شهريا للبيت، وانتهى اليوم بشقة من أربع غرف بأربعمائة ريال، كيلو اللحم قفز من خمسة ريالات للأقة إلى 32 ريالا للكيلو ولنوعية من اللحوم لا طعم لها ولا نكهة، فهي لحوم مواش مستوردة أنهكها السفر الطويل وضر بجودتها العلف الكيمياوي ، كان دخله يسمح له بزيارة ذويه في الجنوب مرة كل صيف ولشهر كامل وهو اليوم لا يتحمل تكاليف تمضية عطلة نهاية الأسبوع في جدة ليزور أقارب له ومعارف، اشتكى من تكاليف العلاج فهو في سن تتطلب مراجعة الأطباء من وقت لآخر، المستشفيات الحكومية لاتوفر له الاطمئنان إذا ماساعده الحظ وحصل على السرير بواسطة معارفه الواصلين، والمستشفيات الأهلية باهظة التكاليف تبدأ بطلب فتح الملف فالتحاليل فالأشعة، وتأتي الفاتورة قاصمة للظهر ومهدرة للكرامة عندما يمديده لذوي الاحسان طالبا المساعدة. تطرق الى التعليم وعاد ليترحم على أيام زمان حيث التعليم الحكومي الجاد ودروس التقوية في حرم رسول الله يتبرع بها حبا في الله أساتذة أفاضل من داخل المملكة وخارجها ولمختلف العلوم الادبية والعلمية،واليوم التعليم الحكومي يجبرك على الاستعانة بالمدرسين الخصوصيين ليحصل حفيدك على معدل يبيض الوجه في الشهادة الثانوية ويترك الطالب في مهب الريح وهو يتقدم لاختبارات القبول في الجامعات وخاصة جامعة الملك فهد في الظهران.
والتعليم الخاص مرتفع التكاليف ، يسلق المعلومات سلقا للطالب ويزودك من ترم لآخر بشهادة تفوق لابنك او حفيدك وصورة تذكارية له مع الزملاء باللباس الجامعي حتى ولو كان الطالب في أولى سنوات دراسته الابتدائية، وعندما يأتي الامتحان ليكرم المرء أو يهان تفرك يديك ندامة على ما ضاع من عمر الطالب وعلى شدك الحزام للعديد من السنوات. يرى الحاجة ماسة الى إعادة النظر في كافة المقررات المدرسية ولوائح التعليم ويتمنى ان نطلب المشورة لا من الصين بل مما بعدها من بلدان ، من ماليزيا ، البلد المسلم الذي تمكن وفي زمن قياسي من التربع على قاعدة اقتصادية علمية متينة، لاحظ تدقيقي في ساعة اليد، فاعتذر لدردشته المطولة والتي قد تبدو مملة بطلبه السماح، خطيب الجمعة دعا الله متضرعا برفع الفقر فدفعني تضرعه للاسترسال معك بالحديث، حرصني على مجاراته في الدعاء مع كل فرض على لحظة استجابة تأتي فتعيد الابتسامة والأمل لملايين المحتاجين كتلك الابتسامة التي زرعها المغفور له الملك خالد بن عبد العزيز في وجوه أبنائه عندما عزز سعر الريال بتعديله سعر تعادله مع الدولار من 3.75 الى 3.3 وضاعف رواتب موظفي الدولة وتجاوبت مع تلك اللفتة الابوية الشركات والبيوتات التجارية فرفعت رواتب العاملين لديها بنسب أعلى من زيادات الحكومة لتستقطب الكفاءات فترفع من حسن عطائها وجودة منتجاتها.
وعدته بمواصلة الدعاء واكدت له بأن خادم الحرمين الشريفين حفظه الله متفهم لقضايا شعبه، ولابد أن مستشاريه يدرسون الوضع من مختلف جوانبه لتفادي ما قد يصاحب الزيادات من آثار جانبية تشفط ماجاء باليمين وتترك اليد اليسرى خاوية على عروشها. فهل من مشارك بالدعاء ؟
البلا د تاريخ الأثنين 29/12/1428هـ
تعليق